ترميم وإعادة بناء الثدي لمريضات سرطان الثدي.. بين التدخل الطبي والمتابعة النفسية لتخطي المرض
على الرغم من حملات التوعية المستمرة كل عام، خاصةً خلال شهر أكتوبر؛ للفحص والكشف المبكر عن سرطان الثدي، وبالرغم من التقدم الطبي الحاصل والذي يزيد من نجاح العلاج بنسب عالية. إلا أن سرطان الثدي ما زال يحصد المزيد من الإصابات والأرواح بين صفوف النساء حول العالم، وما زالت تداعياته حتى بعد العلاج؛ تؤثر سلبًا على صحة المرأة الجسدية والنفسية.
بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية؛ فإنه وفي العام 2020، شُخصت إصابة 2.3 مليون امرأة بسرطان الثدي، فيما سُجلت685 ألف حالة وفاة جراء المرض على مستوى العالم. وفي نهاية عام 2020، كان هناك 7.8 مليون امرأة على قيد الحياة، تم تشخيص إصابتهنَ بسرطان الثدي في السنوات الخمس الماضية؛ ما يجعله أكثر أنواع السرطان انتشارًا في العالم.
استئصال الثدي عند الكشف عن سرطان الثدي
لم يطرأ تغير يُذكر على معدل الوفيات بسرطان الثدي منذ الثلاثينيات حتى السبعينيات، عندما كانت الجراحة وحدها هي الطريقة الأساسية للعلاج (إزالة الثدي بالكامل). وبدأت التحسينات المتعلقة في البقاء على قيد الحياة في التسعينيات؛ عندما أنشأت البلدان برامج للكشف المبكر عن سرطان الثدي كانت مرتبطةً ببرامج العلاج الشاملة، بما في ذلك العلاجات الطبية الفعالة.
وهو ما يُشدد الحاجة على الإستمرار في حملات التوعية، وتشجيع النساء في كافة المراحل العمرية؛ لإجراء كافة الفحوصات الطبية اللازمة، للتأكد من خلوهنَ من أية أورام خبيثة لها علاقة بمرض سرطان الثدي. حتى أن الكشف المبكر، له إيجابيات كبيرة على رحلة العلاج والتعافي بسرعة.
وبالتركيز على علاج سرطان الثدي، فإن بعض النساء يحتجنَ لعملية استئصال جزئي أو كلي للثدي؛ حسب نوع ومرحلة السرطان الذي يصيبهنَ. ليبدأن بعد ذلك، برحلة علاج أخرى متمثلة في إعادة بناء وترميم الثدي، بشكل صحيح ويُعيد الثقة والراحة للمرأة، التي قد تشعر بنقص كبير في أنوثتها وجمالها جراء هذا التدخل الجراحي المزعج.
للوقوف أكثر على عملية ترميم وإعادة بناء الثدي بعد الإستئصال، تحدثنا إلى الدكتورة نهلة
المنصوري؛ رئيسة قسم الجراحة التجميلية والترميمية في مستشفى "هيلث بوينت"، والتي أجابت مشكورةً على أسئلتنا بالآتي...
ما هي عملية ترميم وإعادة بناء الثدي بعد علاج السرطان؟
ترميم الثدي هو عبارة عن إجراء جراحي لإعادة بناء الثدي لدى المصابات بسرطان الثدي،اللاتي استدعت حالتهنَ الخضوع لإجراء استئصال الثدي. وتُجرى هذه العملية لاستعادة المظهر الطبيعي الأنثوي في منطقة الصدر وعودة التوازن بين الكتفين، الذي يختل عادةً بعد عملية إزالة الثدي.
متى يتم اللجوء لهذه العملية (لأي نوع من علاجات السرطان، وفي أي مرحلة)؟
تجري هذه العملية عبر نوعين مختلفين؛ أولهما إعادة ترميم الثدي الفوري بعد الاستئصال أي في نفس الوقت الذي يتم خلاله إزالة الورم، ويمتاز هذا النوع بقلة آثاره السلبية، إذ لا تلاحظ المرأة تغيرًا كبيرًا في شكل جسمها، لتبدأ بعد ذلك بالعلاج التكميلي.
أما النوع الثاني فهو الترميم المتأخر، ويعتمد على شدة المرض؛ ويجري بعد إكمال العلاج الكيميائي أو الإشعاعي. ويعتمد كلا النوعين على نوع السرطان وشدته وتقدمهوطبيعة جسم المرأة وصحتها النفسية. إلا أننا ننصح دائمًا بالترميم الفوري إن أمكن ذلك.
