خاص "هي": تقنية متطورة للأنسولين مدَعمة بالذكاء الاصطناعي.. وتريح مرضى السكري
يُعد الأنسولين Insulin العلاج الناجح الوحيد لسكّري اليافعين ( Juvenile - onset diabetes) أو السكري المُعتمد على الأنسولين (Insulin dependent diabetes)؛ كما يُعطى كعلاج لمرض السكري الذي يصيب البالغين.
ويجب إعطاء دواء الأنسولين بالتوازي مع تغذية متوازنة ومُراقبة بشدّة، كما قد تكون هنالك حاجةٌ لتغيير الجرعات في بعض حالات الإصابة بأمراض أو التقيؤ أو تغييرات في التغذية أو في مستويات النشاط الجسماني.
هنالك تشكيلة واسعة من أدوية الأنسولين، التي يدوم تأثيرها لفترة قصيرة، أو متوسطة أو طويلة؛ ومؤخرًا، ظهرت في الأسواق تقنية جديدة هي مضخة الأنسولين 780G Medtronic ، التي تعمل على تزويد مرضى السكري بالأنسولين باستمرار.
لمعرفة المزيد عن هذه المضخة، دورها وأهميتها لمرضى السكري؛ يُحدثَنا الدكتور أحمداللبودي، استشاري الغدد الصمَاء والسكريفي مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، أبوظبي.
هلّا تخبرنا المزيد عن نظام 780G Medtronic؟
هو نظامٌ يشتمل على مضخة أنسولين، وهي وحدة إلكترونية (أصغر من حجم الجوال)؛فيها خزَان للأنسولين وتتصل بجسمالمريض عن طريق أنبوب لتزويده بالأنسولين باستمرار.
الجزء الثاني من النظام هو جهازٌ لمراقبة مستويات سكر الأنسجة باستمرار؛ وهو عبارةٌ عن إبرة دقيقة تستقر في الأنسجة تحت الجلد للمراقبة المستمرة لمستويات سكر الأنسجة. أما المُكوّن الثالث للنظام، فهو خوارزميةٌ للذكاء الاصطناعي تعمل على ضبط مستويات السكر. فعلى سبيل المثال، إذا بدأ مستوى السكر في الانخفاض إلىحد معين؛يقوم الذكاء الاصطناعي بإرسال تنبيه إلى المضخة للتوقف عن تزويد الأنسولين مؤقتًا تجنبًا لاستمرار سكر الدم فيالانخفاض ومنع حدوث حالة "هبوط السكري". وعند ارتفاع مستويات السكر، يرسل الذكاء الاصطناعي تنبيهًا للمضخة لزيادة كمية الأنسولين ومن ثَمَّ ينخفض السكرإلى المستوى المراد.
بالمختصر، هذا الجهاز بمثابة بنكرياس صناعي نظرًا لاحتوائه على مُستشعر لسكر الأنسجة ومُكوّن لضخ الأنسولين للجسم؛ويعملان عملًا متناغمًا بتوجيه من الذكاء الاصطناعي للحفاظ على استقرار مستويات سكر الدم. على أنَّ هذه التسمية تفتقر إلى الدقة، لأنه على الرغم من تطور هذا النظام، فإنه لم يصل إلى درجة التعقيد التي تتسم بها أعضاء الجسم الحيوية مثل البنكرياس الطبيعي، ولا يزال بحاجةإلىتدخل المريض.
ماذا لا يمكن تسمية نظام 780G Medtronic(أو الأنظمة المُشابهة) بالبنكرياس الصناعي؟
بينما هنالك جزءٌ كبير من هذه التقنية يعمل تلقائيًا، فإنَّ لمسة المريض تبقى ضروريةًكي يعمل بفعالية.فالمريض لا يزال بحاجةإلى حساب كمية الكربوهيدرات التي يتناولها قبل أكل وجبته بنحو 10 إلى 15 دقيقة؛ويحتاج أيضًاإلى استبدال الأنبوب والمُستشعر كل ثلاثة أيام وسبعة أيام على التوالي. وينطبق ذلك أيضًا على النشاطات والتمارين التي قد تُقلَل من مستويات السكر.
لذلك فإنه وبناءً على النشاط البدني، يتعين على المريض تعديل وتيرة حصوله على الأنسولين من المضخة لتجنب الانخفاض الحاد في سكر الدم. وبالتاليفإن تدريب المريض وإعداده للتعامل مع هذا النظام في غاية الأهمية، ولذا فإن استخدام مصطلح "البنكرياس الصناعي" مُفتقر إلى الدقة.
