ما هي الإيجابية السامّة ؟ وما علاماتها؟ وكيف تتغلبين عليها لتطوير ذاتك؟
قال الكاتب ميلو بوب، ضمن مقاله الذي نشرته صحيفة "ديلي ميل"Daily mail البريطانية، إن علماء النفس يقترحون أن "الإيجابية السامّة" التي تنطوي على التمسك بعقلية إيجابية بغض النظر عن خطورة الموقف لا تقل خطورة عن السلبية السامّة.
فرغم وجود العديد من الفوائد لامتلاك نظرة إيجابية، فإن الحياة ليست دائمًا إيجابية ووردية، وقد نمر جميعًا بمشاعر وتجارب مؤلمة؛ وهذه المشاعر مهمة أيضًا، ويجب التعامل معها بشكل فعال وعدم رفضها ودفنها خلف قناع التفاؤل والإيجابية.
وحول تأثير الإيجابية السامّة على الناس، تقول اختصاصية العلاقات الزوجية والأسرية سامارا كوينتيرو إنه "من خلال إنكار حقيقتنا، نبدأ في العيش بشكل غير صادق مع أنفسنا ومع العالم. نفقد الاتصال بأنفسنا، مما يجعل من الصعب على الآخرين التواصل معنا. وحتى مع إظهار الشجاعة والصمود في وجه الصعاب، يعيش هؤلاء الأشخاص من الداخل حالة رهيبة من الخوف ويكونون بحاجة ماسة إلى الحنان والمؤازرة".
لذا دعينا نتعرف على معنى الإيجابية السامّة، وما هي علاماتها؟ وكيف تتغلبين لتطوير ذاتك بخطوات ثابتة، وذلك من خلال أخصائي الطب النفسي الدكتور كريم فرح من القاهرة.
ما معنى الإيجابية السامّة؟
أوضح دكتور كريم، أنها الاعتقاد بأنه بغض النظر عن مدى صعوبة أو شدة الموقف الذي نمر به يجب علينا الحفاظ على عقلية إيجابية ورفض المشاعر السلبية، وهو نهج "المشاعر الإيجابية فقط" في الحياة.
كذلك تُعرف بأنها التعميم الشامل والمفرط لمفهوم السعادة والتفاؤل، ما يؤدي ذلك إلى حالة من النُكران، والتقليل من شأن المشاعر البشرية الفطرية الأخرى، كالحزن والألم والخيبة.
الإيجابية السامّة في عدّة أشكال
وأضاف، تأتي الإيجابية السامّة في عدّة أشكال وصور، حيث يمكّننا اختصار هذه الصور في الأمثلة التالية:
- تجاهل، وإخفاء والتقليل من قيمة مشاعرك الحقيقية التي تشعرين بها في لحظة معيّنة.
- الإحساس بالسوء أو الخجل أو تأنيب الضمير تجاه مشاعركِ الحالية، وخصوصًا إذا كانت مشاعرك سلبية كالحزن أو الألم أو الغضب.
- ارتداء قناع مزيّف أمام الآخرين لإخفاء مشاعرك الحقيقية.
- التظاهر بأن كل شيء على ما يرام في الوقت الذي لا يكون فيه كذلك.
- التقليل من شأن مشاعر الآخرين والاستهزاء بها.
- الإساءة للآخرين وفضحهم لأنهم يحسون بمشاعر سلبية.
- الاستهانة بتجارب الغير وعدم الاعتراف بأنهم يعانون من مشكلة حقيقية، أو يشعرون حقًا بالألم أو الخيبة.
- المبالغة في استخدام الاقتباسات والعبارات التحفيزية الإيجابية في غير مكانها.
علامات الإيجابية السامّة
أوضح دكتور كريم، أنه لتجنب هذا النوع من المواقف، إليكِ بعض العلامات المنبّهة عن الإيجابية السامّة سواء في العمل أو المنزل، وذلك على النحو التالي:
الابتسامة
لمجرد أن الشخص يبتسم لا يعني بالضرورة أنه سعيد. وإخبارك أحدهم بالابتسام فقط عندما يشعر بالإحباط دليل على عدم التأثر واللامبالاة؛ ويمكن أن يجبرك ذلك الشخص على دفن مشاعره.
"أنا مشغولة للغاية"
إن إخبار كل شخص في حياتك باستمرار أنك مشغولة جدًا وبالكاد لديكِ الوقت لأي شيء آخر يُمكن أن يجعلك تبدو أنكِ لا تهتمي سوى بنفسك. وقد يعني ذلك، أن الشخص الذي يحتاج إلى مساعدتك سيتجنب إخبارك لأنه لا يريد أن يثقل كاهلك أكثر.
