سرطان الغدة الدرقية بين النساء والرجال... والتقدم الكبير في علاجه وأبحاثه
كثيرًا ما نسمع عن اضطرابات الغدة الدرقية ، التي تُلحق بالمصاب بها العديد من المضاعفات والتداعيات الصحية المزعجة. وبشكل خاص، تعاني النساء من هذه الاضطرابات، التي تؤثر على مختلف وظائف الجسم، خصوصًا الهرمونات.
لكن ماذا بخصوص سرطان الغدة الدرقية؟
يتسم سرطان الغدة الدرقية بطبيعته الصامتة، إذ يبدأ في الغدة بحد ذاتها والتي تتموضع في قاعدة الرقبة، وقد تأخذ شكل فراشة. وعلى الرغم من حجمها الصغير، إلا أن أثر هذه الغدة هائلٌ على أجسامنا، إذ تُنظَم كل شيء تقريباً، بدءاً بعملية التمثيل الغذائي ووصولاً إلى معدل ضربات القلب.
يأتي سرطان الغدة الدرقية بأشكال عدة، إذ يتم تصنيف نوعه بشكل رئيسي حسب الخلايا التي ينشأ منها. ويُعدَ سرطان الغدة الدرقية الحليمي هو أكثر الأنواع شيوعاً، إذ ينمو ببطء وتعتبر استجابته جيدة للعلاج؛ أما سرطان الغدة الدرقية الجريبي، فمن المرجح أن ينتشر إلى أعضاء بعيدة نسبياً عن الغدة، في حين قد يكون لسرطان الغدة الدرقية النخاعي أسبابٌ وراثية. وهنالك أيضاً سرطان الغدة الدرقية الكشمي، والذي على الرغم من ندرته، يُعتبر الأكثر عدوانيةً وصعوبةً في العلاج. وبالعموم، يُقدم كل نوع من هذه الأنواع تحدياتٍ مختلفة للمرضى، تتطلب اتباع نهج فريد في التشخيص والعلاج.
في موضوعنا اليوم، نُسلَط الضوء على سرطان الغدة الدرقية بين النساء والرجال، وما هي التطورات الكبيرة التي شهدها مجال الطب فيما يخص علاجات وأبحاث هذا النوع من السرطانات؛ وفق معلومات أفادنا بها اختصاصيون من مستشفى كليفلان كلينك أبوظبي.
سرطان الغدة الدرقية أكثر شيوعًا عند النساء
بالنسبة لمعظم المصابين؛ لا يُظهر سرطان الغدة الدرقية أعراضاً ملحوظة، في حين قد يشعر البعض الآخر بأعراضٍ غامضة تتمثل بوجود كتلةٍ في الرقبة، أو تغيَرٍ في الصوت، أو صعوبةٍ في البلع، أو تضخم الغدد الليمفاوية. وغالباً ما تكون هذه العلامات إنذاراً من الجسم على وجود خلل ما.
إن ما يجعل سرطان الغدة الدرقية مثيراً للاهتمام، ومصدراً للتحديات، هو ميله للتأثير بشكل أكبر على النساء. ووفقاً لتقرير أصدرته في عام 2019 وزارة الصحة ووقاية المجتمع الإماراتية حول معدلات الإصابة بالسرطان، برز سرطان الغدة الدرقية بين أكثر خمسة أنواع من حالات السرطان الجديدة، التي وُجدت لدى الجنسين؛ وكان أيضاً ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء بعد سرطان الثدي.
أسباب إصابة النساء أكثر بسرطان الغدة الدرقية
فالسيدات أكثر عرضةً بثلاث مرات للإصابة بسرطان الغدة الدرقية من الرجال؛ ويُعزى ذلك للتركيب الهرموني المختلف في أجسامهن ، لاسيما عند وصولهنَ لأربعينيات وخمسينيات العمر، في حين ترتفع مخاطر إصابة الرجال بهذا المرض عند وصولهم لستينيات وسبعينيات العمر. ويؤكد هذا التفاوت في انتشار المرض بين الجنسين، على الحاجة إلى تعزيز الوعي والارتقاء بإمكانات الرعاية المستهدفة للمرض.
يُعتبر كلٌّ من الوقاية والكشف المبكر أهم العوامل التي تُعزَز نجاح رحلة الكفاح ضد سرطان الغدة الدرقية. وعلى الرغم من أن الوقاية قد تبدو هدفاً بعيد المنال إلى حد ما، نظراً للغموض الذي يكتنف السبب الدقيق للإصابة بالمرض، يبرز الوعي كأداةٍ فعالة لضمان تلقي الرعاية الضرورية في الوقت المناسب. لذلك فإن الفحوصات الدورية واستشارة الطبيب، خصوصاً بين الفئات الأكثر عرضة للخطر، قد تقود لتشخيص المرض مبكراً، بما يحسن بشكل كبير من فرص نجاح العلاج.
أهمية الكشف المبكر عن سرطان الغدة الدرقية وعلاجه
وحول ذلك، قال الدكتور سامر القيسي رئيس قسم أمراض الغدد الصماء في معهد التخصّصات الطبّية الدقيقة في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: "لا يمكن بأي شكل من الأشكال التقليل من أهمية الكشف المبكر، لأن هذه الخطوة تكون في الغالب أول خط دفاع وطريق إدارة المرض بكفاءة عالية".
