تمارين لتقوية الذاكرة والحفظ وعدم النسيان

الذاكرة مهمةٌ جداً لحياتك.. حافظي على قوتها بهذه التمارين

جمانة الصباغ

تتشكل ذاكرة الإنسان منذ اللحظة الأولى لولادته وقدومه إلى هذه الحياة، وإن كانت "ذاكرة حسية" في بداية الأمر؛ إذ يستشعر المولود الجديد رائحة الأم والمحيط الذي يتواجد فيه، ويعتاد على الأصوات المريحة والمزعجة. ثم تبدأ ذاكرة حفظ الوجوه والأسماء مع التقدم بالسن، لتتبلور لديه ذاكرةٌ حادة وقوية تشحذها وسائل التعلم واللعب والترفيه التي يعرفها الطفل في عمر صغير.

التمارين الرياضية احد العوامل الفعالة لتعزيز الذاكرة ومنع التدهور المعرفي
التمارين الرياضية احد العوامل الفعالة لتعزيز الذاكرة ومنع التدهور المعرفي

وتُعبَر الذاكرة عن العمليات التي يتم استخدامها من قبل الدماغ، للحصول على معلومات محددة عن طريق ملاحظتها ثم تخزينها في الدماغ واسترجاعها عند الحاجة إليها؛ بحيث تساعد هذه الذاكرة على الاحتفاظ بالمعلومات بهدف تجربتها مرة أخرى.

إذن، فالذاكرة مهمةٌ جدًا للإنسان، وهي من أهم الوسائل التي يمتلكها لتذَكر كافة التفاصيل في حياته اليومية؛ حيث إنها تساهم في تعلَم كافة المعلومات الجديدة وتخزينها، وربطها مع المعلومات القديمة، بحيث تسمح بتخزين واسترجاع كافة المعلومات بصورة فورية عند ظهور أية مثيرات في مدة أقل من الثانية والتي تحصل عادةً قبل المرحلة الأولى. ويتم نقل المعلومات بشكل مؤقت إلى الذاكرة القصيرة (الذاكرة العاملة) وبعد ذلك يتم دراسة الأمور وتفعيلها داخل الذهن، وينتهي الأمر بتخزينها بصورة نهائية في الذاكرة طويلة المدى، والتي تسمح للإنسان باسترجاع كافة الأحداث الماضية حين اللزوم مثل الذكريات القديمة.

هناك ماطق عدة في الدماغ لها وظائف مختلفة فيما يخص الذاكرة؛ مثل منطقة الحصين التي ترتبط بالذاكرة المكانية والتي تساعد الشخص على تذَكر طبيعة الأماكن المختلفة التي يذهب إليها وكيفية الوصول لأماكن كان فيها من قبل. كما أن هناك ما يُسمى باللوزة المُخية، والتي ترتبط بالأمور الانفعالية مثل مشاعر الخوف على سبيل المثال.

لكن الملاحظ أن الذاكرة القوية التي نتمتع بها في الصغر، تبدأ بالتقلص والتراجع مع التقدم بالعمر؛ وينصح الخبراء بالعمل على تقوية الذاكرة لأنه في بعض الأوقات التي لا يتم فيها ترميز البيانات بشكل صحيح قبل حفظها، يصبح من الصعب استرجاعها لاحقًا. ما قد يؤدي لنسيان الكثير من الأشياء التي تحصل في حياتنا اليومية، والتي قد تتسبب ببعض المشاكل والمعوقات وحتى المضايقات.

كذلك لا يجب أن ننسى أن تراجع الذاكرة أمرٌ واقع مع التقدم بالعمر، ما يزيد من مخاطر الإصابة بالخرف أو الزهايمر. فضلًا عن أسباب صحية وحياتية مثل الحوادث، تنعكس سلبًا على صحة الذاكرة وقوتها.

