يعوقها عن النجاح ويحرم أطفالها الشعور بالأمان .. سلبيات الشعور بالذنب لدى الأم العاملة وأفضل الطرق للتغلب عليه
تواجه الأم العاملة العديد من الأفكار التي تعصف بعقلها وروحها والتي يدور أغلبها حول الشعور بالذنب حيال أطفالها، وشعورها بالتقصير معهم مهما قدمت من جهد ووقت في رعايتهم. والحقيقة أن هذا هو حال كثير من الأمهات العاملات اللاتي دائمًا ما يجلدن أنفسهن بسبب عدم قضاء وقت طويل مع أطفالهن.
وما يزيد الأمر سوءًا شعور الأم العاملة بالفشل وما ينتج عنه من توبيخ للنفس وجلد للذات، ولا يقف الأمر عند هذا الحد فقد تتفاقم المشكلة إلى حد الشك في الذات وإصابة الأم بالكآبة التي قد تصل في بعض الحالات إلى الإصابة بالاكتئاب، وخصوصًا في المرحلة التي تلي انتهاء اجازة الوضع وذلك بسبب إضطرار الأم العاملة إلى الذهاب إلى العمل.
من أجل ذلك ولأهمية هذا الموضوع نقدم اليوم لكل أم عاملة تسعى لاثبات ذاتها وعمل اسم يفتخر به أطفالها في المستقبل على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وتخطي هذه المشاعر السلبية التي لا صحة لها من أجل تحسين نفسيتها وتعزيز شعورها بالاستقرار ومن ثم تعزيز نفسية أطفالها وأسرتها بالتبعية. وذلك من خلال ذكر أهم آراء الخبراء ونصائحهم الفعالة في هذا الصدد والتي تجدي نفعًا كبيراً مع تفهم الأم لها وبدء الخطوات الفعلية في تنفيذها.
لماذا تشعر الأم العاملة بالذنب؟
يرجع الخبراء هذا الشعور غير المبرر بالذنب إلى أسباب عديدة منها الشعور بعدم الأمان الشخصي، والتعرض للضغط الخارجي سواء من العائلة أو الأصدقاء وما تتطلع عليه من قصص عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتعليقات السلبية عن الأم العاملة. ولعل من أبرز الأسباب التي تقف وراء شعور الأم العاملة بالذنب ما يلي:
العمل بدوام كامل
اضطرار الأم إلى قبول العمل بدوام كامل والأسباب عديدة إما لتحقيق الذات، أو لمساعدة الزوج لتلبية احتياجات أطفالها أو المساهمة في توفير مستوى تعليمي ومعيشي أفضل لأطفالها، وخصوصًا عندما تكون إمكانيات الزوج محدودة. وهذا هو الواقع الذي يجب تأكيده للجميع ممن ينكرون فضل الأم العاملة وجهودها في تربية الأطفال تربية راقية وتلبية احتياجاتهم جنبًا إلى جنب مع الأب.
وتنشأ مشكلة العمل بدوام كامل أنه يأخذ وقت الأم وما يتبقى منه بعد تقسيمه لا يكفي من وجهة نظرها لتلبية رغبات أطفالها، وقضاء وقت طويل معهم وهنا تكمن الخطورة، لأن العمل بدوام كامل يجعل الأم العاملة وخصوصًا التي لها أطفال صغار يحتاجون إليها احتياجًا شديدًا، تشعر بالذنب بدرجة كبيرة جدًا بل ومخيفة أيضًا.
الصورة النمطية للمجتمع
يتوقع المجتمع الحديث من النساء أن يكن زوجات وأمهات مثاليات مع الحفاظ على تحقيق إنجازات عالية ومتتالية في العمل، وحصولهن على امتيازات كبيرة فيه وهو أمر يظلم الأم العاملة ويحملها ما لا طاقة به. لأنه لا مجال للمثالية في ظل هذه الظروف الصعبة. فلماذا يحملها المجتمع ما لا تطيق ويفرض عليها مثالية مستحيلة الحدوث على الرغم من اجتهادها، ومن بذل الطاقة والجهد اللازمان في سبيل تلبية رغبات واحتياجات أطفالها.
ما هي الآثار النفسية التي تترتب على شعور الأم العاملة بالذنب؟
الأمومة عالم جميل ولكنه يرتبط إلى حد كبير بمستويات عالية من التوتر والقلق وخصوصًا في هذا التوقيت الذي زادت فيه الضغوط على الأم العاملة وفي ظل عدم استيعاب المجتمع لها ولمشاكلها، الأمر الذي يزيد من احتمالات تعرضها لمزيد من التحديات التي ينتج عنها مزيد من العصبية والانفعال. ذلك بالإضافة إلى زيادة احتمالات تعرضها للاكتئاب بسبب سوء حالتها النفسية.
ولا تقف الآثار النفسية التي تترتب على شعور الأم العاملة بالذنب عند حد الإصابة بالكآبة النفسية والاكتئاب فقط بل يتخطى الأمر ذلك ليحدث العديد من الأمور السلبية الأخرى التي من أبرزها ما يلي:
السلوك العدواني مع الأطفال
يدل انفعال الأم العاملة وسلوكها العدواني الذي قد يكون جسديًا أو لفظيًا أو عاطفيًا، على معاناتها من الشعور بالذنب حيال أطفالها وتحول سلوكها إلى سلوك سلبي بسبب الكآبة النفسية التي تسيطر عليها جراء ذلك، وهذه الحالة تستدعي استشارة المختصين على الفور لأن ذلك يحرم الأطفال من الشعور بالأمان ويعوق الأم العاملة عن النجاح في العمل.
