تمتعي بجمال الألوان كلها.. وعالجي مشكلة عمى الألوان من عمر مبكر
من منكم يتذكر تلفاز الأبيض والأسود في السابق؟ ذاك الذي كنا نشاهد من خلاله الأفلام والمسلسلات والبرامج باللونين الأبيض والأسود، قبل أن تغزو بيوتنا تلفازات الألوان التي عكست جمال الأزياء والماكياج الذي تضعه الممثلات على وجوههنَ؟ كما بات بإمكاننا الاستمتاع بجمال المناظر الطبيعية التي تُصور فيها تلك الأفلام والمسلسلات.
لا شك في أن ثورة الألوان التي اجتاحت كل شيء، بدءًا بالتلفاز ومرورًا بالأزياء وغيرها من رفاهيات الحياة؛ جعلت الأشياء أكثر إغراءً للعين وطلبًا للنفس. فالألوان لا تُبرز فقط جمال الأشياء المصنوعة أو المنحوتة، بل تساعد الإنسان في اختيار ما يريد منها، حسب ذائقته الخاصة.
هناك العديد من الألوان التي نجدها حولنا؛ بعضها هادئ ورقيق كالأبيض وألوان الباستيل، وبعضها قوي وناري مثل الأحمر والبنفسجي.منها الألوان الأساسية أو الرئيسية والتي لا يمكن الحصول عليها عن طريق مزج أي ألوان أخرى، وهي الأحمر والأصفر والأزرق؛ وهناك الألوان الثانوية التي يُمكن الحصول عليها عن طريق مزج لونين أساسيين، وهي البرتقالي والأخضر والبنفسجي.
كيف تتم رؤية الألوان
رؤية الألوان هي عمليةٌ تتمثّل في قدرة الكائن الحي على تمييز الأجسام عن بعضها البعض بالاعتماد على الطول الموجي أو التردّد المنعكس من الجسم أو حتّى الصادر عنه؛ بحيث يستطيع الجهاز العصبي تمييز اللون بالمقارنة بين الاستجابة المختلفة للخلايا تحديدًا المخروطيّة والموجودة في العين. علماً بأنّ هذه الخلايا تكون حساسة جدًا لمعظم الأجزاء التابعة للطيف المرئي، بحيث يتراوح هذا الطيف عند الإنسان ما بين 83 إلى 740 نانومتر. وعادةً يوجد 3 أنواع من هذه المخاريط؛ أما المجال المرئي لها وعددها، فيختلف عند الكائنات الحيّة، فالعين البشرية مثلاً تمتلك 3 أنواع فقط.
الجدير ذكره أنّ اللون هو شيءٌ موجود في الدماغ وليس صفةً أو ميزة خاصّة بالأجسام. فعلى سبيل المثال، نحن نرى التفاحة حمراء ليس لأنها حمراء؛ بل كونها تمتص كافة الترددات الضوئية المرئية الساقطة عليها، باستثناء مجموعة من التردّدات التي تقوم بالانعكاس عنها فبالتالي تدركها العين على أنّها حمراء. وهكذا بالنسبة لكافة الأشياء من حولنا.
هل يمكن أن لا نرى كافة الألوان؟
بالتأكيد، بعضنا قد لا يستطيع رؤية جميع الألوان؛ وهو ما يُعرف طبيًا بإسم "عمى الألوان"أو بشكل أدق، ضعف رؤية الألوان أو القصور في رؤيتها؛ هو عدم القدرة على التمييز بين ألوان معينة بحسب ما جاء على موقع "مايو كلينك". وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يستخدمون مصطلح "عمى الألوان" لهذه الحالة المَرَضية، إلا أن عمى الألوان التام حالة نادرة الحدوث، ويرى المريض كل شيء بدرجات اللونين الأبيض والأسود أثناء إصابته بهذه الحالة.
غالبًا ما يكون عمى الألوان موروثًا، والرجال على الأرجح يولدون مصابين بهذه الحالة. لا يستطيع معظم المصابين بعمى الألوان، التمييز بين درجات معينة من اللونين الأحمر والأخضر. وعلى نحو أقل شيوعًا، لا يستطيع المصابون بعمى الألوان التمييز بين درجات اللونين الأزرق والأصفر. مع الإشارة إلى أن بعض أمراض العيون والأدوية، يمكن أن تتسبب في الإصابة بعمى الألوان.
تُطلعنا الدكتورة إليسا كاريراس بيرتران، اختصاصية العيون من مستشفى باراكير للعيون في الإمارات العربية المتحدة المزيد عن عمى الألوان وأعراضه وطرق علاجه في موضوعنا اليوم.
ما هو عمى الألوان
بحسب الدكتور بيرتران، عمى الألوان لا يشير في الواقع إلى عدم القدرة على رؤية الألوان بشكل كامل. إذ يمكن لمعظم الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة، رؤية بعض الألوان بشكل صحيح؛ ولكنهم غالبًا لا يستطيعون التمييز بين بعض الألوان الأخرى. مضيفةً أن النوع الأكثر شيوعًا من عمى الألوان، يتضمن صعوبة في التمييز بين بعض الظلال من اللون الأحمر واللون الأخضر، فيما يمكن لبعض الأشخاص أن يخلطوا بين ظلال معينة من اللون الأزرق واللون الأصفر. لذلك، يُشار إلى هذه الحالة في بعض الأحيان بإسم "نقص اللون".
