الدانتيل ملك أقمشة فساتين الزفاف.. تعرفي على تاريخه، أنواعه وأسرار جماله
لدى محاورتنا لعمالقة الموضة العالميين، نلمس مدى ارتباط هؤلاء بقماش الدانتيل عند تصميم فساتين الزفاف! لا حوار يخلو من التغنّي بجمالية هذا القماش والأنوثة التي يضيفها على العروس الملكة!
لا يختلف اثنان من خبراء الموضة على أنّ قماش الدانتيل يتربّع على الأنسجة كافة، فهو العنصر الممتزج بين باقي الأقمشة، المنخرط بأناقة بين خيوط الشكّ والتطريز، والجامع بفخامة بين عراقة فساتين الزفاف وعصريتها!
بين الأنماط الراقية والقصات الفخمة التي تنسجها مهارات يدوية عالية الاحترافية، ينقل الدانتيل إطلالة العروس إلى مستويات أعلى. فما هي أصول هذا النسيج وما هي أنواعه؟ وكيف تطوّر؟ تفاصيل قد تكون غابت عنك، لكن من المفيد الإطلاع عليها، كي تتغنّي بالخيار المثالي بين الأقمشة الراقية ليوم الزفاف.
ما هو نسيج الدانتيل؟
الدانتيل هو نسيج رقيق مصنوع من الخيوط، ويتميز بتصميمات وأنماط متنوّعة تُحاك بأساليب مختلفة.
كان نسيج الدانتيل يُصنّع في الأصل من الحرير والكتان، حتى أن بعض الحرفيينكان يصنعون هذا النسيج باستخدام خيوط ذهبية أو فضية؛ بينما اليوم يتم استخدام خيوط القطن والألياف الصناعية لتصنيعه.
أصبح القطن مع مرور الزمن النسيج الأكثر شعبية لإنتاج الدانتيل، حيث يستخدم بعض المصنّعين الألياف الاصطناعية مثل البوليستر أو الحرير الصناعي لتصنيعه.
هذا، وارتبط الدانتيل_ بسبب رقيته وتعقيده، بعنصري الإثارة والجمال لعدة قرون، ولا زال يحتلّ الصدارة بين أقمشة فساتين الزفاف، إلى حدّ لا يستغني عنه أهم مصممي العالم، ويعتبرونه القماش الأرقى والأفخم بين مثيلاثه؛ كما يحافظ هذا النسيج على مكانته العالية بين ملابس النساء بما في ذلك الملابس الداخلية.
وبالرغم من أنّ هذا النسيج ليس من أصل صيني، لكن تتميّز الصين بأنّها المنتج الأكبر لقماش الدانتيل حول العالم، قيما تتفوّق عليها أوروبا بالجودة والنوعية في التصنيع.
إلى ذلك، تختلف أنواع الدانتيل وتتنوّع في ما بينها، وهي تُستخدم بشكل شائع لإبراز أو تزيين الملابس والمفروشات والأدوات المنزلية في العصر المعاصر.
أصول نسيج الدانتيل
- إلى اليوم، تخضع أصول الدانتيل إلى مناقشة بين المؤرخين، حيث لا حقيقة ثابثة حول انطلاقته. يعيد البعض أصول نسيج الدانتيل إلى مصر، حيث كان المصريون القدامى يستخدمونه بقماش مخرّم مزخرف، فيما كانت الأقمشة المشابهة للدانتيل شائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط قبل عصر النهضة. ومع ذلك، بدءًا من القرن الخامس عشر، بدأ الدانتيل الأصلي في الظهور في كلّ من اللوحات الفلمنكية والإيطالية، لذلك يعتقد بعض علماء الدانتيل أنّ هذا النسيج نشأ في إحدى هاتين الدولتين، أي ايطاليا وبلجيكا.
- تم تطوير الدانتيل، وهو شبكة مخرّمة مزخرفة، لأول مرة في أوروبا خلال القرن السادس عشر. وهكذا، بدأت صناعة الدانتيل من خلال نوعين متميزين - الدانتيل الإبرة والدانتيل المكوك - وفي وقت واحد. يتكوّن دانتيل الإبرة من إبرة وخيط واحد، بينما يستلزم دانتيل البكرة ضفر العديد من الخيوط في ما بينها.