الشعور بالملل
لا شيء يضاهي شعور الأم بالأمومة فهي الغريزة الأقوى والمشاعر الأسمى والأغلى. ولكن ذلك لا يمنع من شعورها بالملل من هول ما عليها من أعباء. وهذه الحالة تشعر بها الأم العاملة عند الاستسلام للشعور بالذنب حيال أطفالها وشعورها بالفشل في تربيتهم.
الحرمان من النوم
من الطبيعي أن لا تنام الأم العاملة وهي مثقلة نفسيًا بالشعور بالتقصير مع أطفالها. ويعد الحرمان من النوم أحد العلامات القوية التي تكشف عن شعورها بالفشل ومن ثم شعورها بالذنب حيال أطفالها وهو أحد النتائج المترتبة على نفسيتها المتعبة.
المعاناة من مشاعر سلبية
كلما زاد شعور الأم العاملة بالذنب، زاد إحساسها بالقلق والإحباط والضيق، وانخفض الرضا الوظيفي ورضاها عن نفسها ما يجعلها تبدأ في التساهل مع طفلها تفاديًا للشعور بالذنب.
تدني احترام الذات
ومن التأثيرات النفسية التي تترتب على شعور الأم العاملة بالذنب، تدني احترامها لذاتها لأنها لا ترى إلا تقصيرها في حق أطفالها ما يقلل من قيمتها الذاتية في عيونها، وهي مشاعر صعبة ومرهقة جدًا لها تسبب لها الشعور بالاحباط.
كيف يمكن للأم العاملة التخلص من الشعور بالذنب؟
استراتيجيات المواجهة السلبية المتاحة لنا لمساعدة الأم العاملة في التخلص من الشعور بالذنب عديدة ولعل من أبرزها بحسب نصائح الخبراء ما يلي:
تحديد الأسباب
يجب على الأم العاملة تدوين يومياتها، وتحديد الأسباب التي تقف وراء شعورها بالذنب باعتبار ذلك البداية السليمة للتخلص من هذا الشعور المرهق جدًا لها ومن أي مشاعر سلبية أخرى تنتابها. كما أن تدوينها لما تشعر به بشكل تفصيلي يساعدها إذا استدعت الحالة زيارة المختصين لمساعدتها في التخلص من الشعور بالذنب الذي يتمكن منها.
الاستماع للأطفال
يجب على الأم العاملة التقرب من أطفالها أكثر والاستماع إليهم والانصات إلى رغباتهم، وتكوين علاقة صداقة قوية معهم لقتل أي فجوة موجود بينهم كما أنه سيجعل الأطفال قادرين على مصارحة الأم بما يشعرون به بسبب غيابها في العمل. وسيمكنهم من اخبارها بالكثير عن قرارتها معهم ومعرفة ما إذا كانت قرارات ناجحة أم لا.
الاسترخاء
يجب على كل أم عاملة أن تمنح نفسها فترة راحة بين الحين والآخر. وأن تحاول الاسترخاء بأي من الطرق المتاحة لها. وذلك بتخصيص بعض الوقت لإعادة شحن طاقتها سواء بالاستماع إلى الموسيقى أو ممارسة التأمل أو اليوغا.
ممارسة التعاطف مع الذات
على الأم العاملة أن تحب نفسها وأن تترأف بحالها من خلال ممارسة التعاطف مع الذات، وأن لا تكبر أخطائها، وأن لا تحكم على نفسها بالتقصير لأن شعورها بالذنب يحول بينها وبين الاعتراف بأي جهد مثمر قامت به لأطفالها وأسرتها ككل.
التواصل مع شريك الحياة
لابد وأن تحرص الأم العاملة على مشاركة مشاعرها مع الأب وأن تطلب منه الدعم في مواجهة كافة المشاعر السلبية المرافقة للشعور بالذنب حيال أطفالها. وذلك من خلال الحرص على وجود تواصل منتظم وفعال معه.
الاختلاط بأشخاص إيجابيين
على الأم العاملة أن تحيط نفسها بأشخاص إيجابيين سواء من الأهل والأقارب أو الأصدقاء، والبعد عن الأشخاص السلبيين الذين لا يفعلون شيئًا إلا إلقاء التهم على غيرهم، وممارسة النقد على نطاق واسع لأن الاستماع إلى هؤلاء الأشخاص هو آخر شيء من الممكن أن تكون الأم بحاجة إليه لأنها تكون بحاجة إلى أشخاص إيجابيين داعمين لها في كل المواقف.
وختامًا، يجب على كل أم عاملة أن تعلم أنها أم عظيمة تكافح بالداخل والخارج، وعليها أن لا تعطي فرصة للظنون بالعبث بها وبعواطفها. وأن لا تتردد في طلب المساعدة والدعم ممن يحبونها ويقدرون ما تقوم به من جهد.
مع تمنياتي لكل أم عاملة بتحقيق التوازن الذي تتمناه بين الأمومة والعمل،،،