وكما أن "تمرين العضلات" مهمٌ للحفاظ على صحة الجسم وقوته، كذلك فإن "تمرين الذاكرة" أمرٌ ضروري وهام للحفاظ على هذه النعمة الكبيرة التي أنعم الله بها علينا؛ كي تبقى قوية وتساعدنا في كافة أمورنا اليومية، الصغيرة والمهمة على حد سواء.

تمارين لتقوية الذاكرة والحفظ وعدم النسيان

تقسيم المعلومات يساعد في حفظها لمدة أطول
تقسيم المعلومات يساعد في حفظها لمدة أطول

تقوية الذاكرة هو بالتأكيد تقوية للدماغ ووظائفه الحيوية؛ وتقول تارا سوارت بيبر، عالمة الأعصاب والطبيبة الأمريكية الشهيرة والمدرَسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤلفة كتاب "The Source: The Secrets of the Universe, the Science of the Brain"، في مقال نشره موقع شبكة CNBC الأمريكية وأشار إليه موقع "العربية.نت"، إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات ذاكرة ممتازة وطويلة المدى هم من يتمتعون بذاكرة عاملة قوية. والمقصود بهذا التعريف، القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة بعد مرور عدة أيام من حفظها. 

إضافة للأفراد الذين يمتلكون ذاكرةً طويلة المدى، لديها القدرة الفائقة على استدعاء المعلومات بعد أكثر من يوم من حفظها. مضيفة أنه يندر وجود شخص جيد في كلا النوعين من الذاكرة، خاصة في حال عدم وجود أية تمارين معينة لتنشيط وتقوية هذه الذاكرة.

لذا تقدم الدكتورة بيبر تمرينين بسيطين للدماغ، يمكنك عزيزتي القيام بهما يوميًا لتعزيز صحة الذاكرة بنوعيها، العاملة وطويلة المدى:

  • التمرين الأول: يرتكز على التقسيم لتقوية الذاكرة العاملة، بحيث يمكنك تقسيم المعلومات الطويلة والعشوائية والمعقدة إلى أجزاء أصغر. فمثلًا، عندما ترين رقمًا مثل "3-3-2-1-6-7"، يمكنك تقسيمه إلى "33" و"21" و"67". كما يساعد تخصيص معنى ذو مغزى لكل رقم في الذاكرة، مثل "عمري 33 ورقم منزلي 21 وتاريخ ميلاد والدي 67."

ويساعد التقسيم بهذا الشكل في العروض التقديمية أيضًا؛ ففي حال ساورك القلق من نسيان بعض الجمل أو الكلمات أو الأرقام في عرضك التقديمي في العمل وأمام المدراء والزبائن، يمكنك إعداد قائمة ببعض المصطلحات والعبارات الرئيسية التي تحتاجين لشرحها، وترديدها عدة مرات بصوت عال لتُحفظ في الذاكرة على شكل علامات إرشادية لك أثناء العرض.

وإليك هذا التمرين المفيد للدماغ: قومي باسترجع أرقام هواتف أقرب الناس إليك، عن طريق تقسيمها إلى مكونات أصغر، لمساعدتك في التخفيف من الاعتماد الكلي على قائمة جهات الاتصال المسجلة لديك على الهاتف. ثم اختبري نفسك كم يمكنك الاحتفاظ بها في ذاكرتك.

  • التمرين الثاني: تكرار الفضاء لتقوية الذاكرة طويلة المدى، وترتكز هذه الطريقة على سبل تعزيز الذاكرة لفترات زمنية أطول.

وفي حال كان الفرد يريد تذَكر معلومة معينة، عليه أن يرددها بصوت عال بينه وبين نفسه عدة مرات بعد تعلَمها مباشرةً. ثم يعود لفعل الأمر ذاته بعد عدة ساعات في اليوم نفسه. على أن يعاود تكرار العملية في اليوم التالي، ثم الأسبوع الذي يليه. وفي حال شعر المرء بأنه بدأ بنسيان المعلومات، عليه البدء في العملية من جديد.

