استلهمي قوتكِ أثناء إصابتكِ بالأمراض المزمنة .. قصة من واقع الحياة خلّقت الأمل من بطن الألم
انتهي شهر أكتوبر الوردي لعام 2024، الذي خُصص من قبل منظمة الصحة العالمية كشهر للتوعية حول مرض سرطان الثدي، ويُدعمه جميع الجهات والمؤسسات على مستوى أنحاء العالم، ويُسانده مشاهير العالم بحملات مُناصرة تحمّل في طّيها معاني القوة والعزيمة.
لكن، لن تنتهي قصص محاربات سرطان الثدي، وستظل تتوالى وحدًا تلو الآخرى عبر السنوات القادمة؛ لتُجسد لنا معاني الإصرار والقوة والإرادة في واقع ملموسة؛ وحقائق ستظل راسخة في أذهاننا ما حيّينا. ربما ستعجز السطور القادمة عبر موقع "هي" عن سرّد قصصهن جميعًا.
ولاشك أن التفاصيل والمراحل المرضية والمعاناة ستختلف من امرأة لآخرى، لكن صمود الكلمات والذكريات ستختار اليوم رحلة كفاح عَشتُها أنا رحاب عباس محررة "مجلة هي" مع رفيقة دربي، وعشق الروح المحاربة فاتنه مطر بعد شفائها من هذا المرض اللعّين "كاسم يطلق عليه" ومصدر قوة لمن تستطيع التغلب عليه مهما كانت التحديات والصعوبات التي تواجهها على مدار حياتها.
لذا قررّت اليوم أن أشارك متابعات مدرستي العريقة مجلة "هي" عبر جميع منصّاتها بمقتطفات متنوعة وتأثيراتها المتفاوتة على المحاربة فاتنه مطر كنموج مشرف وقوة خلّقت الأمل في الحياة لكل من حولها من بطن الألم الذي شعّرت به بمفردها، وخصوصًا أثناء مراحل العلاج الكيماوي؛ وذلك من أجل دعم كل مريضة سرطان ثدي غلبّها اليأس، لتنهض وتقاوم وتبقى رمزًا للعطاء لكل محبيها.
المحطة الأولى: صدمة كبيرة انتهت بالرضى بقضاء لله في لحظات
بدأت رحلة الكفاح في شهر مارس لعام 2022؛ لن أنسى وقتها الشعور الذي تغلبّي عندما خرجت فاتنه من باب من مستشفى بهية لمرضى سرطان الثدي بعد مرحلة الفحوصات لتلقي عليّا خبر إصابتها؛ فقد كنت في ذلك اليوم، أراجع مذاكرتي لدخول امتحان الماجيستير بعد ساعة، يالها من لحظة حاسة ومؤلمة، يالله ماذا أفعل؟، وكيف سأخبر والدتها، وماذا عن أولادها وأخواتها وإخوانها؟، وهل ستستوعب كيف تتعامل مع هذا المرض؟، وغيرها من التسأؤلات التي تكّتلت في عقلي كالحجرة الصلبة.
ولن أنسى شكلها وبكائها للوهلة الأولي، الذي غير من ملامحها الجميلة، والتي عرفتها بها منذ نعومة أظافرنا، فهي فاتنه فعلًا بابتسامتها وروحها الطفولية؛ إلا أنها استقبلت هذا المرض الثقيل بكل ترحاب وقالت: " أهلًا بالمعاك، فأنت مثلك كمثل الآلام التي خفّق لها قلبي ولا زالت رافقني". هنا استوعبت أن الله كان يختبرني أنا أيضًا، لأكون مصدر القوة، والدعم، والطاقة الإيجابية لهذه الحرب الشرسة.
المحطة الثانية: نقطة تحول كادت أن تُدمر نفسيتها، ولكنها الإرادة غلبت المستحيل
لاشك أن مراحل العلاج الكيماوي من أصعب المراحل على مريضة سرطان الثدي؛ كونها ستتسبب في تغيير ملامحها الطبيعية، وخصوصًا "سقوط الشعر" تاج المرأة وجمالها؛ وهنا لن أنسى أن البداية كانت صعبة جدًا على صديقة عمري، فقد فقدت بُصيلات شعرها بأكملها بعد الجلسة الثانية من العلاج الكيماوي، ولكن إرادتها غلّبت كل التوقعات؛ إذ قامت بحلق رأسها، لتظهر أجمل وأجمل مما كانت عليه، وحينها كنت أداعبها بكلمات محفزة وداعمة " ستظلين الأجمل ما حييت يا جميلة الجميلات". علمًا أن صورتها المرفقة بالمقال يظهر بها صورة شعرها الجميل الذي عاد من جديد أجمل، ومن دون أي صبغات شعر. تطرقت لهذه النقطة وأكتبها وأنا أضحك، لأن كل من يسألها عن لون شعرها حتى الآن، يبعث بداخلي الضيّق والغضب وأشعر بالعصبية للآسف. فلون بُصيلات شعرها التي باتت أحدث الصيحات في عالم الجمال الآن، هي من صنع الخالق وليس غير ذلك.
