علاجاتٌ جديدة تحمل الأمل لمرضى الصداع النصفي المزمن
منذ سنوات طويلة، وأنا أعاني من الصداع النصفي أو الشقيقة؛ وهي مشكلةٌ تزداد حدةً لديَ وقت الدورة الشهرية، أو عند تغير الطقس، أو حدوث تغييرات في نمط حياتي سواء تناول بعض الأطعمة المحفزة للصداع، أو النوم متأخرًا أو لساعات أقل.
مشكلةٌ حقيقية، لا بد من الاعتراف هنا؛ فالصداع النصفي يحيل حياتي جحيمًا، ولا أعودُ قادرةً على الأكل أو التحدث مع أحد. حتى ابنتي، عندما كانت أصغر في العمر؛ كنتُ أضطر لتركها مع والدها لأخلد للنوم، في غرفة معتمة تمامًا بعد تناول كل ما تطاله يديَ من الأدوية المتوفرة.
الحمدالله، أن نوبات الصداع النصفي المزمن التي كانت تداهمني لفترة معينة سابقًا؛ لم تعد موجودةً في الوقت الحالي. ربما لأنني اتبَع نظامًا معينًا ومنتظمًا يحميني من هذه النوبات، كما أحرص على تناول الدواء فور شعوري بقدوم النوبة. لكنني أشعر بمن يعانون من هذه المشكلة لليوم، كيف يتعاملون معها؛ وهل ثمة علاجات وأدوية جديدة تسهم في تخفيف حدة نوبات الصداع النصفي المزمن؟
الإجابة قدمها لي، ويقدمها لقارئات "هي"؛ اختصاصي في علاج الصداع من مستشفى كليفلاند كلينك،مشيرًا إلى أن الأدوية والعلاجات التي تمَ تطويرها على مدى السنوات القليلة الماضية لعلاج الصداع النصفي، تثبت بشكل كبير فعاليتها في تحسين جودة حياة أولئك الذين يعانون من هذه الحالة المرضية المرهقة.
علاجاتٌ محددة للصداع النصفي المزمن
للعلم، أنه وقبل العام 2018؛ كان الأطباء يعتمدون في علاج مرضى الصداع النصفي على الأدوية المصممة أصلًا لعلاج أمراض أخرى. ولكن اليوم، هناك العديد من مثبطات CGRP المتاحة التي تم تطويرها لمنع أو تخفيف أعراض الصداع النصفي على وجه التحديد. هذا ما أوضحه الدكتور عماد استيماليك، رئيس قسم علاج الصداع وآلام الوجه في معهد الأعصاب بمستشفى كليفلاند كلينك؛ مضيفًا هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)،وافقت في العام 2018، على أول مثبط للببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين (CGRP) لمنع الصداع النصفي.
وبحسب الدكتور استيماليك: "بالنسبة للعديد من المرضى، فإن الأدوية الجديدة تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياتهم؛ لأن الصداع النصفي هو اضطرابٌ عصبي مرهقولا علاج له. ويُسبَب أعراضًا مزعجة للغاية وأكثرقوةًمن أنواع الصداع الأخرى، ويمكن أن يستمر من 4 إلى 72 ساعة. يمكن أن تشمل الأعراض الألم، والتعب، والغثيان، والاضطرابات البصرية، والتنميل والوخز، والتهيج، وصعوبة الكلام، وفقدان مؤقت للرؤية وغيرها المزيد. كما أن الصداع النصفي هو مرض منتشر أيضًا، ويعاني منه نحو 16-20٪ من النساء و6-8٪ من الرجال علىنحو منتظم."
الأدوية جزءٌ من خطة علاج الصداع النصفي المزمن
كما أشارإلى أن الأدوية ليست سوى جزءًا واحدًا من الخطة الفعّالة للعلاج، وتتمثل الخطوة الأولى في تحديد مُسبَبات الصداع النصفي للفرد وتجنبها؛ حيث تختلف هذه المُسببات من شخص لآخر.