- من الممكن أن تكون أنواع مختلفة من الدانتيل قد نشأت في بلدان منفصلة. على سبيل المثال، يبدو أن الدانتيل البكر هو نسيج من التراث الفلمنكي، ومن المحتمل أن يكون الدانتيل الإبرة قد نشأ في إيطاليا. بحلول منتصف القرن السادس عشر، أصبح الدانتيل نسيجًا شائعًا في جميع أنحاء أوروبا، وظهر بشكل أكثر شيوعًا وبروزًا في لوحات عصر النهضة.
- بين الفترة الممتدة 1600 إلى 1800، كانت إيطاليا وفلاندرز (مقاطعة في بلجيكا) المنتجين الأساسيين لنسيج الدانتيل، كما أصبحت فرنسا أيضًا منتجًا رئيسيًا له، لتنتشر صناعة هذا النسيج في عدة بلدان، أبرزها ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا خلال هذه الفترة، فيما بقي تصديره محدوداً.
- في أوائل القرن التاسع عشر، قدمت الثورة الصناعية العديد من التطوّرات التي لم يكن من الممكن تصوّرها سابقًا في صناعة المنسوجات، بما في ذلك الآلات التي تعمل على أتمتة عملية صنع الدانتيل. ونتيجة لذلك، أصبح قماش الدانتيل أقل تكلفة إلى حد كبير؛ وبحلول عام 1840، بدأت الموضة النسائية في المطالبة بالدانتيل على نطاق واسع! منذ ذلك الحين، لم يعد الدانتيل مستخدماً في ملابس الرجال، لكن هذا النسيج الزخرفي ظل جزءًا لا يتجزأ من الموضة النسائية، لكن كان معتمداً بشكل بسيط نسبيًا.
- وعلى الرغم من السهولة والكفاءة التي لا جدال فيها في تصنيع الدانتيل من خلال الآلات، ظل الدانتيل المصنوع يدويًا شائعًا نسبيًا حتى أوائل القرن العشرين.
- بحلول منتصف القرن، تبنت الدول في جميع أنحاء العالم فن صناعة الدانتيل، وأصبح ما كان ذات يوم تقليدًا أوروبيًا حصريًا للنسيج، عالميًا في نطاقه.
نسيج الدانتيل اليوم
فيما يركّز أشهر المصممين العرب والعالم على اعتماد أقمشة الدانتيل اليوم، إلاّ أنّ الدانتيل لم يعد يلعب الدور المهم في الملابس الخاصة بطلاّت الكاجوال والمناسبات داخل المجتمع الغربي، كما كانت الحالة من قبل، إذ يُنظر إلى هذا النمط على أنّه قديم الطراز، ونادرًا ما يتم اعتماد مع الزخرفة. إلاّ أنّ هذا الأمر لا ينطبق على فساتين الزفاف التي لا زالت تتضمن هذا القماش باعتباره الأرقى والأكثر أنثوية لطلّة العروس.
إلى ذلك، يرى أهم الخبراء في صناعة الأزياء أنّ اعتماد قماش الدانتيل في فستان الزفاف، يرقى بالفستان إلى أعلى مستويات الأناقة؛ فمن غير المألوف العثور على فساتين الزفاف التي لا تتضمن ولو على بعض الدانتيل!
ومن المفارقات اللافتة، أنّ الملابس الداخلية هي فئة الملابس البارزة الأخرى التي لا تزال تتميّز بالدانتيل الوفير، حيث يشيع بقوّة ظهور الدانتيل على حمالات الصدر والسراويل الداخلية النسائية، لما يتضمنه من عناصر أنثوية جاذبة ومثيرة.
كيف يتم تصنيع أقمشة الدانتيل؟
- تختلف الطرق التي يستخدمها مصنّعو المنسوجات لصنع أقمشة الدانتيل بشكل كبير، اعتمادًا على نوع الدانتيل المستخدم.
