التوعية بمرض الربو تسهم في رعايته والتحكم فيه

التوعية بمرض الربو.. تسهم في رعايته والتحكم فيه

جمانة الصباغ

من بين العمليات الحيوية المهمة في الجسم، تأتي عملية التنفس؛ فهي تمدَ جسم الإنسان بالأكسجين اللازم للجسم وتساعده في التخلص من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن العمليات الحيوية والذي يُشكل خطرًا على جسم الإنسان. وتمرّ عملية التنفس بعدة مراحل تبدأ من أنف الإنسان وتنتهي باستغلال الأكسجين داخل عمليات الطاقة والتي تحدث داخل الخلايا.

يمكن أن تتأثر هذه العملية التي يتم فيها استنشاق الهواء إلى داخل الرئتين عبر الفم أو الأنف نتيجة تقلص العضلات، ومن ثم يحدث الزفير بسبب استرخاء العضلات، وتشمل عضلات كل من الحجاب الحاجز، عضلات البطن، وعضلات بين الضلوع، وعضلات في الرقبة ومنطقة الترقوة؛ بعض المشاكل التنفسية مثل ضيق النفس وذلك لأسباب عدة، صحية وحياتية.

من هذه الأسباب، الإصابة بمرض الربو الذي يُعدَ مزيجًا من عوامل جينية وبيئية؛ له 4 درجات، منها الخفيف المتعاقب، أو الثابت الخفيف، أو الثابت المعتدل، أو الثابت الشديد. ويؤثر الربو بمختلف درجاته على جودة الحياة لدى المصابين به، فالأطفال أكثر عرضةً للتغيب عن المدرسة، فيما يتغيب البالغون عن أعمالهم ويواجهون مصاعب في أداء مهامهم اليومية بفاعلية ونجاح.

بمناسبة يوم الربو العالمي الذي يصادف الثالث من مايو من كل عام، وتخصيص شهر مايو للتوعية من هذا المرض الذي يصيب صغار السن أكثر ويمكن أن يستمر معهم حتى مع التقدم بالعمر؛ تطلعنا الدكتورة ميتشيل لولي، أخصائية أمراض الرئة من مجموعة برايم الصحية، على كافة المعلومات بهذا المرض، وطرق علاجه.

الدكتورة ميتشل لولي اخصائية امراض الرئة من مجموعة برايم الصحية
الدكتورة ميتشل لولي اخصائية امراض الرئة من مجموعة برايم الصحية

تعريف مرض الربو

يمتلك الكثير منا معلومات لا بأس بها عن مرض الربو، لكن لا ضير من أخذ معلومات محددة ومفيدة من أخصائية أمراض الرئة في مجموعة برايم الصحية؛ والتي أفادتنا بأن الربو هو مرضٌ التهابي في مجرى الهواء، يتميز بأزيز وضيق في التنفس وسعال وضيق في الصدر.

مشيرةً إلى أن الربو حالةٌ "مُزمنة"، تظهر عادةً عند الطفولة أو كنتيجة عن وجود سابق للربو / الحساسية في بداية مرحلة الطفولة، بما في ذلك التهاب الأنف التحسسي. مع الإشارة إلى أن الربو يختلف عن التهاب الشعب الهوائية الحاد الشائع والذي يحدث بالإجمال نتيجة نزلات البرد أو عدوى في الجهاز التنفسي. 

فيما يخص أسباب الربو، تشير الدكتورة لولي أن هذا المرض يمكن أن يحدث بسبب العدوى الفيروسية، المواد المُسبَبة للحساسية في العمل أو المنزل مثل عث غبار المنزل، حبوب اللقاح الشائعة في فصل الربيع، التدخين، التمارين الرياضية المكثفة، والإجهاد. كما يمكن أن يكون الربو متقطعًا أو موسميًا أو مُعمَرًا.

يمكن للربو أن يتفاقم بسبب التعرضات أو العدوى (البكتيرية / الفيروسية) التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض مستويات الأكسجين في الجسم، وزيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون؛ مما يؤدي إلى فشل الجهاز التنفسي أو الوفاة. وبالتالي لا ينبغي الاستخفاف بعلاج الربو أو تفاقمه، بحسب الدكتورة لولي.

هل يُسبَب الربو أيَ مضاعفات خطيرة

سؤالٌ يطرحه الكثير منا، وتجيب عليه أخصائية أمراض الرئة قائلةً: "من المضاعفات أو المشاكل طويلة الأمد التي أود التأكيد عليها، هي احتمال حدوث تلف دائم في مجرى الهواء بسبب عدم معالجة الربو، مما يؤدي إلى صعوبة مستمرة في التنفس والتي لا يمكن السيطرة عليها بسهولة باستخدام أجهزة الاستنشاق. ومن المهم التأكيد على ضرورة  العلاج المناسب في الوقت المناسب لمنع حدوث تلف طويل الأمد للمسالك الهوائية."

