العلاج الهرموني للنساء في سن اليأس يشهد توصيات إرشادية
المرأة هي كيانٌ رقيق ومليء بالعواطف والمشاعر التي تنعكس على العديد من مجريات حياتها؛ ويعود السبب في ذلك بشكل رئيسي إلى الهرمونات الأنثوية التي تشهد الكثير من الإضطرابات منذ سن مبكرة عند البلوغ، مرورًا بمرحلتي الحمل والولادة، ووصولًا في نهاية المطاف إلى مرحلة سن انقطاع الطمث المعروفة أكثر ب "سن اليأس"، والذي تسعى منظمات عدة لتغييره إلى "سن الأمل" لتخفيف حدة هذه التسمية على المرأة، التي تمرَ بالكثير من الإضطرابات الهرمونية خلال هذه الفترة.
وذكر موقع "ويب طب"، أن المرأة تدخل سن اليأس عندما تتوقف الدورة الشهرية (الحيض) لمدة سنة كاملة، ولا تكون المرأة خلالها قادرةً على الحمل. ويختلف معدل سن اليأس من دولة إلى أخرى، إلا أنه عادًة ما يحدث بين الأربعينات والخمسينات من عمر المرأة.
يتم تخفيف أعراض انقطاع الطمث في سن اليأس – والتي تتراوح بين الهبات الساخنة، جفاف المهبل، التعرق والتعب، وبالطبع عدم انتظام الدورة الشهرية – من خلال بعض العلاجات مثل العلاج الهرموني؛ لكنه للأسف يحمل العديد من المضاعفات الضارة التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان الثدي.
وهذا ما حدا بلجنة خاصة تابعة للكلية الأمريكية لأمراض القلب، لوضع توصيات إرشادية جديدة حول العلاج الهرموني وارتباطها بهذه الأمراض الخطيرة. ومن المنتظر أن تساعد هذه التوصيات في تقييم مدى سلامة تلقي النساء للعلاج الهرموني لمعالجة أعراض انقطاع الطمث، أو الإياس، المزعجة. كما توضّح التوصيات الجديدة أخطار الإصابة بسرطان الثدي وأمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء عند اللجوء إلى هذا العلاج.
فما هي تفاصيل هذه الإرشادات، وما هي المخاطر والأعراض المصاحبة لانقطاع الطمث على حياة المرأة؟ هذا ما نتعرف عليه في موضوعنا اليوم وفق معلومات حصلنا عليها من "مايو كلينك" في الولايات المتحدة.
توصيات إرشادية حول مخاطر العلاج بالهرمونات في سن اليأس
نشرت لجنة "أمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء"، التابعة للكلية الأمريكية لأمراض القلب، والتي ترأسها الدكتورة ليزلي تشو من "كليفلاند كلينك"، توصيات إرشادية في منتصف فبراير الماضي في مجلة "سيركيوليشن" الصادرة عن جمعية القلب الأمريكية، وذلك بالتشاور مع منظمات مُختصة وخبراء في صحة المرأة. وتذكر الإرشادات أخطار العلاج بالهرمونات ومنافعه، وتحدّد النساء اللاتي يمكنهنّ الاستفادة منه؛ وتقترح طريقةً لتقليل أخطار الإصابات القلبية الوعائية لدى النساء عند تلقيهنّ هذا العلاج.
وقالت الدكتورة تشو "إن بعض الأمراض القلبية الوعائية والأمراض الأخرى، تُعتبر موانع نسبية أو مُطلقة تحول دون اللجوء إلى العلاج الهرموني لحالات أعراض الإياس، على الرغم من أنه بوسع العديد من النساء اللاتي يعانين هذه الأعراض، استخدام الهرمونات بأمان. وأكدَت على ضرورة أن يناقش الطبيب مع مريضته المنافع والأخطار المرتبطة بحالتها الفريدة قبل أن تختار المريضة الشروع في العلاج بالهرمونات، مع الحرص على إعادة تقييم الحالة السريرية والجرعة العلاجية بانتظام، موضحةً بأن الهدف يكمن في معالجة الأعراض المزعجة والتي قد تؤثر أحيانًا في أسلوب حياة المريضة، باستخدام أقلّ جرعة ممكنة لأقصر مدة زمنية."
ولفتت الدكتورة تشو لوجود التباس حالي، وتذبذُب كبير في التوصيات بشأن العلاج بالهرمونات كلما أُعلن عن نتائج بحثية جديدة على مرّ السنين.
