ماريسا بير، معالجة نفسية

"أنا كافٍ": القوة الخفية التي تعيد تشكيل حياتك وتحدد قيمتك الذاتية

جويل تامر

"ماريسا بير"، المعالجة النفسية الرائدة وكاتبة الكتب الأكثر مبيعًا، تُعتبر من الأسماء اللامعة في عالم الصحة والرفاهية. فعلى مدار ثلاثين عامًا، ساهمت في تحويل حياة العديد من الأشخاص، بدءًا من نجوم السينما العالميين ورؤساء الشركات الكبرى، وصولاً إلى الرياضيين الأولمبيين، من خلال نهجها الفريد والمبتكر المعروف بالعلاج التحويلي السريع (RTT®) فتأثيرها في هذا المجال لا يُقدّر بثمن، حيث تفتح أبواب التغيير والشفاء للعديد من الأشخاص.

في عام 2013، أطلقت حركة "أنا كافٍ"، التي تُشعل شرارة الثقة بالنفس في قلوب الناس، وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة لتحسين علاقاتهم، وتعزيز مسيرتهم المهنية، ورعاية صحتهم الجسدية والعقلية، وتعزيز تقديرهم لذاتهم. تسعى الحركة إلى إزالة الحواجز التي تعترض طريق الوفرة والثروة، لتمكين الأفراد من تحقيق أحلامهم. ومؤخرًا، أضافت إلى رؤيتها برنامج العضوية الجديد "نمو وتحوّل"، الذي يُلهم المشاركين للانطلاق نحو رحلة تحول شاملة وحياة مليئة بالإمكانات والنجاح.

وبعد أن حققت نجاحًا بارزًا في عيادتها الخاصة وأسهمت في تحويل حياة آلاف العملاء، أسست ماريسا في 2015 أكاديمية العلاج التحويلي السريع (RTT®) ، لتكون منارة تعليمية تبث الأمل وتدعم التغيير. وقد تمكنت من تدريب أكثر من 17,000 معالج ومدرب وممارس حول العالم، مما يساهم في نشر أساليبها الفعالة وإحداث أثر إيجابي في حياة العديد من الأفراد.

في حديث خاص لـ"هي" تقول "ماريسا بير": تشرفت بالعمل، طوال عقود، كمعالجة نفسية مع حالات من كل أطياف الحياة — من الملوك ونجوم الروك إلى القادة التنفيذيين والرياضيين — حيث ساعدتهم على تجاوز تحدياتهم، وتحرير قدراتهم الحقيقية ليصلوا إلى أقصى إمكانياتهم.

وكانت المشكلة الأكثر شيوعًا التي تواجهها سواء كانت تتعامل مع نجم سينمائي عالمي أو رائد أعمال بسيط ليست الإدمان أو القلق أو الاكتئاب، بل نقص الإحساس بالقيمة الذاتية؛ إنها أصل كل معاناة.

وتلفت "بير" الى أن "هذا الاعتقاد الخفي والعميق يستحوذ على حياتهم، ويجعلهم يشعرون بعدم كفايتهم، ويظهر أُثر ذلك على حياتهم في صور متعددة، من تخريب الذات والدخول في علاقات سامة مع الآخرين إلى التعرض لأزمات صحية والمعاناة المستمرة طوال مسيرتهم المهنية. إنه كظل خفي يلاحقهم في كل جانب من جوانب حياتهم. ولكن ما توصلت إليه هو أنه عندما تُحوِّل هذا الاعتقاد - عندما تعتنق بعمق فكرة "أنا كافٍ" - فإن كل شيء في حياتك يبدأ في التحول!".

لهذا السبب، في عام 2015، أطلقت حركة "أنا كافٍ"، التي أصبحت تجسيدًا لظاهرة عالمية، حيث بدأ الملايين من الناس حول العالم بتدوين تلك الكلمات الملهمة على مراياهم، لتكون بمثابة إعلان لإعادة تشكيل حياتهم وتغييرها جذريًا.

