قلب الرياض.. منطقة قصر الحكم

الرياض: فيصل بن بلال 

منطقة قصر الحكم.. قلب الرياض

من قلب مدينة الرياض تنبض الحيوية والحياة الاجتماعية البسيطة والجمال المعماري والتراث العريق المرتبط بالثقافة النجدية الفريدة التي تمتاز بها مدينة الرياض. تحوي منطقة قصر الحكم "قصر المصمك"، الحصن التاريخي الأثري الذي يروي لنا قصة توحيد المملكة، إمارة منطقة الرياض و"الجامع الكبير"، جامع الإمام تركي بن عبدالله، وتنعكس بهما روعة التصميم التراثي في المنطقة. شهدت منطقة قصر الحكم التطور السياسي والاجتماعي وأيضاً الاقتصادي في المملكة، فمنها بدأ المؤسس الملك عبدالعزيز تكوين مدينة الرياض، ومنها انطلقت التجارة في المدينة، وبجوارها الأحياء التي سكنها أهل الرياض سابقاً. اليوم تسعى الهيئة الملكية لمدينة الرياض لتصبح هذه المنطقة سياحية وزاهرة، وتعكس الثقافة السعودية، وتحديداً الرياض، وتسمى بمنطقة "قصر الحكم".

الأسواق الشعبية

يكمل جمال المنطقة بالأسواق الشعبية "أسواق المعيقلية"، ويضم نحو 1000 محل تجاري، "أسواق التعمير"، و"سوق سويقة"، و"سوق الزل"، حيث تجد محلات بيع الملبوسات الرجالية كالمشالح والبشوت والأشمغة المطرزة يدويا والسجاد. ونأتي إلى التجربة الفريدة من نوعها "الحراج" بين أندر التحف والتراثيات في البيع والشراء بالطريقة التقليدية في "سوق الزل". شارع "الثميري"، و"شارع العطايف" المحلات التجارية لجميع المستلزمات ببساطتها وتصميمها المتماثل مع الثقافة. وتربط بين هذه الأسواق ساحة الصفاة، وساحة ميدان العدل التي تقع فيها "ساعة ميدان العدل". وعلقت مصممة الأزياء العمانية لبنى الزكواني عن زيارتها للأسواق الشعبية في المنطقة قائلة: "أبهرني جمال المنطقة وبساطة أناسها وتنوع أسواقها الشعبية والتقليدية". استمتعت كثيرا في جولتي بين أسواق الحلي والذهب التقليدية، ومحلات الأقمشة المختلفة، ألهمتني هذه الزيارة، وأتمنى العودة إليها قريبا في زيارتي القادمة للرياض".

قصر المصمك.. الجمال الساحر

برزت المنطقة سياحيا في مدينة الرياض بعد ترميم قصر المصمك الذي يعد أحد أهم المعالم التاريخية العريقة، وأقدمها في الرياض. لقصر المصمك أهمية عظيمة، فقد كان القصر شاهدا على أهم المعارك والأحداث الفارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، عندما كان حصناً ومقراً للحامية. ويعود تاريخ القصر إلى عام 1865 م، عندما كان ضمن قصر كبير في مدينة الرياض التي يحيطها سور طيني يبلغ ارتفاعه 20 قدماً، وهو ما يطلق عليه "سور الرياض". بني الحصن من اللبن والطين الممزوج بالتبن وبأساس ممتد من الحجر وجدران خارجية وداخلية بلياسة من الطين، واستخدم في تغطية أسقفه خشب جذوع شجرالأثل وسعف النخل، وكان القصر بمزايا خاصة، مثل عرض الجدران والأبواب، ولهذا السبب أطلق عليه اسم "المصمك"، نسبة لمواصفات بنائه السميكة والمرتفعة، ويعتبر من مباني الرياض القديمة الباقية، كما بنيت بقوته وجماله الغامض. يحكي لنا المصور والمهندس المعماري أحمد درويش عن جمال هذا القصر قائلاً: "قصر المصمك من عبق الماضي إلى عدسة الحاضر، یذهلني هذا القصر، ویسرق عیني بجمیع تفاصیله من البوابة في الجهة الغربیة للقصر، ذات الارتفاع الشاهق والتفاصیل المعماریة إلى نهایة القصر، وتجذبك فيه روح العمارة النجدیة وتكویناتها من الفتحات ثلاثیة الأضلاع التي كانت تستخدم لإدخال الإنارة مع حفظ الخصوصیة، وأیضاً الميزاب الذي یخرج من المبنى لتصریف میاه الأمطار، وتزیین حواف الأدراج والفتحات ونهايات المباني والأعمدة باللون الأبیض، وشكل الطرمة (العین السحریة) فوق الأبواب، وذلك الملمس الخشن للمبنى اللبني الذي یوحي لك بقوة وصلابة المبنى، وهو ما یعطي روحا مختلفة عن بقية الطرز المعماریة، ویجذب أي مصور، سواء كان فناناً أو مهندساً من مختلف بقاع الأرض، لیتعلق بالمكان ویسعى جاهدا لتوثیق ما تراه عینه بالطریقة التي یتمكن منها”. لا يزال يحتفظ القصر بالأبواب الأصلية للحصن، وبقية آثار المعركة الشهيرة "معركة فتح الرياض" التي انتصر فيها الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، "أثر سن الرمح" الأثر الموجود على باب القصر من تلك المعركة.