وتشمل الأمثلة الشائعة أنواعًا معينة من الأطعمة، الجفاف، قلة النوم، كثرة الحركة، الضوء، الصوت، وانسحاب الكافيين من الجسم. ويحتاج المريض لمعالجة أي أمراض مصاحبة يمكن أن تُهيَئه للإصابة بالصداع النصفي. وتتضمن هذه الأمراض المصاحبة، على سبيل المثال لا الحصر؛"السمنة والقلق والاكتئاب واضطرابات النوم. وفي حال استمرار الصداع النصفي أو كانتأعراضه شديدة، فإننا نأخذ في الاعتبار اللجوء إلى الخيارات الدوائية."
ونوّه اختصاصي علاج الصداع، إلى أنه عادةً ما يتم تصنيف التدخلات الدوائية على أنها إما وقائية؛ والتي تهدف إلى تقليل تواتر وشدة الصداع النصفي، أو أدوية معالجة نوبات الألم، والتي توفر راحةًللمريض عند تعرضه لنوبة الصداع النصفي. والخبر السار هو أنه في السنوات الخمس الماضية، تمت الموافقة على 8 أدوية جديدة وقائية ومُعالجة للنوبات من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ما أسهم في توسيع خيارات العلاج.
تطوير الأدوية يسهم في منع نوبات الصداع النصفي المزمن
تابع الدكتور استيماليك في هذا الصدد: "في السابق كانت الأدوية المتاحة للوقاية من الصداع النصفي، هي تلك التي تمَ تطويرها في البداية لعلاج النوبات وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وحالات أخرى؛ بالإضافة إلى أدوية أخرى مثل onabotulinumtoxinA، والتي تعمل على تخدير بعض عضلات الرأس والرقبة للمُساعدة في منع الصداع النصفي المزمن. أما بالنسبة للأدوية المُعالجة للنوبات، فلم يكن لدينا سوى ثلاث فئات من الأدوية؛هي مُسكنات الألم التي لا تستلزم وصفة طبية، وقلويدات الإرغوت، ومجموعة أدوية التريبتان."
ولفت الدكتور استماليك إلى أنه منذ عام 2018، تمت الموافقة على نوعين من مثبطات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونينCGRP لعلاج الصداع النصفي – هما مضادات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين وحيدة النسيلة التي تهدف إلى الوقاية من الصداع، ومضادات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين الجزيئية الصغيرة التي تعمل على تعزيز الوقاية من الصداع ومعالجة نوبات الألم. وأكثر ما يميَز هذه الأدوية مفعولها السريع، وفعاليتها العالية، وآثارها الجانبية القليلة؛كما أنها تأتي بأشكال مختلفة مثل الحقن أو الأقراص التي يتم تناولها عن طريق الفم، أو بخاخات الأنف.
آليات عمل مثبطات الببتيد
شرح الدكتور استماليك الآليات الكامنة وراء عمل مثبطات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونينCGRPقائلاً: "مُثبطاتCGRPهي عبارةٌ عن ببتيد عصبي حسي، موجود في العقدة ثلاثية التوائم في الدماغ،والتي تبيَن أن لها علاقةً بألم الصداع النصفي ومجموعةً من الأعراض الأخرى. وتساعد مثبطات CGRP في منع أو إيقاف نوبة الصداع النصفي من خلال استهداف الجزيء المرسل أو المستقبل."
واختتم الدكتور استماليك بالقول: "مع هذه التقدم المُحرز في مسار تطوير الأدوية بالإضافة إلى العلاجات الناشئة مثل التعديل العصبي - وهي تقنيةٌ غير جراحية يتم تطبيقها مباشرة على الأعصاب – تشهد جودة حياة مرضى الصداع النصفي تحسنًاكبيرًا على مدار السنوات القليلة الماضية. وفي بعض الحالات، قد يكون كل ما يحتاجه المريض هو حقنةٌكل ثلاثة أشهر أو حبةٌ يومية للوقاية من آلام الصداع النصفي."
خلاصة القول، أن الأدوية المعالجة والواقية من الصداع النصفي المزمن؛ باتت متاحةً للجميع بشرط تناولها حسب وصفات الطبيب المعالج والذي تحتاجين للمتابعة معه على الدوام. لذا تمتَعي مثلي عزيزتي، بنوبات أقل من الصداع النصفي المزمن، كي تتحسن جودة حياتكِ وتتيح لكِ الاستمتاع بوقتكِ في العمل والعطلات وغيرها الكثير.