في اليوم العالمي للنوم.. ما علاقة اضطرابات النوم بصحة القلب
من بين الأولويات التي يحتاجها الإنسان منذ الولادة وحتى سن الشيخوخة، يأتي النوم في المقدمة بجانب الغذاء والراحة والرعاية الطبية. ويُعرف النوم على أنه حالةٌ طبيعية تصيب جميع الكائنات الحية، تقل خلالها الحركة الإرادية في الجسم، والإحساس بما يحدث في محيطه.
لا يعتبر النوم فقدانًا تامًا للوعي، بل هو تغيرٌ لحالة الوعي؛ وهناك من يقول بأن النوم هو ظاهرةٌ طبيعية من أجل إعادة تنظيم نشاط الدماغ، والنشاطات الحيوية الأخرى.
النوم الطبيعي 5 مراحل، تبدأ بالمرحلة الإنتقالية بين أحلام اليقظة والنوم، وتنتهي بالنوم العميق الذي تحدث فيها معظم الأحلام التي نتذكرها أو لا نتذكرها بعد الإستيقاظ من النوم. وبحسب الدكتور إريك جي أولسن من "مايو كلينك"، يعتمد مقدار النوم الذي تحتاج إليه على العديد من العوامل، خاصةً العمر؛ بينما يختلف النوم بشكل واضح بين الأشخاص . فالأطفال الرًضَع ينامون بين 12-16 يوميًا، فيما تنخفض ساعات النوم عند البالغين وكبار السن إلى نحو 7 ساعات في اليوم الواحد.
صعوبات النوم تواجه الكثيرين حول العالم
تشير الدراسات في الجمعية الإسبانية لطب الأعصاب، أنه ما بين 20 و 48٪ من السكان البالغين، يعانون من صعوبات في النوم أو صعوبة الإستغراق في نومٍ مريح؛ حيث أن الأرق ومتلازمة تململ الساقين وصعوبة التنفس هي أكثر الاضطرابات شيوعاً. وبعبارة أخرى، لا يتمتع أكثر من 12 مليون شخص في إسبانيا بنوم جيد، ويستيقظون وهم يشعرون بأنهم لم يناموا نومًا كافيًا أو ينهون يومهم وهم متعبون جداً.
يُعدَ عدم النوم لفترة كافية (50 ساعة في الأسبوع) أو عدم التمتع بنومٍ مستمر وعميق، مشكلةً صحية خطيرة مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري والسُمنة وارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية والاكتئاب، وكذلك العديد من أمراض القلب والشرايين والأمراض التي تؤثر على الوظائف العقلية الأخرى. وفي الواقع، يؤدي النوم أقل من ست ساعات يومياً إلى زيادة معدل الوفيات بنسبة 13٪. كما تؤثر قلة النوم أيضاً على الأداء البدني والقدرات المعرفية، مثل الذاكرة والتركيز واتخاذ القرارات والإبداع؛ وكذلك تؤثر بشكلٍ كبير على الجهاز المناعي، وعلى دفاعات ومضادات الجسم الطبيعية؛ وكذلك على الحالة الذهنية، مما يؤدي إلى سرعة الانفعال والمزاج السيئ، بالإضافة إلى أنها تُسرَع من عوامل الشيخوخة.
هذا ويُشدَد خبراء الصحة على وجوب الحصول على نوم كاف وجيد كل ليلة، لتجنب المخاطر الصحية التي قد تنجم عن قلة النوم؛ كما أن اضطرابات النوم التي يعانيها البعض، مسألةٌ خطيرة ينبغي معالجتها لارتباطها بالعديد من المشاكل المذكورة أعلاه، ومنها مشاكل القلب التي نتطرق إليها في موضوعنا اليوم في مقابلة أجريناها مع الدكتور فيرند سومرز، طبيب قلب في "مايو كلينك" روتشستر، بولاية مينيسوتا الأمريكية.
اضطرابات النوم وعلاقتها بصحة القلب
للنوم تأثيرات عدة على صحة القلب والأوعية الدموية . على سبيل المثال، يرتبط عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم ليلاً وطوال سنوات عديدة، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية. كما أن النوم غير الكافي على المدى الطويل يؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة بمشاكل الأيض، مثل السُمنة ومرض السكري، وكلاهما يمكن أن يؤدي بدوره إلى أمراض القلب.
