خاص "هي": من الخوف إلى الحرية.. كيف تغيّرين حياتك بالخروج من منطقة راحتك؟

خاص "هي": من الخوف إلى الحرية.. كيف تغيّرين حياتك بالخروج من منطقة راحتك؟

مجلة هي

قبل أن نتعمق في سيكولوجيا التغيير، سأشارككم بعضاً من رحلتي الشخصية. بصفتي أخصائية نفسية ومدربة حياة، أرافق الآخرين وأرشدهم في مسيرتهم التحوّلية. ولكن دعوني أوضح شيئا مهما: لقد خضت هذه الرحلة بنفسي وسلكت المسارَ ذاتَه. لقد شعرت بالخوف الذي يشعر به كل شخص يقرر الخروج من منطقة الراحة الخاصة به. لقد شعرت بأنني "بخير لكني لم أكن سعيدة"، وواجهت المقاومة التي نشعر بها جميعا عندما يبدو التغيير مربكاً.. أفهم كل هذه المشاعر، لأنني اختبرتها.

أذكر يوم كنتُ عالقةً في حلقة ينقصني الشعور بالرضى، رغم أنني كنت أحقق ما قد يعتبره الكثيرون نجاحا. في الظاهر، كنت أشغل وظيفة مستقرة، لدي صداقات عميقة وأمان مادي. لكني كنت على يقين بأن شيئا ما ينقصني. لم أستثمر طاقاتي كلها وكنت أخاف من تبعات التغيير، إذا تجرأت على تغيير مسار حياتي.

قرار التغيير صعب وموشوش ومخيف في الكثير من الأحيان. من الأسهل أن نبقى في مكان مألوف و"مريح"، وإن كان غير مرضٍ. قد يربكُنا الانزعاج الذي يأتي مع التغيير، ولهذا السبب يقاومه الكثيرون. في نهاية المطاف، قررت أن أقوم بهذه الخطوة. خطوة تلو الخطوة إذ بحياتي تتحول. فالسعادة الحقيقية لا تأتي من التقوقع في منطقة الراحة؛ لتخبر طعم السعادة، يجب أن تتقبل حالة عدم الراحة وأن تتحدى ذاتَك وأن تتحوّل شيئاً فشيئاً الى الشخص الذي يجب أن نكونه.

لا يمكننا أن ننمو ونتغيَر إذا بقينا داخل منطقة الراحة. العوامل التي تمنحنا الشعور بالأمان هي التي تحبسنا. وبينما قد يبدو البقاء "آمنين" مطمئنا، إنه لا يؤدي إلى الرضى الذاتي والإحساس بالإنجاز. بطبيعتها، تخشى أدمغتنا المجهول، وهو ما يبقينا غالبا في حالة وسطية. يخبرنا الخوف أنه من الآمن أن نبقى حيث نحن، ولكن في معظم الوقت، يكون الخوف في الواقع إشارة إلى أننا على وشك تحقيق شيء تحويلي.

يجبرنا التغيير على مواجهة أعمق مخاوفنا ومصادر قلقنا ونقاط ضعفنا. ماذا لو فشلنا؟ ماذا لو لم نكن كافين؟ ماذا لو فقدنا السيطرة؟ غالبا ما تمنعنا هذه الأسئلة من المضي قدما. ولكن الحقيقة هي أن الخوف غالبا ما يكون مقدمة للنمو. يشير إلى أننا على وشك دخول فصل جديد، فصل يمكننا فيه التحرر من القيود القديمة واكتشاف إمكانياتنا الحقيقية.
الخوف ليس العدو، في الواقع قد يكون علامة على أن شيئا عظيما على وشك الحدوث. إن الأشخاص الأكثر نجاحا ليسوا أولئك الذين لا يشعرون بالخوف أبدا؛ بل هم من يواصلون المضي قدما على الرغم من وجوده. فالخوف والنمو يسيران جنبا إلى جنب.

هل تتجنبين الفشل عبر البقاء في منطقة راحتك؟ صدّقيني إن الفشل والتعلم أفضل بكثير من البقاء في مكانك. فالخوف من الفشل هو ببساطة الخوف من تجربة شيء جديد، ومن الدخول في المجهول. ولكن إليك الحقيقة: كل إنجاز عظيم يُبنى على التغلب على هذا الخوف. الفشل ليس النهاية، بل هو بداية التعلم والتكيف والتحسن. الفشل الحقيقي الوحيد هو الاستسلام. لذا، تقبلي الخوف كإشارة إلى أنك تتخطين حدودك وتنمين بطرق لم تتخيليها يوما.

من المهم أن نتذكر أن الخوف شعور طبيعي. إنه جزء من آلية البقاء في أدمغتنا. والابتعاد عن الراحة ليس خطرا، بل هو علامة على أننا ننمو. من خلال التغلب على الشعور بعدم الراحة، يمكننا تدريب عقولنا على رؤية التغيير فرصة وليس تهديدا.

من غير الضروري أن يشلنا الخوف، بل يمكنه أن يغذي شجاعتنا. ففي كل مرة نواجه فيها مخاوفنا، نضعف قبضتها علينا. قد تكون العملية غير مريحة في البداية، ولكن مع الوقت ستشعرين بالتمكّن. وهذا الإحساس بالقوة والتمكّن يقودك إلى سعادة ورضى دائمين.

العام الجديد هو فرصة مثالية للتغيير. الآن هو الوقت المناسب للتفكير في مكانك في الحياة وأين تريدين أن تكوني. لا تنتظري "اللحظة المثالية" لإجراء تغيير، فتلك اللحظة هي دائما الآن. بداية العام الجديد ليست مبنية فقط على القرارات والوعود الذاتية، بل يجب أن تأتي مع اتخاذ الخطوة الأولى نحو الحياة التي تستحقينها.

لقد مررتُ بما مررتِ به، وكنت في مكانك، أشكك في خياراتي، وأخشى الفشل، وأقاوم التغيير. ولكن انطلاقا من تجربتي الشخصية، يمكنني أن أؤكّد لك أن أقوى التحولات تحدث عندما نخطو نحو الخروج من دائرة الراحة، مؤمنين بقدرتنا على التعامل مع كل ما يعترض طريقنا ويواجهنا. لن تكون الرحلة سهلة على طول الطريق، لكنها ستستحق العناء. لا تستسلمي حين تظهر الصعوبات، فهذا هو الوقت الذي تتعلمين فيه وتنمين وتعيدين صياغة مستقبلك. إذا كنت مستعدة لجعل عام 2025 عام تحوّل، فاتّخذي الخطوة الأولى اليوم.

أنا أؤمن بك. أنت أقوى مما تظنين. ابدئي بتلك الخطوة الأولى الشجاعة نحو الحياة التي طالما قُدّر لك أن تعيشيها.

Credits

    بقلم: "دانييل الجميّل رزق" Danièle El Gemayel Rizk
    اختصاصية نفسية، ومدربة حياة معتمدة، وممارسة متقدمة للبرمجة اللغوية العصبية