خبرٌ مفرح لمرضى الزهايمر: تطوير خيار علاجي ضمن نهج شامل
قد يعاني البعض منا من لحظات بسيطة، سريعة وخاطفة، من نسيان إسم أحدهم أو كلمة ما أو حتى ذكرى ماضية. ليسارع الأصحاب والمقربون بإطلاق النكات والدعابات حول إصابته ب"الزهايمر".
لكن هذه الصفة ليست مزحةً خفيفة يتسلى بها الناس بين الحين والآخر، وإن كانت بريئة في كثير من الحالات؛ بل هو مرضٌ خطير يهدد حياة الناس في مختلف بقاع الأرض.
فقط دعينا نتصور معًا، حال المصاب بالزهايمر: ينسى إسمه، ومكان سكنه، وأسماء أولاده، وأين وُلد وماذا يفعل في حياته. ينظر لمن حوله في بلاهة وضياع، يسأل عن أهله الذين ماتوا منذ وقت طويل؛ يبدأ الشعور بالخوف يسيطر عليه، فيهرب ممن يحاولون مساعدته وهم بالحقيقة أهله وعائلته. يتطلب الأمر منه بعض الوقت لتذّكر من حوله، وقد لا يتذكرهم بتاتًا؛ ليحتاج المزيد من الوقت لاستعادة الثقة بهؤلاء الذين يمدون له يد المساعدة. وهكذا دواليك، كل يوم وكل ساعة، يتكرر هذا المشهد في سريالية مخيفة، موحشة وحزينة.
لكنها حال المصاب بالزهايمر، هذا المرض الذي يصيب الدماغ ويؤدي إلى تلفه التام مع الوقت. وكما يشير موقع "مايو كلينك"، فإن داء الزهايمر هو اضطرابٌ في الدماغ؛ يتفاقم مع الوقت، ويتسم بحدوث تغيرات في الدماغ تؤدي إلى ترسبات لبعض البروتينات. يُسبَب داء الزهايمر تقلصًا في الدماغ وموت خلاياه في النهاية؛ وهو السبب الأكثر شيوعًا للإصابة بالخَرَف، المعروف علميًا بأنه تدهورٌ تدريجي في الذاكرة والقدرة على التفكير والمهارات السلوكية والاجتماعية. ويمكن أن تؤثر هذه التغيرات في قدرة الشخص على أداء وظائفه.
يعاني نحو 35 مليون شخص في العالم من داء الزهايمر، والذي يحتفل العالم به كل عام يوم 21 سبتمبر. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 115 مليونًا بحلول عام 2050 حسب تقديرات الجمعية الألمانية للزهايمر.
علاجات داء الزهايمر
في الماضي، لم يكن من السهل تشخيص الإصابة بالزهايمر وتخصيص علاج له إلا بعد موت المصاب بالمرض. أما اليوم، ومع تطور طرق التشخيص والعلاج؛ فقد بات مرضى الزهايمر أكثر قدرةً على التعايش مع المرض من خلال تقليل أعراضه وتحسين جودة حياتهم، بالطبع مع مساعدة خاصة من المحيطين.
من الأدوية التي تُستخدم في علاج الزهايمر، دواء "ليكانيماب" الذي شهد بعض التطور؛ وهو خيارٌ علاجي معتمد للتعامل مع داء الزهايمر وأول دواء معتمد من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية منذ أكثر من 20 عامًا، ويحظى باهتمام عالمي. دونانيماب، هو دواءٌ آخر من نفس الفئة؛ في طور المراجعة للحصول على الاعتماد نفسه. ويتوقع أن يُعتمد خلال هذا العام.
ويُعلَق فيجاي رامانان، دكتور في الطب، وحاصل على دكتوراه اختصاصي الأعصاب السلوكي في "مايو كلينك" في مدينة روتشستر، بولاية مينيسوتا على هذه التطورات قائلًا:"من المهم النظر إلى هذه الخيارات الجديدة كجزء محتمل من خطة علاجية شاملة." ويضيف:
"نحاول ألا نُصوَر في مناقشاتنا مع المرضى، أي خيار علاجي على أنه الخيار الوحيد لأن إدارة داء الزهايمر يجب أن تكون عملية شاملة."
ما الذي تعنيه الأدوية الجديدة بالنسبة لمرضى الزهايمر
يُظهر ليكانيماب نتائج واعدة في إزالة لويحات الأميلويد من الدماغ، وهي من العلامات المًبكرة لداء الزهايمر. ووفقًا لتصريح الدكتور رامانان؛ فإنهوأثناء التجربة السريرية التي استمرت 18 شهرًا، قلَل دواء ليكانيماب بشكل معقول من تفاقم الانحدار الإدراكي، ولكنه رغم ذلك لا يناسب الجميع.