لكن ماذا عن السيطرة على الربو، هل هي ممكنة؟ وكيف؟

"نعم، يمكن التحكم في مرض الربو. أود أن أؤكد مرةً أخرى أنه ليس قابلًا للعلاج، ولكن يمكن التحكم فيه؛ وذلك من خلال التقليل من أعراضه إلى الحدود الدنيا خلال النهار والليل مع القدرة على القيام بالنشاطات البدنية بشكل أكبر و أفضل"، تجيب الدكتورة لولي مشيرةً إلى أن الكورتيكوستيرويدات المُستنشقة هي الدعامة الأساسية للعلاج لتحقيق السيطرة.

وفي حال تمَ التحكم في الربو بشكل جيد من خلال متابعة منتظمة كل 1-3 أشهر، يمكن الاستغناء عن العلاج بالاستنشاق من "النظام اليومي" إلى نظام "حسب الحاجة". ومع ذلك، يمكن أن تعود الأعراض إلى الظهور في أي وقت وقد تكون هناك حاجة إلى تصعيد العلاج، تحذرنا أخصائية أمراض الرئة.

تحديات مرض الربو واستمرارها طوال سنوات

بحسب لولي، هناك تحدياتٌ متعددة في علاج الربو لأنه حالةٌ مُزمنة. وتشمل بشكل أساسي الوصول السريع إلى المتخصصين، تكلفة الأدوية / الاختبارات، القضاء على الخرافات المرتبطة بالمرض والتي يتناقلها الناس حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، والامتثال للأدوية والمتابعة المنتظمة. 

ما هي المفاهيم الخاطئة أو الخرافات المتعلقة بالربو؟

بما أن الدكتورة لولي تطرقت لهذه النقطة، كان لا بد أن نسألها عن خرافات الربو وكيف نشأت؛ فأجابت بالتالي:

"هناك العديد من المفاهيم الخاطئة أو الخرافات حول الربو. أود أن أسلط الضوء على عدد قليل منها كما هو موضح أدناه":

  • الخرافة: يمكن أن تكون أجهزة الاستنشاق مُسبَبة للإدمان. 
  • الحقيقة: الكورتيكوستيرويدات المُستنشقة لا تُسبب الإدمان، والستيرويدات القشرية المستخدمة في أجهزة الاستنشاق هي شكلٌ من المُنشطات التي ينتجها الجسم عادةً. وبالتالي لا يُسبَب الاستخدام المنتظم لهذه الأدوية إدمانًا، وغالبًا ما تكون ضروريةً لتقليل التهاب مجرى الهواء وتحقيق السيطرة على الربو. 
  • خرافة: أجهزة الاستنشاق "أدويةٌ قوية"، وهي الملاذ الأخير لعلاج الربو.
  • الحقيقة: الكورتيكوستيرويدات المُستنشقة هي الدواء الأول والأفضل للسيطرة على الأعراض بجرعات الستيرويد بالميكروجرام. الستيرويدات القشرية في أجهزة الاستنشاق تكون بجرعات ميكروغرام مقارنةً بالأقراص / الشراب بالجرام. علاوة على ذلك، وعند استنشاقها، فإنها تُوفر تخفيفًا سريعًا للأعراض وتقليل التهاب مجرى الهواء اللازم لتحقيق السيطرة.
  • خرافة: يجب الحد من النشاط البدني / الرياضة إذا كنت مصابًا بالربو.
  • الحقيقة: يمكن لمرضى الربو الذين يتابعون العلاج بشكل منتظم أن يمارسوا حياةً طبيعية وصحية - بما في ذلك ممارسة التمارين الرياضية بانتظام. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الربو الذي يتم التحكم فيه جيدًا يُمكَننا من أداء أي نشاط بدني بسهولة. فإذا كنت عزيزتي تواجهين صعوبةً في أداء نشاط بدني بسبب المرض، فهذا يعني أن الربو الذي تعانين منه ليس تحت السيطرة. في الواقع، فإن التمارين المنتظمة تمنع السُمنة وتُقوَي قلبك ورئتيك كما تُحسَن جهاز المناعة لديك؛ فيما تجعل السُمنة السيطرة على الربو صعبة.
الربو مرض مزمن غير قابل للعلاج لكن يمكن ضبطه
الربو مرض مزمن غير قابل للعلاج لكن يمكن ضبطه
  • خرافة: الستيرويدات المُستنشقة تُسبَب زيادة الوزن وارتفاع نسبة السكر في الدم وتوقف النمو لدى الأطفال وآثار جانبية أخرى كما يظهر في المُنشطات عن طريق الفم.
  • الحقيقة: لا تصل الستيرويدات المُستنشقة إلى الرئتين سوى بكميات قليلة دون أي آثار جانبية جهازية. كما أسلفنا سابقًا، تتوفر الكورتيكوستيرويدات المُستنشقة بجرعات ميكروغرام؛ وعند الاستنشاق، فقط نسبة 20 ٪ من هذه الجرعة ستصل إلى مجرى الهواء والرئتين مع الامتصاص الجهازي والآثار الجانبية التي تحدث لا شيء تقريبًا. أما فيما يتعلق بتقزم النمو عند الأطفال، فقد أظهرت الدراسات أن نسبةً ضئيلة جدًا من الأطفال المصابين بالربو وعند تناول الستيرويدات المُستنشقة بانتظام، يقل ارتفاعهم بمقدار 1 إلى 1.2 سم عن نسبتهم المئوية الطبيعية على المدى الطويل. ولكن، يجب أن نتذكر أنه إذا كان الربو لا يمكن السيطرة عليه، فإن انخفاض الطول يمكن أن يكون أكثر من ذلك بكثير.