هل عملية ترميم الثدي، يترتب عليها أية مضاعفات أو آثار جانبية؛ ينبغي على المريضة معرفتها مسبقًا؟
في البداية، يتعين علينا القول أن مخاطر المضاعفات تُصاحب أي عملية جراحية. إلا أنه في حالة ترميم الثدي، تكون المخاطر منخفضةً للغاية عند مقارنتها بعملية الاستئصال نفسها. وتشتمل المضاعفات الممكن حدوثها على الالتهاب والانتفاخ وتجمَع السوائل. أما فوائد هذه العملية فهي عديدة، وتشمل المحافظة على المظهر الأنثوي للسيدة، تعزيز صحتها النفسية مع استعادة مظهرها الطبيعي، وعودة التوازن بين الكتفين الذي قد يختل بعد عملية الاستئصال. في حين يُعزَز الترميم إرادة المرأة لاستكمال علاجها ويُجنَبها الاكتئاب والمشاكل النفسية الأخرى المصاحبة لمرض سرطان الثدي.
هل تخضع مريضة سرطان الثدي، بعد عملية الترميم، لمتابعة دورية أو فحوصات معينة بين الحين والآخر؟
في مرحلة اكتشاف المرض وعلاجه، يتعين على السيدة المتابعة الدورية مع أخصائي الأورام لمتابعة علاج مرضها وعدم عودته؛كما قد تحتاج أيضًا لزيارات دورية للطبيب النفسي للتعامل مع التحديات والمشاكل النفسية المُصاحبة لهذا المرض. إلا أنه وبعد استكمال عملية ترميم الثدي، لا تحتاج السيدة في العادة لمتابعة دورية؛ إلا في حالة احتياجها لإجراء عمليات تجميل لمناطق أخرى في الجسم.
هل يمكن لعودة المرض من الظهور مجددًا، التأثير سلبًا على سير عملية ترميم الثدي؟
إن عملية الترميم بحد ذاتها لا تؤدي لعودة المرض إطلاقًا؛ لكن بعض أنواع الخلايا السرطانية تميل لمعاودة النشاط بطبيعتها، لذلك يتعين على السيدة المتابعة الدورية مع طبيب الأورام للتأكد من عدم عودة المرض. وبالنسبة لنا، نقوم قبل إجراء عملية الترميم، بالتأكد من نظافة منطقة الاستئصال وإتمام إزالة الورم بشكل جيد، لأن عودة الإصابة بالسرطان قد تُجبرنا على إزالة ما قمنا به لترميم الثدي.
الصحة النفسية لمريضة سرطان الثدي أثناء العلاج
في حديثنا مع الدكتورة المنصوري حول عملية ترميم وإعادة بناء الثدي بعد الاستئصال؛ ذكرت أهمية المتابعة مع الطبيب النفسي، كون استئصال الثدي سواء جزئيًا أم كليًا يمكن أن تكون له مضاعفاتٌ سلبية على الصحة النفسية للمريضة.
لذا كان لا بد من التطرق لهذه الناحية المهمة من علاج سرطان الثدي؛ والحديث مع الدكتورة رشا عباس، استشارية الطب النفسي في مركز "هيلث بلاس" للسكري والغدد الصماء، والتي أفادتنا بالتالي...
متى تحتاج مريضة سرطان الثدي إلى استشارة الطبيب النفسي؟ (منذ بداية معرفتها بالإصابة، خلالها أو بعد عملية الاستئصال والعلاجات)؟
يتسبب مرض السرطان عمومًا، بحدوث صدمة نفسية وتوتر لدى المريضة وأسرتها. وتعجز بعض المريضات عن تقبَل هذا الأمر بعد تشخيص إصابتهنَ، الأمر الذي يستدعي استشارة الطبيب النفسي، لمساعدتهنَ على تجاوز هذا المرحلة. وفي حالة سرطان الثدي، قد تُصاب المرأة بدرجة من القلق والاكتئاب، قد تتطور إلى مشكلة مرضية تستدعي استشارة أخصائي أو طبيب نفسي. وحتى في غياب الأعراض النفسية الواضحة، يمكن للطبيب النفسي مساعدة الأسرة على تطوير استراتيجيات وأساليب للتعامل مع التحديات التي تتعرض لها المريضة وجميع المحيطين بها.
كيف يتكامل العلاج النفسي مع العلاج الطبي، خاصةً في حال الحاجة إلى علاجات شديدة كالكيماوي والإشعاعي؟
أثبتت الدراسات أنه كلما كان العلاج متكاملًا، ويجمع بين الجانبين البدني والنفسي؛ زادت فرص التعافي وتحسنت المُخرجات العلاجية. وبالنسبة لعلاجات السرطان الإشعاعية والكيميائية، التي قد تُسبب آثارًا نفسية كبيرة في بعض الحالات نظرًا للتغيرات التي تحدث في الجسم كتساقط الشعر، والتي لها أبعاد نفسية على مستوى نظرة المرأة لذاتها وثقتها بنفسها. لذلك من المهم جدًا، أن يكون العلاج النفسي جزءًا من المنهجية العلاجية الشاملة.
