حافظي على صحة دماغك.. بالتنبه لأي أعراض غير عادية
الدماغ أحد أهم أعضاء الجهاز العصبي؛ يبدأ بالتشكَل عند الإنسان في مرحلة مبكرة، نتيجة التعلم واختبار العديد من الأمور الحياتية اليومية.ويعدّ الدماغ من أكثر أجهزة الجسم أهميةً وتعقيدًا في الكون، ويقول بعض العلماء أنه يحوي10 بلايين خلية عصبية، ما يساوي عدد نجوم مجرّة التبانة تقريبًا؛ فيما يقول علماء آخرون إنه يحتوي على 100 بليون خلية، ولو ربطنا أطراف خلايا الدماغ ببعضها، لأصبحت خيطًا طوله من الأرض إلى القمر.
يحتاج المرء منا، للعناية بصحة دماغه بصورة دائمة ومستمرة؛ إن لجهة التغذية السليمة، أو التنبه لأية أعراض غير عادية، قد تؤشر لاحتمال إصابة الدماغ ببعض الأورام التي يمكن أن تكون حميدةً أو سرطانية؛ كون الأعراض لكلا الاحتمالين، هي ذاتها، على الرغم من ندرة الأورام السرطانية في الدماغ.
هذا ما أكدَ عليه الدكتور مارك مالكين، اختصاصي الأورام الدماغية وأورام الجهاز العصبي في مستشفى كليفلاند كلينك؛ مُشدَدًا على أهمية عدم تجاهل الأعراض العصبية غير المُبرَرة أو التي تدوم طويلًا في بعض الأحيان. لأنها قد تكون ناجمةً عن ورم دماغي حميد أو -في حالات نادرة -ورم دماغي سرطاني؛ وفي هذه الحالة، يمكن أن يؤدي التشخيص والعلاج المبكران، إلى تحسين النتائج النهائية على نحو كبير.
أورام الدماغ .. حميدة أم خبيثة
أوضح الدكتور مالكين أن الغالبية العظمى من أورام الدماغ حميدة؛ لكن أعراض الأورام الحميدة والسرطانية يمكن أن تكون متشابهة تمامًا. وتنتج هذه الأعراض عن الضغط الذي يفرضه الورم على الدماغ، بالإضافة إلى موقع الورم في الدماغوأي "من المناطقفي جسم الإنسان يتحكم فيها ذلك الجزء من الدماغ."
وأضاف: "يمكن أن تشمل الأعراض الناتجة عن ضغط الورم،تغيرات في التفكير أو الحالة المزاجية أو التوازن أو الرؤية أو تعرض المريض للقيء التلقائي أو الصداع المفاجئ. وتحدث الأعراض المرتبطة بموقع الورم، على سبيل المثال، عندما يتسبب ورم في الفص الجبهي في معاناة المريض من صعوبةالقدرات التي يتحكمفيها هذا الجزء في الدماغ؛ مثل القدرة على التركيز والانتباه وتعددية المهام. وبالمثل، قد يؤدي وجود ورم في المخيخ، إلى معاناة المريض من صعوبات في التوازن أو تأثر بعض المهارات أو عدم القدرة على التنسيق،من بين أمور أخرى."
وينصح اختصاصي الأورام الدماغية وأورام الجهاز العصبي، في هذه الحالة، بوجوب مراجعة الطبيب المختص الذي يجري عددًا من الفحوصات اللازمة وتحديد العلاج المناسب. وقال: "عندما تظهر على المريض أعراضٌفي الجهاز العصبي، فإن أطباء الأعصاب يستكشفون بشكل عام ثلاثة عوامل رئيسية لتحديدالخطوات التالية في رحلة العلاج. وتتمثل الخطوة الأولى في التأكد من عدم وجود آفات أو أضرارفي الدماغ، أو فيما إذا كانت الأعراض الظاهرة لها علاقةٌ بالجهاز العصبي لدى المريض أم لا. وبعد ذلك، في حالوجود ضرر في الدماغ، فيجب معرفة مكانه، والذي يمكن تحديده من خلال الفحص العصبي والمسح مثل الأشعة المقطعية و/ أو التصوير بالرنين المغناطيسي. أما الخطوة الثالثة، فتتمثل في معرفة نوع الآفة التي يتم تحديدها من خلال الفحوصات الطبيةأو من خلال مراجعة تاريخ المريض والأعراض التي يعاني منها، مع استبعاد الحالات الأخرى مثل الخراج الناجم عن عدوى أو الجلطة الدموية."
هل يمكن أن نعرف أنواع الأورام الدماغية
يجيب الدكتور مالكين على هذا السؤال بالتالي:
ثمة أكثر من 100 نوع من أورام الدماغ ، يمكن تصنّيفها ضمن ثلاثة أنواع رئيسة وهي:
- الأورام الأولية الحميدة.
- الأورام الأولية الخبيثة.
- الأورام النقيليَّة، والتي تحدث عندما تنتشر الخلايا السرطانية من الأعضاء الأخرى إلى الدماغ عن طريق الدم.
