
مع الخبرة تأتي الحكمة.. حنين داوود لـ"هي": بدلاً من اعتبار العمر عائقًا لنتعامل معه كميزة
في عالم يتغيّر بسرعة وتُعاد فيه صياغة مفاهيم النجاح والجمال كل يوم، تبرز حنين داوود كنموذج يُحتذى به للمرأة العربية التي تدمج بين القيادة، والحكمة والطموح، والجمال الحقيقي الذي ينمو مع التجربة والنضج.
من المبيعات إلى رئاسة قسم الخدمات اللوجستية والتوزيع في شركة متخصصة بالبنية التحتية للمياه، خطّت حنين مسيرتها بعزم، وكسرت الصور النمطية، لتؤكّد أن لا مجال مستحيل على المرأة إن آمنت بنفسها.
وبينما تتقدّم في مسيرتها، لم تتغيّر فقط نظرتها للقيادة، بل تغيّرت معها نظرتها للجمال والثقة بالنفس—لتصبح أكثر عمقًا واتساعًا، مبنية على التجربة، والتأثير، والرضا الداخلي.
حنين ليست فقط قيادية ناجحة، بل ملهمة تسعى لتمهيد الطريق أمام نساء أخريات، تؤمن أن العمر لا يُقاس بالسنين، بل بالقوة، والوعي، والقدرة على ترك أثرٍ جميل ومستدام. اليكم هذا اللقاء الخاص معها:
ما الذي دفعكِ للانخراط في قطاع البنية التحتية للمياه، وهو قطاع قد لا تتوجّه إليه النساء غالبًا؟
قد يكون الدافع الأساسي هو الشغف بالبيئة والحياة والناس، خاصة أن المياه مورد حيوي وضروري للتنمية المستدامة والصحة العامة، إلى جانب رغبتي في إحداث تأثير إيجابي على المجتمع عبر تسهيل الوصول إلى المياه النظيفة للجميع.
كما لدي دافع شخصي، وهو التحدي وكسر الصورة النمطية لدخول المرأة في مجالات غير تقليدية، والذي أعتبره فرصة لإثبات الكفاءة وتعزيز التنوع في القطاع، والسبب الأخير ببساطة لأنه فرصة مهنية جذابة.
ما أصعب التحديات التي واجهتكِ كامرأة في هذا المجال، وكيف حولتِها إلى فرص للنمو؟
أصعب تحدي هو قلة الفرص القيادية، بما أنني كنت المرأة الأولى في الشركة وقتها فكان هناك فجوة في الفرص المتاحة بين الرجال والنساء في المناصب القيادية فكان الحل هو المبادرة والتعلم المستمر، وعدم الخوف من الترشح لمناصب قيادية والمطالبة بالفرص المستحقة، ولحسن الحظ وجدت أن الجميع مستعد لدعمي.
كما قد يكون تحقيق توازن بين الحياة المهنية والشخصية تحديًا، خاصة في المجالات التي تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين فعملت على الحصول على دورات ونصائح في إدارة الوقت، ووضع حدود واضحة، والاستفادة من المرونة في العمل إذا كانت متاحة.
والتحدي الثالث هو عدم وجود نماذج من النساء القياديات التي يمكن أن يُحتذى بها في هذا المجال مما جعل من الصعب العثور على مرشدات؛ لذا قررت أن أعمل على نفسي لأكون أنا القدوة للجيل القادم، والبحث عن الإلهام في نساء أخريات في مجالات مشابهة.
كيف تتعاملين مع الصور النمطية حول الأدوار الجندرية في بيئة عمل يغلب عليها الطابع الذكوري؟
في بداياتي كنت ألاحظ أن هنالك الكثير من التجنب وعدم التواصل من باب الاحترام والتقاليد المتعارف عليها وكان يؤدي ذلك إلى صعوبة في الأخذ برأيي أو أن يُعترف بجهودي؛ فحاولت أن أكسر هذا الحاجز بالمبادرة وإثبات الكفاءة والعمل الجاد والنتائج الملموسة، إضافة إلى بناء شبكة قوية من الداعمين والموجهين وبالفعل وجدت أن الجميع مستعد لدعمي من الإدارة والزملاء.