ووفقًا للدكتور القيسي، استقبل مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي 1068 إصابة بسرطان الغدة الدرقية منذ عام 2018 (حتى أكتوبر 2023)، ما يُمثَل دلالةً على خبرات طاقمه الطبي لتشخيص وإدارة هذه الحالات، وكونه مستشفى رائد في معالجة الحالات الطبية المعقدة. ويتطلب تشخيص سرطان الغدة الدرقية دقةً كبيرة وقدراتٍ متخصصة، وهو أمر نجح المستشفى بتطويره عبر تبني المزيد من التقنيات المتطورة والخبرات البشرية. وأوضح الدكتور القيسي ذلك بالقول: " أحرزنا تقدماً لافتاً على مستوى التشخيص؛ فاستمرارنا باستخدام تقنيات التصوير المتقدمة إلى جانب الوسائل التقليدية مثل الموجات فوق الصوتية والخزعات، يضمن التزامنا بكافة إجراءات التشخيص المتوافرة للخروج بأفضل النتائج".
إن هذا النهج التشخيصي الدقيق يعد أمراً بالغ الأهمية، لأنه يضع الأساس الذي تُبنى عليه خطة العلاج الناجحة .
ومن الضروري التأكد من مدى خبرة الطبيب والمستشفى في التعامل مع أي مرض، بالأخص إذا كان من الحالات المعقدة والتي تتطلب مهارات تشخيص وعلاج دقيقة. ففي إحدى الحالات قام مريض بزيارة لكليفلاند كلينك أبوظبي بعد أن قام بإجراء خزعة خارجية لم تُظهر أي إصابة بورم خبيث. وعند زيارته لللدكتور القيسي وفريقه لتقييم حالته، اشتبهوا بوجود خطأ في التشخيص، وأوصوا بناءً على ذلك بإجراء خزعة أخرى على أن تجري من عقيدة الغدة الدرقية. وجاءت النتائج مطابقةً للشكوك، حيث اكتشفوا إصابته بسرطان الغدة الدرقية ليتم استئصال الغدة، في إجراء قد يكون ساهم بإنقاذ حياته.
خططٌ علاجية منفردة لمرضى سرطان الغدة الدرقية
العلاج في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي بعيد تماماً عن منهجية العلاج الشامل الذي يعتمد خطةً واحدة للجميع؛ إذ يتم وضع الخطط العلاجية من قبل فريق عالمي المستوى ومتعدد التخصصات، وفقاً لحالة كل مريض على حدة.
ولشرح هذه المنهجية، قال الدكتور مهدي شكوكاني رئيس قسم طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحة الرأس والعنق في معهد التخصصات الجراحية الدقيقة في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: "تتنوع الخيارات العلاجية بين المراقبة البسيطة للعُقيدات، والتي تُظهر عادة أولى الأعراض، سواءً بسبب الأورام الحميدة أو السرطانية العدوانية. ونُطبَق سلسلةً من الخيارات التشخيصية المنظمة بعناية فائقة، والمصممة لتلبية احتياجات كل مريض، ينفذها فريقٌ من خبراء وأطباء الغدد الصماء، وأطباء الأورام، وأخصائيي التصوير الشعاعي، والجراحين. وعلى الرغم من أن الجراحة تبقى أساس العلاج، حيث يقوم الفريق بإزالة كامل الغدة أو جزء منها والعقيدات التي انتشر إليها المرض، إلا أن الرحلة العلاجية لا تنتهي بنهاية الجراحة".
قد يحتاج المرضى بعد الجراحة لإجراءات علاجية إضافية، تشمل العلاج باليود المشع، وهو عبارةٌ عن حبةٍ أو سائل يحتوي على جرعة أعلى من اليود المشع، الذي يقود لتقليص حجم الورم وتدمير الخلايا السرطانية؛ وهنالك أيضاً العلاج الإشعاعي الذي يستخدم جهازاً مخصصاً لتوصيل حُزمٍ من الطاقة بشكل مباشر إلى موقع الورم. ويمكن أن يوصي الأطباء بخضوع المريض للعلاجات المتقدمة مثل مثبطات بروتون تيروزين كيناز، وهي أدويةٌ تقتل الخلايا السرطانية وتُوقف نموها. وفي الحالات التي يكون فيها السرطان في مرحلة متقدمة أو متكررة، لا يتردد المستشفى في استخدام العلاجات المستهدفة، مثل العلاج المناعي أو العلاج الكيميائي لضمان تعزيز كفاءة التخلص من المرض.
ويمثل الاستئصال الحراري بالترددات الراديوية نهجاً جديداً بالحدود الدنيا من التدخل الجراحي، ويعمل كبديلٍ للإجراءات الجراحية لعلاج المرضى الذين يعانون من العقيدات الدرقية الحميدة وسرطانات الغدة الدرقية المتكررة.
أبحاثٌ واعدة حول سرطان الغدة الدرقية
على مستوى البحوث، يقود مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي بالتعاون مع المختبر المرجعي الوطني، دراسةً حول التنميط الجزيئي لسرطان الغدة الدرقية بين سكان دولة الإمارات. وسيكون لهذا البحث المحلي دورٌ حيوي في فهم السمات الفريدة لسرطان الغدة الدرقية بين سكان الدولة، ليعود بفوائد هائلة على مستوى توجيه الابتكارات الطبية والتكنولوجية نحو المسار الصحيح مستقبلاً.
في الختام، لا يسعنا عزيزتي سوى النصح بوجوب فحص الغدة الدرقية بشكل دوري، والفحص بصورة خاصة عند ظهور أية أعراض أو علامات غير طبيعية على هذه الغدة الحيوية والمهمة. لأنه وكما أفادنا المختصون في كليفلاند كلينك أبوظبي، يمكن علاج هذا النوع من السرطان في حال الكشف عنه مبكرًا.