الأكل العاطفي.. هروبٌ من المشاعر السلبية يمكن مواجهته بتقنيات محددة
هل سبق لك وأن سارعت لتناول بعض الأطعمة التي تجعلك تشعرين بالسعادة والراحة، بعد يوم عمل مضني أو الإنتهاء من مشادة كلامية أو الخروج من تجربة سيئة مررت بها؟
هذه الأفعال مرتبطةٌ بشكل وثيق بما بات يُعرف ب"الأكل العاطفي"؛ وهو خيارٌ نلجأ إليه في محاولة للتخلص من المشاعر السلبية التي تُولَدها هذه التجارب، وذلك من خلال تناول الأطعمة التي نحب تحديدًا دون الحاجة لإشباع الجوع الذي يمرَ به الجسم.
تُخبرنا ميرا عبد ربه، أخصائية تغذية متخصصة بالتغذية الحدسية، أن الأكل العاطفي هو ملجأ نهرب إليه عندما نواجه بعض المشاعر السلبية التي نمرَ بها؛ يمكن أن تكون مشاعر سابقة أو ناشئة في الوقت الحالي، أو قد تكون أشياء حدثت معنا من الطفولة. وله عدة أسباب، فقد ينجم عن التعرض لتعليقات سلبية، أو حدوث أمور معينة في محيط العمل وغيرها من الأسباب؛ التي تجعل المرء يلجأ للأكل العاطفي بغية "تخدير المشاعر" السلبية الموجودة داخله كي لا يشعر بها.
للأسف، هذا الأمر قد يحدث لسنوات طويلة؛ لذلك، قد نعاني منه لفترات وليس لمرة واحدة أو اثنتين فقط. وبالتالي، يعتاد الفرد منا كلما واجه مشكلةً أو تعرض للضيق أو شعر بالإنزعاج من بعض المشاعر السلبية، وحتى الإيجابية منها؛ فإنه يلجأ للأكل العاطفي، الذي أصبح جزءًا من المشاعر لديه.
لماذا النساء أكثر عرضةً للأكل العاطفي
بحسب عبد ربه؛ النساء أكثر عرضةً للأكل العاطفي، لأن المرأة بطبعها كائنُ عاطفي يتأثر بسرعة بكل المتغيرات التي قد يتعرض لها. وتلجأ النساء للأكل العاطفي بسبب عدم قدرتهنَ على التكلم والتعبير عما يتعرضنَ له من ضغوطات سواء بسبب طبيعتهنَ أو جراء التعرض للضغط المجتمعي. هذه الأمور تدفع المرأة للجوء للأكل العاطفي، للتنفيس عن الضغط الذي ترزح تحته. حتى أن بعض السيدات، يُعرفنَ الأكل العاطفي على أنه "الصديق الوحيد" لديها، الذي تلجأ إليه عندما تكون مُحبَطة أو منزعجة.
بالطبع، بعض الرجال قد يعانون من مشكلة الأكل العاطفي؛ لكن نسبتهم ضئيلة وليست بقدر نسبة النساء اللاتي يقعنَ فريسةً سهلة لهذه المشكلة، تضيف عبد ربه.
وتشرح: "الأكل العاطفي هو عندما نتناول أطعمةً لا يحتاجها جسمنا، لكننا نقوم بأكلها بغية تخدير مشاعر معينة تعصف بنا. لذلك، فإننا نتناول كميات أكبر من الأكل من حاجات أجسامنا، والتي قد تؤدي مع الوقت وتكرار هذه العملية إلى مشاكل عدة. بعضها نفسي، لأننا لا ندرك ماذا يحدث معنا بالضبط؛ وبالتالي فإننا نُعرَض أنفسنا لمشاكل نفسية. كما أن تناول كميات أكبر من الطعام يمكن أن تتسبب بمشاكل صحية، مثل ارتفاع الكوليسترول بالدم، مشاكل في القلب، زيادة الوزن وغيرها من المتاعب الصحية التي نحن بغنى عنها."
كيفية محاربة الأكل العاطفي
هناك عدة تقنيات يتبَعها المختصون، ومنهم أخصائية التغذية عبد ربه؛ للتخلص من مشكلة الأكل العاطفي. منها تحرير المشاعر، التي نتعلم من خلالها تحرير المشاعر السلبية التي نواجهها دون الحاجة للجوء إلى الأكل. ويجب أولًا تحديد الجوع، عما إذا كان جوعًا حقيقيًا أو عاطفيًا؛ لأن الكثير ممن يعانون من هذه المشكلة، قد لا يستطيعون التفريق بين الإثنين في البداية.
وتقول عبد ربه أن الجوع الحقيقي يتبعه الرغبة بتناول أي شيء بسبب الشعور بالجوع، ويحدث بشكل تدريجي ويمكن للمرء التحكم به أو تأخيره؛ في حين أن الجوع العاطفي يحدث فجأةً وتجاه نوعية معينة من الأطعمة تحديدًا، أطعمة تساعد على الشعور بالراحة؛مثل الرغبة بتناول الفواكمع الكراميل، أو البيتزا التي يصنعها مطعم معين، وغيرها من الخيارات المُحدَدة. مع العلم أن تخدير المشاعر بالأكل، يدوم لمدة 3 دقائق فقط؛ لكن هذه المشاعر ستعود بالظهور من جديد.
