خاص "هي": العلم في حياة المرأة
بقلم: ميرنا طراد حداد
كاتبة وناشطة في حقوق المرأة
منذ خلق الله المرأة أعدّها لتكونَ أمّا لأجيال الأرض في مختلف ألوان المجتمعات. ودور هذه الأم كبير جدا في عالم الوجود وحياة الإنسان. لأن هذه المرأة تعطي ما لا يستطيع أحد أن يعطيه، فهي تعطي الحياة!
يتكوّن الإنسان في أحشائها، ويتغذى من جسدها، ويمتص عروقها، وقد يولد منها سليما، فيما هي قد تسلم الروح، ولا تسعفها الحياة، فداء لهذا المولود الجديد!
المرأة نعمة الخَلق عند الله، في جميع الأديان السماوية، وفي المجتمعات كافة. أكرمها الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، فخلّد اسمها وذكرها في العالم حتى اليوم. لم توجد الحياة على الأرض، إلا بعد أن خلق الله المرأة، لتكونَ أمَّ الخليقة جمعاء.
هذه المرأة كتلة حنان وعاطفة، تتأثر المجتمعات والأجيال بتربيتها. لذلك، على المرأة أن تدرك قيمتها ودورها في حياة البشرية. فدورها جليل وحيوي ومبارك.
من أجل ذلك، يجب أن نزوّد المرأة بالعلم والمعرفة، كي تربّي عائلة، وتقدّم لأولادها النصح والإرشاد والتوجيه والرعاية والعناية. فإن كانت الأم جاهلة، فسيصعب عليها مواكبة أولادها وتقديم النصح لهم؛ وإن كانت متعلمة مثقفة، فستكون مرجعا صالحا لأولادها، وتزرع فيهم بذور الحكمة والمعرفة.
المرأة في حياة البشرية، ليست بالدرجة الثانية، وإنما في قمة هرم العائلة، مع الأب الراعي لهذه العائلة والأمّ المتعلمة تستطيع قيادة السفينة وحماية عائلتها من الأمواج العاتية، ومن كلّ ما يعترض طريق الإبحار في محيطات الحياة.
كيف تكون المجتمعات راقية، إن لم تتربَّ على أيدي الأمهات؟! مَن يستطيع أن يربي الأجيال منذ لحظة الولادة حتى في دروب الحياة، غير الأم التي تسهر الليالي، لتتأكد من أنّ ولدها يتنفّس ويغفو بسلام؟!
من غير الأم يقدّم النصيحة مجانا، ويضحي مجانا، ويحرم نفسه من لقمة العيش، من أجل سلامة خَلْق الله؟!
الأمّ تخوض معركة الوجود، وهي التي خُلقت لهذه المعركة. فكيف تخوض معركة من دون عناد؟! عتادها العلم والمعرفة والثقافة، لتمتلئ جعبتها بذخيرة تؤمنُ لها تحقيق الانتصار، لذلك لا تبخلوا على بناتكم بالعلم والترقي، فهنَّ قادرات علىا أن يُحوّلْنَ مُجتمعاتنا إلى أرقى المجتمعات!
في عالمنا اليوم، للمرأة دور إنتاجي مهم على صعيد الدول. فهي تستطيع بعلمها أن تقود الشركات والمؤسسات والجمعيات والمنتديات، وتعمل وتنتج لخيرها وخير عائلتها وخير مجتمعها ووطنها.
إذا فرح الرجال بأطفالهم ينادونهم "بابا"، فالفضل كل الفضل للأم التي علمتهم لفظ الحروف الأولى في حياتهم. فالأم جمعت لهم الحروف، وكوّنت لهم كلمة يلفظونها، فيفرح بها الآباء، وترتسم أصدق ابتسامة على وجوههم وهم يسمعون أطفالهم ينادونهم. فكيف إذا استطاعت الأم أن تُحصّلَ العِلم؟ عند ذلك، ستُركّبُ أجمل الكلمات، فتؤلّف جُملا تصلح لكتاب، في مسيرة تربيتها لأطفالها.
