حفل زفاف جورج السادس والملكة إليزابيث...حفل الزفاف الذي صنع عائلة وندسور
قبل ما يزيد قليلا عن القرن من الزمان، وقع أمير بريطاني شاب في حب صديقة شقيقته المقربة والتي تنتمي لعائلة بريطانية نبيلة، وتقدم بطلب الزواج منها عدة مرات، ولكن الفتاة رفضت طلبه بالزواج في البداية، بالرغم من إعجابها بالأمير الشاب، بسبب تخوفها من قيود وأعباء الحياة الملكية، ولكنها قبلت في النهاية طلبه بالزواج، ليصبح ذلك الزواج فيما بعد، وسيلة لتعزيز وتثبيت أركان حكم عائلة وندسور البريطانية النبيلة.
حفل زفاف جورج السادس George VI من الملكة إليزابيث Queen Elizabeth
الزواج الملكي الذي نتحدث عنه والذي يوصف بأنه الزواج الذي ثبت أركان حكم عائلة وندسور لبريطانيا وساهم في بناء عائلة وندسور كما هي اليوم، هو زواج الأمير ألبرت، دوق يورك Albert, Duke of York والذي أصبح يعرف فيما بعد بالملك جورج السادس، من ليدي إليزابيث باوز ليون Lady Elizabeth Bowes-Lyon والتي أصبحت تعرف فيما بعد بالملكة إليزابيث، ثم بالملكة الأم، بعد أن توجت ابنتهما إليزابيث الثانية Queen Elizabeth II ملكة لبريطانيا.
وتزوج جورج السادس من الملكة إليزابيث في حفل زفاف ملكي أقيم في يوم 26 أبريل 1923 في كاتدرائية وستمنستر في العاصمة البريطانية لندن، وكان حفل الزفاف متواضعا إلى حد كبير بالمقارنة بحفلات الزفاف الملكية السابقة، بما في ذلك حفل زفاف الأميرة ماري Princess Mary، شقيقة الملك جورج السادس والذي أقيم في نفس المكان قبلها بعام واحد فقط، والسبب هو رغبة والدهما الملك جورج الخامس King George V في تجنب إنفاق أموال دافعي الضرائب على احتفالات الزفاف الملكية، بسبب الوضع السياسي والاقتصادي الحرج التي كانت تمر به البلاد وقتها، ولذلك لم يتم بناء منصات جلوس إضافية في كاتدرائية وستمنستر كما حدث في احتفال زفاف الأميرة ماري في العام السابق، إلا أن تلاميذ المدارس حصلوا على يوم عطلة احتفالا بالزفاف الملكية كما أطلقت البحرية البريطانية طلقات مدفعية، احتفالا بحفل الزفاف الملكي الجديد وقتها.
شهد حفل الزفاف تجمع حشود ضخمة منذ صباح يوم الزفاف في الطرق المحيطة بقصر باكنغهام ودير وستمنستر ومنزل عائلة العروس في شارع بروتون في مايفير، وحضر حفل الزفاف عدد ليس بالقليل من أفراد العائلات الملكية الأوروبية، من بينهم الملك هاكون السابع King Haakon VII ملكة النرويج والملكة مود ملكة النرويج Queen Maud of Norway، والملك ألفونسو الثالث عشر King Alfonso XIII ملك إسبانيا والملكة إينا Queen Ena ملكة إسبانيا، وكذلك الملكة ماري ملكة رومانيا Queen Marie of Romania، وملك وملكة الدنمارك وملك وملكة اليونان، وقدر عدد ضيوف حفل الزفاف بنحو 1800 فرد.
إطلالة زفاف بموضة عشرينيات القرن الماضي مع طرحة زفاف الملكة ماري
ظهر العريس والذي عرف باسم التدليل "بيرتي" في حفل زفافه بالزي الرسمي لسلاح الجو الملكي البريطاني والذي تم تشكيله حديثا، ورافقه إلى حفل الزفاف شقيقه الأكبر إدوارد الثامن Edward VIII والذي كان يعرف بين أفراد عائلته باسم ديفيد، وقام إدوارد الثامن بدور إشبين العريس في حفل الزفاف، أما العروس فوصلت إلى موقع حفل الزفاف برفقة والدها وثمانية من وصيفات الشرف، وتولى إقامة مراسم حفل الزفاف رئيس أساقفة كانتربري وقتها، راندال توماس ديفيدسون Randall Thomas Davidson، ورئيس أساقفة يورك وقتها، كوزمو لانغ Cosmo Lang.
