الإستدامة والإبتكار في الصحة.. حاجةٌ ملَحة لتعزيز التنمية الصحية
مع استمرار العواصف التي نشهدها حولنا من كوارث طبيعية وجوائح مرضية لم تنتهي حتى بعض مرور عدة سنوات، يتأكد لنا يومًا بعد يوم أن الصحة هي أهم ركيزةٌ في حياتنا، يجب أن نوليها عناية مضاعفة ونركَز عليها أكثر من أي شيء آخر.
ومع توجه العالم نحو الإستدامة كخيار مثالي للحدَ من هدر الموارد الطبيعية والحفاظ عليها لوقت أطول، بات ضروريًا أن تدخل الإستدامة في المجال الطبي لتحسين حياة الناس خصوصًا في الدول الفقيرة والنامية التي تعاني أوضاعًا مزرية فيما يخص الصحة العام.
ويشير موقع "الأمم المتحدة" في معرض حديثه عن أهداف التنمية المستدامة والصحة الأفضل في العام 2030، أن الصحة أساسية في التنمية البشرية؛ ويعتبر جميع الناس، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي، أن الصحة الجيدة أولوية الأولويات، وأن الأشخاص الأصحاء لهم أهميةٌ حاسمة في بقاء المجتمعات. ولذلك، ليس من المستغرب أن تكون أربعة من بين الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية تتصل اتصالًا مباشرًا بالصحة.
نجحت الأهداف الإنمائية للألفية في تركيز الاهتمام والموارد العالمية على تحديات عالمية محددة وملحة، منها الجوع وصحة الأم والطفل وفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا. ووُضعت هذه المسائل على رأس جدول الأعمال العالمي، ودُعيت الوكالات الدولية، والحكومات، والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، وشركات القطاع الخاص، وغيرها من الجهات صاحبة المصلحة إلى العمل معًا من أجل تحقيق تلك الأهداف. ونتيجة لذلك، انخفض الفقر الشديد بمقدار النصف، وتم إحراز تقدم كبير في مكافحة الملاريا والسل، فيما حظي أكثر من ملياري شخص بإمكانية الوصول إلى مياه شرب أكثر أمانًا.
ومع ذلك، وكما هو الحال مع العديد من الغايات العالمية، هناك أيضًا تحديات ومواطن ضعف. فقد كان التقدم المحرز متفاوتًا داخل البلدان ذاتها، وفيما بينها على السواء. وعلى الرغم من تراجع نقص التغذية المُزمن ووفيات الأطفال والوفيات النفاسية، لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به.
تنامي أهداف التنمية الصحية
شهد العبء العالمي للأمراض تحولًا كبيرًا في السنوات الثلاثين الماضية، حيث زادت الحاجة للتركيز على النُظم الصحية. وتُعد الأمراض غير السارية مثل السكتة والسرطان والسكري، مسؤولةً عن نسبة متنامية من الوفيات وحالات الاعتلال في البلدان المتقدمة والبلدان النامية على السواء. وأدى النمو الاقتصادي السريع في العديد من البلدان النامية، لتركها تواجه مفارقةً شكَلت تحديًا أمامها؛ إذ هناك في المناطق الأشد فقرًا والنائية جدًا الكثير مما ينبغي عمله بشأن خطة الأهداف الإنمائية للألفية، في حين يزداد السكري وأمراض القلب في المدن الأكثر ثراءً. وحتى داخل نفس الأسر المعيشية، قد تجعل الديناميات الأسرية بعض أفراد الأسرة يعانون من نقص في السعرات الحرارية أو المغذيات الدقيقة، في حين قد يعاني آخرون من السُمنة.
وأظهرت الأبحاث الطبية أن المسائل الصحية التي كان يُلقى بها في وقت من الأوقات إلى مؤخرة الاهتمامات، تلعب اليوم دورًا أكبر بكثير في صحتنا ورفاهيتنا بشكل عام؛ وتُمثَل الصحة العقلية إحدى هذه المسائل. مع تزايد التوافق في الآراء حول الحاجة الملحة لمزيدمن العمل للحد من وصم الأمراض العقلية وتقديم خدمات الصحة العقلية للناس. وتمثل معالجة جودة الهواء داخل البيوت وخارجها، وجودة المياه، وغيرها من المُحددات البيئية للصحة مثالًا آخر في هذا السياق.
كيفية دعم الإستدامة والتنمية الصحية
تُعد الصحة الجيدة من أبرز أهداف التنمية المستدامة، لضمان تمتع الجميع بحياة صحية على اختلاف أجناسهم وأعمارهم وتوجهاتهم الفكرية والثقافية. ويشمل هذا الهدف نمط حياة صحي يرتكز على نقاط مهمة أبرزها:
- خفض أعداد الوفيات بين المواليد والأطفال.
- محاربة الأمراض المعدية خاصةً مرض كوفيد-19 الذي ما زال منتشرًا بعد مرور أربع سنوات من ظهوره الأول في الصين.
- تعزيز الصحة العقلية.
- منع تعاطي المخدرات.
- خفض أعداد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق.
