العُلا.. عاصمة الآثار وبلد الحضارات
تعد محافظة العُلا ملتقى السياح في غرب الجزيرة العربية، وقد أصبحت من أبرز الوجهات السياحية البارزة في المملكة العربية السعودية عالمياً، لما تملكه المنطقة من قيمة تاريخية عريقة تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد. وتتمتع بموقع جغرافي يتميز عن غيره من المواقع بأنه نقطة اللقاء بين حضارات الشرق الأدنى القديم وحاضر التجارة القديمة، وهذا ما جعلها ذات أهمية بالمنطقة. ويقول مصمم العمارة نواف النصار: “العُلا تجمع ما يكفي من القوة للاستمرار لعدة قرون، هي المدينة لمجموعة من الثقافات”. عُرفت العُلا عند الباحثين بعاصمة الآثار وبلد الحضارات، وهي طريق للقوافل والرحالة. وتقول الدراسة: إن مدينة العُلا زارها من الرحالة المسلمون: ابن بطوطة، وعبدالقادر الجزيري، والعديد من الرحالة، ولا شك في أن تميزها يكتمل بالتشكيلات الجبلية المتنوعة الساحرة، وقد اشتهرت باسم "عروس الجبال" بطبيعتها الخلابة والمواقع الأثرية العديدة التي جعلت منها ملتقى السياح حول العالم، وهي إحدى محافظات المدينة المنورة، وتبعد عن المدينة نحو 300 كيلومتر شمالاً.
الرياض: فيصل بن بلال
تصوير: عبد المجيد البلوي
وقال صانع الأفلام محمد البعيجان في سحر العُلا: "العُلا لوحة فنية رسمتها الطبيعة، وزينتها الحضارة، سحرتني بجمال الجبال المنحوتة التي تشكلت بهبوب الرياح، فضلا عن تنوع الحضارة والكنز المفقود في داخلها من الآثار، حيث تقف على أرضها، وتنظر إلى قمم جبالها فتستشعر عظمة الخالق، وبحكم عملي في صناعة الأفلام، فإن العُلا تمتلك تنوعا بيئيا ومناخيا من رمال وجبال وواحات".
أبرز الآثار في محافظة العلا
وتشتهر محافظة العُلا بأماكن عدة متميزة، ومعالم وآثار يحرص السياح على زيارتها، وأهمها الحِجر الأثري "مدائن صالح"، أول موقع للمملكة العربية السعودية يسجل في قائمة التراث العالمي، حيث يضم مقابر ضخمة صامدة حتى يومنا هذا، وتتميز بواجهة منحوتة ومزخرفة بشكل خلاب والعبقرية الهندسية، حيث استطاع الأنباط بناء أكثر من 131 قبراً ضخماً منحوتاً على صخور واقفة متموجة بين الرمال. وقال محمد البعيجان: "يصعب على أي شخص أن يصفها إلا بصورة تعبر عن جمال المكان".
جبل الفيل
ومن أشهر معالم المحافظة صخرة "جبل الفيل"، اللوحة الطبيعية الفريدة من نوعها منذ ملايين السنين، وقد أثرت عوامل التعرية فيها لتنحت الجبل الذي يبلغ ارتفاعه 50 متراً بشكل مماثل للفيل، وتحديداً فيل الماموث الضخم، وهذا يعتبر من عجائب الطبيعة، ويشهد المكان إقامة العديد من الفعاليات في مجالات السياحة الصحراوية، ويحلو للكثيرين قضاء أوقات للسمر والاستمتاع بالأجواء الخلابة، والتأمل بجمال هذه الطبيعة والنجوم المضيئة في سماء العلا. وقال محمد البعيجان: "المصورون سيستمتعون في تصوير النجوم (المجرة)، حيث تكون السماء صافية جدا، وتساعدنا في تحديد الهدف".
البلدة القديمة
يرجع تاريخ البلدة القديمة إلى 700 عام مضت، أي في بدايات العهد العثماني للدولة الإسلامية، وقد بناها أهل المنطقة، وكانت مهنتهم الأولى هي الزراعة، حيث تقع مزارعهم في أسفل هذه البلدة، وكانوا يزرعون النخيل وبعض الخضراوات، وتسقى مزروعاتهم عن طريق العيون، وتضم البلدة القديمة أكثر من 800 منزل متلاصقة، وعدداً كبيراً من المساجد، ولها سور واحد وأبواب تغلق عند الغروب، لتصبح هذه البلدة كمنزل واحد، وهذا ما يمتاز به النسيج العمراني بالبلدة. وقال مصمم العمارة نواف النصار: "العُلا هي مدينة الفنون المرتفعة لمجموعة من المعتقدات".
