هيفاء التويجري

خاص لـ"هي": هيفاء التويجري من اليونسكو إلى الأوبرا الإيطالية.. رحلة تمكين الإبداع والثقافة السعودية

رهف القنيبط
23 نوفمبر 2024

في كل نغمة تعزفها، وكل فكرة تبتكرها، ينبض شغف الموسيقية السعودية هيفاء التويجري برسالة إنسانية عميقة: التعبير الإبداعي هو جسر للنماء الإنساني والتنمية المستدامة. بين أروقة اليونسكو في باريس ومسرح الأوبرا في روما، نسجت هيفاء قصتها، حيث امتزج الفن بالإبداع الاستراتيجي، لتصبح صوتًا سعوديًا يعكس هوية ثرية وعالمية، وعلى ذلك تخوض "هي" حديث ملهم مع الموسيقية السعودية.

بين ألوان الثقافات المختلفة، تتنقل هيفاء بنغمة موسيقية تحاكي الأبعاد الإنسانية، لتقدم الصوت السعودي بصوت عالمي يعزز الوعي الثقافي ويُغني المشهد الفني السعودي. هذا التناغم بين الفن والإبداع كان سببًا لترشيحها من قبل مؤسسة الأمير محمد بن سلمان "مسك" لتكون سفيرة لصوت الشباب السعودي، مساهِمة في تشكيل سياسات التنمية العالمية من خلال مشاركتها في مؤتمرات دولية كقمة مجموعة العشرين والأمم المتحدة ومنتدى الاقتصاد العالمي.  

هيفاء التويجري
تقول التويجري:" استطلعت عن كثب أهمية الثقافة كقوة ناعمة لتعزيز الألفة البشرية والتآزر"

عرفينا عن نفسك وكيف ينعكس شغفك بالتعبير الإبداعي والنماء الإنساني على مسيرتك المهنية في القطاع الثقافي؟ 

اسمي هيفاء التويجري، مستشارة ابتكار ثقافي وطالبة موسيقى كلاسيكية في دار الأوبرا في روما، اُعَرِف باسمي الفني "شيهانه" أتطلع خلال مساهمتي الفنية والعملية لتصميم وتحفيز ثقافة التعبير الإبداعي للنماء الإنساني والتنمية المستدامة بأثر محلي عالميا. 

بدأت مسيرتي العملية في اليونسكو في باريس حيث عملت على تطوير الاستراتيجيات والسياسات وابتكار حلول فعالة لشراكات المشاريع الثقافية والتعليمية للمنظمة حول العالم، ثم عدت للوطن للعمل على مشاريع خاصة حكومية لتطوير ودعم استراتيجية الشراكات الثقافية على المستوى الإقليمي، وبعد ذلك انتقلت للعمل في وزارة الثقافة في وكالة الاستراتيجيات والسياسات الثقافية حيث تم تعييني ضمن فريق عمل لجنة الإبداع والابتكار لتعزيز جودة الحياة، وتم ترشيحي كبطلة ابتكار ثقافي وفوز المقترح في التحدي السنوي لأبطال الابتكار.

عملك في اليونسكو كان نقطة انطلاق مهمة في مسيرتك. كيف كانت تجربتك خلال تلك الفترة في مقر اليونسكو في باريس؟ 

في عام 2018 انتقلت لباريس للعمل في مكتب التخطيط الاستراتيجي لمنظمة اليونسكو وكنت ضمن أول مجموعة موظفين مدنيين دوليين سعوديين في المنظمة. عملي في الأمم المتحدة عزز إدراكي للتحديات التي تواجهنا بشكل جماعي على المستوى الإنساني، لا سيما فرص النماء أمامنا.

فقد عملت ضمن فرق متعددة الخلفيات الثقافية واللغات والأجيال، ولكن كل اختلاف كان يحكي سردية من الصوت الواحد لقصة الإنسان لبناء السلام والازدهار. وتسنى لي الاطلاع على آليات المساهمة من مختلف بقاع الأرض وصناعة القرارات من أجل مستقبل التنمية عالمياً.

