منها التحفيز العصبي.. مقارباتٌ علاجية متطورة لإدارة حالات مرضى الصرع المتقدم
لعلاج أي مشكلةٍ صحية تواجه الإنسان، لا بدَ من فهمها جيدًا أولًا؛ وسواء كان العلاج منفردًا من خلال تناول بعض الأدوية والمُسكنات التي لا تحتاج لوصفةٍ طبية، أو من خلال العلاج الموصوف من قبل الطبيب المختص، فإن الفهم التام والكافي للمرض يُسهم بشكل أساسي في إدارته وتحسين حياة المصابين به.
وينطبق هذا الأمر بشكل كبير على مرض الصرع ، الذي يُعدَ اضطرابًا عصبيًا مُزمنًا، يتسبب بحدوث نوباتٍ متكررة يعاني منها المصاب جراء شحناتٍ كهربائية زائدة في الدماغ. وتتنوع هذه النوبات على مستويي الشدة والتكرار، مُسبَبة مشاكل بدنية ونفسية، مع زيادة خطر الوفاة المبكرة عند بعض المصابين. وعلى الرغم من صعوبة التعايش مع هذه المشكلة الصحية، إلا أن هنالك أملٌ كبير للمرضى بوجود كوادر الرعاية الصحية؛ ممن يتمتعون بخبراتٍ عالية وقدرةٍ على تقديم رعايةٍ شاملة وخياراتٍ علاجية فعالة تتخطى الحلول الدوائية.
تعتمد التوصيات المتعلقة باستخدام الأدوية التي تحدَ من حدوث النوبات، على دراسة نتائج الفحوصات الطبية. ومع الوصول لتشخيصٍ دقيقٍ للحالة، يتمكن الأطباء من تصميم الخطط العلاجية وفقًا لذلك. ويمكن السيطرة على نوبات المرض عند نحو ثلثي مرضى الصرع من خلال الاختيار الدقيق للأدوية؛ إلا أن تلك الأدوية قد لا تكون فعالةً لدى ما يصل إلى ثلث المرضى، والذين يُطلق عليهم طبيًا مصطلح مرضى الصرع المعنّد، إذ تستمر معاناتهم مع النوبات. ولذلك فهم بحاجةٍ إلى فحوصاتٍ إضافية متخصصة، وقد تتطلب حالاتهم الجراحة أو العلاج بالتحفيز العصبي.
للإضاءة أكثر على موضوع علاجات مرض الصرع المتقدم والتي تشهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخير؛ تحدث إلينا الدكتور فلوريان روزر، رئيس معهد الأعصاب في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، حيث أطلعنا على كافة المقاربات العلاجية المتطورة لهذا النوع من الصرع.
التدخلات الجراحية لمرضى الصرع المتقدم
يقول الدكتور روزر: "بينما تبقى الأدوية عنصرًا رئيسيًا من العلاج، هنالك حالاتٌ يصبح فيها الخيار الجراحي ضرورةً. ومن هذه التدخلات، الجراحة البؤرية الاستئصالية، والتي نلجأ إليها عندما تنشأ النوبات من بؤرةٍ دماغية مختلفة، وتحديدًا من الفص الصدغي. وينطوي هذا الإجراء على إزالة منطقة الدماغ التي تعاني من مشاكل بحذرٍ شديد، مع الحفاظ على الوظائف العصبية الحيوية. في الحقيقة، هذه عمليةٌ في غاية الدقة يمكنها تحسين جودة حياة المريض. ومن الأسباب الشائعة للصرع الجزئي التي قد تستدعي هذه الجراحة، وجود ندبات أو أورام أو مشاكل في النمو".
ويوضح الدكتور روزر أنه بالنسبة لمناطق الصرع الأكثر شدةً والتي لا يمكن إدارتها من خلال الجراحة الاستئصالية البؤرية، يمكن التفكير في استئصال الفص. ويتم اتخاذ هذا القرار بعد موازنةٍ دقيقة بين المخاطر والفوائد. ويضيف: "يستلزم استئصال الفص، إزالة جزءٍ من الدماغ لفصل نصف الكرة الدماغية الصرعية عن النصف السليم، لتجنيب المريض بذلك تفاقم النوبات. ويُعتبر هذا الإجراء مفيدًا للمرضى المصابين بحالات الصرع الشديدة والمُستعصية، إذ يُحيي أملهم بعيش حياة دون نوباتٍ أو بأدنى حدودها".
