فيما يشبه العودة لبداية الجائحة.. دعواتٌ للوقاية من متحور كورونا الجديد
منذ ما يقرب من الأربع سنوات، وتحديدًا خلال الشهر الجاري؛ شهد العالم بأكمله اكتشاف فيروس كورونا المستجد في الصين، لينتقل من بعدها إلى دول العالم ويتفشى تقريبًا في كافة أصقاع الكرة الأرضية. وحمل معه الفيروس ملايين الإصابات والوفيات، بعدما نجح في بثَ الذعر في قلوب الجميع، وحمل العالم على إغلاق أبوابه والقبولبحالة الحجر الصحي الإجباري التي فرضتها الحكومات على شعوبها، بغية منع التفشي أو التحكم فيه قدر الإمكان.
تبعها عامان من الإغلاق والتباعد الاجتماعي، الدراسة والعمل عن بعد، ومعاناةٍ مع القيود ومنع السفر وتجنب الاحتفالات والاجتماعات العائلية وغيرها؛ مع التركيز بشكل أساسي على ارتداء الكمامة عند الخروج أو الاختلاط بالآخرين، في حالةٍ لم يسبق لها مثيل. ثم جاء الفرج بعد طرح اللقاحات وخضوع نسبةٍ عالية من البشر للتطعيم للوصول إلى ما أُطلق عليه تسمية "مناعة القطيع"، في محاولةٍ لمنع ازدياد أعداد المصابين بالفيروس حول العالم.
وقد نجح الأمر بالفعل، وباتت الأعداد تستقر أو تنخفض؛ فبدأ الناس بالعودة تدريجيًا للحياة الطبيعية، والتخلي في المقام الأول عن الكمامة المفروضة. وعشنا لمدة سنتين في سعادة ورخاء، بعد أن تخلصنا من عبء الكمامة والإجراءات الاحترازية المُقيَدة للحركة.
لكن يبدو أن جرس الإنذار عادة ليرَن من جديد، مُنذرًا بإمكانية العودة لوضع الكمامات والأقنعة على الوجوه من جديد؛ لأن متحورًا جديدًا ظهر في الأفق. وهو ما دعت إليه منظمة الصحة العالمية.
فماذا نعرف عن هذا المتحور؟ هل هو خطير كما سابق متحورات كورونا، وهل يمكن للقاحات أن تمنحنا الوقاية نفسها؟ وهل يجب اتباع ذات النصائح والإجراءات الوقائية التي نصحت بها منظمات الصحة حول العالم؟
هذا ما سوف نجيب عليه اليوم في موضوعنا، من خلال معلومات جمعناها من عدة مواقع إخبارية.
متحور كورونا JN.1
هذا هو الإسم الذي أطلقه خبراء الصحة على متحور فيروس كورونا الجديد، الذي يشهد انتشارًا واسعًا في العديد من الدول، بالتوازي مع انتشار الإصابات بمرض الإنفلونزا الموسمية الشائعة في هذه الفترة من كل عام.
وبما أن هذه الفترة تشهد احتفالاتٍ كبيرة بأعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم، فقد نصح الأطباء وخبراء الصحة العالمية بوجوب العودة لارتداء الكمامة خلال موسم الأعياد والعطلات الحالي.
منهم فيتالي زفيريف، الباحث في معهد بحوث الأمصال الروسي؛ والذي دعا المواطنين الروس إلى ضرورة عدم تجاهل استخدام الكمامات الطبية خلال الاحتفالات بالعام الجديد في الأماكن المغلقة، بغية توفير الحماية من الأنفلونزا والفيروسات التي تنتقل عن طريق التنفس.