إذا كنتِ تعانين من عمى الألوان؛ فهذا يعني أن هناك مشكلة في خلايا شبكية العين، وتحديدًا في خلايا مُستقبلات الضوء المخروطية. يمكن أن تكون هذه المخاريط مفقودة تمامًا أو تلتقط الألوان بشكل مختلف عن الطبيعي، مما يؤدي إلى عدم إرسال معلومات دقيقة إلى الدماغ. ونظرًا لأن المخاريط تساعد في رؤية التفاصيل الدقيقة، فإن عمى الألوان قد يؤثر في قدرتكِ على رؤية هذه التفاصيل بوضوح.
عمى الألوان والوراثة
غالبًا ما يكون عمى الألوان حالةً وراثية، تؤكد الدكتورة بيرتران؛وهذا يعني أنك ورثتها من والديكِ، وخاصة من جانب الأم. ونتيجةً لذلك، فإنه أكثر شيوعًا بين الرجال من النساء، حيث يعاني حوالي 1 من كل 12 رجلاً من عمى الألوان، فيماتعاني حوالي 1 من كل 200 امرأة من هذه المشكلة. ومع ذلك، يمكن أن تكون هناك حالاتٌ نادرة تنجم عن أمراض العيون، مثل الجلوكوما؛ أو تكون نتيجة تأثيرات جانبية للأدوية أو الحالات الصحية مثل السكري، كما أوردنا في المقدمة.
إذا كنتِ تشعر بأنكِ أو أحد أطفالكِ، تعانون من عمى الألوان؛ تنصحكِ اختصاصية العيون من مستشفى باراكيربزيارة طبيب العيون الخاص بكِ للتحقق من قدرتكِ على رؤية الألوان. ويُجرى غالبًا اختبار ألوان إيشيهارا الشهير، الذي يتضمن صورًا تحتوي على نقاط بألوان مختلفة. فإذا كنتِ قادرةً على التمييز بين الألوان بشكل طبيعي، ستتمكنين من تحديد الأرقام الموجودة بين النقاط. ولكن إذا كنتِ تعانين من عمى الألوان، فلن تتمكني من ذلك.
عمى الألوان عند الأطفال
في حالة الأطفال، قد لا يتمكنون من التعرف على عمى الألوان حتى يبدؤوا في تعلَم أسمائها. ويمكن أن يواجهوا صعوبةً في المدرسة، خاصة في الامتحانات أو الواجبات المنزلية التي تتضمن موادًا مميزة بالألوان. لذلك، يُفضل إجراء اختبار رؤية الألوان للأطفال عندما يبلغون حوالي 3 سنوات، خاصةً إذا كان عمى الألوان شائعًا في عائلتهم أو إذا لديهم مشاكل أخرى في العين.
تشخيص وعلاج عمى الألوان
بشكل عام، يتكيف الأشخاص الذين يعانون من عمى الألوان منذ الصغر مع هذه الحالة. ويمكنهم تطوير استراتيجيات خاصة للتعرف على الألوان من خلال الظلال المختلفة. ومع ذلك، في بعض الأحيان؛ قد يحتاجون لمساعدة من الآخرين لمطابقة الملابس أو تصنيف الألوان في أشياء مثل إشارات المرور. في العصر الحديث، هناك تطبيقاتٌ للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية يمكنها تحديد الألوان لكِ. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدساتٌ خاصة يمكنها تحسين رؤية الألوان بشكل أفضل، ولكن فعاليتها تختلف من شخص لآخر.
إذا كان عمى الألوان الذي تعانين منه ناتجًا عن مرض أو آثار جانبية للأدوية، فقد يكون هناك إمكانيةٌ أكبر للتعامل مع هذا الأمر. طبيبكِ يمكن أن يناقش معكِ خيارات العلاج وإمكانية استخدام أدوية بديلة. ومع ذلك، النوع الأساسي من عمى الألوان، والذي يكون وراثيًا؛ لا يمكن تصحيحه حاليًا.
تشير الدكتورة بيرتران لوجود جهود بحثية جارية، لعلاج أنواع عمى الألوان التي تعتمد على الوراثة عبر مساعدة المخاريط على العمل بشكل أفضل. وقد تمَ إجراء اختبارات واعدة على الحيوانات، وتجارب سريرية حاليًا تُجرى على البشر.
في الختام، لا شيء يضاهي رؤية الأشياء الجميلة بكافة تفاصيلها وألوانها. لذا لا تدعي مشكلة عمى أو نقص الألوان، في حال اكتشفت إصابتكِ بها، بإعاقتكِ عن التمتع بكل شيء جميل. واحرصي على فحص الألوان عند أطفالكِ أيضًا وفي عمر مبكر، كي تُسهَلي عليهم التعلم والاستمتاع بالحياة والأشياء بكافة ألوانها.