شتاء طنطورة.. الرفاهية الممتعة والمشوقة
الحدث الفريد يعود في موسمه الثاني من فعاليات موسم "شتاء طنطورة" لتجربة متكاملة من الرفاهية الممتعة والمشوقة، والإقامة في المنتجعات التي تجمع بين الفخامة والتراث الأصيل والحداثة، وتليق بطبيعة العُلا وجمالها كمنتجع "عشار"، عنوان الفخامة بين صخور العُلا الساحرة، ويتكون من نموذجين من الشاليهات الفضي والذهبي، ومطعم واستقبال ومساحات مشتركة، مثل حفلات الشواء الخارجية وجلسات الشاي بين رمال العلا.
الفعاليات الثقافية الممتعة
ونستكمل التجربة الفريدة بالأنشطة الثقافية، كالتحليق في سماء العُلا "مهرجان المناطيد" لعيش تجربة بصحبة أسطول مكون من 100 منطاد لمشاهدة شروق الشمس من فوق “حجر”، والاستمتاع بالمناظر الساحرة، واستكشاف الطبيعة الخلابة التي رسمتها آلاف السنين على أرض العلا. ولهواة الطيران رحلة الطائرة الكلاسيكية تتيح مشاهدة معالم المنطقة من الأعلى على متن طائرات قديمة. وتكتمل المتعة بالمأكولات الشهية التي تضم تجارب للطهي يشرف عليها طهاة حائزون على تصنيف "ميشلان"، والعديد من المطاعم العالمية المتواجدة تحت ضوء النجوم بين صخور العلا، لتستمتعي بتجربة وحيدة من نوعها تجمع أشهر المطاعم العالمية وجمال الطبيعة الفريدة سويا، والجولات التراثية لاكتشاف تاريخ العُلاوحضاراتها والتجول في الأسواق التراثية في البلدة القديمة.
شتاء طنطورة يحيي أروع الحفلات الغنائية الموسيقية في العلا بلد الحضارات يحيي "شتاء طنطورة" بأروع الحفلات الغنائية والموسيقية لأشهر الفنانين العالميين في مسرح "مرايا" الفاتن بواجهات من المرايا تعكس المناظر المحيطة في الموقع الطبيعي الصخري المميز الذي يحيط بهذه المنطقة، ومن هؤلاء الفنانين: ليونيل ريتشي، وكريغ دايفيدو، وأندريا بوتشيلي، وكانت لافتة عودة الفنانة الكبيرة عزيزة جلال إلى أضواء المسرح بعد غياب دام أكثر من 30 عاما، والموسيقار عمر خيرت.
وقالت المرشدة السياحية منى الطريّف: "لا أريد أن أختزل جمال مهرجان شتاء طنطورة في الحفل الموسيقي للموسيقار عمر خيرت، لكنه لم يكن مجرد حفل موسيقي، كان تجربة ثقافية متكاملة، وخبرة حياتية فريدة من نوعها، ولوحة فنية رمت بألوانها هذه الأرض وصخورها ورمالها وجبالها المنحوتة". سماء العُلا اللامعة على موعد مع حفل فريد من نوعه في مسرح "مرايا" موسيقى العبقري العالمي بيتهوفن، احتفالا بمناسبة ذكرى مرور 250 سنة على مولده. كما يحيي الفنان الإسباني الكبير خوسيه كاريراس حفلا موسيقيا بسحر الثقافة الإسبانية، وفرقة "إيل ديفو" العالمية، حينما تلتقي روعة موسيقى الجاز مع كثافة الإيقاع في الموسيقى المعاصرة يقدمهما الفنان "نايل رودجرز"، والفنان جاميروكواي. ويعود الموسيقار اليوناني الكبير ياني إلى مسرح "مرايا" لتقديم حفل موسيقي جديد، مستعرضاً أبرز أعماله الشهيرة بعد حفله الاستثنائي خلال الموسم الأول من "شتاء طنطورة". ومن فرق الموسيقى العالمية المعاصرة فرقة "كول آند ذا غانغ"، وفرقة "سيستر سليدج"، والكثير غيرهم من الفنانين في العُلا الساحرة، لتكتمل التجربة الفريدة بعروض فنية وعالمية في موقعها الهادئ، وتاريخها العريق بين النقوش الحجرية والصخور المنحوتة بطبيعتها في مسرح "مرايا". وقالت المرشدة السياحية منى الطريف: "ما يحدث في العُلا باهر جداً، والأجمل أنه يحدث هنا على أرض وطني الحبيب، ويبرز روعة طبيعته واحترافية أبنائه الذين عملوا بجهد في كل المواقع، لتهيئتها واستقبال الزوار، ومنحهم أفضل تجربة يمكن أن يمر بها الزائر. أتمنى أن يتمكن الجميع من عيش هذه التجربة الرائعة، وأن تكون متاحة لمدة أطول، حيث إنها منتج سياحي فريد في محتواه أصيل في أفكاره، أنا ممتنة لكل فرد يعمل في فريق (شتاء طنطورة)، ويسهم في صناعة التجربة، فخورة بهم جميعا، العُلا فوق كل التوقعات، دامت العُلا في علا".
