لا تتهاوني بموضوع قلة النوم.. فقد يصيبك بأمراض خطيرة
تغنَى الشعراء والمغنون بقلة النوم، وربطوه بحالة العشق والوله التي يمرون بها بسبب الحبيب الذي يتدلل على محبَه ويجعله غير قادر على الخلود للنوم براحة وسلام. فأحب الكثيرون أن يجافيهم النوم من وقت لآخر، ليشعروا بلذة الحرمان من النوم الجميلة التي صورَتها تلك القصائد والأغاني.
والحقيقة أن القليل من قلة النوم، لا ضرر فيه كونه يمنحنا الفرصة للتأمل واتخاذ بعض الخيارات المهمة والسليمة التي تمنعنا زحمة الحياة والمشاغل والعائلة من التوصل إليها. إلا أن تكرار قلة النوم والإصابة بما يُعرف ب"اضطراب النوم" أو "النوم غير المنتظم"، يمكن أن تكون له تداعياتٌ خطيرة على صحتك؛ خاصةً فيما يتعلق لجهة زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة مثل السرطان وأمراض القلب.
وهذا ما كشفته دراسةٌ حديثة نطلعك اليوم على تفاصيلها، مع بعض النصائح الفعالة التي يقدمها خبراء في اضطرابات النوم للتخلص من هذه المشكلة تجنبَا لمخاطرها الصحية.
النوم غير المنتظم يسبب السرطان وأمراض القلب
هذا ما خلصت إليه دراسةٌ حديثة قام بها باحثون من جامعة موناش الأسترالية ونشر تفاصيلها موقع Live Science في تقرير مفصل؛ كاشفًا عن أن الأفراد الذين يعانون من اضطراب النوم، هم أكثر عرضةً للوفاة جراء الإصابة بمرض السرطان وأمراض القلب؛ مقارنةً بآخرين يتمتعون بجداول نوم منتظمة .
والدراسة التي استمرت لمدة 7 سنوات، وشملت حوالي 90 ألف مشارك من البالغين في منتصف العمر وكبار السن، تُعدَ الأكبر من نوعها حول النوم غير المنتظم وعلاقته بالأمراض. وكان العلماء توصلوا في وقت سابق، إلى أن قلة النوم يمكن أن تزيد من خطر الوفاة لأي سبب؛ إلا أنه لم يتضح وقتها ما إذا كانت جداول النوم غير المنتظمة، تؤثر بالقدر نفسه على معدلات الوفيات الناجمة عن النوم غير المنتظم.
وبالعودة إلى علاقة قلة النوم بأمراض السرطان والقلب، رجح بحث جديد نشرته MedRxiv - وهي قاعدة بيانات الأبحاث العلمية في مرحلة ما قبل الطباعة – أن يزيد النوم غير المنتظم من خطر الوفاة جراء الإصابة بهذه الأمراض.
ويُعلَق ماثيو باسي، أستاذ مساعد بجامعة موناش الأسترالية وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة، على هذه النتائج قائلًا: "على حد علمي، فإن هذه الدراسة هي الأكبر من نوعها للنظر في كيفية تأثير عدم انتظام النوم على الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب"؛ مضيفًا أن النتائج تُظهر بشكل محدد "أن عدم انتظام النوم يمكن أن يؤثر على معدل الوفيات بشكل مستقل عن مدة النوم".
تفاصيل أكثر عن الدراسة
كما أسلفنا، فإن الدراسة الجديدة شملت ما يقرب من 90 ألف شخص، تراوحت أعمارهم بين 40 – 70، يعيشون في المملكة المتحدة وطُلب منهم ارتداء أجهزة تتبَع الحركة على المعصم لمدة أسبوع تقريبًا.
ليقوم بعدها الباحثون بحساب درجة انتظام النوم لكل مُشارك، باستخدام نموذج إحصائي لتقدير الوقت الذي كان فيها المشاركون نائمون أو مستيقظين من خلال بيانات الحركة المُسجلة. وتُعرف هذه الطريق بأنها وسيلةٌ لاحتمال أن يكون الشخص نائمًا أو مستيقظًا في نفس الوقت ليومين متتاليين.
ومن ضمن مجموعات المشاركين، تمَ تصنيف مجموعةً واحدة تحت إسم "قلة انتظام النوم"؛ إذ كان للمشاركين فيها فرصة تصل إلى 41% للنوم أو الاستيقاظ في الوقت ذاته ليومين على التوالي. ما يضع هذه المجموعة في المرتبة الخامسة من درجات النوم بصورة عامة، فيما بلغت نسبة من تمَ تصنيفهم بنسبة متوسطة من النوم المنتظم 50%، ومن كانت لديهم فرصة النوم في ذات الوقت لأيام متتالية 61%.
