هوس المراهقين بالنحافة مشكلة العصر..وتأثيراتها السلبية عديدة
كيف يشعر الأهل، وهم يسمعون أولادهم المراهقين يتحدثون عن "عبء" الوزن الزائد، مؤكدين لهؤلاء الأهل أن وزنهم لن يزيد أبدًا عن الحد الذي وضعوه لأنفسهم؟
هذا ما اختبرتهُ وما زلتُ، مع ابنتي التي تجاوزت سن 14 بعدة أشهر؛ هي الطويلة والنحيلة كما والدها، تُخبرني دومًا أن وزنها لا يجب أن يزيد عن 50 كيلوجرام (مع العلم أن طولها يتجاوز 165). تحاول بشتى الطرق أن تُبقي وزنها ضمن الحد الذي وضعتهُ لنفسها، وكلما تناولت شيئًا لذيذًا تحبهُ إنما غني بالسعرات الحرارية والسكريات؛ سارعت للقيام ببعض التمارين الرياضية المُضنية، لوحدها ودون متابعة من مدربة رياضية، خوفًا من اكتساب الوزن بعد هذه الوليمة الكبيرة.
أحاولُ قدر الإمكان إخبارها، أن سنوات المراهقة هي سنوات النمو والتطور؛ ولا يجب في أي حال من الأحوال خلال هذه السنوات، الالتزام بحمية أو رجيم كما تحاول إقناعي للسماح لها القيام به. لكنني أشاركُ بشكل أو بآخر، في تخويفها من الوزن الزائد؛ حين أتحدثُ عن نفسي وعن معاناتي مع زيادة الوزن منذ عمر صغير. حتى أن تصنيف بعض الناس بين "نحيلة" و"بدينة" أمام عينيها وتحت مسامعها، يُسهم بطريقة غير مباشرة في توجيهها نحو هذا التفكير المتطرف.
نعم؛ هوس النحافة لدى المراهقين، هو مصيدةٌ وقع فيها أولادنا، وساهمت مواقع التواصل الإجتماعي في تعزيزها. فهم محاصرون طوال الوقت، بالمشاهير وعارضات الأزياء والمؤثرات اللاتي يتحدثنَ بفخر دومًا، عن ارتداء أجمل الأزياء التي تناسب "أجسادهنَ النحيفة".
واللوم يُلقى علينا نحن الأهل أيضًا؛ فخوفنا من زيادة الوزن وما يمكن أن تُسبَبه من أمراض لأطفالنا، جعلنا نبحث لهم عن حلول، سواء فردية من تلقاء أنفسنا، أو بمساعدة اختصاصيي تغذية. وهو ما قد عزَز مفهوم "النحافة أجمل" لديهم، كونهم ما زالوا لا يدركون مخاطر البدانة على صحتهم؛ ويعتقدون أننا نسعى لإنقاص أوزانهم لأننا نحبهم "نحيلين".
بين هذا وذاك، يعاني جيل المراهقين في بيوتنا معاناةٍ شديد؛ لا تتوقف آثارها السلبية على الحالة الجسدية فحسب، بل تتعداها إلى الحالة النفسية التي قد تصل ببعضهم إلى حدَ الرغبة في إنهاء حياتهم بسبب التنمر على أوزانهم الزائدة.
لتسليط الضوء أكثر على هوس المراهقين بالنحافة، والسُبل التي ستساعدني كأم، وتساعد جميع الأمهات والآباء الذي يعانون من نفس مشكلتي؛ تحدثنا إلى اختصاصية التغذية محبوبة حسن زادة جراشي من المستشفى الكندي التخصصي بدبي؛ وقد أفادتنا بالآتي...
هوس المراهقين بالنحافة.. مشكلة العصر
تقول جراشي أن هوس المراهقين بالنحافة يمكن أن يؤثر سلبًا على صحتهم الجسدية والنفسية. ويسعى الكثير من المراهقين لتحقيق المظهر النحيل المثالي الذي تُروَج له وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي..سعي وهوس المراهقين الدؤوبللحصول على جسم نحيل ورشيق، قد يعود بنتائج سلبية وينتج عنه مشاكل صحية واضطرابات في الأكل مثل الأنوركسيا والبلغمية، ونقص التغذية وفقدان الوزن المفرط. بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني المراهقون من ضعف العضلات ونقص الطاقة والفيتامينات والمعادن؛ وهو ما قد يؤثر على نموهم وتطور أجسامهم الطبيعي وقدرتهم على ممارسة النشاط البدني والاستمتاع بحياتهم اليومية.
نواحي نفسية سلبية لهوس النحافة
ليست الناحية الجسدية فقط هي التي تتأثر بهذا الهوس؛ فمن الجانب النفسي، يسعى الكثير من المراهقين للحصول على جسم نحيل ومثالي، ولكن قد يتسبب ذلك في زيادة الضغط النفسي عليهم. إذ يمكن لهذا الهوس أن يؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس والقلق والاكتئاب؛وقد يشعرون بالضغط لتحقيق المعايير الجمالية المجتمعية والمقارنة بين أنفسهم وبين الآخرين.