هيفاء التويجري
هيفاء التويجري من مقر منظمة اليونسكو في باريس 

كواحدة من أوائل السعوديين في المنظمة، واجهت حقيقة ما تعيشه بلادي من مسيرة ازدهار يقابلها تصور مسبق مجحف عن الواقع لدى البعض عن ثقافتنا وعن صورة الإنسان السعودي. وشهدت نقطة التحول على أرض الواقع لقيادتنا لسردية قصتنا الخاصة بعد عقود من تلقيها من وجهات نظر غير ذاتية وخارجية، وخلال عامين من عملي في المنظمة، استطلعت عن كثب أهمية الثقافة كقوة ناعمة لتعزيز الألفة البشرية والتآزر لبناء واقع السلام والازدهار الجمعي.

عملتِ في قطاع الثقافة على المستوى العالمي ثم الإقليمي ثم المحلي، كيف أثرت تجاربك على رؤيتك لتطوير استراتيجيات لتعزيز الثقافة السعودية، خصوصا خلال فترة عملك في وكالة الاستراتيجيات والسياسات الثقافية في وزارة الثقافة؟

من إيماني بأهمية حضور وتأثير الهوية السعودية على المستوى العالمي ومنطلق باستشراف المستقبل والتوجه الإبداعي لتصميم الحلول، اخترت العمل في وكالة الاستراتيجيات بهدف واضح، وهو الإقدام بتصميم توجه واستراتيجية القوة الناعمة لتعزيز الهوية السعودية في العالم. وبفضل الله ثم دعم قيادة الوكالة المُمَكنة للطموح السعودي، بادرت بتصور وتقديم التوجه وقمت بتخطيط الاستراتيجية الأولية له ودعمها بتصميم وعرض ثلاثة مبادرات ابتكار استراتيجي لتحقيق مستهدفاتها على أرض الواقع واحدث أثر عالمي مستدام. 

ما الذي ألهمك لتقديم مقترحك الابتكاري لنشر الثقافة السعودية من خلال الموسيقى، وما هو شعورك كبطلة ابتكار وتحقيق هذا الفوز؟ 

غير أن الموسيقى هي شغفي الشخصي، فإنه مُثبت إكلينيكيا أن الموسيقى تتصل بشكل مباشر لإستعادة ما يعرف بـ "ذاكرة السيرة الشخصية" للإنسان والتي تربطه بهويته الشخصية والأماكن والأحداث في حياته. بالتالي، وبالتعاون مع هيئة الموسيقى، قمت بتطوير وتقديم المقترح الابتكاري "حياك" الذي يهدف لإتاحة الاسكتشاف والتصفح الرقمي والجغرافي للموسيقى السعودية.

وذلك خلال عدة خصائص، من أهمها هو ربط ذاكرة المكان الموسيقية في إحداثيات الموقع الجغرافي لكل مناطق المملكة وإتاحة ملاحتها بشكل تفاعلي حين استخدام خرائط الجوال لجميع سكان وزوار المملكة. شعوري بفوز المقترح كان نابض بالسعادة والتطلع للمزيد من الابتكار في مشاركة ثقافتنا وقصتنا مع العالم.

هيفاء التويجري
تعبر هيفاء: " خلال دراستي أستمتع بدهشة الطفولة في كل لحظة أتعلم فيها هجاء أبجدية الموسيقى"

الانتقال من عالم الاستراتيجيات والابتكار إلى دراسة الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا بدوام كامل هو تحوّل كبير. ما الذي دفعك لاتخاذ هذا القرار، وكيف تصفين تجربتك حتى الآن؟ 

استقالتي من وظيفتي والانتقال لإيطاليا لتعلم الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا هي رحلة للتعمق في بلاغة اللغة الإنسانية المشتركة "الموسيقى" المعززة لمهمتي العملية والفنية، وليست رحلة تحول من مجال لآخر. منذ عمر 5 سنوات تعجبت لإحساس وتأثير الموسيقى ووجدت فيها حقيقة أكثر من الواقع حولي.