كيف تغيّرت نظرتكِ للجمال والثقة بالنفس مع مرور السنوات وتقدّمك في مسيرتك المهنية؟
مع مرور السنوات والتقدم في مسيرتي، تغيرت نظرتي للجمال والثقة بشكل كبير، في البداية، ربما كنت أميل إلى رؤية الجمال وفقًا للمعايير السائدة المظهر الجسدي المتناسق، الأناقة، والجاذبية التقليدية، لكن مع الخبرة والتفاعل مع مختلف الأشخاص والأفكار، أصبحت أرى الجمال في أشياء أعمق، مثل الذكاء، والروح الإيجابية، والقدرة على التأثير في الآخرين بطريقة ملهمة.
أما الثقة، فقد كنت أراها في البداية على أنها شيء مرتبط بالإنجازات والمكانة الاجتماعية، لكنني أدركت لاحقًا أنها تأتي من الداخل، من معرفة الذات وتقديرها، ومن القدرة على تقبل العيوب والنمو منها. اليوم، أرى أن الثقة الحقيقية لا تحتاج إلى إثبات، بل تنبع من الراحة مع النفس والقدرة على مواجهة الحياة بمرونة وحكمة.
هل شعرتِ يوماً أن التقدّم في العمر قد يكون عائقاً في قطاع ديناميكي مثل قطاع المياه؟ وكيف تعاملتِ مع ذلك؟
أعتقد بدلاً من اعتبار العمر عائقًا، يمكن التعامل معه كميزة، فمع الخبرة تأتي الحكمة، والرؤية الشاملة، والقدرة على ربط الماضي بالحاضر لفهم الاتجاهات المستقبلية بشكل أعمق.
إلى جانب الحرص على الاستمرار في التعلم، سواء من خلال الدورات التدريبية والتركيز على المهارات التي لا تتقادم، مثل التفكير الاستراتيجي، حل المشكلات، وبناء العلاقات القوية داخل القطاع.
وإيجاد التوازن بين الخبرة والمعرفة الحديثة هو المفتاح، وأي شخص يمكنه الحفاظ على قيمته في أي مجال إذا كان مستعدًا للتكيف والتعلم المستمر.
برأيك، ما هو الرابط بين النضج العمري والنضج المهني؟ وكيف ينعكس ذلك على أدائك القيادي اليوم؟
- الخبرة – مع الوقت، نمر بمواقف مختلفة تكسبنا القدرة على اتخاذ قرارات أكثر حكمة.
-إدارة المشاعر والضغوط – النضج العمري يمنح الإنسان صبراً وهدوءاً في التعامل مع التحديات المهنية.
-أصبحت أكثر هدوءًا في مواجهة الأزمات، وأقل إندفاعاً في اتخاذ القرارات.
- أركز على بناء فرق عمل قوية بدلًا من الاعتماد على مجهود فردي.
- تفويض المهام والثقة في الآخرين، مما يعزز الإنتاجية.
- أتعامل مع الأجيال الجديدة في القطاع بمرونة، فأستفيد من طاقاتهم وأفكارهم بدلاً من مقاومة التغيير.
ما الرسالة التي توجّهينها لكل امرأة تفكر في دخول مجالات لا يُنظر إليها تقليديًا كـ"مجالات نسائية"؟
أقول لها ثقي في قدراتك، المعرفة والمهارة لا تعرفان جنسا، بل تأتيان من التعلم والممارسة.
ابحثي عن قدوات وداعمين وأحيطي نفسك بأشخاص يؤمنون بكِ ويدعمونكِ، سواء كانوا زملاء، مرشدين، أو حتى شبكات مهنية.
كوني مستعدة للتحديات، ربما تواجهين بعض التحيّزات، لكن تجاوزها بالتميز والاحترافية هو أفضل رد.
لا تخشي الفشل فكل تجربة، حتى الصعبة منها، ستضيف إلى خبرتك وتطورك.
