المرأة في وجه الصدمات .. رحلة التحول من الألم إلى القوة وتطوير الذات
الصدمات النفسية التي تواجهها المرأة ليست مجرد تجارب مؤلمة أو تحديات عابرة؛ بل هي مواقف قد تغير مجرى حياتها بالكامل. فعلى الرغم من ما تحمله الصدمات من معاناة وألم، إلا أنها قد تكون مصدرًا خفيًا لقوتها وصلابتها. فالمرأة التي تواجه الصعوبات بجرأة وتتعامل مع الصدمات بشجاعة، غالبًا ما تخرج منها أقوى وأكثر نضجًا. فقد تعيد المرأة اكتشاف ذاتها من خلال هذه التجارب. وليس ذلك فحسب إذ تستطيع وبسهولة شديدة تحديد أولوياتها بطريقة سليمة وناجحة، مما يساعدها على التحول للأفضل، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل أيضًا في علاقاتها مع الآخرين.
ولذلك، يمكن القول أنه وعلى الرغم من قسوة الصدمات النفسية، إلا أنها قد تكون بوابة النمو وتطوير الذات لأنها تحفز المرأة على بناء حياة أكثر توازنًا وقوة.
وللتعرف أكثر على جوهر الصدمات النفسية، ولمعرفة تأثيراتها على الصحة النفسية للمرأة، وتحفيزًا لها على مواصلة الجهد والتصدي لها، يسرنا أن تقدم لنا "جوسلين غراسيس"، وهي أخصائية نفسية مرخصة من هيئة تنمية المجتمع وتعمل في مركز Thrive Wellbeing، إجابات وافية عن ذلك لمعرفة كيف يمكن أن تغير الصدمات المرأة بصفتنا نهتم بالحديث عن حواء، ونحاول أن نقدم لها كل سبل الدعم والاحتواء.
ما هي نصيحتك للمرأة اليوم للحفاظ على صحتها النفسية في ظل تزايد الضغوط والصراعات الخفية عليها اليوم؟
في عالمنا السريع اليوم، لم يكن للصحة النفسية أهمية أكبر مما هي عليه الآن. إذ أنه ومع تزايد الضغوط والصراعات العاطفية الخفية على المرأة بوجه خاض، أصبح من السهل على التغافل عن تحدياتها الداخلية. ولذلك أصبح إعطاء الأولوية للصحة النفسية ضرورة فعلية، خاصة عند التعامل مع الصدمات النفسية، باعتبارها قوة غير مرئية غالبًا ما تؤثر بشكل خفي على حياتها اليومية. ولذلك يجب أن تحولها المرأة لتكون مصدر قوة لها وليس ضدها.
كيف يمكن أن تغير الصدمات النفسية المرأة؟
للصدمات النفسية آثار كبيرة وعميقة المدى. ولذلك، يمكن لها أن كيفية رؤية المرأة لنفسها وللعالم من حولها بشكل جذري حتى بعد مرور وقت طويل على الحدث أو التجربة الأصلية.
وتتجلى الصدمات النفسية بطرق مختلفة، سواء كان ذلك نتيجة لتجربة مؤلمة واحدة أو تعرض طويل الأمد للتوتر المزمن. قد تنشأ الصدمة الحادة من حدث مؤلم واحد، في حين تنشأ الصدمة المزمنة من بيئات ضارة مستمرة. ومع ذلك، فإن الصدمة المعقدة غالبًا ما تكون الأصعب في المعالجة. كما تصفها جوسلين: "الصدمة المعقدة تشبه 100 جرح صغير؛ ليست إصابة واحدة كبيرة، بل تراكم إصابات صغيرة على مدى الوقت." هذه التجارب المستمرة والتي تكون أحيانًا دقيقة، يمكن أن تؤثر بعمق على قدرة المرأة على التكيف العاطفي، خاصة عندما تحدث في مرحلة الطفولة.
ما هو تأثير الصدمات النفسية على المرأة؟
يتضح تأثير الصدمات النفسية على المرأة من خلال ما يلي:
-
التأثير على الذاكرة والدماغ
تعمل الصدمات النفسية على اضطراب كيفية معالجة الذكريات. باعتبار الذكريات الصريحة تذكير واضح وواقعي لأحداث أو أشخاص محددين. ومع ذلك، يتم تخزين ذكريات الصدمة الضمنية بطريقة أكثر تشوشًا ولاواعية. وهذه الذكريات الضمنية يتم استحضارها من خلال التجارب الحسية، مما يبرز مشاعر غير متوقعة ويعيد الأحزان إلى السطح. هذا الانفصال بين المشاعر الحالية والأحداث الماضية يجعل من الصعب على المرأة فهم سبب تفاعلها القوي مع المواقف الصعبة.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الصدمات على مركز الكشف عن التهديدات في الدماغ، وهو اللوزة الدماغية، مما يجعلها مفرطة الحساسية وتحافظ على الأفراد في وضع النجاة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى استجابات تلقائية (الهروب، القتال، التجميد، أو الإذعان) حتى في غياب الخطر. ما يؤدي إلى الشعور بالخوف والقلق والشك الذاتي حتى بعد مرور الصدمة.
-
التأثير على الإحساس بالذات والشفاء
ما يجعل الصدمة أكثر تحديًا في البداية هو تأثيرها على إحساس المرأة بذاتها. غالبًا ما يعاني الناجون من الصدمات من مشاعر الخجل والذنب وعدم الكفاية. أي أنها قد تحول بين المرأة وبين احساسها بذاتها. كما أن هذه الجروح العاطفية قد تخلق صعوبات طويلة الأمد في العلاقات وتقدير الذات واتخاذ القرارات اليومية إذا تركت بدون علاج.
كيف يمكن للمرأة التعافي من الصدمات النفسية وتحويل الألم إلى قوة تكمل بها مسيرتها؟
رغم هذه التحديات، فإن الشفاء ممكن. إذ توجد أساليب علاجية مختلفة متاحة لمساعدة الأفراد على معالجة الصدمات والتعافي منها، بما في ذلك الـ (EMDR، وDBT، وIFS)، وتجربة الجسد (Somatic Experiencing) ، حيث تساعد هذه العلاجات في إعادة صياغة الذكريات المؤلمة وبناء إحساس بالأمان الداخلي.
كما يجب على المرأة تدعيم صحتها النفسية في مواجهة الصدمات من خلال المداومة على ممارسات متممة مثل اليقظة الذهنية واليوغا وتقنيات التثبيت العاطفي التي تساهم وبشكل إيجابي كبير في تنظيم المشاعر وتوفير راحة طويلة الأمد من العبء العاطفي الذي تسببه الصدمات.
خلاصة القول
لكل شخص يحمل قصته الخاصة، ولدى الكثيرين، تترك الصدمات النفسية ندوبًا عميقة. ولكن ما يجب أن تعلمه المرأة أن الصدمات قد تشكل حياتها ولكنها لا يجب أن تجعلها الصفة المميزة له. كما أن الشفاء عملية تبدأ بالقبول أي قبول الأحداث والصدمات لتأهيل نفسها للتعامل معها وإنهاء فترة الألم والدخول في مرحلة أخرى هي مرحلة القوة وتطوير الذات بعد أن استفادت من الأدوات والدعم المناسبين لها، والنتيجة استعادة السيطرة على صحتها النفسية والعاطفية.