الدكتورة سارة الكاشف لـ "هي" .. تحويل الألم إلى أمل تحدي تجيده المرأة التي تؤمن بذاتها
المرأة كائن رقيق، طبيعتها عاطفية. قد يراها البعض ضعيفة ولكنها بضعفها الذي يرونها عليه هي أقوى مخلوق على وجه الأرض. وقوتها تكمن في قدرتها الفريدة على مواجهة التحديات والتغلب على الصعاب، مهما كانت الظروف قاسية.
على مر العصور، أثبتت النساء أنهن قادرات على فعل المستحيل بفضل امتلاكهن إرادة صلبة وشجاعة استثنائية تمكنهن من تحويل المحن إلى فرص، وبفضل قدرتهن على النهوض بعد كل سقوط. ففي كل مرحلة من مراحل الحياة، تُظهر المرأة قدرة فائقة على الصمود في وجه الصعاب والتحديات، سواء كانت التحديات شخصية أو مهنية. والأجمل من ذلك أنها لا تنشغل بمواجهة التحديات بل تعمل جاهدة على تطوير ذاتها لتحصل على نسخة أفضل منها. لذا تتعلم وتزداد حكمة، وتزداد نضجًا، وتنجح في تطوير نفسها تطويرًا يليق بها. لذا، تنجح المرأة وبشدة في تحقيق الموازنة بين العاطفة والعقل، والتكيف مع التغييرات، وهذا ما يجعلها قادرة على المضي قدمًا نحو تحقيق النجاح، ووضع بصمتها الفريدة في المجتمع.
قصة كفاح ونجاح
ضيفتنا اليوم هي الدكتورة سارة محمد الكاشف، دكتوراة الصحة النفسية، استشاري نفسي، والمدير العام لمركز الاوج لتاهيل اصحاب الهمم.
دكتورة، لنبدأ من البداية. كيف بدأت رحلتك في مجال علم النفس العلاجي؟ وما الذي دفعك نحو هذا المجال بالتحديد؟
رحلتي بدأت برؤية واضحة لنفسي ولما أريد أن أكونه. كنت دائمًا أفكر في ما يمكنني إضافته لنفسي ولمجتمعي، وكيف يمكنني تقديم شيء له قيمة ومعنى. هذه الرؤية كانت تدفعني دائمًا نحو تحقيق أهدافي، رغم أنني كنت على دراية بأن الطريق لن يكون سهلًا. مع كل صعوبة واجهتها، كانت قوة الحلم والعزيمة والإصرار هي ما يدفعني للأمام.
يبدو أنك واجهت تحديات شخصية كبيرة خلال دراستك. هل يمكنك التحدث عن تلك الفترة؟
نعم، كانت فترة دراستي الجامعية مليئة بالتحديات النفسية الصعبة، فقد فقدت ثمرة فؤادي أمي الحبيبة التي كانت كل شيء بالنسبة لي. هذا الحزن أضاف لي مسؤوليات وتحديات كبيرة لم أكن مهيأة لها، لكنني رغم ذلك رفضت الاستسلام. كانت بداخلي قوة لا تقبل الهزيمة، وكانت هذه القوة هي الحلم بتغيير واقعي والاستمرار في دراستي. وبفضل الله، تمكنت من إكمال دراساتي العليا دون توقف، حيث حصلت على الدبلوم فوق الجامعي ثم الماجستير في مجال علم النفس الذي أعشقه.
لم يتوقف طموحك عند هذا الحد. فما الذي دفعك لاتخاذ قرار الانتقال إلى الإمارات والاستقرار فيها؟
بعد حصولي على الماجستير والترخيص لممارسة المهنة، شعرت بأنني أستحق أكثر من ذلك، وأن طموحي لم يكتمل بعد. الإمارات كانت دائمًا في ذهني كبلد يمكنني أن أنمو فيه وأحقق طموحاتي. فقد جعلتي زياراتي لها على فترات متباعدة أحبها وأدرك أن نجاحي سيكون هنا. كان القرار صعبًا، خاصة أنني تركت وطني وعائلتي وأصدقائي، لكنني كنت مؤمنة بأن الإمارات هي المكان الذي سيدعم أهدافي، وقد كان. وبالفعل تحققت الأهداف والطموحات وما زلت أحلم وأطمح في المزيد لأنني أحب ذاتي وأحب أن أحقق لها ما يليق بي وبها.
جميل جدًا فأنا لم أجد أحدًا يحيا على هذه الأرض الطيبة ووسط شعبها الجميل إلا ويتحدث عنها بكل حب ووفاء، حدثينا إذًا عن بداياتك في الإمارات، كيف كانت؟، وما هي التحديات التي واجهتك؟
لم تكن البدايات سهلة على الإطلاق. واجهتني تحديات كبيرة مثل الغربة والوحدة، وواجهت صعوبات في إيجاد عمل، لكن الله سبحانه وتعالى يسر لي الأمور بطرق لم أتوقعها. التحديات لم تتوقف هنا، فقد واجهت منافسة قوية في بيئة العمل وبدأت دراستي للدكتوراه في نفس الوقت. كانت ثلاث سنوات صعبة، حيث كنت أدرس وأعمل في آن واحد، لكني بفضل الله تغلبت على كل هذه التحديات. وحصلت على دكتوراة في اضطراب طيف التوحد. وقد عزز ذلك من قدري أكثر وأكثر، وزاد من ثقتي في نفسي.
تخصصك في اضطراب طيف التوحد هل كان نتيجة لأمر محدد؟، كيف اتخذت هذا القرار؟
صحيح. نقطة التحول في مسيرتي المهنية كانت عندما قابلت طفلًا مصابًا باضطراب طيف التوحد في بداية خبرتي العملية. حيث رأيت الحزن والألم في عيون والديه وشعرت بمعاناتهما. هذا الموقف أثر فيّ كثيرًا وقررت أن أخصص مسيرتي التعليمية والمهنية لهذه الفئة. ومن هنا، قمت بتغيير توجهاتي الدراسية وحصلت على دبلوم في ذوي الاحتياجات الخاصة، ثم أكملت الماجستير في السلوك التنظيمي لدعم خبرتي.
كيف كانت تجربتك مع أطفال التوحد وأسرهم؟ وما الذي دفعك لإجراء دراسات حول هذا الموضوع؟
كانت كل حالة طفل تشكل لي تحديًا خاصًا، ليس فقط في العلاج، ولكن في دعم أسرته نفسيًا. بكيت وضحكت مع هؤلاء الأطفال وأسرهم، وواجهنا التحديات معًا ونجحنا معًا. بعد 15 عامًا من العمل مع أطفال التوحد، قمت بإعداد دراسة الدكتوراه التي استهدفت الأمهات ودراسة احتراقهن النفسي ونوعية الحياة التي يعشنها.
بعد هذه المسيرة الطويلة، ما هي الرسالة التي توجهينها للنساء اللواتي يواجهن التحديات؟
رسالتي لكل امرأة كالتالي .. تستطيعين أن ترسمي خطوات نجاحك، وأن تضعي بصمتك الخاصة، حتى وسط كل التحديات. تستطيعين أن تلوني حياتك بالألوان التي تحبينها – السعادة، الحب، والعطاء. كوني قوية لأنك أنتِ من تصنعين الحياة، ولا قيمة لها بدونك أنتِ.