وإذا كان الرجل، ينتقي كلمات العاطفة ليقولها لحبيبته، فبالطبع، سيكون لحبيبته فضلُ الوحي الذي يجعله يشعر تجاهها بأصدق وأجمل الأحاسيس. لا تعتقدوا أنّ الرجلَ الراقي يختار المرأة الصامتة التي لا تشعر ولا تعبّر، إنما ما يسرق قلب الرجل، هو ذكاء المرأة وعلمُها، لأنّ بين يديها سيترك فلذات كبده، وهو مطمئن البال.
إذا أردتم أن تقيسوا مستوى الشعوب، فاتخذوا من المرأة مقياسا للقيم. الرجل الناجح والمثقف والقائد هو وليد امرأة سهرت على تربيته، وقدمت له كل مبادئ المعرفة والعلم. يقول أحد الأدباء الكبار كانت أمي تدرسني، أحفظ وأُسَمّع لَها دروسي، ولم أكن أعلم أنها لا تُحسنُ القراءة، حتى وصلت إلى السنة الجامعية الأولى. فقد كانت توهمني أنها تتابع في الكتاب ما حفظته أنا عن ظهر قلب، ولكنها لم تكن تقرأ. أوهمتني بذلك كي أثق بأنّها تقودني نحو سلّم النجاح!
والعالم الكبير "توماس إديسون"، الذي طرده مدير المدرسة، وحمّله رسالة مغلقة لأمه. حين وصل إلى البيت، وسلّم الرسالة لأمه "نانسي إليوت"، دمعت عيناها، فسألها عن مضمونها، وأجابت: "يقول المدير: ابنك عبقري، هذه المدرسة متواضعة جدا بالنسبة له، وليس لدينا معلمون جيدون لتعليمه.. من فضلك، علّميه في المنزل".
عانقت نانسي ولدها "توماس إديسون"، ووعدته بأنها ستهتم بتعليمه بنفسها. هذا لأنها كانت متعلمة جيّدا. وبعد عام ابتكر أوّل اختراعاته في مجال نقل إشارات التليغراف.
بعد بضع سنوات، توفيت والدته، وكان "إديسون" قد أصبح مخترعا كبيرا. وجد الرسالة في خزانة والدته وفي بطانة إحدى جيوبها. قرأ الرسالة، وإذا فيها: "ابنك مريض عقليّا، ولا يمكننا السماح له بالذهاب إلى المدرسة بعد الآن".
بكى "إديسون" بمرارة، ولاحقا كتب في مذكراته: " توماس ألفا إديسون كان طفلا مريضا عقليّا، ولكن بفضل أم بطلة أصبحَ عبقري القرن".
أرأيتُم ما هو دور العلم في حياة المرأة؟! وأمثلة كثيرة تؤكد أن المرأة المتعلمة لها الفضل في قيادة الشعوب. ألا يقول الأديب اللبناني العالمي جبران خليل جبران: "تهز الأم سرير ابنها بيمينها، وتهز العالم بيسارها؟!". نعم، إن كانت الأم متعلمة، تَهزُّ العالم بتربية أولادها ليصيروا عظماء مُجتمعاتهم والعالم، ومعهم يتحضّر العالم كله، وإن لم تكن كذلك، تهز البشريّة نحو الخراب! هل ما زلنا نتساءل عن دور العلم في حياة المرأة؟! يقول المفكر اللبناني فوزي عساكر: "علموا بناتكم تسلم مجتمعاتكم وتتحضر"!
لذلك، لا تحكموا على المرأة بأنها عنصر ضعيف في هذا الكون. فإن كانت هي التي من رحمها تعطي الحياة للعظماء، والعظماء للحياة، فهذا يعني أنّ المرأة مصنع الرجال في العهود الغابرة، كانت طبيعة العمل البشري تعتمد على القوة الجسدية. لذلك كان الرجلُ وحده المنتج في حياة العائلة، والمرأة أمّا كانت أم ابنة أم أختا، إنما كانت مُجرّدَ خادمة في قلب العائلة. أمّا اليوم، فأصبحت المرأة المتعلمة خادمة البشرية، ومطوّرة لحياة هذه البشرية. أصبحت المرأة المتعلّمة قادرة ومن دون قوة جسدية، أن تستثمر قوتها العقلية وفكرها اللامحدود، لتمنح العالم خدمة كبرى، ألا وهي التطوّر المستمرّ من خلال التفكير والبحث والتخطيط والإدارة.