- تقليديا، كان الدانتيل عبارة عن خيوط الكتان، لكن ملابس الدانتيل الراقية كانت تتميّز في كثير من الأحيان بخيوط الحرير. (يُشتق الكتان من ألياف نبات الكتان، ويُشتق الحرير من شرانق دودة القز التي تعيش على أشجار التوت.فيما يُشتق القطن من الحبوب التي تحيط ببذور القطن، والتي تحتوي كل منها على مئات من الألياف الدقيقة).
- في هذه الأيام، يستخدم مصنّعو المنسوجات أحيانًا الألياف الاصطناعية لصنع أقمشة الدانتيل؛ فيما البوليستر، النسيج الصناعي الأكثر شيوعًا، هو مشتق بترولي يتم تصنيعه باستخدام مزيج من المواد الكيميائية الاصطناعية، أمّا الحرير الصناعي ومشتقاته فيتم تصنيعه باستخدام لب الخشب.
- بمجرد حصول مصنع النسيج على النوع المطلوب من الخيوط الجاهزة، يتم صنع الدانتيل عادةً في واحد من ثلاثة أنواع شائعة: دانتيل البكرة، دانتيل الإبرة، أو الدانتيل الكيميائي. كل من تقنيات صنع الدانتيل هذه لها أنواع فرعية متعددة، وهناك أيضًا عدد غير قليل من الأنواع المميزة الأخرى من الدانتيل.
دانتيل البكرة
لإنتاج دانتيل مكوك، يقوم مصنّعو المنسوجات بتحميل خيوط على حوالي 20 بكرة مختلفة؛ ثم يقومون بتغذية هذه البكرات على وسادة متصلة بالمغزل، ويشكّلون نمط الدانتيل المطلوب على الوسادة باستخدام المسامير. اتبعت أولىالآلات الأوتوماتيكية لصنع الدانتيل طريقة دانتيل البكرة، فبما كان يتم إنتاج دانتيل المكوك الآلي باستخدام عملية مماثلة (لكنها أكثر كفاءة).
دانتيل الإبرة
يبدو أن دانتيل الإبرة يسبق دانتيل البكرة، وعلى الرغم من جماله الرائع، إلا أن هذا النوع من الدانتيل يستغرق وقتًا طويلاً لإنجازه. في معظم الحالات، يصنع مصنّعو المنسوجات دانتيل إبرة عن طريق لصق خيوط على خلفية صلبة وملء النمط المرغوب بغرز صغيرة. في حين أن آلات تصنيع المنسوجات الحديثة تضاهي في جودتها الدانتيل المخيّط باليد، إلاّ أنّه لا يوجد بديل لهذا النوع الرائع المصنوع يدويًا من أقمشة الدانتيل.
الدانتيل الكيميائي
يصنع بعض مصنّعي المنسوجات دانتيلًا كيميائيًا من خلال تطريز أنماط على نوع من القماش لا يقاوم المواد الكيميائية. بعد ذلك، يُغسل الدانتيل بالمواد الكيميائية حتى يذوب النسيج الأساسي، تاركًا نمط الدانتيل فقط كما هو. في حين أنه من الأسهل خياطة الدانتيل الكيميائي، فإنّ هذا النوع من الدانتيل ليس بجودة عالية مثل دانتيل البكرة أو الإبرة.
كيف يؤثر نسيج الدانتيل على البيئة؟
يختلف التأثير البيئي لإنتاج الدانتيل بحسب نوع القماش المستخدم. يعتبر إنتاج الحرير، على سبيل المثال، صديقًا للبيئة بشكل ملحوظ، بينما يساهم الدانتيل الصناعي غير القابل للتحلّل الحيوي في التلوّث البلاستيكي والكيميائي السام.
يمكن أن يكون إنتاج القطن والكتان مستدامًا أو غير مستدام اعتمادًا على العمليات التي يستخدمها مزارعو هذه المنسوجات النباتية. من الممكن إنتاج كل من هذه المنسوجات الطبيعية دون الإضرار بالبيئة، ولكن معظم مزارعي القطن والكتان يستخدمون مواد كيميائية زراعية سامة أو يعالجون خيوط القطن أو الكتان بمواد خطرة أثناء عملية الإنتاج. لتجنب الدانتيل الضار بالبيئة، يُنصح باستخدام منتجات دانتيل من الحرير العضوي أو القطن أو الكتان، وتجنب الدانتيل الصناعي.