ما الفرق بين نظام 780G والنظام الأقدم من هذه التقنية؟ وهل لاحظ مرضاك أي اختلاف عند التحول بينهما؟
يتطلب نظام 640G إعدادًا يدويًا لمعدل الأنسولين الأساسي(وهو الأنسولين الذي يُضخعلى مدار اليوم،عدا الأنسولين الذي يُضخوقت الوجبات) الواجب توصيله للمريض؛ لذلك، من المهم الانتباه إلى أن المضخة لا يديرها الذكاء الاصطناعي بالكامل. والهدف الرئيسي من الذكاء الاصطناعي في نظام 640G هو تقليل أو إيقاف ضخ الأنسولين لمنع هبوط مستويات السكر. أما في النسخة الأحدث، ونقصد هنا نظام 780G؛فيتحكم الذكاء الاصطناعي بضخ الأنسولينطوال الوقت (مع استيفاءالشروط الواجبة لذلك)، سواء عند ارتفاع أو انخفاض (أو حتى ثبات)السكر. لذلك فهو نقلةٌ نوعية في عمله بالنسبة للمرضى.
وبالإضافة إلى تقليل خطر انخفاض قراءات السكربالنسبة للمرضى، فإنه يُجنَبهم ارتفاعه. فقدأفاد معظم المرضى بأن هذه الميزة الجديدة ساعدتهم بشكل كبير وأتاحت لهم المحافظة على مستويات طبيعية للسكر. وما زاد سعادتهم هو الحاجة الأقل إلى تدخلهم في عمل النظام. وأيضًا المُستشعر المُستخدم في النظام الجديد أكثر تطورًا من سابقه من حيث الدقة، فإنه لا يحتاج إلى ما نسميه "مُعايرة"بشكل دوريللعمل على مطابقة مستويات السكر في الأنسجة معمستويات السكر في الدم. فقد كان المُستشعرالأقدم يتطلب من المريض، إجراء مسحة إصبع كل 12 ساعة وإدخالها في الجهاز لمعايرتها.
ما مدى انتشار هذه الأجهزة؟ هل هي جديدةٌ أو شائعةٌ في القطاع الصحي؟ وهل الحصول عليها مُتيسر؟
أُطلقهذا الجهاز للمصابين بالسكري من النوع الأولفي القارة الأوروبية منذ ما يقرب العامين، ومتوفر في دولة الإمارات منذ سنة تقريبًا.وأكبر التحديات لانتشار مثل هذه الأنظمة، على الرغم من فائدتها الكبيرة، هو ارتفاع تكلفتها المادية (بعض أنواع بوالص التأمين تغطيها) ووجود الفريق الطبي المؤهل للتعامل مع هذه التقنيات.
كيف تضمنون نتائج ناجحة باستخدام هذا الجهاز؟
هناك عوامل عديدة تحدد نجاح النظام؛ أولها إرادة المريض للتحول إلى استخدام مضخة 780G الجديدة، وخضوعه للتدريب على استخدام النظام لفهم كافة تفاصيله، وقدرته على حساب كمية الكربوهيدرات التي يتناولها. ويستلزم أيضًا المتابعة الدورية من فريق طبي مؤهل للتعامل مع هذه التقنية. كذلك من المهم توفر الدعم الفني من الشركة المُصنعة.
بالطبع، تلقى كادر الرعاية لدينافي مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري؛ التدريب اللازم للتعامل مع النظام الجديد، بمن فيهم أنا، لاسيما أنني أحمل شهادة دكتوراه في تقنيات السكري. ويتكون كادر الرعايةكذلك من مُثقّفين صحيين ومتخصصي تغذيةحاصلين على مؤهل مخصص للتعامل مع المضخةوتثقيف المرضى حول السُبل المثلى لحساب كمية الكربوهيدرات في نظامهم الغذائي.
هل حقق هذا النظام نجاحًا بين المرضى الذين يستخدمون الوسائل التقليدية لإدارة مرضهم دون الاعتماد على أي تقنية؟
بالطبع، فقد كان لديَ العام الماضي مريضةٌ مُصابة بالسكري من النوع الأول وتعرضت للإجهاض مرتين أثناء محاولاتها الحمل والولادة. وأخبرتني برغبتها في تحسين سُبل إدارة مرضها لتجنب تكرار الإجهاض. وعلى الرغم من أن أداءها كان جيدًا في التعامل مع مرضها بالطريقة التقليدية، وهي عبارةٌ عن حقن متكرر للأنسولين يوميًا؛إلا أنها كانت تعاني من تقلبات كثيرة في مستويات سكر الدم،وهو يعني اختلافٌكبير لقراءات السكر لديها خلال اليوم.
وعندما أوصيتُها باستخدام النظام الجديد، وافقت بحماس على استخدامه وأبدت إرادةً وقدرة على التعامل معه. لذلك قدم لها فريق الرعاية التدريب المناسب للبدء باستخدام النظام. وبعد مدة، نجحت بالحمل بشكل صحي، وولدت طفلها منذ نحو شهرين.