وبحسب موقع "العربية.نت"، أعلن المكتب الصحافي بجهاز حماية المستهلك يوم 19 ديسمبر عن استمرار ارتفاع حالات الالتهابات الفيروسية التنفسية الحادة والأنفلونزا في روسيا؛ حيث ارتفعت نسبة الإصابة بها إلى 6.5% خلال أسبوع واحد. وفي تصريح لوكالة "تاس" الروسية، أشار زفيريف إلى أن الاحتفالات بالعام الجديد هي في العادة احتفالاتٌ عائلية؛ لكن في حال رغب البعض بالاحتفال بهذه المناسبة في الخارج، فإن احتمال الإصابة بالفيروسات منخفض بسبب الهواء الطلق. لكن الاحتفال في أماكن مغلقة ومزدحمة، يمكن أن يزيد من انتشار الفيروسات، وعليه ينبغي ارتداء الكمامات الطبية الواقية.
وتابع الباحث بمعهد بحوث الأمصال، أن الإصابة بفيروس الأنفلونزا والعدوى الفيروسية الأخرى مستمرةٌ بالارتفاع في روسيا، مشيرًا إلى أن الإصابة بمثل هذه الفيروسات "عادةً ما تنتهي في فترة الاحتفال باستقبال العام الجديد." وطمأن زفيريف إلى أن الارتفاع في حالات الإصابة بهذه الفيروسات أمرٌ طبيعي في هذه الفترة من السنة، جراء انخفاض درجات الحرارة والضغط العصبي واضطرابات المناعة. مضيفًا أن "ارتفاع الإصابة بالأنفلونزا والفيروسيات التي تنتقل عن طريق التنفس عادةً ما يحدث في شهري ديسمبر ويناير".
لكن الدعوة لارتداء الكمامات في هذا الوقت،لا تنحصر فقط بالإنفلونزا والعدوى الفيروسية؛ بل تنطبق أيضًا على متحور كورونا الجديد. فماذا نعرف عن هذا المتحور؟
حذرت منظمة الصحة العالمية خلال الساعات الماضية، من متحور كورونا الجديد JN.1، بعد انتشاره في عددٍ من الدول بسرعة كبيرة، مُثيرًا حالةً من الذعر حول العالم والخوف من تكرار جائحة كوفيد-19 التي شهدها العالم قبل 4 سنوات.
وأشار موقع "الكونسلتو" نقلًا عن الدراسات الأولية حول المتحور JN.1؛ أنه أكثر قابليةٍللانتقال من متحور أوميكرون السابق، كونه يحتوي على 3 طفرات إضافية في بروتيك سبايك الذي يستخدمه الفيروس للدخول إلى الخلايا البشرية، كما لديه قدرةٌ فائقة على مقاومة لقاحات كورونا المعتمدة.
وأشار الدكتور أمجد الحداد، مدير مركز الحساسية والمناعة بمعهد المصل واللقاح، إلى أن فيروس كورونا لم ينتهِ كما يظن البعض؛ كونه من أكثر الفيروسات التي تتحور إلى سلالات جديدة، خصوصًا جراء تغير الفصول كما هو الحال حاليًا مع بدء فصل الشتاء. مضيفًا أن السلالات الجديدة التي يتحور إليها فيروس كورونا بما فيها المتحور الجديد JN.1، قد تكون ضعيفةً؛ لكنها سريعة الانتشار ونقل العدوى، كما أنها قادرةٌ على مقاومة المناعة المكتسبة من خلال التطعيم أو بسبب الإصابات السابقة بالفيروس.
وكشف استشاري الحساسية إلى أنه من الصعب اكتشاف الإصابة بالمتحور الجديد، نظرًا لتشابه أعراضه بشكل كبير مع الأمراض الفيروسية التي تنتشر كثيرًا خلال فصل الشتاء؛ مثل الإنفلونزا ونزلات البرد والفيروس المخلوي التنفسي RSV.
أعراض متحور كورونا JN.1
ذكر موقع المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض CDC، أن أعراض متحور JN.1 تظهر عادةً على شكل حمى، سعال، ضيق في التنفس، إرهاق، صداع، سيلان الأنف وألم في العضلات.
وهي أعراض متشابهة إلى حد بعيد مع أعراض الإنفلونزا؛ ويؤكد الحداد أن متحور JN.1 يمكن أن يصيب أي شخص، ولكن هناك فئات أكثر عرضة للإصابة به أكثر، ومنهم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة ومرضى المناعة الذاتية. وقد يزيد خطر الإصابة بمتحور JN.1 لدى الحوال وأصحاب المناعة الضعيفة والأفراد الذين لم يحصول على لقاح كورونا، وفقًا للمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض.
