تعلَق المراهقين بشاشات المحمول.. متى يكون زائدًا عن الحدَ
يُقال بأن جيل زي Gen Z، المعروف أكثر بإسم Zoomers؛ هي المجموعة الديموغرافية التي تلي جيل الألفية وتسبق جيل ألفا. ويستخدم الباحثون ووسائل الإعلام الشعبية، منتصف التسعينيات إلى أواخرها، كسنوات بداية الولادة لهذا الجيل وأوائل عام 2010 كسنوات النهاية. معظم أعضاء الجيل Z هم أطفال من الجيل X أو جيل مواليد أصغر، وقد يكون الأعضاء الأكبر سنًا هم آباء الأعضاء الأصغر سنًا في جيل ألفا.
بصفته أول جيل اجتماعي نشأ مع إمكانية الوصول إلى الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية المحمولة منذ صغره؛ فقد أُطلق على أعضاء Gen Z ، حتى وإن لم يكونوا بالضرورة مُتعلمين رقميًا ، لقب "المواطنون الرقميون".
هذا الجيل الذي يُتحفنا كل يوم، بقدراته المتفوقة علينا (نحن جيل السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات) في العمل والتحكم بكافة مصادر التكنولوجيا من حولنا، بلمح البصر. الحقيقة أن ما قد يأخذ مني بعض الوقت لإنجازه على السوشيال ميديا أو تنزيل تطبيق جديد، تُنجزه إبنتي البالغة من العمر 14 عامًا، بسرعة فائقة، لا تتعدى الثواني وحتى إكمال جملتي..
وهو أمرٌ جميل وجيد، في حال تمَ توظيفه بشكل صحيح؛ لكن تسمَر أولادنا وأولاد الجيل Z لساعات طويلة أمام شاشات المحمول وغيرها من وسائل التكنولوجيا السريعة، قد يتحول إلى شيء سلبي يُضرَ بصحتهم، خاصةً العقلية منها. ما يستدعي حلولًا جذرية، تُسهم بشكل أو بآخر، في تقليل هذه الأضرار والحفاظ على صحة أولادنا.
وهو ما نستعرضه سويًا مع نوشين أمين الدين، دكتوراه في الطب، وطبيبة أطفال في "مايو كلينك"؛ وعضوٌ أيضًا في الجمعية الأمريكية لطب الأطفال. إنما بدايةً، لا بد من الحديث عن مزايا التكنولوجيا التي يعيشها فيها أولادنا، ومخاطرها على الصحة.
التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها على المراهقين
تُمثَل وسائل التواصل الاجتماعي، جزءًا كبيرًا من حياة العديد من المراهقين، بحسب ما جاء على موقع "مايو كلينك". وقد وجد استطلاع أجراه "مركز بيو للأبحاث" في عام 2018، وشمل نحو 750 من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا، أن 45% منهم متصلون بالإنترنت بشكل مستمر تقريبًا، و97% يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي؛ مثل YouTube أو Facebook أو Instagram أو Snapchat.
لكن ما تأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين؟
يشير الموقع المختص إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي، تتيح للشباب إمكانية إنشاء هويات عبر الإنترنت والتواصل مع الآخرين وإنشاء شبكات اجتماعية؛ والأخيرة يمكن أن توفر للشباب دعمًا قيمًا، لا سيما مساعدة أولئك الذين يشعرون بالإقصاء أو المصابين بإعاقة أو أمراض مزمنة.
يستخدم المراهقون أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي، للترفيه والتعبير عن الذات. ويمكن للمنصات أن تَعْرِض للمراهقين الأحداث الحالية، وتسمح لهم بالتفاعل عبر الحواجز الجغرافية وتُعلَمهم مجموعةً متنوعة من الموضوعات، بما في ذلك السلوكيات الصحية. والحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي التي تتسم بروح الدعابة أو تُشتت الانتباه أو تُوفر اتصالًا مفيدًا مع الأقران، بالإضافة إلى شبكة اجتماعية واسعة؛ قد تُساعد المراهقين على تجنَب الاكتئاب.
لكن هذه الوسائل لا تخلو من بعض الأضرار..
إذ يمكن أن يؤثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي سلبًا على المراهقين ؛ من خلال تشتيت انتباههم وتعطيل نومهم وتعريضهم للتنمر ونشر الشائعات ووجهات النظر غير الواقعية عن حياة الآخرين وضغط أقرانهم.