تسجيل وفيات بين المشاركين
المفاجئ في هذه الدراسة وخلال السنوات السبع التي استغرقتها، حدوث بعض الوفيات بين المشاركين وصلت إلى 3010 وفاة؛ تبيَن فيما بعد، أن المشاركين الذي عانوا من درجات منخفضة من انتظام النوم، كانوا أكثر عرضةً للوفاة بنسبة 46% لأي سبب خلال فترة الدراسة، بالمقارنة مع المشاركين ذوي الدرجات المتوسطة.
ومن بين الوفيات المُسجلة خلال فترة الدراسة، 1701 وفاة نتيجة السرطان و616 وفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. وكان الأشخاص الذين يعانون من انخفاض معدل انتظام النوم أكثر عرضةً للوفاة بسبب السرطان بنسبة 33٪، و73٪ للوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مقارنة بالأفراد أصحاب الدرجات المتوسطة.
كما كان هناك مجموعةٌ ثالثة من المشاركين ممن سجلوا درجات "عالية" من انتظام النوم، وثبت في نهاية الدراسة وجود فرصة أقل بقليل من المتوسط للوفاة بشكل عام، ومن أمراض السرطان والقلب بشكل خاص. إلا أن مخاطرهم لم تختلف بصورة جذرية عن المجموعة "المتوسطة".
وفي تعليقه على هذه النتائج، قال باسي وهو أحد المشاركين في الدراسة: "يمكن للتغيرات في أوقات النوم والاستيقاظ أن تُعطَل العمليات الجسدية، مثل إصلاح الأنسجة والتمثيل الغذائي؛ وبالتالي يمكن أن يزيد ذلك من مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة". إلا أنه من المحتمل أيضًا أن تكون التغيرات الجسدية التي تلعب دورًا بارزًا في تطور السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، أدت بدورها إلى اختلافات ملحوظة في انتظام النوم.
مضيفًا أنه لا يمكن تأكيد وجود ارتباط سببي بشكل قاطع بين النتجتين؛ ما يعني أن الباحثين وبناءً على بيانات الدراسة، لا يمكنهم تحديد ما إذا كانت كانت جداول النوم غير المنتظمة تؤدي مباشرةً إلى زيادة معدلات الأمراض الفتاكة، أم العكس.
نصائح مهمة لتعزيز جودة النوم
في كلا الحالتين، ينبغي عليك عزيزتي القارئة إيلاء موضوع النوم اهتمامًا مضاعفًأ؛ واتخاذ كافة الاجراءات الطبية والحياتية التي تساعدك في الحصول على نوم هانئ وجيد، في حال كنت تعانين من مشكلة عدم انتظام النوم لوقت طويل.
ويقدم الدكتور يوهان مورلينغ، وهو مختص في علاج اضطرابات النوم، بعضًا من النصائح الفعالة لتعويد الجسم على النوم بانتظام، هي على الشكل التالي:
- تجنب القيلولة خلال النهار قدر الإمكان.
- ضبط المنبه لتحديد موعد الاستيقاظ على كل في ذات الوقت، حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع والأعياد والعطلات.
- تجنب استخدام الأجهزة الالكترونية التي ينبعث منها اللون الأزرق المسبَب للأرق، قبل النوم وأثناء التواجد في السرير.
- تجنب تناول مشروبات الكافيين بأنواعها بعد الساعة 3 مساءً.
- ممارسة الرياضة خلال النهار وليس قبل موعد النوم بساعات قليلة.
البحث عن الساعة البيولوجية المتأصلة
من جهتها، توجهت الدكتورة كين يوين، أخصائية في طب النوم في رسالة إلكترونية إلى موقع Live Science إلى الراغبين بانتظام النوم؛ بضرورة فحص مكان ساعاتهم البيولوجية المتأصلة. إذ أن مواءمة الجدول الزمني مع الإيقاع الخاص الداخلي صباحًا أو مساءً، يسهم في انتظام جداول النوم وحل مشكلات الاستيقاظ خلال أيام الأسبوع والعطلات.
نصائح أخرى يسديها خبراء مشاكل النوم لضمان انتظام النوم وعدم تعرضَنا للمخاطر الصحية؛ منها عدم الإكثار من الأكل قبل النوم، وتجنب المأكولات الدسمة والغنية بالأملاح والسكريات، ضبط درجة الحرارة في غرفة النوم، حسن اختيار الأسرَة والملاءات والمخدات وغيرها من لوازم النوم مع أهمية اعتمادها بألوان فاتحة لإراحة الجسم والعقل، وعدم النوم فيما الأضواء خافتةً أو مشعةً في حال كنت ممن يحبون العتمة التامة.
يمكنك عزيزتي الأخذ ببعض من هذه النصائح أو كلها، حسب حاجتك، لضمان انتظام النوم لديك ما ينعكس إيجابًا على صحتك ويحميك من الأمراض؛ كما يُعزَز من جودة الحياة التي نطمح إليها جميعًا.