متحف قصر المصمك

بعد المعركة استُخدم الحصن لتخزين السلاح، ثم أصبح سجنا، ثم أغلق لمدة معينة إلى أن وضعت الهيئة الملكية لمدينة الرياض، بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، خطة لترميم القصر ضمن مراحل تطوير منطقة "قصر
الحكم"، ليصبح متحفا ومعلما تراثيا يتوسط قلب مدينة الرياض، ليعرض لنا قصة اقتحام المصمك، واسترداد الرياض على يد المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه. افتُتح برعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أمير منطقة الرياض عام ، وأصبح قصر المصمك معلماً سياحياً جاذباً وبارزاً في مدينة الرياض، لما للقصر من تاريخ عريق، وأهمية عظيمة في المملكة العربية السعودية، هذا القصر الذي بني من الطين صامد وبارز بين البنيان الحديثة، ويملك ما لايملكه قصر آخر من الجمال الغامض. ومن قلب الرياض، ومن "قصر المصمك" تحديداً، يحكي لنا المرشد السياحي صالح السيف: "هنا في حي الديرة، أو كما أحب أن أسميها (الرياض التاريخية)، حيث اختلاط عمق التاريخ بحضارة الحاضر، في الرياض القديمة معالم عديدة لا يمكن تجاوزها عند زيارتك للمنطقة، الشوارع، الساحات، المساجد، الأسواق القديمة، بوابات الرياض، وبالتأكيد رمز توحيد المملكة حصن المصمك الذي لا تكاد عينك تغفل عنه عند اقترابك منه. (المصمك) يحكي تاريخاً عظيماً، ويعتبر نموذجاً معمارياً رائعاً يمثل العمارة التقليدية في منطقة نجد. هذه فرصة لزيارة الرياض التاريخية تستوفي احتياجات كثيرة مثل التعمق في التاريخ واستذكار الماضي، والاستمتاع بجمال الاختلاط مع المجتمع والتسوق لجميع الاحتياجات".

حي الدحو

أحد أهم أحياء مدينة الرياض القديمة "حي الدحو"، يقع هذا الحي في منطقة قصر الحكم، ويعد من أقدم أحياء مدينة الرياض الصامدة في وقتنا الحاضر، وتكمن أهميته في أن عمره يصل إلى أكثر من 150 سنة. ويتميز ببساطته المعمارية في البيوت الطينية والأبواب الخشبية التي تعكس جمال وروح أهل الحي. وقال الباحث التاريخي منصور الشويعر: "الرياض مدينة الدين والعلم والدنيا معاً، مدينة يأخذك الحاضر فيها بيد الماضي العريق ليستشرفا سويا إشراقة المستقبل، وكما يبهرك حاضرها، يناديك ماضيها العتيق، ويشدَّك إلى مساجدها القديمة، وقصورها القديمة، ومتاحفها، وحواريها الضيقة، وشوارعها، وأسواقها، حيث عبق الماضي والتاريخ، ورائحة المكان وأنفاس الزمان وأهله الطيبين. وتطورها وتقدمها، لا ينسيها أو يثنيها عن الاحتفاظ بأصالتها وتراثها ومعالمها التاريخية".
ولأهمية هذا الحي التاريخي اعتمدت الهيئة الملكية لمدينة الرياض، بتوجيهات من سيدي الملك سلمان بن عبد العزيز برنامج "تطوير حي الدحو"، ليكون هذا الحي التاريخي معلماً سياحياً واستثمارياً، من خلال ترميم المباني التراثية، وتحويل الحي السكني إلى منطقة حيوية بالمراكز التجارية والمقاهي، كما يضم الحي متحفا وجامعا وغير ذلك الكثير في هذه المنطقة، بعد أن كانت قصورا وبيوتا من الطين، فأصبحت منطقة سياحية جديدة جاذبة في قلب العاصمة بالتصاميم المستوحاة من روح الحي والبيئة المحيطة بمنطقة قصر الحكم.
ومن حي الدحو يروي لنا أحد سكانها الباحث التاريخي محمد الحوطي: "الدحو هو الحي الوحيد في الرياض القديمة الذي تجد فيه البيوت الكبيرة والمزينة بجماليات المباني الطينية، مثل الأعمدة والجدران المزخرفة، والأبواب الكبيرة، والمثلثات التي تزين جدران المنازل، وقد سكنها عدد من الشيوخ والأمراء والعلماء. وقد يبدو هذا الحي مختلفا، كما ذكرت عن بقية الأحياء، ويمتاز الحي بالترابط فيما بين سكانه، وقد يكون لصغر الحي وتقارب البيوت دور في ذلك، بالبنية الداخلية، وترميم المباني والمساجد، وجعل المكان مناسباً للزوار بالمحلات التجارية والتراثية والمطاعم والمقاهي وملتقى محبي التراث".
قلب العاصمة اليوم المكان الأنسب لاكتشاف تاريخ الرياض بزيارة الأحياء القديمة والأسواق الشعبية وقصر المصمك لنرى الحياة الاجماعية التي بدأت منذ تأسيس المملكة. بفضل الجهود المبذولة لتطوير مدينة الرياض والمحافظة على تراثها وهويتها نحظى اليوم بمنطقة تاريخية سياحية باهرة "منطقة قصر الحكم" لا يمكن وصف هذه المنطقة إلا بزيارتها واستشعار الروح التراثية التي تحويها هذه المنطقة بجمال بنيانها وهدوئها وبساطة أهلها وروعة دمج الماضي بالحاضر.