هنالك الكثير من فرق رعاية مرضى السرطان تضم أخصائيًا نفسيًا، باعتباره جزءًا من العلاج الشامل. ومن المهم إدراك أن الدعم النفسي عنصرٌ في غاية الأهمية لتخفيف الضغوط عن المريضة ومساعدة الأسرة في التعامل معها، وتعزيز التزام السيدة بالعلاج وحضور الجلسات، والتعامل مع مختلف الصعوبات التي تشهدها الأسرة أثناء هذه المدة. وتؤكد دراساتٌعدة أن العامل النفسي له ارتباطٌ مباشر بمناعة الجسم، إذ تُعزَز قدرة المريض على مقاومة المرض والضغوطات الناجمة عنه.
كيف يكون التعامل مع مريضة سرطان الثدي التي تحتاج لاستئصال جزئي أو كلي للثدي؟
لهذه النقطة دورٌ كبير في نظرة المرأة لنفسها وإحساسها بأنوثتها. لذلك من المهم تقديم الدعم النفسي الكامل للمرأة، لا سيما عندما تشعر بالصدمة وتعاني نفسيًا من تشخيص مرضها. وينبغي منح المريضة فرصةً للتعبير عن مشاعرها بحرية مطلقة، وتوفير بيئة أسرية داعمة لها؛إذ من المهم أن يكون الإنسان قادرًا على التعبير عن مشاعره. وقد يُفيد السيدة أيضًا التواصل مع سيدات آخريات واجهنَ ذات التجربة، إذ يُقدم لها ذلك الكثير من الدعم النفسي.
ما النصائح التي تُسدى عادةً لمريضة سرطان الثدي، لاستعادة الثقة بنفسها والعودة لحياتها الطبيعية بعد تشخيص المرض والعلاج؟
من أهم الأشياء أنه ينبغي أن ندعم المرأة لتقبل إصابتها بالمرض، ودعمها في كفاحها للتغلب عليه. ولا بد أيضًا من تشجيع المرأة للتركيز على الإيجابيات، والاعتناء بنفسها، والتعبير عن مشاعرها، وتقبل المساعدة من الآخرين؛ ولا سيما أن كل إنسان يحتاج للدعم بين فترة وأخرى. كما ينبغي أن تدرك السيدة أن استشارة الأخصائي النفسي ليست وصمةً اجتماعية، وإنما علاجٌ هام يساعد على تخطي تحديات المرض.
كيف يساهم الدعم النفسي من العائلة والأصدقاء، في تحسين صحة مريضة السرطان وتفعيل العلاج؟
إن دور الأسرة في هذه المسألةأمرٌ في غاية الأهمية؛ إذ لا بد أن يكون جزءًا من العلاج، وذلك عبر الدعم العملي للمريضة ومساعدتها على اتخاذ القرارات الطبية والاحتفال بالإنجازات التي تحققها خلال رحلة علاجها كي لا تشعر بالعزلة. بل على العكس، سوف ترى أن كافة أفراد أسرتها يقفون إلى جانبها؛ ويمكن أن يحضر أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء أيضًا جلسات العلاج النفسي مع المرأة لتشعر بالدعم المقدم لها.
هل تحتاج مريضة سرطان الثدي بعد تعافيها من المرض إلى متابعة استشارة الطبيب النفسي؟ ولماذا؟
تختلف كل امرأة عن الأخرى، وتتنوع تجارب العلاج من سرطان الثدي. لذلك، فإن بعض السيدات يتمكنَّ من تجاوز هذه المرحلة بالدعم الأسري فحسب؛ في حين قد تحتاج السيدات في حالات أخرى إلى متابعة استشارة الأخصائي النفسي. من أهم الأشياء التي يمكن للعلاج النفسي القيام به مساعدة المرأة على التكيف مع التغيرات التي حصلت بعد العلاج، وتخطي التحديات النفسية الأخرى، وتقوية العلاقات الأسرية والاجتماعية، والتعامل مع المواعيد المتكررة أثناء فترة العلاج والضغوط الناجمة عنها والنظر إلى المستقبل بتفاؤل وإيجابية.
في الختام، لا يسعنا سوى القول؛ أن معرفة الإصابة بسرطان الثدي وتخطيه، ليست أمرًا يتمنى أيٌ منا أن يمرَ به. لكن المرض حربٌ ضروس لا بد من مواجهتها، والسعي للتخفيف من حدتها؛ كي تخرج المرأة من أتون هذه الحرب سليمة معافاة، وبأقل الخسائر الجسدية والنفسية، وتستعيد حبها للحياة والقدرة على التمتع بسنوات طويلة من العمر بجانب عائلتها وأحبتها كما تستحق، وكما يستحق أي إنسان على وجه هذه البسيطة.