قول: "عليك أن تكون شخصًا إيجابيًا"
إن الحفاظ على نظرة إيجابية للحياة أمر مهم بالطبع. لكن الإيجابية قد لا تكون عاملًا مساعدًا في حل المشكلة المطروحة؛ وإخبار شخص ما أن يظل قويًا وإيجابيًا لن يسمح له باستكشاف مشاعره الحقيقية.
الإفراط في الثناء على شخص ما
إن تهنئة أحدهم على فقدانها للوزن قد يجعلها تشعر، وكأنه يبدو حسن المظهر فقط عندما يكون وزنها أقل، وأنك غالبًا ما تنظرين إليها على أنها شخص بدين.
إخبار شخص ما بأنه يجب أن يكون ممّتنا لما لديه
عندما يخبركِ شخص ما بمشكلة يواجهها، فإن إخباره بتجاهل ما يشعر به، والتركيز بدلًا من ذلك على ما يمتّن له في حياته قد يتسبب في ضرر له أكثر مما تعتقدين.
إخبار شخص ما أن وظيفته أصعب بكثير من وظيفتكِ أو العكس
رغم أنكِ قد تعتقدتن أن مشاركة المصاعب التي تواجهينها في حياتك ستساعد شخصًا آخر يعيش وضعية مشابهة، فإن قول إن حياتك أصعب بكثير من حياته ويجب عليه استيعابها بشكل أساسي يُمكن أن يكون إشكالًا في حد ذاته.
الوصول إلى الإيجابية النافعة الحقيقية بهذه الطرق
أكد دكتور كريم، أن التغلب على الإيجابية السامة، والوصول إلى الإيجابية الحقيقية النافعة، يتطلب اتباع الطرق التالية:
اعترفي بمشاعركِ ومشاعر الآخرين وتقبليها
أحيانًا، كلّ ما يحتاجه أحدهم هو أن يتم تقبّل مشاعره والاعتراف بها؛ لكن قبل، أن تتقبّلي مشاعر الغير، عليك أولًا تقبّل مشاعرك الخاصّة لأنك إن لم تفعلي، ولم تواجهيها ستعود إلى السطح من جديد ولكن بشكل أسوأ وأكثر إيلامًا.
وبمجرد أن تعترفي بمشاعرك، فأنتِ ستطلقين سراحها، وتسهمين في التخلّص منها بطريقة صحيحة، فلا تعود للظهور من جديد. لكن ذلك لا يعني أن تغرقي إلى الأبد في المشاعر السلبية.
فضلًا عن ذلك، اسمحي لمشاعرك السلبية بالظهور، واعترفي بها وتقبّليها، لكن لا تجعليها تصبح جزءًا متأصلًا فيكِ، أو تُعبّر عن شخصك. على سبيل المثال، بدلًا من القول: "أنا حزينة"، استخدمي عبارة أفضل: "أنا أشعر بالحزن"؛ هكذا فأنتِ لا تربطي مشاعرك بشخصيتك وتُلصقيها بكِ، وإنما تعبّرين عنها باعتبارها شيئًا منفصلًا عنكِ، ما يساعدك ذلك على تجاوزها سريعًا.
الضعف أحيانًا يبني روابط قوية
أحيانًا حينما يراكي من حولك متفائلة وإيجابية دومًا، فقد يجدون صعوبة في التواصل وبناء روابط قوية معكِ. وهذا الأمر قد يُشعرهم في كثير من الأحيان بالإحباط والحزن، وبأنهم بعيدون جدًا عنك.
عمومًا ليس المقصّد من هذه النقطة أن تمشي يائسة ومحبطًة وغاضبة طوال الوقت؛ بالطبع لا! لكن الفكرة هي أن تُتيحي للآخرين رؤية جوانب مختلفة من شخصيتك.
التعاطف وليس خطابات التحفيز والمواعظ
يُقصد بالتعاطف، القدرة على تفهّم مشاعر الآخرين ومشاركتهم آلامهم وأحزانهم. أو بمعنى آخر، القدرة على وضع نفسك مكانهم.
في الحقيقة جمل بسيطة مثل: "أعلم كم الأمر صعب عليك" أو "أشعر بالأسف لأنك تمرّ بهذه الظروف" مثل هذه الجمل كافية في الكثير من الأحيان، وتترك أثرًا أفضل بكثير من كل خطابات التحفيز ومواعظ رفع المعنويات.