وفي بعض الحالات الأكثر خصوصيةً؛ مثل المصابين بمتلازمة ستيرج ويبر أو تضخَم الدماغ الشقي، وهي حالاتٌ تؤثر على أحد نصفي الدماغ، يتم اللجوء لاستئصال نصف الكرة المُخية. ويتضمن ذلك إزالةً جزئية أو كلية للمنطقة المتأثرة، لعزل النشاط الصرعي عن الجزء السليم، وحول ذلك يردف الدكتور روزر قائلًا: "بينما يُعدَ هذا الإجراء مُعقدًا، إلا أنه يُغيَر حياة المريض نحو الأفضل".
التحفيز العصبي لعلاج الحالات غير التقليدية من الصرع
من المقاربات العلاجية المبتكرة الأخرى لمرض الصرع، تحفيز العصب المُبهم؛ ويتم استخدامه عند عجز الخيارات العلاجية التقليدية عن إدارة النوبات أو الاكتئاب. وينطوي هذا الإجراء الطبي على استخدام نبضاتٍ كهربائية لتحفيز العصب المُبهم الأيسر، والذي يلعب دورًا كبيرًا في الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن تنظيم وظائف الجسم المختلفة، بما في ذلك الهضم ومعدل ضربات القلب والمزاج. ويُرسل تحفيز العصب المُبهم نبضاتٍ منتظمة وخفيفة من الطاقة الكهربائية إلى الدماغ عبر العصب المُبهم، من خلال جهازٍ يشبه جهاز تنظيم ضربات القلب.
لفهم العملية بشكل أوضح؛ يقول الدكتور روزر أنه وخلال تحفيز العصب المُبهم، تجري عملية زراعة جهازٍ تحت الجلد في الصدر، ويتم ربطه بالعصب المُبهم الأيسر بسلكٍ مخصص. ويُرسل الجهاز نبضاتٍ كهربائية غير مؤلمة إلى الدماغ، ليساعد في الحد من النشاط الدماغي غير المنتظم المرتبط بالصرع.
ويضيف: "رغم أنّ آلية عمله لاتزال قيد الدراسة العلمية، إلا أن إجراء تحفيز العصب المُبهم أثبت نجاحًا لافتًا؛ إذ قلَل من حدوث النوبات لدى 40% إلى 50% من المرضى".
مرضى الصرع والتحفيز العميق للدماغ
يُعدَ التحفيز العميق للدماغ، طريقةً أخرى للتحفيز العصبي باستخدام أقطابٍ كهربائية عميقة في الدماغ. ويتم إرسال النبضات الكهربائية من مُولَدٍ خاصٍ ، مزروع بالقرب من عظمة الترقوة، إذ قد تُقلَل هذه النبضات من النشاط العصبي غير الطبيعي المُسبب للنوبات.
ويُعتبر تخطيط كهربية الدماغ المُجسم من وسائل التشخيص التي تتضمن استخدام الأقطاب الكهربائية؛ حيث يجري زرع أقطابٍ في الدماغ لتسجيل المؤشرات الشاذة التي تُسبَب النوبات. وتُحدَد هذه العملية المصدر الدقيق لنوبات الصرع في الدماغ، ليتمكن الجرَاح من تقييم فائدة التدخل الجراحي، والتخطيط له وفقًا للنتائج.
في الختام، الصرع هو حالةٌ صحية مُعقدة تتطلب رعايةً شاملة، وتقنياتٍ متقدمة، وفريق رعاية متخصص وعالمي المستوى. لذلك يُجسَد برنامج الصرع في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي هذه المعايير، ويمنح الأمل للمرضى الذين يعانون من الصرع ويُمكّنهم من عيش حياةٍ جيدة قدر الإمكان. وعبر العلاجات المبتكرة ومنهجية الرعاية متعددة التخصصات، يسير البرنامج بخطى ثابتة نحو تحسين جودة حياة المصابين بالصرع.
فإن كان لديكِ عزيزتي أحد الأشخاص في العائلة أو الأصدقاء ممن يعانون من الصرع، فقد تساعدهم هذه التقنيات المتطورة في إدارة مرضهم بشكل أفضل. واعلمي أن الرعاية الصحية المتطورة التي تجدينها في معظم مستشفيات الإمارات، كفيلةٌ بمساعدتكم على تخطي صعوبات هذا المرض.