لمعرفة المزيد حول هذا الموضوع، يجيب الدكتور سومرز على الأسئلة التالية:
ما هي مخاطر اضطرابات النوم المستمرة على القلب؟
يمكن فهم هذا الأمر بشكل أفضل من خلال دراسة الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، إذ يعانون من نوبات متكررة من فقدان القدرة على التنفس أثناء النوم بسبب انهيار مجرى الهواء العلوي لديهم أثناء الشهيق. وتؤدي قلة التنفس عند هؤلاء المرضى إلى انخفاض مستويات الأكسجين في الدم، وارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم، وزيادة نشاط الجهاز العصبي الودي (استجابة القتال أو الطيران) مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم بشكل متكرر خلال الليل.
ونتيجةً للنوبات المتكررة من انخفاض الأكسجين وارتفاع ثاني أكسيد الكربون وارتفاع مستويات الأدرينالين والارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، والتي تحدث كل ليلة على مدار سنوات عديدة، قد يكون هؤلاء الأشخاص أكثر عرضةً لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والرجفان الأذيني والسكتات الدماغية والنوبات القلبية والوفاة المفاجئة.
من الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة بأمراض القلب الناتجة عن اضطرابات النوم؟
الأشخاص الأكثر عرضةً للخطر هم الذين يعانون بالفعل من أمراض القلب، على سبيل المثال أولئك الذين يعانون من انسداد في شرايين القلب أو حالات نُظم قلب غير طبيعية خطيرة أو الأفراد الذين يعانون من قصور في القلب. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل ضغط الدم الخارجة عن السيطرة، يمكن أن يؤدي انقطاع النفس خلال النوم لارتفاع ضغط الدم ليلاً إلى مستويات مرتفعة نسبيًا، وقد يكون ذلك مشكلة أيضاً.
ما المشاكل الصحية الأكثر شيوعاً التي يتعرض لها القلب أثناء النوم؟ وما أسبابها وأعراضها؟
أثناء النوم، يمكن أن يُصاب الناس بألم في الصدر يوقظهم من النوم. ويمكن أن يحدث ذلك بسبب انخفاض مستويات الأكسجين الموجودة أثناء حالات انقطاع النفس الانسدادي النومي الشديدة. وفي بعض الأحيان يمكن أن تتطور هذه المشكلة إلى نوبة قلبية تحدث أثناء النوم. وهذا قد يوقظ المريض أو حتى في بعض الأحيان، قد يموت المريض فجأةً في الليل جرّاء النوبة القلبية.
والمشكلة الأخرى هي أن الناس يمكن أن يصابوا بعدم انتظام دقات القلب، مثل الرجفان الأذيني أثناء النوم بسبب انقطاع النفس النومي. وفي بعض الأحيان، يتعرّض الأشخاص المصابون بانقطاع التنفس أثناء النوم ممن لديهم جهاز مزيل الرجفان القلبي، للصدمة الكهربائية أثناء نومهم. لذا على أي شخص يُصاب بألم في الصدر أو رجفان أذيني أو نوبة قلبية أو صدمة من جهاز إزالة رجفان القلب أثناء النوم، أن يتحدث إلى الطبيب بشأن فحص الكشف عن انقطاع النفس أثناء النوم.
عادةً ما تحدث النوبات القلبية أثناء النوم، فهل هناك طريقة لتفاديها؟
تحدث النوبات القلبية بشكل أكثر شيوعًا في الصباح الباكر بعد الاستيقاظ من النوم. ما زلنا نحاول فهم السبب؛ ومع ذلك، بالنسبة للأشخاص الذين يتعرضون لنوبة قلبية أثناء النوم، يجب بالتأكيد فحصهم للكشف عن انقطاع التنفس أثناء النوم. ومن الممكن، على الرغم من عدم إثبات ذلك، أن العلاج الفعال لانقطاع النفس النومي قد يساعد على منع النوبات القلبية أثناء النوم. ورغم ذلك، ليس لدينا حتى الآن ما يكفي من الأدلة لنؤكد ذلك.