سد الفجوات في رعاية مرض الربو

هي فجواتٌ موجودة في العديد من الدول، حتى المتطورة منها؛ وذلك بسبب قلة الوعي حول أهمية العلاج الذي يُخفَف من الأعراض ويحول دون تفاقم المرض. وتقول الدكتورة لولي، أنه بإمكان الحكومات المحلية المساعدة في هذا الشأن من خلال توفير الوصول المتكافئ عبر المجتمعات الغنية والفقيرة إلى التقييم المتخصص ودعم العلاج؛ والذي قد يكون في بعض الأحيان أمرًا مكلفًا خاصة في حالة الربو غير المُنضبط والذي قد يتطلب متابعةً منتظمة وأدوية.

ويمكن للسلطات الصحية أن تلعب دورًا كبيرًا من خلال التثقيف المناسب للأشخاص فيما يتعلق بالربو والإحالات المناسبة، وفي الوقت المناسب، من قبل الأطباء العامين لتقييم الربو وعلاجه. كما بإمكان العائلات دعم المريض المصاب بالربو من خلال مساعدتهم على إعداد خطة عمل ذاتي بالاشتراك مع أخصائي أمراض الرئة، وبالتالي مساعدتهم على مراقبة أعراضهم ومعرفة أي تفاقم للربو واتخاذ الخطوات المناسبة بناءً على هذه الخطة. يمكن للعائلات التي تعرف الربو، التعرف على أفراد الأسرة / الأصدقاء الآخرين الذين يحتاجون إلى تشخيص الربو وعلاجه. كل هذه الممارسات يمكن أن تساعد هذه على الأرجح في سد الثغرات في رعاية الربو

رعاية الربو للجميع

هو عنوان موضوع اليوم العالمي للربو لعام 2023 كما قررته GINA؛ وهي مبادرة عالمية للربو، اختارت هذا الموضوع لتشجيع قادة الرعاية الصحية على ضمان توافر الأدوية الفعالة المضمونة الجودة والوصول إليها؛ خاصةً في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل حيث يكون عبء مرض الربو والوفيات أكبر.

وتشاركنا أخصائية أمراض الرئة بعض وجهات النظر في هذا الموضوع؛ منها تقرير قدمته منظمة الصحة العالمية في العام الماضي، وأفاد بأن مرض الربو أثرَ على ما يُقدَر بنحو 262 مليون شخص في عام 2019، كما تسبب في وفاة 455000 شخص. وهذا الرقم مجرد "غيض من فيض"؛ حيث يوجد أشخاص ليس لديهم إمكانية الوصول إلى المرافق المناسبة لتقييم الربو أو علاجه. لذا، يجب أن يكون هدف كل دولة، توفير الوصول إلى هذه المرافق بالإضافة لتسهيل الوصول إلى الأدوية عالية الجودة التي تساعد في تقليل معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات بسبب الربو.

وتضيف لولي:" ثانيًا، أود أن أؤكد أن تثقيف الناس ومُقدمي الرعاية الصحية حول الربو وبالتالي تعزيز الإحالات العامة / الإحالات الذاتية في الوقت المناسب لتقييم الربو وعلاجه هو أمرٌ في غاية الأهمية.

تجدر الإشارة إلى أن معظم مريضات الربو لدى الدكتورة لولي في السنوات الثلاث الماضية، كانت من النساء أكثر من الرجال. وقالت لولي أنها لم تلحظ العديد من المرضى الذين يعانون من الربو الحاد، ويمكن القول أ، 2 – 3% فقط من هذه الحالات عانوا من ربو حاد أو غير مُتحكم فيه؛ فيما استجاب معظم المرضى للعلاج.

إذن، لا يبدو أن مرض الربو – المُزمن وغير القابل للشفاء – مسألةً صحية مستحيلة في ضوء سرعة الاستجابة لحالات ونوبات الربو منذ عمر صغير وحتى الكبر. ويساعد وعي الناس حول هذا المرض وعلاجاته المتوفرة التي تساعد في التحكم فيه، في تقليل نسب الوفيات إلى حد كبير.

لذا لا تتواني عزيزتي في قراءة المزيد عن الربو، ومعرفة كافة تفاصيله المهمة فيما يخص الأعراض والمُسبَبات والعلاجات؛ لمساعدة نفسك وكل من يعاني من هذا المرض في محيط عائلتك. فالمعرفة هي نصف العلاج، والتثقيف الصحي يسهم في تعزيز جودة حياتنا بشكل كبير وفعال.