في تمرين للدماغ لتحقيق هذه الغاية، تنصحك بيبر بكتابة قائمة مشتريات للأسبوع؛ ثم تكرار محتوى القائمة في ذهنك مع تخيَل كل عنصر من العناصر في عقلك. بعدها قومي بتغطية القائمة وتمرني عليها بصوت عالٍ؛ وعندما تذهبين إلى المتجر في وقت لاحق من الأسبوع، حاولي التعرف على عدد العناصر التي يمكنك تذكرها بدون النظر إلى القائمة.

عوامل إضافة لتعزيز اليقظة والتذكَر

تمارين لتقوية الذاكرة والحفظ وعدم النسيان
تمارين لتقوية الذاكرة والحفظ وعدم النسيان

لا تكتفي الدكتورة بيبر بهذه التمارين فقط لتقوية الذاكرة، بل تضيف أن القيام بأي نشاط "مُحفَز عقليًا" له أبلغ الأثر في تعزيز القدرات العقلية بشرط اتباع 3 خطوات بسيطة ومهمة لتزويد العقل بالطاقة.

وخطوات بيبر الثلاث هي الآتية:

  1. التمارين الرياضية: والتي أثبتت الدراسات فعاليتها في الحفاظ على صحة الذاكرة ومنع تدهورها مع الوقت. وكانت إحدى الدراسات أشارت إلى أن التدهور المعرفي شائع بنسبة مرتين تقريبًا بين البالغين الذين لا يمارسون النشاط البدني، مقارنة بالنشيطين بدنيًا والذين يواظبون على ممارسة التمارين الرياضية على اختلافها.

وتوصي المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC، البالغين بوجوب ممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني المعتدل الشدة أو 75 دقيقة من النشاط شديد الشدة أسبوعيًا.

  1. اتباع نظام غذائي صحي: يعود نمط الحياة الغذائية لتصدر الإهتمام من جديد بعلاقته الوثيقة مع الصحة والعافية؛ وهذه المرة مع صحة الدماغ والذاكرة. إذ تؤكد بيبر أن الخضروات والفواكه والنباتات متنوعة الألوان مثل الباذنجان واللفت، كفيلةٌ بتعزيز صحة الذاكرة. حتى القهوة والشوكولاته الداكنة التي يمكن تناولها باعتدال، فعالةٌ في تحسين القدرات المعرفية ومنع تدهورها؛ وتُعدَ المشروبات والأطعمة الغنية بالبوليفينول، مهمةٌ جدًا للحد من التدهور المعرفي.
  2. تصفية الذهن والبال: تكثر في زمننا الحالي، المعلومات التي تزدحم بها مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل المعرفة. ما يجعلنا نضيع أمام كمَ المعلومات الهائل الذي قد لا تستوعبه أدمغتنا بشكل تام. إلا أنه بالإمكان تهدئة هذه الفوضى والضوضاء التي نعيش فيها من خلال القيام بعملية جرد شخصية. بحيث نخلو إلى أنفسنا للتفكير قليلًا فيما هو أكثر أهميةً لنا، والأشياء التي يمكننا تذكرها بسهولة أو نميل لنسيانها بسرعة.

ويساعد هذا الأمر في تصفية الذهن والبال من خلال إحداث تغييرات مقصودة في العقل وإيصاله لمرحلة المرونة القصوى اللازمة، لتذكَر ما يهمه والتخلص من الزحام المعلوماتي غير الضروري.

في الحقيقة، أقومُ بين الحين والآخر وفي محاولة لتعزيز الذاكرة لديَ، بقراءة أرقام السيارات بسرعة وإعادة ذكرها لنفسي بصوت عال؛ كي أحسَن من قدرتي على الحفظ وتقوية ذاكرتي. كما ألجأ لتبديل مجموعة من الأرقام أو تقسيمها لأرقام أصغر، فضلًا عن السعي لحفظها خلال وقت قصير.

هذه طريقتي، فما هي الطرق التي تتبَعين عزيزتي للحفاظ على صحة وقوة الذاكرة لديك؟ يسعدنا أن تشاركينا بعضها.