ظهرت العروس في حفل زفافها بفستان زفاف عاجي اللون من تصميم مدام سيمور هاندلي Madame Seymour-Handley من شارع بوند، وتميز الفستان بخصر المنخفض وتنورته المستقيمة وذيله القصير (وتماشى مع موضة فساتين الزفاف وقتها)، واستخدم في صنع الفستان قماش الشيفون واستخدم في تطريزه خيوط الذهب واللؤلؤ، وارتدت العروس مع فستان زفافها طرحة زفاف الملكة ماري، والدة العريس وهي طرحة زفاف مصنوع من قماش دانتيل بوينت دي فلاندر الفاخر.
بداية تقليد وضع باقات الزفاف الملكية امام قبر الجندي المجهول في كاتدرائية وستمنستر
أما باقة زفاف العروس فتضمنت ورود بيضاء في إشارة إلى عائلة يورك النبيلة، وزهور هيذر في إشارة للأصول الأسكتلندية للعروس، وأفرع نبات الآس وهي جزء رئيسي من باقات زفاف العرائس الملكيات منذ عهد الملكة فيكتوريا Queen Victoria، ووضعت باقة زفاف الملكة إليزابيث بعد انتهاء حفل الزفاف أمام قبر الجندي المجهول في كاتدرائية وستمنستر، تكريما لشقيقها الراحل الذي توفى في الحرب العالمية الأولى، ومنذ ذلك الحين أصبح تقليد وضع العروس الملكية لباقة زفافها أمام قبر الجندي المجهول في كاتدرائية وستمنستر، تقليد رئيسي في حفلات الزفاف الملكية.
كيف ساهم حفل زفاف جورج السادس والملكة إليزابيث في تثبيت أركان حكم عائلة وندسور
عندما تزوج جورج السادس من الملكة إليزابيث، كان وقتها ترتيبه هو الثالث في ولاية العرش خلفا لشقيقه الأكبر إدوارد الثامن، والذي توقع الجميع أن يتزوج هو الآخر وينجب من زواجه أبناء يكون ورثة للعرش البريطاني من بعده، إلا أن إدوارد الثامن رفض الزواج لسنوات عديدة، وقع خلالها في حب امرأة أمريكية سبق لها الطلاق مرتين وتدعى واليس سيمبسون Wallis Simpson، وأصر على الزواج منها، بالرغم من القيود والتقاليد الملكية التي لم تسمح وقتها بإتمام ذلك الزواج، مما اضطره في النهاية للتنازل عن عرش بريطانيا بعد عام واحد فقط من إعلانه ملكا للبلاد، وفي وثيقة التنازل عن العرش، لم يتخلى إدوارد الثامن فقط عن حقه في ولاية العرش، وإنما عن حق أبنائه المستقبليين أيضا في وراثة العرش، وبذلك انتقل العرش إلى شقيقه جورج السادس ومن بعده إليزابيث الثانية، وهي الابنة الكبرى لجورج السادس، ومن بعدها ابنها الأكبر تشارلز الثالث King Charles III، ويتوقع أن ينتقل العرش من بعده إلى ابنه الأكبر الأمير وليام ولي عهد بريطانيا وأمير ويلز William, Prince of Wales وبذلك يمكن القول إن زواج جورج السادس بالملكة إليزابيث، نتج عنه ملوك بريطانيا في الماضي والحاضر والمستقبل.
جدير بالذكر أن سلالة جورج السادس وإليزابيث الثانية، كانت لتصل أيضا إلى حكم بريطانيا حتى لو لم يتنازل إدوارد الثامن عن العرش لأنه تزوج وهو في الأربعينيات من عمره، ولم ينجب أبناء من زواجه.