بحثٌ يكشف: النساء أكثر عرضةً للإصابة بالزهايمر من الرجال لهذه الأسباب
في كتابه "الزهايمر" الذي صدر بعد وفاته، قال الكاتب والدبلوماسي والوزير السعودي الراحل غازي عبد الرحمن القصيبي في وصفه لهذا المرض (النسيان النعمة واللعنة وجحيمٌ يدعى الزهايمر).
قديمًا قيل "سبحان من وهب الإنسان نعمة النسيان"؛ لإنها في بعض الأحيان، تُشكَل طريقةًمثالية لحماية النفس والهرب من مآسي الحياة ومشكلاتها المستعصية. وقيل أن بعض معاني الإنسان لها علاقةٌ بالنسيان، وقدرتنا على تحقيقه أو قدرته على التغلب علينا. وفي كلتا الحالتين، راحةٌ وحماية للنفس أحيانًا. أما النسيان الذي يُصوَره القصيبي في أقصوصته، فهو أشد رهبةً من مصائب كبرى أخرى؛ وقد يكون، كما أضاف الكاتب وقال آخرون،أشد قسوةً من الموت.
مرض ألزهايمر
بالفعل، أصعب شيء يمكن أن يمرَ به الإنسان، هو أن ينسى نفسه وإسمه ومن حوله؛ أن ينسى أين يسكن، وماذا يفعل في حياته، من هم أبناؤه وكيف يستخدم الأدوات البسيطة في روتينه اليومي.
هذا كله اختصارٌ لمرض ألزهايمر،وهو اضطرابٌ دماغييُدمر ببطء الذاكرة ومهارات التفكير، وصولًا في نهاية المطاف، إلى منع الشخص من أداء أبسط المهام. ولدى غالبية الناس الذين يعيشون مع داء ألزهايمر، يبدأ ظهور الأعراض في مرحلة مُتأخرة من العمر. تتراوح التقديرات حول العدد المُحتمل للمُصابين بهذا الداء في الولايات المُتحدة، ولكن الخُبراء يشيرون إلى أنه قد يزيد عن 6 ملايين شخص غالبيتهم في عمر 65 سنة أو أكثر.
أحد المعلومات المقلقة المتعلقة بألزهايمر، وهو أحد أنواع الخرف؛ أن النساء أكثر عرضةً للإصابة بهذا المرض من الرجال. لكن ليس جميع النساء بالضرورة، بل من تخطينَ سن 65 عامًا.
فما هي الأسباب وراء هذا الأمر، وهل هناك طرقٌ وقائية أو علاجاتٌ مُخصصة للجنسين ينبغي التعرف عليها؟ هذا ما كشفته تفاصيل بحثٍ، قام به باحثون من "كليفلاند كلينك" نستعرض تفاصيله في موضوعنا اليوم.
فروقات بين الجنسين تؤثر على مرض ألزهايمر
إذن، قام باحثون من مستشفى كليفلاند كلينك، نظام الرعاية الصحية العالمي؛ بتحليل المورثات وأنسجة الدماغ لعدد من مرضى ألزهايمر. وتوصلوا إلى أن الفروقات في الاستقلاب المناعي -الذي يُمثَل التفاعلات بين النظام المناعي والطريقة التي تُولَد الخلايا الطاقة عبرها-قد تُسهم في زيادة مخاطر إصابة النساء بالمرض ودرجته لديهنَ.
وقد تمَ نشر النتائج في مجلة "ألزهايمر والخرف" (Alzheimer’s and Dementia)، والتي طرحت أفكارًا هامة حول تطوير خياراتٍ علاجية للزهايمر مُخصَصة لكلٍ من الجنسين. وتجدر الإشارة إلى أن أرقام الاتحاد الدولي للزهايمر،أظهرت وجود نحو 55 مليون مصابٍ بالخرف حول العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم كل 20 عامًا.
وقال الدكتور جاستن لاثيا، نائب رئيس قسم الأمراض القلبية الوعائية والعلوم الاستقلابية، والمؤلف المشارك في الدراسة: "يعتمد جهاز المناعة لدينا على التواصل بين الأنواع المختلفة لخلايا الجسم التي يتم إمدادها بالطاقة بفضل عمليات الاستقلاب الفريدة. ونظرًا لتأثير جنس الفرد على جهاز المناعة وعمليات الاستقلاب، فقد هدفت دراستنا إلى تحديد كيف يمكن لجميع هذه العوامل الفردية التأثير في بعضها البعض والمساهمة في مرض ألزهايمر".
تفاصيل البحث الخاص بألزهايمر
جاء البحث ثمرةً للتعاون بين الباحثين في معهد ليرنر للأبحاث، والأطباء في مركز لو روفو لصحة الدماغ في أوهايو ونيفادا؛حيث قام الفريق بتحليل عيناتٍ دماغية وبيانات التسلسل الوراثي المتوافرة علنًا والمأخوذة من 469 مريضًامصابًا بألزهايمر. ونظر الفريق في تغيرات التعبيرات الوراثية بين الذكور والإناث في مجالات الوظائف الوراثية، والاستقلاب الخلوي، والتواصل بين خلايا المخ.