هل الفتيات المراهقات أكثر هوسًا بوزن الجسم؟
مع اتخاذ النجمات والنجوم النحيلين للغاية في صناعات الأزياء والترفيه بمثابة "قدوة"، فليس من المستغرب أن العديد من الفتيات الصغيرات لا يعجبهنَ ما يرونه في المرآة. وقد وجدت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، في تقريرها عن دراسة استقصائية لفتيات من الصف الخامس إلى الثاني عشر؛ أن الغالبية من هؤلاء الفتيات غير راضيات عن شكل أجسادهنَ. فقد أراد ثلثهم إنقاص الوزن، على الرغم من أن أقل من الثلث من هؤلاء الفتيات كنَ يعانينَ من زيادة الوزن بالفعل!
تميل الفتيات المراهقات في جميع أنحاء العالم إلى تطوير مستوى متوسط إلى مرتفع، من سلوك الأكل المضطرب؛ جراءاهتمامهنَ المفرط بوزن الجسم أو الهوس بالنحافة. لذا نجدهنَ يلجأنَ لكافة الطرق والوسائل، المدروسة وغير المدروسة، للتخلص من الوزن الزائد؛ حتى وإن كان ذلك يعني اللجوء لتجويع الذات أو التقيؤ المتعمد للتخلص من الأكل بعد تناوله.
ويمكن لاتباع نظام غذائي مُزمن أو رجيم دائم؛أن يكون الخطوة الأولى على طريق اضطرابات الأكل. وقد أفاد أطباء الأطفال عن رؤية أعداد متزايدة من المراهقين، الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي، والشره المرضي، واضطراب الشراهة عند تناول الطعام.
هذه الإضطرابات وهذا الهوس، لا يمرَ مرور الكرام.. بل ينتج عنه تداعياتٌ خطيرة على الصحتين الجسدية والنفسية، كما نُلخَص أدناه.
تأثيراتٌ سلبية كبيرة لهوس المراهقين بالنحافة
في الملخص، فإن هوس جيل المراهقين من البنات والأولاد بالنحافة؛يحمل العديد من التأثيرات السلبية على صحتهم الجسدية والنفسية.
إذ يمكن لهذا الهوس غير المنضبط أن يؤدي إلى المشاكل التالية، كما تشير جراشي:
1. الإصابة باضطرابات في الأكل، مثل فرط الأكل والتقيؤ العمدي.
2. تناقص العناصر الغذائية الأساسية ونقص الطاقة في الجسم.
3. ضعف الجهاز المناعي، وما يحمل منتأثيرات سلبية على النمو والتطور.
4. نقصٌ في العضلات وضعف العظام.
5. انخفاضٌ في مستويات الطاقة والتركيز والقدرة على التحمل البدني.
6. زيادةٌ في مشاكل النوم والإجهاد العقلي.
7. تأثيرات سلبيةٌ على الصحة النفسية، مثل القلق والاكتئاب والتوتر الشديد.
8. انخفاض الثقة بالنفس والصورة الذاتية السلبية.
9. زيادةٌ في خطر التعرض لاضطرابات الأكل واضطرابات الصحة العقلية في المستقبل.
10. الحاجة إلى دعم مهني وعائلي للتعافي والتغلب على هذا الهوس الضار.
مع الإشارة إلى أن هذه المشاكل، ما هيإلا قائمةٌ مختصرة؛ إذ يمكن لهوس النحافة أن يكون له تأثيراتٌ أخرى على صحة المراهقين.
كيف نحمي أولادنا من هوس النحافة الخطير
تُشدَد اختصاصية التغذية جراشي على وجوب توعية المراهقين بأهمية الصحة الجسدية المتوازنة وتشجيعهم على اتباع نمط حياة صحي ومتوازن وقبول أجسامهم في هذه المرحلة وتعزيز صحة نفسية إيجابية. وبالتالي تشجيعهم للتركيز أكثر على الصحة العامة والاستمتاع بأنشطتهم واهتماماتهم بدلًا من التركيز الزائد على النحافة.
مرحلة المراهقة هي مرحلةٌ مهمة من النمو البدني والنفسي والعقلي للمراهقين؛ قد يعاني بعضهم خلالها من صعوبات بسيطة أو جسيمة، خاصةً المظهر الخارجي ونظرة الآخرين. لذا ينبغي علينا تثقيف أولادنا على أن "المظهر الخارجي للجسم" في هذه المرحلة ليس ثابتًا؛ بل يمرَ بتغيرات كبيرة على مدار السنوات، حتى يأخذ شكلًا محددًا في المستقبل.
وحتى ذلك الحين، يتعين على هؤلاء المراهقين والمراهقات فهم التالي:
- مرحلة المراهقة هي مرحلة نمو وتطور وليست مرحلة تحديد شكل الجسم.
- مرحلة المراهقة مهمةٌ لتطور أجسامنا وعقولنا، وبالتالي يجب علينا خلالها التركيز على المُغذيات الجسدية والفكرية عوضًا عن التركيز على صورة الجسم.
- مرحلة المراهقة مهمةٌ للبدء باتباع نمط حياة صحي متكامل؛ يبدأ بتناول الأطعمة الصحية التي تضمن لنا النمو والتطور، ويتكامل مع ممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة التي تُقوي الجسم والفكر، إضافةً بالطبع إلى التركيز على تعزيز القدرات الفكرية والعقلية.
وهو ما أنصحُ نفسي به دومًا، وأنصحكِ به أيضًا عزيزتي؛ كي نتعاون جميعًا، كأمهات وآباء، لتربية أولاد أصحاء بدنيًا ونفسيًا وفكريًا، كي يكبروا كأفراد فاعلين في مجتمعهم.