وقد تكون المخاطر مرتبطةٌ بحجم استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي. فقد وجدت دراسةٌ أجريت عام 2019 على أكثر من 6500 من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 15 عامًا في الولايات المتحدة؛ أن أولئك الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًّا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، قد يتعرضون لخطورة كبيرة بسبب مشكلات الصحة العقلية. فيما كشفت دراسة أخرى أُجريت عام 2019 على أكثر من 12000 من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 16 عامًا في إنجلترا؛ أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من ثلاث مرات يوميًّا، يتنبأ بضعف الصحة العقلية والرفاه لدى المراهقين.
دراسات أخرى لاحظت أيضًا، وجود روابط بين المستويات العالية لاستخدام الوسائط الاجتماعية وأعراض الاكتئاب أو القلق . منها دراسةٌ أُجريت عام 2016 على أكثر من 450 من المراهقين، وخلصت إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر أو استخدامها أثناء الليل والاستثمار العاطفي في وسائل التواصل الاجتماعي - مثل الشعور بالضيق عند منع تسجيل الدخول - يرتبط كل منهما بنوعية نوم أسوأ ومستويات أعلى من القلق والاكتئاب.
كيفية استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي، قد تحدد تأثيرها أيضًا. ففي دراسة أُجريت عام 2015، وجد الباحثون أن المقارنة الاجتماعية والتغذية المُرتدة التي يبحث عنها المراهقون باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة؛ كانت مرتبطةً بأعراض الاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، وجدت دراسة صغيرة أُجريت عام 2013، أن المراهقين الأكبر سنًّا الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي بشكل سلبي، مثل مجرد مشاهدة صور الآخرين؛ أبلغوا عن انخفاض في الرضا عن الحياة. أما أولئك الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الآخرين أو نشر المحتوى الخاص بهم، فإنهم لم يواجهوا هذه الانخفاضات.
وأظهرت دراسةٌ أقدم حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على طلاب الجامعات؛ أنه كلما زاد استخدامهم للفيسبوك، اعتقدوا أن الآخرين أكثر سعادةً مما هم عليه. ولكن كلما زاد الوقت الذي يقضيه الطلاب في الخروج مع أصدقائهم، قلَ هذا الشعور لديهم.
بسبب الطبيعة الحيوية للشباب؛ يشير الخبراء إلى أن المراهقين الذين ينشرون محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، مُعرَضون لخطورة مشاركة الصور الحميمة أو القصص الشخصية للغاية. مما قد يؤدي إلى تعرُّض المراهقين للتنمر أو المضايقة أو حتى الابتزاز. وغالبًا ما يُنشئ المراهقون منشورات، دون مراعاة هذه العواقب أو مخاوف الخصوصية.
متى يعتبر وقت الشاشة كثيرًا جدًا على المراهقين؟
هل يؤثر الإعلام الرقمي على صحة أطفالك خاصةً المراهقين منهم؟..
أصدر كبير الأطباء في الولايات المتحدة توجيهًا جديدًا، يشير فيه إلى تزايد المخاوف حول آثار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للنشئ. وتوضح الدكتورة أمين الدين، طبيبة أطفال لدى "مايو كلينك"؛ أنه وعلى الرغم من المنافع العديدة للتكنولوجيا، فإنها قد تؤثر على الأطفال والمراهقين بصورة سلبية، ويشمل ذلك بعض التغيرات السلوكية.
وتسأل الدكتور أمين الدين: هل ترسل أبناءك المراهقون الرسائل النصية طوال اليوم؟ أو هل هم دائمو اللعب؟ أو أنك لا تعلمين ماذا يفعلون؟ وتجيب: " دائمًا ما ننصح الآباء بمتابعة المحتوى الذي يتابعه أطفالهم عبر الإنترنت، ومحاولة تقليل وقت استخدامهم للإنترنت، والتأكد من أنه لا يؤثر على ساعات نومهم، أو على تحصيلهم الدراسي، أو على مزاجهم."
وتضيف أن هذه المهمة صعبة؛ إذ يمكن للأطفال الدخول على الإنترنت، حرفيًا، من راحة أيديهم. لذ تنصحك عزيزتي بالقيام بالآتي: "تحدثي مع أولادك وحاولي معرفة ما يفعلونه على منصات الإنترنت طوال اليوم.. هل يقضون الوقت في اللعب مع الأصدقاء؟ أو يبحثون عن أشياء معينة؟ أو يستخدمون الإنترنت لإنجاز الواجبات المدرسية؟"
قد يكون الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، مرتبطًا بمدى تأثيرها على طفلك . وتقول الدكتورة أمين الدين: "كل ما يمكن أن يؤثر على نوم الطفل، أو على مزاجه، أو على أدائه الأكاديمي؛ قد يعني أنه يتم استخدامه زيادة عن اللازم."