الفن بين الحضارات التاريخية
في عالم الفن معرض الصحراء المعاصر "ديزرت إكس" من الولايات المتحدة إلى "شتاء طنطورة" منصة لتبادل الثقافات، فيعيد "ديزرت إكس" من آلاف السنين "العُلا القديمة"، حيث كانت مكاناً للتبادل الثقافي بين ثلاث قارات، وبوابة بين الشرق والغرب، إلى المعرض تحت اسم "ديزرت إكس العلا". سيعرض أعمال فنانين من المملكة العربية السعودية، وغيرهم من دول العالم التي تصاحب الهوية المحلية في العُلا بين تشكيلات صخرية من الحجر الرملي الشاهق التي تستمد إلهامها منها.
وقالت المرشدة السياحية منى الطريف قائلة: "لا يوجد شيء واحد في تجربة شتاء طنطورة يمكن أن يقطع اتصالك بفكرة العلا". وستعمل الهيئة الملكية السعودية في العُلا على تمويل معرض "ديزرت إكس العلا"، وتأتي هذه الخطوة في إطار رؤية عام 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتهدف إلى تنوع اقتصادي وثقافي، واستقطاب السياح وتعزيز السياحة في المملكة. ومن أراضي العُلا تنقل لنا المرشدة السياحية ليال القاضي قائلة: "بالنسبة لي تجربة الإرشاد السياحي تعتبر من أهم التجارب التي خضتها في حياتي، فقد فتحت لي آفاق المعرفة والعلم واكتشاف حضارات العالم وتاريخه وآثاره وثقافاته المتنوعة، وبممارستي لهذه المهنة تغيرت كثيرا، وأصبحت أبحث عن المعلومة، وأنوّع في الاهتمامات واللغات التي تعزز خبراتي وتطورها، علمتني مواجهة الجمهور. وإضافة إلى تعلمي من الخبراء والمنقبين والمؤرخين، نما لدي حب الوطن والولاء والانتماء لهذا الوطن العظيم والغالي على قلوبنا جميعا ولقيادتنا الرشيدة التي دعمت بقوة، ووثقت بأرض المملكة وثقافاتها وحضارتها، وخاصة العلا، وقدمتها للعالم بأبهى وأجمل الصور. والآن مع تدشين التأشيرة السياحية ازداد عدد السياح من كل انحاء العالم، ونحن نسعد باستقبالهم وتعريفهم على ثقافة بلدنا، وعلى أهم الأماكن السياحية المهمة، والأجمل هو حرص السياح على أخذ الصور، ولقد ذكر العديد منهم أنها تجربة فريدة من نوعها، وأنهم يرغبون في تكرارها في السنوات القادمة".
البولو بنسخة الصحراء
هذا وقد انطلقت وللمرة الأولى في العُلا بطولة "بولو الصحراء" بتنظيم من الاتحاد السعودي للبولو برئاسة لاعب البولو عمر زيدان تحت سقف الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وضمن فعاليات موسم "شتاء طنطورة"، جسدت "بطولة العُلا لبولو الصحراء" مفهوماً جديداً من "بطولة بولو الثلج" المرموقة التي أقيمت في "سان موريتز" السويسرية، لتحتضن كل الفخامة والأناقة في صحراء العلا، بمشاركة نخبة من أبرز لاعبي البولو العالميين، وعلى رأسهم فريق "لادولفينا الأرجنتيني" أكثر فرق البولو شهرة. وتُعدّ العُلا المكان الأمثل لإطلاق “بولو الصحراء”، حيث تتميز المنطقة بموقعها الفريد
ذي الأهمية التاريخية والحضارة العريقة، وتسهم في تعريف العالم بالعُلا وجمالها المذهل. وهناك الكثير من الفعاليات التي تزهر في مدينة العلا، لتجعل تجربتنا متكاملة بالرفاهية العالية والمتعة. اندهش العالم بكنوز العُلا وحضاراتها وطبيعتها الخلابة وجمال سحرها الفريد، وكانت رؤية ملكية ثاقبة بعين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للحفاظ على تراثها وإبراز هويتها للعالم على نهج تطويرها، لتكون أكبر خطة استثمارية لإقامة مشروعات سياحية وتراثية ضمن رؤية المملكة 2030 بين الصخور المنحوت. قال صانع الأفلام محمد البعيجان: "مهما وصفت فلن أعطي هذه المدينة حقها، سأعود قريبا لها بإذن لله".
من الصعب وصف هذه المحافظة، إلا أنها الفريدة في العالم التي تجمع فعاليات موسيقية ذات طراز عالٍ وفاخر، لتصبح عنوان الرفاهية والمتعة والثقافة بوسط المنحوتات الصخرية وآثار الحضارات في مكان واحد.