وقد توصلَ الفريق إلى وجود 6 فروقات مُحددة في هذه المجالات الثلاث، وكان الفارق الأبرز بينها الذي تمَ تسجيله في الخلايا الدبقية الصغيرة – وهي الخلايا المناعية في الدماغ؛ حيث كانت التغيرات في الخلايا الدبقية الصغيرة أكبر عند المرضى الإناث مقارنةً بالذكور.
من جهته، قال الدكتور فيشونغ تشينغ، العضو المشارك في الفريق، معهد طب الجينوم، والمؤلف الرئيسي للدراسة: "تُعدَ النساء أكثر عرضةً لتطور مرض ألزهايمر لديهنَ، كما يواجهنَتراجعًا أسرع في القدرات المعرفية مقارنةً بالذكور.ويجب أخذ هذه الفروقات بعين الاعتبار عند تصميم العلاجات الدوائية وإجراء التجارب السريرية.تستند هذه النتائج على المعرفة التي لدينا حول كل جزء من أنظمة الجسم التي تؤدي دورًا في مرض ألزهايمر، والتي تُعدَ حيويةً لتحديد السُبل العلاجية الملائمة".
تُعتبر هذه الدراسة جزءًا من الجهد المتواصل بين "كليفلاند كلينك" و"حركة ألزهايمر النسائية" (Women’s Alzheimer’s Movement) لتعزيز فهم الرابط بين جنس الفرد وجميع الظروف الأخرى المرتبطة بالتنكس العصبي.
من جانبها قالت الدكتورة جيسيكا كولدويل، مدير المركز الوقائي التابع لحركة ألزهايمر النسائية في "كليفلاند كلينك"، والمؤلف المشارك في الدراسة: "يُعتبر الزهايمر من حيث جوهره، مشكلةً صحية نسائية؛ ويجب بهدف معالجتها فهم كيف يُسهم جنس الفرد في الأسس التي يقوم عليها هذا المرض. تؤكد هذه النتائج حاجتنا للنظر إلى الفروقات بين الجنسين من حيث كيفية تواصل الأعضاء في أجساد وعقول الأفراد، وذلك حتى نستطيع أن نقدم إلى النساء رعايةً مخصصة، وإننا نتطلع إلى مواصلة جهودنا في إطار هذا البحث".
جدير بالذكر أن الدراسة المُموَلة جزئيًا عبر منحة مُقدمة من المعاهد الوطنية للصحة؛ تدعم استخدام بيولوجيا أجهزة الجسم والتوجهات متعددة الطبقات البيولوجية، من أجل فهم التفاعلات المُعقَدة بين أنظمتنا المناعية، والالتهابات، والفروقات المرتبطة بالجنس في مرض ألزهايمر وبتمويل سخي من المعاهد الوطنية للصحة، قام الدكتور تشينغ بإجراء بحثٍ حول مرض ألزهايمر قائم على جنس المرضى. ومن خلال التعاون مع الدكتور لاثيا، فإن المشروع الذي حمل عنوان: "تنشيط الخلايا الدبقية الصغيرة والأنماط الداخلية الالتهابية التي تُحدد الفروقات بين الجنسين في مرض ألزهايمر"، يهدف إلى تحديد آليات المناعة العصبية الطرفية المركزية الجديدة من أجل فهم الفروقات بين الجنسين فيما يخص مرض ألزهايمر.
كما عمل الدكتور تشنيغ والدكتورة كولدويل، وبدعم سخي آخر من المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية والتابع للمعاهد الوطنية للصحة؛ على إجراء أبحاثٍ إضافية حول دور محور الميكروبيوم–الأمعاء-الدماغ في مرض ألزهايمر.ويهدف المشروع الذي يحمل عنوان: "المُستقبلات الداكنة المقترنة بالبروتين (G) التي تشير إلى علاقة محور الميكروبيوم-الأمعاء-الدماغ بمرض ألزهايمر والخرف المرتبط به"، إلى تحديد خصائص مُستقبلات البروتين في الأمعاء لتحديد ما إذا كانت قادرةً على تقديم وقاية محتملة وسبلٍ علاجية لمرض ألزهايمر.
في الختام، فإن مرض ألزهايمر الذي بات يُعد من أمراض العصر الحديث؛ يحوز الكثير من الاهتمام والمتابعة الطبية، بهدف التوصل إلى كافة المعلومات حول أسبابه وطرق علاجه والوقاية منه. وما البحث الجديد الذي توصل إلى فروقات كبيرة بين النساء والرجال فيما يخص ألزهايمر، سوى محطةً ناجحة في رحلةٍ طويلة لسبر أغوار هذا المرض بغية الوقاية منه قدر الإمكان وفي مراحل مُبكرة.