كيف يُحسَن النظام من جودة حياة المرضى؟
تشير التقديرات إلى أن مرضى السكريمن النوع الأول، يتخذون نحو 300 خيار يومي يتعلق بحالتهم. ويساعد الجهاز على التخلص من بعض هذه الخيارات والإجراءات، في نفس الوقت الذي يساعد المرضى على ضبط مستويات السكر في الدم بأقل قدر ممكن من التدخل. فليست الوجبات هي المسؤول الوحيد عن مستويات سكر الدم لدى المرضى، بل يؤثر أيضًا النشاط البدني، والإجهاد، ووتيرة النوم، وبالنسبة للسيدات الدورة الشهرية والحمل.
لا شك أن مرض السكريمن النوع الأول يوثر تأثيرًا كبيرًا على التوتر ويضع أعباءً نفسية كبيرة على المريض؛ إلا أن الجهاز يساعد المرضى ويُخفَف توترهم ويُغنيهم عن الحاجة المستمرة إلى فحص مستويات سكر الدم بالطرق التقليدية وحقن الأنسولين اليومية.
ماذا عن مرضى السكري النوع الثاني؟
إن النوعين 1 و2 من السكري مرضان مختلفان كليًا؛ على الرغم من تشابه تسميتهما. فمريض النوع الأول يعاني من نقص الأنسولين،وهو أكثر عرضةً لعدم استقرار مستويات السكر ما بين الارتفاع والانخفاض. وتكون إدارة حالته عبر تزويده بالأنسولين بشكل مدروس. بينما يعاني مرضى النوع الثاني من مقاومة الأنسولين، وعادة ما يُحقَقون تحسنًا في حالتهم معاستخدام أدوية (غير الانسولين) وكذلك مع خسارة الوزن وإدارته بصورة جيدة.
في بعض الحالات، قد يعاني مرضى النوع الثاني من نقص في الأنسولين في مرحلة لاحقة من حياتهم؛ إلا أن هذا النقص لا يكون بشدة المصابين بالنوع الأول الذين قد يغيب عنهم الأنسولين كليًا. وأيضًا النوع الأول من السكري أقل شيوعًا من النوع الثاني. وحاليًا، لا توجد دراساتٌ حول استخدام هذا النظام بالتحديد على مرضى النوع الثاني، ولذلك فهو غير مُرخَص للاستعمال مع هؤلاء المرضى.
كيف ترون آفاق تطور هذه التقنية مستقبلًا وقدرتها على مساعدة مرضى السكري؟
أعتقد أن الجزء الآلي من هذا النظام، سيشهد تطورًا كبيرًا في المستقبل؛ ليصل إلى نقطة لا يحتاج فيها سوى إلى تدخل بسيط للغاية من المرضى. فالآن، بينما يحتاج المرضى إلى حساب كمية الكربوهيدرات التي يتناولونها بدقةوتوجيه النظام لكمية ما يتناولونه، فقد يحتاجون مستقبلاً إلى مُدخلات بسيطة مثل كمية قليلة أو متوسطة أو كبيرة من الكربوهيدرات، بدلًا من الكمية الدقيقة.
كذلك أرى أنه من خلال التقدم التقنيمع وجود البحوث والدراسات الكافية، سنصل إلى ما يسمى بالبنكرياس الاصطناعي. وسيُغني ذلك المرضى عن الحاجة إلى توجيه النظام بإدخال مُعطيات عن كميات النشويات أو عن النشاط الرياضي مثلًا؛ ولن يكون عليهم سوى تغيير المُستشعر والأنبوب كل بضعة أيام. وسيُخفف هذا من الأعباء المُلقاة على كاهل المرضى لإدارة مرضهم ويساعدهمعلى إدارة أفضل لمرضهم.
برأيك، كيف تُحسَن تقنية 780G من فرص نجاح الحمل بين السيدات المُصابات بالسكري من النوع الأول؟
غالباً ما يُعتبر الحمل تحديًا بالنسبة لهؤلاء المريضات، لأن التغييرات البدنية أثناء الحمل تُعرضَهن لخطر الإصابة بفرط سكر الدم ونقص السكر في الدم وتقلَب نسبته مع زيادة المخاطر اللاحقة على المريضة الحامل والجنين وأدى استخدام تقنية توصيل الأنسولين الآلية بإحداث نقلة نوعية في إدارة مرض السكري من النوع الأول، عن طريق المساهمة في زيادة الوقت لنطاق المستويات الصحية للسكر وتقليل مخاطر ارتفاع السكر ونقصه وتقلبه، وتحسين جودة حياة المريضة عموماً. لذلك، فإن استخدام هذه التقنية بين السيدات الحوامل المصابات بالسكري من النوع الأول يمكن أن يكون أداةًمفيدة لتحسين قدرتهن على ضبط مرضهنَ، وهذا بدوره قد يُحسَن من فرص نجاح الحمل. ويُعد استخدام التقنية الجديدة لنظام 780Gبين المريضات الحوامل المُصابات بالسكري من النوع الأول، موضوعًا هاماللتجارب السريرية الجارية حاليًا.