نصائح لضمان الحصول على نوم جيد
يقدم لك طبيب القلب من "مايو كلينك" مجموعة نصائح بسيطة إنما فعالة ، تسهم في تجنب وعلاج اضطرابات النوم في حال وجودها، للتمتع بنوم جيد ينعكس إيجابًا على الصحة.
وهذه النصائح هي الآتية:
- الالتزام بجدول للنوم: لا تخصصي أكثر من 8 ساعات للنوم. إذ تبلغ مدة النوم المُوصى بها لشخص بالغ صحيح 7 ساعات على الأقل. ولا يحتاج معظم الأفراد للنوم لأكثر من 8 ساعات للحصول على قسط وافر من الراحة.
- الانتباه لطعامك وشرابك: لا تذهبي إلى النوم وأنت جائعة أو متخمة بالطعام. وتجنَبي بشكل خاص الوجبات الدسمة أو كميات الطعام الكبيرة قبل موعد النوم بساعتين، إذ يمكن لشعورك بعدم الراحة أن يبقيك مستيقظة.
- تهيئة بيئة مريحة للنوم: حافظي على غرفتك لطيفة الحرارة ومُظلمة وساكنة. فقد يؤدي التعرض للضوء إلى جعل النوم أكثر صعوبةً. تجنَبي التعرض للشاشات المُشعّة للضوء لفترات طويلة قبل موعد النوم. فكّري في استخدام غرفة ذات ستائر معتمة، أو ارتداء سدادات أذن، أو استخدام مروحة، أو أي أجهزة أخرى يمكن أن تساعد على توفير بيئة ملائمة للنوم.
- تقليل وقت القيلولة خلال النهار: يمكن أن يؤثر نوم القيلولة لفترات طويلة نهارًا في جودة نومك خلال الليل. فاحرصي ألا تنامي أكثر من ساعة في القيلولة، وتجنَبي النوم في وقت متأخر من النهار. مع ذلك، إن كنت ممن يعملون في نوبات عمل ليلية، فربما تحتاجين إلى أخذ قسط من قيلولة في وقت متأخر من النهار قبل الذهاب إلى العمل، لتعويض نقص ساعات النوم.
- تضمين الأنشطة البدنية في عاداتك اليومية: من الممكن أن تُحسّن الأنشطة البدنية المنتظمة من نومك؛ ومع ذلك، تجنَبي ممارسة الأنشطة عند اقتراب موعد نومك. كما قد يكون قضاء بعض الوقت يوميًا خارج المنزل مفيدًا.
- السيطرة على القلق: حاولي التخلص من القلق أو المخاوف قبل حلول وقت النوم. اكتبي ما يدور في ذهنك في ورقة، ثم ضعيها جانباً للغد. قد تكون أساليب التحكم في التوتر مفيدةً في هذه الحالة. ابدأي بالأمور الأساسية، مثل التنظيم وتحديد الأولويات وتفويض المهام؛ كما يمكنك التخلص من القلق بممارسة التأمل.
نصائح لتعزيز صحة القلب
في حين لا يمكنك تغيير بعض عوامل الخطر، مثل تاريخ العائلة أو الجنس أو العمر، إلا أنه هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها تقليل خطر الإصابة بمرض القلب.
ينصحك الدكتور سومرز بالبدء بتطبيق هذه النصائح السبع لتعزيز صحة قلبك:
- لا ينبغي التدخين أو استخدام منتجات التبغ.
- تحرَّكي: فليكن هدفك هو ممارسة النشاط لمدة 30 إلى 60 دقيقة على الأقل يوميًّا
- اتبعي نظامًا غذائيًا مفيدًا لصحة القلب.
- حافظي على وزن صحي.
- احصلي على نوم جيد.
- تعاملي مع التوتر وعالجيه.
- قومي بإجراء فحوصات طبية على الصحة عمومًا بشكل مُنتظِم.
في الختام، أنعم الله علينا بالليل كي نرتاح ونخلد للنوم للحفاظ على صحة أبداننا وعقولنا. فلا تتواني عزيزتي في السعي لعلاج أي اضطرابات لديك في موضوع النوم، كي لا تؤثر سلبًا على صحتك على المدى الطويل.