وإن كانت القوة الجسدية فقط للرجل، فهو يستطيع أن يستخدم قوته الجسدية وينتج، أما المرأة، فبقوّة إدراكها وعقلها وعلمها تستطيع أن تُنتج ومن دون لزوم للقوة الجسدية.
المجتمع الصحيح، هو الذي تتكافأ فيه الفرص بين الرجل والمرأة. فما أجمل أن يتلاقى مستوى العلم والمعرفة بين الرجل والمرأة، لتنجح العلاقة الزوجية بينهما، وليستطيعا أن يوجها أولادهما نحو مستقبل أفضل، على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد الوطني.
کم أسهمت المرأة في صناعة الأدوية، فخففت من آلام البشرية؛ وكم أسهمت في وضع رؤية للمناهج التربوية، فطوّرَت أساليب التعليم في الكثير من الدول.
فإذا كانت المرأة مربية متعلمة، تنجح في مجتمعها كما تنجح في عائلتها، وتزداد مجتمعاتنا رقيّا كلّما ارتقى المستوى العلمي للمرأة!
ولحسن الحظ، أننا نلاحظ تطوّرا في مُجتمعاتنا العربية، بفضل الوعي والانفتاح لدى الحكام، فصار للمرأة المتعلمة مكان ومكانة، وهذا الوعي لدى الحكام يبشر بوسع الطريق نحو حضارة عربية قد تضاهي حضارات العالم. نحن لا ينقصنا العقل والقدرة، ولكن تنقصنا الفرص ليُتاح لنا التقدّم. وهذه الفرص بدأت تُعطى، والأمل كبير في السنوات القادمة.
وليس على المرأة أن تطلب حق الحصول على العلم، وإنما يجب أن تنال هذا الحق من العائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة على السواء، فعائلتها الصغيرة أهلُها، وعائلتها الكبيرة المسؤولون في مجتمعها. فالأرضُ لا تطلب أن تُزرَعَ، بل هي مؤهلة لو بادر الزارع بذلك. والرجل هو صاحب المبادرة، فإن أعطى كل الدعم لتعليم المرأة وتثقيفها، فسيفتخر حتما بأن له أما وأختا وزوجة وابنة، ترفع الرأس وتكون فخرا للأمة.
كما أنّ لتعليم المرأة أهميّة كبرى في أن تساعد زوجها في الإنتاج من أجل تأسيس عائلة، وهكذا توفّرُ لعائلتها مزيدا من الإمكانيات لتحقيق الأمنيات.
وفي أسوأ الظروف إن كانت المرأة متعلمة، ومات زوجها، تستطيع أن تكونَ المعيل القوي للعائلة من دون أن تستجدي الرغيف وحبّة الدواء من الآخرين، وبعلمها تستطيع أن تعيل عائلتها، وتبرز كسيدة مجتمع تعرف ما تريد ومتى تريد، وتحقق لعائلتها الاكتفاء والنجاح والحياة الكريمة.
إننا نتطلع إلى مستقبل تطور الأجيال من خلال مستقبل تطور المرأة، لأنـها ستكون هي من ربّى هذه الأجيال بوعي، تام وأسهمت مساهمة كبرى في الرقي والمعرفة والتطوّر والازدهار. عند ذلك، سنهنّئ أنفسنا وأوطاننا بنسبة التقدم الذي سنصل إليه وتحققه من خلال المرأة المتعلمة. يقول الله، عزّ وجلّ: (يرفعُ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) {المجادلة / 11}.
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلّم: (مَن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له طريقا إلى الجنة).
أبَعْدَ كلِّ هذا نسألُ ما أهمية العلم؟! ونسألُ لماذا نعلّم المرأة؟!
إن الله سبحانه تعالى سيرضى عن مجتمع يؤمن بالعلم، ويكرم المرأة لتكونَ مملوءة بالعلم والمعرفة، فتُغني عائلتها ومجتمعها ووطنها وتحقق ذاتها.