بدأت بتأليف الألحان وكتابة بعض النثر والأغاني في مرحلة الابتدائية، ولم أتعلم الموسيقى خلال سنوات الدراسة بالرغم من توقي لذلك، مما شكل تحدي بيني وبين عزف الحاني الخاصة على الآلات الموسيقية بشكل ذاتي وتأليف وإنتاج الاغاني بمستوى احترافي. وهذا كان السبب خلف قراري لتعلم الموسيقى الكلاسيكية حالياً بدوام كامل كمؤلفة وفنانة في الأساس. 

هيفاء التويجري
هيفاء التويجري من مقر منظمة اليونسكو في باريس 

تتدربين حاليًا في أفضل مدارس الأوبرا في العالم. ما هي أبرز التحديات التي تواجهينها في هذا المجال الجديد، وكيف تتغلبين عليها؟ 

تأسست موسيقيا خلال هذا العام في ميلانو Conservatorio di Milano وأتعلم الموسيقى وأتدرب حالياً على الأوبرا في روما Rome Opera House، الرحلة مثرية للغاية واغتنمت فيها العديد من فرص التطور. عدا عن تحدي الانتقال للعيش في دولة أخرى والدراسه المكثفة في الغربة، واجهت حاجز اللغة الإيطالية في البداية، لكن اتخذت قرار دراسة اللغة منذ بداية هذا العام ونجحت في التمكن من التحدث بها خلال 6 أشهر من التعلم الذاتي وهي الآن اللغة التي أتلقى فيها دروسي الموسيقية بشكل رسمي في دار الأوبرا في روما. 

كيف ترين دور الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا في الوقت المعاصر وما هي رؤيتك عن دورها خصوصا في نشر الثقافة السعودية عالميًا؟ 

في منظوري، الموسيقى في الخصوص هي صوت الوجدان قبل بداية تلقين أي فكرة مسبقة عن الحياة، وتقنين دور الإنسان فيها وتشكيل نظرته عن نفسه وعن الآخر. بالتالي فإن رؤيتي وطموحي للموسيقى السعودية بجميع أنواعها هو أن تعبر عن التجربة الإنسانية الخالصة للفرد السعودي وأن تعكس حياته وتجاربه الشخصية في ضوء التطورات الاقتصادية والجيوسياسية والاجتماعية مما حوله. هدفي ليس نشر الثقافة السعودية عالميا وحسب، بل جعل الشخصية الإنسانية للسعودي جزء أساسي من الثقافة العالمية. 

هيفاء التويجري
"نحن نعيش عهد نهضة أخذ زمام قيادة سرد قصتنا الخاصة وتجربتنا في هذا العالم"

ماهو شكل التأثير الذي تطمحين إلى تركه على الساحة الثقافية والموسيقية في العالم العربي؟ 

من منطلق فني وعملي، هو خلق وتحفيز ثقافة التعبير الإنساني الإبداعي الأصيل الذي يعكس التجربة الإنسانية المشتركة للفرد والمجتمع للتنمية المستدامة، وأطمح أن يكون هذا هو المنطلق الأساسي للصناعة الإبداعية في العالم العربي قبل أن يكون منطلق اقتصادي! ونحن بالفعل نعيش عهد نهضة أخذ زمام قيادة سرد قصتنا الخاصة وتجربتنا في هذا العالم، وعكس حقيقة إنسانية هويتنا وعمق أبعادها الثرية وقيمها الملهمة وليس حصرها فقط على رمزيتها الثقافية، لنبدع ونبتكر نحو أنسنة الشخصية العربية في العقل الجمعي للبشرية الآن ولمستقبلنا.