أورام الدماغ النقيليَّة هي أكثر أنواع أورام الدماغ شيوعًا؛وتنشأ غالبية هذه الأورام إما نتيجةأمراض السرطان المُنتشرة بشكل كبير، مثل سرطان الرئة والثدي، أو بسبب أمراض السرطان الأكثرقابلية للانتشار إلى الدماغ، مثل الأورام الميلانينية.
وتُعد الأورام السحائية من بين أورام الدماغ الأولية الحميدة الأكثر شيوعًا، رغم أن الدكتور مالكين يشير إلى أنها من الناحية الفنية؛ تحدث في السحايا (الأغشية التي تغطي الدماغ والحبل الشوكي)- وليس في الدماغ نفسه. لافتًا إلى أن 85٪ من الأورام السحائية، بطيئة النمو وحميدة بشكل عام؛وعادةً ما يتم تشخيصها بالمصادفة، على سبيل المثال، خلال الفحوصاتالتي يتم إجراؤها للمريض بعد التعرضلإصابة أو حادث. وإذا كانت الأورام السحائية لا تُسبَب أي أعراض، فعادةً ما يتم مراقبتها فقط عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي بدلًا من معالجتها.
أما أورام الدماغ الخبيثة الأولية، فأكثرها شيوعًا هي الأورام الأرومية الدبقية، التي تنمو بوتيرة سريعة للغاية؛ لذلك كلما تم علاجها مبكرًا، كانت النتائج أفضل.
العلاجات والتطورات الجديدة لأورام الدماغ
أضاف الدكتور مالكين: "إذا تسبَب أي نوع من الأورام في ظهور أعراض على المريض بسبب الضغط أو موقع الورم، فستكون الخطوة الأولى في العلاج هي إزالة أكبر قدر ممكن من الورم جراحيًاوعلى نحو آمن. ويتم بعد ذلك إرسال الأنسجة التي تمت إزالتها إلى مختبر علم الأمراض لتحديد ما إذا كانت خبيثة أو حميدة أو أولية أو نقيلية."
وفي حال أشارت الفحوصات إلى وجود ورم خبيث، "يتم علاج المرضى من خلال مزيج من العلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي، الذي يتم إعطاؤه عادةً كحقن في الوريد أو على شكل أقراص.وبالنسبة للأورام النقيليّة، قد يتخذ العلاج الإشعاعي شكل الجراحة الإشعاعية التجسيمية؛ وهي ليست عملية جراحية، ولكنها طريقةٌ دقيقة للغاية لعلاج الورم بالعلاج الإشعاعي، وذلك لتقليل تعرَض الأجزاء الأخرى في الدماغ للإشعاع" بحسب الدكتور مالكين الذي تحدث عن علاجات جديدة قيد التطوير في هذا الموضوع.
ولفت اختصاصي الأورام من كليفلاند كلينك، إلى أن هناك علاجات جديدة أكثر تخصيصًا قيد التطوير. ويعمل العديد من العلماء على تحديد الطفرات التي تُسبَب نمو الأورام، بحيث يمكن تطوير الأدوية لاستهداف هذه العوامل المُحددة. فقد يبدو الورم الأرومي الدبقي لدى مريضين هو نفسه تحت المجهر، ولكن لهما طفرات مختلفة للنمو؛ لذلك قد يختلف نوع العلاج المعتمد بعد الجراحة من حالة إلى أخرى."
ماذا بشأن لقاح خاص لبعض الأورام الخبيثة
لفت الدكتور مالكين إلى أن هناك أملٌ يلوح في الأفق، بتطوير لقاح خاص للأورام الأرومية الدبقية؛ والذي سيكون مفيدًا بشكل خاص للمرضى المُعرَضين لخطر الإصابة بأورام متكررة في الدماغ. ويشارك مستشفى كليفلاند كلينك في التجارب السريرية الجارية للقاح SurVaxM، مع تحقيق نتائج واعدة بعد انتهاء المرحلة الثانية الأولية من التجارب. ويهدف هذا اللقاح إلى تثبيط نشاط بروتين يسمى "النجيفين"، والذي عُثر عليه على سطح 80٪ من خلايا الورم الأرومي الدبقي، وهو ضروريٌ لتكاثر الخلايا.
واختتم الدكتور مالكين "بالنظر إلى هذه التطورات المهمة على صعيد العلاجات، وبالنظر إلى أن أقل من 1٪ من أورام الدماغ سرطانية؛ يجب ألا يتردد المرضى إطلاقًا،في الإبلاغ عن أي أعراض غير عادية في الجهاز العصبي حتى يتمكن مقدمو الرعاية من تقييم حالاتهم وإجراء الفحوصات اللازمةوتقديم العلاجات الصحيحة- عند الحاجة -في أبكر وقت ممكن."
ختام القول، صحة الدماغ مهمةٌ للغاية، وينبغي علينا العناية بها كما نعتني بكافة أعضاء جسمنا. وبما أن الأورام السرطانية قليلة في الدماغ، الحمدلله؛ يجب أن لا نُغفل أية أعراض غير طبيعية تطرأ على جهازنا العصبي، ونتوجه إلى الطبيب المختص لفحصها وتبيان ماهيتها، لضمان علاجها بسرعة وبشكل فعال حتى لا تؤثر سلبًا على حياتنا.