ويقول الدكتور رامانان: "يناسب ليكانيماب فقط المرضى الذين ثبتت إصابتهم بمراحل بسيطة نسبيًا من داء الزهايمر، ولا يوجد دليل يدعم استخدام الدواء مع المرضى المصابين بمراحل متقدمة من المرض أو المرضى الذين يتمتعون بوظائف إدراكية طبيعية."
سيحصل المرضى على ليكانيماب مرةً كل أسبوعين عن طريق الحقن الوريدي، وسيُجرون تصويرًا بالرنين المغناطيسي لاكتشاف أي تورم و/ أو نزيف؛ وهو عرضٌ جانبي يُعرف بإسم الاختلالات التصويرية المرتبطة بالأميلويد.
وبحسب الدكتور رامانان: "إن احتمالية وجود علاج يُبطئ من تقدم المرض من خلال إزالة لويحات الأميلويد — وهو عنصرٌ مهم في علاج المرض — يجعل الدواء موضع اهتمام عن جدارة.ولكن هذه الأدوية مُعقدة ولن تكون الخيار المناسب لكل مريض، وهو ما يُبرز الحاجة لإجراء مناقشات مُخصصة وفردية في العيادة."
أهمية دعم الأسرة واستراتيجيات نمط الحياة
بالنسبة لبعض المرضى الذين يفكرون في أخذ دواء ليكانيماب، فإن الالتزام بالحقن وإجراء تصوير دوري بالرنين المغناطيسي؛ قد لا يناسب نمط حياتهم الحالي أو أهدافهم، وفقًا للدكتور رامانان، ويجب مناقشة عملية اتخاذ القرار مع المرضى وأحبائهم لتعريفهم بهذه الفروق الدقيقة.
وحتى إذا لم يشرع المريض في أخذ الدواء الجديد، ما زال بإمكانه دمج علاجات دوائية أخرى لداء الزهايمر وتطبيق استراتيجيات على نمط الحياة من شأنها مساعدة الدماغ. وتشمل هذه الأساليب:
- ممارسة الأنشطة البدنية بانتظام.
- الحفاظ على التواصل الاجتماعي.
- الحفاظ على النشاط العقلي.
- الحفاظ على نظام غذائي متوازن.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم ليلًا.
ويقول الدكتور رامانان في هذا الصدد: "قد تبدو هذه الأساليب بديهية للغاية، ولكن أساسيات الحفاظ على صحة جيدة للدماغ والقلب، لها أثرٌ صحي على المدى البعيد".
مستقبل علاج داء الزهايمر
يقول الدكتور رامانان أنه في المستقبل؛ قد يحتاج مرضى الزهايمر إلى مزيج معين من الأدوية بناءً على الأعراض وعوامل أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، وغيرهما من الأمراض المعقدة.
ووفقًا لاختصاصي الأعصاب من "مايو كلينك"، فإن الأبحاث التي تُجرى على بروتين تاو، والذي يتراكم في الدماغ تكتسب اهتمامًا كبيرًا في هذا المجال. فكيفية وتوقيت تراكم بروتين تاو في الدماغ مرتبط ارتباطًا وثيقًا بنوع الأعراض وتوقيت ظهورها. وتُجرى حاليًا تجارب سريرية لمعرفة ما إذا كانت الأدوية التي تصل إلى الجهاز العصبي، بالإضافة إلى أساليب أخرى، قادرةً على تقليل تراكم بروتين تاو.
ويضيف قائلًا: "نحن ندرك أنه لا توجد علاجاتٌ شافية لداء الزهايمر والأمراض المتعلقة به بعد، كما أنه لا توجد استراتيجيات وقائية شاملة ومكتملة لهذه الأمراض. ولكن كما هو الحال مع الأمراض الأخرى، فإن المستقبل سيحتاج بالتأكيد إلى مزيج من استراتيجيات نمط الحياة، والعلاجات الدوائية التي نأمل أن تستمر في التحسن."
في الختام، لا يسعنا سوى الدعوة؛ كما سائر المختصين والخبراء إلى ضرورة الوقاية من الزهايمر وغيره من الأمراض. وذلك باتباع نمط حياة صحي، وإجراء الفحوصات الدورية التي تساعد في التشخيص المبكر، خصوصًا للأشخاص الذين لديهم تاريخٌ عائلي للمرض أو بدأت تظهر عليهم بعض بوادر الخرف أو الزهايمر.