يُمكن إشباع الجوع الحقيقي بمجرد امتلاء المعدة؛ أما الجوع العاطفي، فيدفع الشخص لتناول الطعام بكميات كبيرة ولفترات طويلة دون تفكير. وبخلاف الجوع الحقيقي، يمكن أن يؤدي الجوع العاطفي إلى الشعور بالذنب والندم؛ لأن الشخص يُدرك جيدًا أنه استسلم لهذه الرغبة المُلحّة وتناول طعامًا قد لا يكون جسمه بحاجة إليه.
وتضيف عبد ربه: "نعتمد هذه التقنية لتحرير المشاعر، من خلال تعليم الشخص الذي يعاني من الأكل العاطفي؛ كيفية تحرير هذه المشاعر ومواجهتها عوضًا عن تخديرها فقط.
كذلك قد نلجأ لتقنيات التنفس، وتعَلم كيفية التنفس الصحيح لتهدئة أنفسنا وتجنب التعرَض السلبية لهذه المشاعر وما ينتج عنها من هروب نحو الأكل العاطفي. كما قد نلجأ لتقنية الإلهاء؛ بحيث يتم تدريب الأفراد على إلهاء أنفسهم عن تناول الطعام، واللجوء لأمور أخرى مثل المشي أو ممارسة الرياضة أو حل الألغاز وpuzzle أو التلوين، أو حتى التحدث مع أحدهم لمحاربة الحاجة للأكل العاطفي."
نصائح إضافية للتحكم بالأكل العاطفي
من جهته، يقدم موقع "كليفلاند كلينك أبوظبي"؛ بعض النصائح الفعالة والتي قد تساعدك في كبح جماح الأكل العاطفي والتحكم به جيدًا، كي لا يؤثر سلبًا على حالتك الجسدية والنفسية.
وهذه النصائح الخمس هي الآتية:
- كوني واعيةً: واسألي نفسك لماذا تريدين أن تأكلي الآن، أو إذا ما كنت جائعةً حقًا؛ فهذه إحدى أسهل الطرق وأكثرها فاعليةً لمساعدتك على كبح جماح رغبتك بتناول الطعام بلا سبب، واتخاذ قرارات أكثر وعياً بناءً على ذلك.
- تناولي وجبات خفيفة صحية طوال اليوم، عوضًا عن الوجبات غير الصحية. ومن أفضل الطرق التي تساعدك على كبج جماح الأكل العاطفي،إبعاد الأطعمة غير الصحية التي تشتهينها، كرقائق البطاطس والكعك عن ناظرك؛ لأن ذلك يُقلَل من احتمالية تناولك لهذا النوع من الطعام. كما ينصحك الخبراء باستبدال هذه الوجبات بوجبات خفيفة صحية، كالفواكه، والمُكسّرات؛ لتُساعدك على التحكم بالأكل العاطفي قدر الإمكان.
- اتبعي وسائل أخرى للتحكّم بعادة الأكل العاطفي: مثل النشاطات التي تحدثت عنها أخصائية التغذية عبد ربه أعلاه. وتُعتبر بعض النشاطات التي تساعدك على الشعور بالهدوء أو تصرف انتباهك عن هذه العادة، كرياضة اليوغا، والتأمل، والقراءة، من الوسائل الجيدة التي ستُمكّنك من التغلب على المشاعر السلبية التي تواجهها. حتى أن بعض النشاطات البسيطة، كالمشي، أو التحدث لصديقة لم تتواصلي معه لفترة طويلة؛ يمكنها أن تُحسّن مزاجك وتُغنيك عن اللجوء للأكل العاطفي.
- قومي بإعداد سجل يومي لعاداتك الغذائية: يساعد تدوين ما تأكلينه من طعام خلال اليوم، وحساب نوعية وكمية هذا الطعام وعدد مرات تناوله؛ في زيادة شعورك بالراحة وتجنب وقوعك فريسة الأكل العاطفي بسهولة والتحكم فيه بفعالية.
- عالجي الأسباب الرئيسية: قد تدفعك المشاكل المؤقتة، مع ضغوطات العمل أو الخلاف مع أحد الأصدقاء أو أفراد الأسرة؛ لاتخاذ الأكل العاطفي ملاذًا لك في محاولة للتغلب على هذه المشاكل. لكن المشاكل المُزمنة، مثل الغضب المستمر، أو الاكتئاب، أو التوتر، قد تكون السبب الرئيسي وراء عادة الأكل العاطفي طويلة الأمد. لذا، ينصحك خبراء "كليفلاند كلينك أبوظبي" بالتحدث لطبيبك أو اللجوء لاستشاري متخصص لمساعدتك على ضبط عادة الأكل العاطفي لديك وتحسينها.
في الختام، لا يسعنا الهروب من المشاكل وتحديات الحياة اليومية؛ التي ترافقنا في مراحل مختلفة من حياتنا. لذا حاولي التأقلم قدر الإمكان مع هذه المشاكل، واسعي نحو حلول جذرية وفعالة لها، بعيدًا عن مُغريات الأكل العاطفي وتداعياته السلبية على صحتك الجسدية والنفسية. وكوني متأكدة أن الخبراء الصحيين والنفسيين، قادرين على مساعدتك للتخلص من هذه العادة أو التحكم فيها؛ فلا تتواني عن طلب المشورة المختصة.