وأضافت: "شهد القرن العشرين توصيات واسعة النطاق باستخدام الهرمونات في علاج أعراض الإياس، ووصل اللجوء لهذا العلاج إلى ذروته في أواخر التسعينيات. ثمّ حدث انخفاض كبير في استخدامه بجميع أنحاء العالم، بعدما أشارت الدراسات إلى زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وقد أُوقفت في وقت مبكر دراسةٌ كانت تجريها (مبادرة صحة المرأة) في العام 2002 بسبب الأخطار التي انطوت عليها هذه الدراسة. ومع ذلك، أدرك الباحثون عندما أعادوا مراجعة نتائج هذه الدراسة لاحقًا، أن النساء الأصغر سنًا لم يكُنّ يواجهن أخطار أمراض القلب والأوعية الدموية كالنساء المتقدمات في العمر".
وتابعت الدكتورة تشو قائلةً: "نتيجة للأبحاث اللاحقة، بتنا نعلم أن أخطار الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية تختلف باختلاف أوقات الإياس، وبدء العلاج بالهرمونات، والشكل الذي تُعطى به."
ويأتي نشر توصيات لجنة "أمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء" بالتزامن مع أحدث التقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، والتي تفيد بتزايد أعداد النساء اللاتي يبلغن الإياس في أنحاء العالم. وتصل النساء إلى سنّ الإياس، أو انقطاع الطمث، بين سنّ 45 و55 عامًا؛ وفي العام 2021، شكّلت النساء في سن الخمسين عامًا أو أكبر 26% من جميع النساء والفتيات على مستوى العالم، بعد أن كانت تبلغ 22% قبل 10 سنوات.
الأعراض والمخاطر
تُركَز الإرشادات الجديدة على معالجة أعراض الحركية الوعائية لانقطاع الطمث، والتي تُمثَل أكثر الأعراض التي تؤثر في أسلوب الحياة، وأكثر الأسباب الدافعة لحصول النساء على الرعاية الصحية في وقت الانتقال إلى الإياس.
وتشمل الأعراض الحركية الوعائية الهبّات الساخنة والتعرق الليلي، وتحدث لدى نحو 75% من النساء أثناء فترة انقطاع الطمث؛ وغالبًا ما ترتبط بالقلق واضطراب النوم وانخفاض جودة الحياة. ويمكن علاج الأعراض الحركية الوعائية الشديدة بتوليفة من الأستروجين والبروجستين.
في المقابل، يمكن علاج أعراض الجهاز البولي التناسلي باستخدام كريمات الأستروجين منخفضة الجرعة، والتي لا تُمتصّ إلى مجرى الدم ما يُقلّل من أخطارها.
وقالت الدكتورة تشو إن النساء اللاتي يتمتعنَ بالأمان عمومًا عند تلقي العلاج الهرموني، هنّ اللاتي دخلنَ للتو في مرحلة ما قبل الإياس؛ ويتمتعن بوزن طبيعي وضغط دم طبيعي، ويتّسمن بالنشاط البدني وانخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي، وانخفاض شديد في خطر الإصابة بأمراض القلب في السنوات العشر القادمة، بحسب تقييم درجات الخطر المختلفة المتاحة في مختلف البلدان.
وتشمل النساء ذوات الأخطار المتوسطة، أولئك اللواتي يعانينَ من السكري أو السُمنة أو ارتفاع ضغط الدم أو أمراض المناعة الذاتية أو ارتفاع الكوليسترول أو متلازمة التمثيل الغذائي، إضافة إلى من لديهنّ أخطارًا مرتبطة بأسلوب الحياة، مثل التدخين أو قلّة النشاط البدني أو انعدامه، واللواتي يعانين من ارتفاع أخطار الإصابة بأمراض القلب أو سرطان الثدي خلال عشر سنوات.
أما النساء ذوات الأخطار المرتفعة، فهنّ المصابات بأمراض قلبية وعائية، كأمراض القلب الخَلقية وجلطات الدم والسكتات الدماغية وما يُعرف بـ "السكتات الدماغية الصغيرة"، علاوةً على النساء المُعرّضات لخطر الإصابة بسرطان الثدي.
وخلُصت الدكتورة تشو إلى أن التوصيات الجديدة تسلّط الضوء أيضًا على منافع التعاون بين أطباء القلب والخبراء في المجالات الطبية الأخرى عند معالجة أعراض الإياس لدى النساء، وذلك من أجل توحيد طريقة تقييم الأخطار، والبدء في العلاج المناسب مع تقليل أخطار الأمراض القلبية الوعائية على المدى الطويل.
في الختام، إن كنت عزيزتي قريبةً من سن انقطاع الطمث وتعانين من أعراض الحركة الوعائية المذكورة أعلاه، وغيرها من أعراض هذه المرحلة؛ ننصحك بوجوب مراجعة الطبيب المختص وإجراء الفحوصات اللازمة لتحديد ما إذا كنت بحاجة لعلاج هرموني أم لا، مع ضرورة التباحث مع طبيبك حول مخاطر هذا العلاج، والبدائل عنه لضمان سلامتك.