- تقليل الوفيات الناجمة عن التلوث بكافة أشكاله.
ولتحقيق هذه الأهداف، ينصح خبراء التنمية المستدامة بوجوب الدعم المستمر لمراكز الأبحاث والتطوير المعنية بالجانب الصحي، تأمين اللقاحات والأدوية للجميع بأسعار مقبولة، زيادة التمويل للمؤسسات الصحية، دعم القوى العاملة في الهيئات الصحية، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر للتوعية بالمخاطر الصحية في البلدان النامية.
وفي حديث لموقع "العين الإخبارية"، قال الدكتور شريف حتة، استشاري الطب الوقائي والصحة العامة في مصر، أن التنمية المستدامة تتضمن 7 أهداف رئيسية منها صحة الطفل وصحة المرأة.
وبالتالي فإن التطعيم والتغذية السليمة وحماية الطفل من كافة أنواع العدوى من خلال الكشف الطبي، والفحوص الإكلينكية، والفحص المخبري، والأشعة هي ركائز يجب الإلتزام بها فيما يخص صحة الطفل.
وأضاف حتة أن مراكز رعاية الطفولة ينبغي لها تكوين فكرة عامة عن البيئة التي يعيش فيها الطفل، وتحديد الضروريات التي يحتاجها لضمان صحته مثل التهوية الجيدة والأدوية وغيرها. وبالتالي يجب رعاية الطفل منذ البداية وتوفير بيئة صحية له تحميه من الأمراض في عمر صغير وحتى الكبر.
أما فيما يخص صحة المرأة، فيُشدَد حتة على وجوب رعايتها من سن الطفولة وإعدادها لمراحل حياتها المختلفة خاصةً الأمومة. وبالتالي عمل الفحوصات الطبية الضرورية التي تضمن صحة وسلامة الفتاة من الطفولة مرورًا بمرحلة البلوغ ووصولًا لمرحلة الحمل والولادة. وتشمل هذه الفحوصات، فحص الدم لتحري الإصابة بفقر الدم، فحص الثدي والجهاز التناسلي، فحص الخريطة الجينية قبل الزواج لتجنب الأمراض الوراثية التي قد تحملها هي أو زوجها، ويتعرض لها الجنين. هذا بالإضافة لفحوصات الضغط والسكري وغيرها من الأمراض الشائعة عند النساء بصورة عامة.
وأكد استشاري الطب الوقائي أن هناك تطورًا كبيرًا وملحوظًا فيما يخص التنمية الصحية على مدار السنوات الماضية من قبل منظمة الصحة العالمية والوحدات الصحية في معظم الدول؛ حيث شهدنا اختفاء الكثير من الأمراض التي كانت تُشكَل خطرً كبيرًا على صحة الأفراد، مثل أمراض الشرايين التي شهدت تراجعًا كبيرًا بنسبة الوفيات حول العالم.
وبسؤاله عن التحديات التي تواجه التطور في القطاع الصحي قال: "الإمكانيات خاصة في الدول النامية، وقلة الكفاءات الطبية، وزيادة السكان، لأن ارتفاع عدد السكان يحرم قطاعا من المواطنين من الرعاية الصحية لذا تجد هناك قوائم انتظار في المستشفيات".
الإستدامة والإبتكار في الصحة في دولة الإمارات
تقوم دولة الإمارات بجهود جبارة، لتعزيز السلامة الصحية وضمان حصول كافة الأفراد على أراضيها على مقومات الدعم الصحي والطبي لكافة الأمراض. وظهر هذا الجهد بشكل كبير أثناء جائحة كوفيد-19 من خلال توفير الخدمات المجانية للعلاج للجميع دون تمييز، وكذلك تصدرت قائمة الدول التي تم فيها تلقيح الجميع بلقاحات كورونا.
وتسعى الإمارات من خلال عام الإستدامة وجهودها الرامية لتعزيز الإبتكار، لتسليط الضوء على أفضل الممارسات وعرض أحدث المشاريع في مجال الابتكار والاستدامة في القطاع الصحي، من خلال مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية التي أطلقت استراتيجيتها للعام 2023-2026 تحت شعار "رعاية لجودة الحياة".
وتهدف الاستراتيجية لتعزيز استدامة الابتكارات الصحية عبر الاستثمار في النُظم الصحية لتحقيق الاستدامة الصحيةوتنمية الاقتصاد الصحي. وترتكز هذه الاستراتيجية على 3 محاور رئيسية:
- محور ترسيخ بيئة مؤسسية محفزة تهدف إلى تعزيز ثقافة الابتكار على جميع مستويات المؤسسة، وبناء القدرات الداخلية، وتبسيط ممارسات الابتكار.
- محور تبني المشاريع التجريبية الأولية من خلال تطوير آلية النماذج التجريبية وتطبيق الابتكارات وتوسيع نطاق تأثيرها.
- محور الشراكات الهادفة لتنمية الابتكار الصحي من خلال بناء دعم قوي للشركات الناشئة في مجال الرعاية الصحية وتطوير المبادرات بالتعاون مع الشركة المعنية.