سر عبارة "أنا كافٍ" في تشكيل حياتنا

تُشدد "بير" على أن "شعور عدم الكفاية ينغمس في أعماقنا غالبًا بسبب رسائل تلقيناها، سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، من خلال تجارب الطفولة، أو ضغط المجتمع، أو العلاقات، التي تشير إلى أننا لم نكن يومًا على المستوى المطلوب أو لم نرقَ إلى التوقعات. قد يتعرض هؤلاء الأشخاص لمواقف مقارنة مع أشقائهم أو أصدقائهم، أو نشأوا في بيئة تنتقدهم باستمرار، أو واجهوا مرارات الرفض والتنمر. ورغم اختلاف الأسباب، فإن النتيجة دائمًا واحدة: اعتقاد راسخ في أعماقهم بعدم الكفاية، يظل يطاردهم كشبح متخفي. والحقيقة أنه عندما تؤمن بأنك غير كافٍ، فإنك تتصرف بطرقٍ تؤكد هذا الاعتقاد - لأنك أولاً تشكّل معتقداتك، ثم تأتي معتقداتك لتشكّلك - فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعتقد أنك لا تستحق الحب، فغالبًا ما سترفضه، أو تدخل في علاقات غير صحية، وكأنك تعاقب نفسك!". 

إذا كنت ترى بداخلك أنك غير قادر، فسوف تتراجع عن اقتناص الفرص الذهبية التي تظهر أمامك، سواء كانت وظيفة الأحلام، أو ترقية تغير مجرى حياتك، أو حلم بدء مشروعك الخاص. وإذا شعرت بأنك لا تستحق السعادة، فإنك ستعمد إلى تخريب كل لحظة فرح تمر بها، كما لو كنت تقطع الجسور التي تربطك بكل ما هو جميل في هذه الحياة!

لا يرتبط هذا الشعور برغبتك في الفشل، بل يرتبط بكون عقلك ناضجًا للغاية، وأنه جاهز لتحويل معتقداتك إلى واقع حقيقي.

أُبشرك بأنه يمكنك أن تغير معتقداتك وتعيد برمجة عقلك ليفكر في مصلحتك بدلًا من أن يكون عقبة في طريقك. فعندما تبدأ في ترديد عبارة "أنا كافٍ" وتؤمن بها بصدق، وتنغمس في هذا الشعور، ستجد أن أفعالك وحياتك تسير بما يتماشى مع هذا الاعتقاد، مما يجعله حقيقة تعيش بها.

كيف يُشكل تقدير الذات تفاصيل حياتنا؟

العلاقات

تتجلى قيمة الذات بأروع صورها في العلاقات التي ننسجها مع المحيطين بنا. فعندما تشعر بأنك غير كافٍ، يتسلل هذا الشعور إلى زوايا علاقاتك، سواء كانت رومانسية أو صداقة، محولًا إياها إلى تجارب مؤسفة. قد تقبل بأقل مما تستحق، أو تسمح للآخرين بإساءة معاملتك، أو تظل عالقًا في دوامة سامة، لأنك في أعماق قلبك تشعر بأنك لا تستحق شيئًا أفضل. هذه الحلقة المفرغة تعزز من ضعف تقدير الذات، مما يحتم عليك البحث عن جوهرك الحقيقي وقيمتك الفريدة، وتأثيرها المباشر على علاقاتك وبيئتك الاجتماعية.

لقد شهدت هذا النمط يتكرر مرارًا: أشخاص ينجذبون لشركاء لا يُحسنون معاملتهم على الإطلاق، أو يهربون من علاقات صحية خوفًا من رفضهم في نهاية المطاف! فما سبب ذلك؟ لأن بداخلهم صوت يهمس لهم: "أنا غير محبوب، أنا لا أستحق حبًا حقيقيًا". هذه الفكرة تقودهم إلى سلوكيات سيئة، حيث تمنعهم من الاستمتاع بالروابط الإيجابية وتعزز من دوامة الأزمات العاطفية.

لكن عندما تقتنع بأنك كافٍ، ستبدأ في رفع معاييرك وتوقع المزيد من علاقاتك، مُطالبًا بأن تُعامل كما تستحق.