كوني أنتِ من يفتح الطريق للجيل القادم فنجاحك لن يكون لكِ فقط، بل سيلهم نساءً أخريات للسير في نفس الدرب.
كيف تساهمين اليوم في تمكين النساء الأخريات داخل شركتكِ أو في مجالكِ؟
تمكين النساء في الشركة والمجال الذي أعمل فيه هو جزء أساسي من رؤيتي، أدرك أن النجاح الفردي لا يكفي، بل يجب أن يمتد ليشمل دعم وتمكين الجيل القادم من القيادات النسائية وذلك بالتوجيه والإرشاد.
- أشاركهن تجاربي، وأساعدهن في بناء الثقة بالنفس واتخاذ قرارات مهنية
- التحدث عن الفرص وإزالة العوائق
- تسليط الضوء على قصص النجاح النسائية
أحرص على إبراز إنجازاتي داخل الشركة وخارجها، هذا يعزز ثقة الأخريات ويدفعهن لرؤية أنفسهن كقياديات محتملات.
أنصحهم لتحدي الصور النمطية والتأثير على ثقافة العمل
كل خطوة صغيرة تساهم في إحداث تغيير أكبر، عندما ترى النساء أنهن مدعومات، ينعكس ذلك على أدائهن وثقتهن، مما يخلق بيئة عمل أكثر إبداعًا وإنجازًا للجميع.
كيف تنظرين إلى مفهوم "النجاح" اليوم، وهل تغيّرت رؤيتك له مع مرور الوقت واكتساب الخبرة؟
نعم، رؤيتي للنجاح تغيرت كثيرًا مع مرور الوقت واكتساب الخبرة؛ في بداية مسيرتي، كنت أرى النجاح بشكل تقليدي يتمحور حول تحقيق الأهداف المهنية، والحصول على الترقيات، واكتساب الاعتراف بالإنجازات، كنت أعتقد أن النجاح يقاس بالمناصب والألقاب والنتائج الملموسة.
لكن مع الوقت، أدركت أن النجاح ليس مجرد محطة نهائية، بل هو رحلة مستمرة تعتمد على النمو الشخصي، والتوازن، والتأثير الإيجابي.
كيف أرى النجاح اليوم؟
1. التأثير بدلاً من الإنجاز الفردي فالنجاح الحقيقي بالنسبة لي هو القدرة على إحداث فرق، سواء في مجال عملي أو في حياة الأشخاص الذين أعمل معهم، إذا استطعت تمكين الآخرين، فهذا نجاح بحد ذاته.
2. التوازن بدلاً من التضحية حيث أنني كنت أعتقد سابقاً أن النجاح يتطلب التضحية الكاملة بالحياة الشخصية، لكن اليوم، أرى أن النجاح الحقيقي يشمل القدرة على تحقيق التوازن بين العمل، والحياة، والصحة، والعلاقات.
3. التطور المستمر بدلاً من الوصول إلى القمة، لم يعد النجاح بالنسبة لي مجرد تحقيق هدف معين، بل أن أظل في حالة تعلم ونمو دائمة، لأن النجاح الثابت قد يعني الجمود.
4. الرضا الداخلي بدلاً من التقدير الخارجي – في السابق، كنت أبحث عن الاعتراف بإنجازاتي من الآخرين. اليوم، أرى أن النجاح الحقيقي يأتي من الشعور بالرضا عن نفسي وعن رحلتي، بغض النظر عن آراء الآخرين.
كيف ينعكس هذا التغيير على أسلوبي اليوم؟
• لم أعد أبحث عن السرعة في تحقيق الأهداف، بل أركز على الجودة والاستدامة.
• أصبحت أكثر مرونة في تعريف النجاح لكل مرحلة من حياتي، بدلاً من التمسك بمعايير ثابتة.
• صرت أحتفي بالنجاحات الصغيرة، لأنها تشكل الصورة الكبرى للنجاح الحقيقي.
النجاح اليوم بالنسبة لي هو أن أعيش حياتي وفقًا لقيمي، وأن أترك أثرًا إيجابيًا، وألا أكف عن التعلم والنمو.