وتوضح أن الآباء ومقدمي الرعاية هم أفضل من يعرف أبناءهم؛ وبالتالي هم أفضل من يحدد ما يُعتبر زائدًا أو لا. وفي رأيها، إن كنت قلقةً، فيجب عليك التحدث مع طبيب أطفالك أو فريق الرعاية الصحية لتلقي النصح، خصوصًا فيما يتعلق بمصطلح "وقت الشاشة".
نصائح حول "وقت الشاشة"
بحسب طبيبة الأطفال من "مايو كلينك"، يشير هذا المصطلح إلى الوقت الذي يُقضى على التليفونات المحمولة أو الأجهزة اللوحية أو التلفاز أو أجهزة الألعاب الإلكترونية. ويشمل ذلك، مراسلة الأصدقاء أو مشاهدة مقاطع الفيديو أو الأفلام أو اللعب أو القيام بالواجبات الدراسية أو تصفح الإنترنت.
إليكَ بعض العادات الصحية الممكن اتباعها للاستفادة من وقت الشاشة وفقًا للدكتورة أمين الدين:
- التواصل: تحدَثي بوضوح مع أبنائك حول ألعاب الفيديو والمحتوى الذي يتابعونه عبر الإنترنت.
- حدَدي "أوقاتًا بلا شاشة": من خلال تخصيص أوقات معينة للأنشطة بلا شاشة، مثل وقت الوجبات أو الساعة الأخيرة قبل النوم.
- الشحن خارج غرفة النوم: شجعيهم على شحن الأجهزة خارج غرف النوم، للحصول على نوم أفضل.
- كوني مثالًا يُحتذى به: اتبَعي العادات السليمة فيما يتعلق بوقت الشاشة، مثل تشغيل وضع "عدم الإزعاج" خلال وقت العائلة أو وقت العشاء.
حماية المراهقين من تأثيرات التكنولوجيا السلبية
بدوره، يقدم موقع "مايو كلينك" مجموعة خطوات؛ يمكنك اتخاذها لتشجيع الاستخدام المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي والحد من بعض آثارها السلبية. والنصائح هي الآتية:
- وضع حدود معقولة: تحدَثي إلى ابنك أو ابنتك المراهقة، حول كيفية تجنب تدخل وسائل التواصل الاجتماعي في أنشطته أو نومه أو وجباته أو واجباته المدرسية. شجَعي روتين ما قبل النوم الذي يشمل الامتناع عن استخدام الوسائط الإلكترونية، وأبقي الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية خارج غرف نوم المراهقين. وكوني قدوتهم من خلال اتباع هذه القواعد بنفسك.
- مراقبة حسابات أبناءك المراهقين: أخبريهم أنك ستتحققين بانتظام من حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. قد تقومين بذلك مرة واحدة في الأسبوع أو أكثر، لكن حافظي على الاستمرار.
- شرح الأمور غير المناسبة: حذّري أبناءك المراهقين من النميمة أو نشر الشائعات أو التنمر أو الإضرار بسمعة شخص ما - عبر الإنترنت أو غير ذلك. وتحدَثي إليهم حول ما هو مناسب وآمن لمشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي.
- تشجيع الاتصال المباشر مع الأصدقاء: هذا أمرٌ مهم خصوصًا للشباب المُعرَضين لاضطراب القلق الاجتماعي.
- الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي: تحدّثي عن عاداتك في وسائل التواصل الاجتماعي، واسألي أبناءك المراهقين كيف يستخدمون هذه الوسائل وما تأثيرها على شعورهم. كذلك ذكّريهم بأن وسائل التواصل الاجتماعي، مليئة بالصور غير الواقعية؛ وبالتالي لا يجب أن ينجرفوا بمشاعرهم وأفكارهم نحو كل ما يرونه ويصدقونه.
في الختام، إذا كنت تعتقدين أن ابنك أو ابنتك المراهقة، مصابين بمؤشرات أو أعراض القلق أو الاكتئاب المرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ تحدَثي مع طبيبهم الخاص. وسويًا، حاولا مساعدة المراهقين من أولادك وحتى الأطفال الأصغر سنًا، على تخطي التأثيرات السلبية للتكنولوجيا ومنصات التواصل الإجتماعي التي تحمل الكثير من الوهم، والقليل من الواقع...