كيفية الوقاية من متحور JN.1
وفق الدكتور الحداد، يمكن الوقاية من المتحور الجديد باتباع معظم الإجراءات الوقائية التي اتخذها البشر عند ظهور فيروس كورونا المستجد، والتي تتمثل ب:
- ارتداد الكمامة، خاصةً في الأماكن المزدحمة.
- غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون، أو استخدام المعقمات الكحولية في حال عدم توافر الماء والصابون.
- الحفاظ على التباعد الاجتماعي عند مخالطة الآخرين.
- عدم الاختلاط بالمصابين أو المشتبه بإصابتهم بالمتحور.
- اتباع نظام غذائي صحي غني بالخضروات والفواكه، لتقوية الجهاز المناعي.
تجدر الإشارة إلى أن متحور كورونا الجديد، قد يصيب الأمعاء أكثر من الأنف والفم كما هو الحال مع المتحورات السابقة. ويعتقد بعض علماء الفيروسات أن فيروس كوفيد-19 ومن خلال المتحور الجديد، قد غيَر طريقته لدخول الخلايا، ما يعني أنه يمكن أن يصيب الأمعاء بسرعة وسهولة أكبر؛ كما نقل موقع "العربية.نت" عن موقع Daily Mail البريطاني. وقد رصد علماء في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، بعض آثار فيروس كورونا في مياه الصرف الصحي.ويشير عالم الفيروسات الأسترالي ستيوارت تورفيل، إلى أن JN.1 يتخذ طريقًا جديدًا للخلايا، وتحديدًا خلايا الأمعاء. كما يُظهر JN.1 تفضيلا أكبر للنسخة من بروتين سطح الخلية ACE-2، ما قد يؤدي إلى التهابات الأنسجة المختلفة، كما هو الحال في القناة الهضمية.حجم الخط
ويُعدَ هذا المتحور قادرًا بشدة على التهرب من جهاز المناعة، لكنه قد لا يُسبب المرض بشكل كبير وخطير كما هو الحال مع المتغيرات الأخرى التي شهدناها منذ ظهور فيروس كورونا المستجد.
ما تؤكده تقارير منظمة الصحة العالمية حتى الآن، هو أن هذه السلالة الفرعية سريعة الانتشار؛ وهو ما قد تؤدي لارتفاعٍ طفيف في الإصابات خلال أشهر الشتاء، حيث يقضي الناس وقتاً أطول في الداخل ضمن التجمعات العائلية والجماعية.
فيما يخص نجاعة اللقاحات مع متحور JN.1، فقد أفاد كلٌ من الدكتور جورج رذرفورد، والدكتور بيتر تشين هونغ؛ وهما طبيبين متخصصين في كوفيد-19 بجامعة كاليفورنيا، في حديث لموقع medicalxpress.com، الأميركي المتخصص في الأخبار الطبية، أن اللقاحات المتوفرة تنجح بشكل كبير في التصدي لهذا المتحور. مضيفين أنه وعلى الرغم من تطوير اللقاح ضد سلالة أخرى من متحور أوميكرون هي (XBB.1.5)، فقد أظهرت الدراسات أن لقاح كوفيد-19 الجديد يُسهم في توليد استجابةٍ مناعية قوية ضد JN.1.
في الختام، لا يسعنا سوى النصح مجددًا بالوقاية قدر الإمكان، من المتحور الجديد الذي يبدو أنه نسخةٌ أخرى من نسخ كوفيد السابقة، إنما بمنحى أكبر نحو الجهاز الهضمي. مشددين كما الخبراء، على ضرورة توخي الحذر عند الخروج ومخالطة الآخرين، واتباع كافة الإجراءات الوقائية التي تحمينا وأحبتنا من متحورات كورونا وغيرها من أمراض الشتاء الشائعة كالأنفلونزا.