المحطة الثالثة: صراعات داخلية قهّرتها محّبة المحيطين بها.
ستظل الأم نبع الحياة ما حيينا، وبالفعل عشّت آلام والدتها، فقد كنت أنا أول من نقل لها الخبر بكل طاقة إيجابية، ولكن ماذا تفعل كل الطاقات الإيجابية في قلب أم يتألم على ابنتها؛ ولكن والدتها الست ليلى العظيمة والداعمة الحقيقة غلبت صدمة الخبر بجملة "إرادة الله فوق الجميع، وشكرًا للعاطي الوهاب، وبالدعاء سيتغير قدّر ابنتى للأفضل". أما أولادها " ملك ومحمود" فكانوا نبع الحنان ولم يتخلوا عنها طوال رحلة الكفاح. ولن ننسى أخواتها وأخوتها وأزواج أخواتها اللذين لم يترددوا للحظة في تقديم الدعم وتحقيق أي طلب بمجرد أن تطلبه. لنخرج هنا بدرس رائع وسر قد يجهله الكثيرين، وهواحتياج مريضة سرطان الثدي لحب ودعم نفسي لتخطى آلام العلاج مهما كانت دراجات المرض ومراحل علاجه.
المحطة الرابعة: دعم الأطباء والممرضات مرحلة فاصلة في حياتها
لن أبالغ في تعلّيقي على دعم الأطباء والممرضات في مستشفى بهية، وهي أول مستشفى للإكتشاف المبكر عن هذا المرض الخبيث في مصر؛ لكن يشهد الله أنهم لم يقصوا في دعمها النفسي وتوفير كل سُبل الراحة أثناء مراحل العلاج. فقد أنعم الله عليها بنخبة رائعة ستظل ترافقها في خانة الذكريات مدى حياتها، وخصوصًا الدكتور ماهر حسن استشاري جراحة الأورام ورئيس قسم الجراحة وتجميل الثدي، وأيضًا فاطمة عبد الوهاب سكرتير داخلي لقسم الجراحة واللجنة الطبية في مستشفى بهية.
المحطة الخامسة: شخصية جديدة جسدت الألم في نجاحات ملموسة
وهنا أُناشد كل مريضة سرطان ثدي، لا تفقدّي الأمل، ومهما غلبكِ اليأس، فكونى الأقوى، والعزيمة، والقوة لنفسكِ، واستمري في الحياة بكل تفاؤل، وساعدي نفسكِ على قهر المرض بتعزيز ثقتك بنفسكِ. فهذا ليس مجرد كلام أسرده لكِ، لكن واقع عّشته مع رفيقة دربي. فهي استغلت مراحل العلاج لتطوير ذاتها بالعلم والمعرفة، و إلتحقت بالعديد من الدورات العلمية لتطوير مهاراتها، كذلك إلتحقت بالجامعة لإستكمال مسيرتها العلمية، وأصبحت الآن إحدى المتطوعات الرائعات لبث روح العطاء، والأمل، والخير لكل مريضات سرطان الثدي بمستشفى بهية.
وأخيرًا، أقولها صدقًا وفعلًا، كوني الأقوى أيتها المحاربة، فمهما كانت معاناتكِ خلال مراحل العلاج المختلفة، فانتِ الوحيدة المسؤولة عن الخروج من هذه الحرب الشرسة، وليس غيركِ بعد جبر الله. لا تستسلمي، احتفظي بهدؤكِ بعيدًا عن صراعات الحياة وخصوصًا المتعلقة بظروفكِ الشخصية وظروف المحيطين حولكِ، إلتزمي بالتعليمات الموجهة لكِ في جميع المراحل العلاجية تحت إشراف طبيبكِ المعالج، لا تنساقي وراء تجارب مريضات سرطان الثدي السلبية، بل ابحثى عن تجارب وقصص إيجابية تحفزكِ على تخطي هذه المرحلة من حياتكِ، اخلقي لنفسكِ حياة جديدة على قدر استيعابكِ لمهاراتكِ التي أنتِ عليها، ولا تبحثى عن الخارج عن إرداتكِ أو ظروفكِ في جميع أمور حياتكِ الشخصية والمهنية من دون استثاء.