يمكنك حينها وضع حدود واضحة، وتجذب شركاء يقدرونك ويحتفون بك، لأنك تشع بثقة لا تُضاهى. تُحب نفسك بما يكفي لتبتعد عن أولئك الذين لا يمنحونك اللطف والاحترام الذي تستحقه. وهكذا، تبدأ في تجربة الحب، حيث يسود الاحترام المتبادل وتتجلى مشاعر عميقة من الترابط والانسجام.

المسيرة المهنية والنجاح

لقد تعاملت مع العديد من الكفاءات الذين يمتلكون المواهب والمهارات والخبرات اللازمة للنجاح، ولكنهم قيدوا أنفسهم في مسيرتهم المهنية بسبب شكوكهم الذاتية التي أعاقت مستقبلهم، بل ودمرته في كثيرٍ من الأحيان!

إنهم لا يرون أنفسهم جديرين بالنجاح، مما يعيقهم عن تحقيق إمكاناتهم الحقيقية واستنفار طاقاتهم الكاملة.

عندما تفتقد الإيمان بكونك كافيًا، تجد نفسك مترددًا في السعي وراء ترقية، أو التقدم لوظيفة جديدة، أو حتى طلب زيادة في راتبك، وقد تتجنب ببساطة شغل الأدوار القيادية. كثيرًا ما يشعر الأشخاص الذين يعانون من ضعف تقدير الذات بأنهم مجرد متظاهرين، ويخافون من أن يُكتشف عدم كفاءتهم الحقيقية، مما يدفعهم إلى عدم استغلال الفرص التي يستحقونها، بدلًا من الانطلاق نحو آفاق جديدة.

على الجانب الآخر، عندما تؤمن بقناعة أنك كافٍ، يتحول طابعك إلى ثقة وجرأة واستعداد لمواجهة المخاطر. تزدهر حياتك المهنية، إذ تتخلى عن قيودك القديمة وتدرك أنك تستحق كل ما تسعى إليه، فتبدأ في السعي نحو تحقيق أهدافك بلا تردد، مُطلقًا العنان لإمكاناتك الحقيقية.

لم تعد تخشى الفشل، لأنك تدرك أن قيمتك الذاتية لا تتعلق بأخطائك أو نكساتك. تتمتع بمرونة داخلية وثقة راسخة بقدراتك، مما يمكّنك من المضي قدمًا بلا تردد، أيًّا كانت التحديات التي تواجهك.

الصحة والرفاهية

صحتنا الجسدية على علاقة وثيقة بصحتنا العاطفية والنفسية. لقد التقيت ببعض العملاء الذين واجهوا مشكلات صحية مزمنة، أو تحديات في الوزن، أو حتى إدمان، وكلها بسبب شعور عميق بداخلهم بعدم تقدير ذاتهم. هذه الروابط تكشف كيف يمكن أن تؤثر مشاعرنا الداخلية على صحتنا الجسدية، مما يُحتّم ضرورة معالجة الجوانب النفسية لتحقيق الشفاء والتوازن الشامل.

على سبيل المثال، عندما تشعر أنك غير كافٍ، قد تجد نفسك غارقًا في سلوكيات تؤذي جسدك، مثل الإفراط في تناول الطعام، أو التقليل منه، أو حتى تعاطي المخدرات، أو إهمال صحتك الجسدية. وهذا ليس غريبًا أن يلجأ بعض الأشخاص إلى الطعام أو الكحول أو غيرها من المواد لتخفيف وطأة مشاعر النقص، أو لملء الفراغ العاطفي الناتج عن عدم حب الذات!

عندما تبدأ في تقدير نفسك ومعرفة قيمتك الحقيقية، يصبح جسدك هو مرآة حياتك. تختار خيارات صحية بدافع الحب، وليس بدافع الواجب أو الخوف، لأنك تدرك أنك تستحق تجربة الحياة بأقصى درجات الرفاهية. تمارس التمارين بشغف، وتختار الأطعمة التي تغذي روحك قبل جسدك، وتخصص لحظات للعناية بنفسك كأنك تحمي كنزًا لا يقدر بثمن. في كل خطوة تخطوها، تعبر عن احترامك لجسدك، مُجسدًا بذلك فهمك العميق أنك تستحق كل الرعاية والمحبة.