استخدام سلّم المشاعر
سلّم المشاعر، هو مقياس يوضح تدرّج المشاعر المختلفة، بحيث يبدأ بمشاعر العار والخجل من الذات في القاع، وينتهي بالتنوّر وأقصى درجات السعادة في الأعلى، في حين تتوزع بقية المشاعر الأخرى.
وفي هذا الشأن، أغلبية خبراء التنمية البشرية يتحدثون عن فكرة الوصول إلى "الشعور الأفضل التالي" وهو بالذات ما يجب أن تتعلمي فعله؛ كيف ذلك؟
حسنًا، إن كنتِ مثلًا تحسّين بالغضب، سيكون من الصعب للغاية أن تنتقلي من مكانك هذا على مقياس المشاعر إلى البهجة بقفزة واحدة. لذا يُمكنك صعود السلم تدريجيًا، درجة درجة، فتنتقلي من الغضب إلى الكبرياء ثم الشجاعة، ثم الحياد، يليه الاستعداد للتغيّر، وبعدها التقبّل ثم الحكمة والشعور بأنكِ محبوبة، وأخيرًا الوصول إلى السعادة أو البهجة.
عمومًا قد يستغرق منك هذا الأمر أسابيع وأشهرًا بل وربما سنوات، بحسب درجة الغضب الذي تشعري بها وأسبابه، لكنها رحلة تستحقّ أن تخوضيها، لأنك بمجرّد أن تصلي إلى مرحلة البهجة بعد المرور بالمراحل التي تسبقها، ستكوني قد وصلتي إلى مشاعر بهجة حقيقية تمامًا وسيكون من الصعب فقدانها والعودة إلى القاع من جديد.
اختيار الوقت المُناسب
أن تكوني إيجابية، أمر رائع حقًا، وأن تشجّعي أصدقائك ببعض العبارات المحفّزة له منافعه بكلّ تأكيد؛ لكن عليكِ أن تختاري التوقيت المناسب لذلك. بداية عليكِ أن تتيحي لنفسك أو للآخرين الإحساس بمشاعر الألم والحزن، والتعبير عنها، ثم يُمكنك بعدها أن تبدأي في بناء نفسك وغيرك من جديد من خلال الخطابات الإيجابية، والكلام التحفيزي؛ وحينها فقط تصبّح الإيجابية حقيقية غير مزيفة ولا سامة.
الإصغاء والاستماع شيء رائع للغاية
في كثير من الأحيان نفرض أو تُفرض علينا مشاعر التفاؤل، لأننا أو لأن الطرف الآخر لا يعلم ما يجدر به قوله في موقف معين. لا شك أنكِ كنتِ في مثل هذا الموقف يومًا ما؛ لذا تذكري في مثل هذه اللحظات أن "الاستماع والإصغاء" هو شيء بالفعل جيد ورائع للغاية لتقومي به؛ وأنصِتي إذن إلى ما يقولونه، وامنحي هذا الشخص المتألم وقتًا ومساحة ليعبّر بحرية عما يشعر بما بداخله دون خوف من أن يتعرض للانتقاد أو إطلاق الأحكام المجّحفة بحقه.
التواجد الفعلي مع من يحتاجك
حينما يمرّ أحدهم بظروف صعبة، وتجدينه يتألم ويعاني، فهو في غالب الأحيان لا يحتاج منكِ شيئًا أكثر من وجودك إلى جانبه. فهو لا يحتاج منك أن تحلّي مشاكله أو تساعديه على تخطّيها، ولكن يهمّه أن يعرف أنكِ تدعميه ولن تتخلّى عنه مهما كانت الظروف. لذا فجملة بسيطة مثل: "أنا معك هنا، وإذا احتجت إليّ ستجدني إلى جانبك دومًا"؛ قد يكون لها أثر عظيم يفوق كل شيء آخر قد تحاولين فعله.
وأخيرًا، الأمر لا يتعلّق بالإيجابية أو السلبية؛ ولا يتعلق بأن تكوني متفائلة على الدوام أو متشائمة طوال حياتك، وإنما ما يهم حقًا هو أن تكوني صادقًة مع نفسك ومشاعرك في كل الأوقات. وإن كنتِ شخصًا يرى الجانب الممتلئ من الكأس في كل شيء، فهذا أمر رائع بلا شكّ، لكن تأكدي أن مشاعرك هذه ليست على حساب أحاسيس أخرى تكتميها وتكبتيها.