السعادة والرضا

الأشخاص الذين يشعرون بعدم كفايتهم يعيشون في دوامة من السخط المستمر، مهما حققوا من إنجازات ملموسة! فقد تصل إنجازاتهم إلى آفاق عظيمة، ولكنهم يظلون عالقين في شعور دائم بعدم الاكتفاء، وكأنهم لم ينجحوا! يشعرون وكأنهم في سباق لا ينتهي، فالسعادة حينها تُصبح مجرد سراب بعيد، لأنهم في أعماقهم لا يصدقون أنهم يستحقون الفرح والإنجازات.

عندما تؤمن بنفسك، ستتوقف عن الركض وراء الآخرين لإشباع ذلك الفراغ الداخلي. وستسعى إلى البحث عن السعادة بداخلك، بغض النظر عن الظروف المحيطة بك!

عندما تدرك أن السعادة ليست شيئًا تحتاج إلى السعي وراءه، بل هي جزء متأصل بداخلك، وتستغرق في هذا الشعور، ستبدأ في الإقبال على الحياة بكل تفاصيلها. ستجد البهجة في اللحظات الصغيرة، وتشعر بنور داخلي يضيء دربك، مما يعزز من تقدير كل تجربة تمر بها، ويجعل قلبك يفيض بالامتنان لجمال الحياة بكل تعقيداتها.

كيف تحتضن مفهوم "أنا كافٍ"

إن تغيير قناعتك الراسخة إلى "أنا كافٍ" سيحتاج إلى وقت، لكن عقلك يتعلم بالتكرار؛ فالأمر ليس مجرد خرافات، بل هو علم الأعصاب وفيزياء الكم. يمكنك إعادة تشكيل عقلِك وغرس شعور عميق بقيمة الذات و"الكفاية"، مما يجعلك تحطّم القيود القديمة، وتكوين نظرة جديدة لحياتك.

ابدأ بالتركيز على أنماط التفكير السلبية والسلوكيات التي تنشأ من شعورك بنقص قيمة الذات. كلما وجدت نفسك تكرر أفكارًا مثل "أنا لست جيدًا بما يكفي" أو "لا أستحق هذا" أو "أنا فاشل"، تصدى لتلك الأفكار بشجاعة. استبدل تلك الأفكار بتأكيد قوي: "أنا كافٍ"، ودع هذه العبارة تنغمس في كيانك، محولة الشكوك إلى إشراقة جديدة من الثقة والقوة.

اكتبها وكأنك ترسم ملامح مستقبلك. انطقها بصوتٍ يحمل قوة يقينك. اجعلها تزين مرآتك، تراها كل صباح، أو خلفية لهاتفك لتذكّرك في كل لحظة أنك كافٍ. احط نفسك بهذه القناعة كما تحيطك السماء، حتى تتسلل إلى أعماقك وتغرس جذورها في عقلك. والأهم من ذلك، عش وكأنك تؤمن بها بكل خلية في جسدك، وكأنك تعيش هذه الحقيقة التي لا تهتز.

لا تفوت أي فرصة تأتي أمامك، اغتنمها فورًا، وحارب لأجلها لأنك تعرف أنك تستحقها وبجدارة، بادر بالتقدم للوظيفة التي طالما رغبت بها، تحرر بكامل طاقتك الجسدية والنفسية من أية علاقات سامة تعزز أي مشاعر سلبية بداخلك "نفسك أولًا"؛ قدّم لنفسك ما تستحقه من رعاية واهتمام وحب وتقدير ذات. وحينما يتأصل هذا الشعور بداخلك وكأنك تتنفسه بحق، ستستشعر التغيير الحقيقي وكأن تلك الخطوة هي حجر أساس لحياتك الجديدة، ستتبنى فكرًا لحياة تزدهر بالثقة والكرامة وتجسيد لمفهوم "أنا استحق" .

ومع مرور الزمن، ستجد أن العالم من حولك يواكب تلك التغييرات ويخضع لها وأن كل شيء يسير معك؛ ستبدأ علاقاتك، وعملك، وصحتك، وسعادتك في تجسيد تلك الحقيقة الجليلة: أنك كافٍ كما أنت؛ لأنك كنت تملك هذه القيمة منذ الأزل، وستظل مشعًا بها إلى الأبد.