قضاء المزيد من الوقت في الطبيعة.. يُعزَز الصحة النفسية والجسدية
من منا لا يفرح عند سماع زقزقة العصافير، أو يلمح خضرة الطبيعة من حوله، أو تدافع الموج في البحر فيما يرقب غروب الشمس الرائع كل مساء؟
إنه الجمال الطبيعي الذي لا تشوبه شائبةٌ، والذي يُدخل الراحة والدفء والهدوء للنفس؛ وبدوره ينعكس على صحة الجسم البدنية والنفسية والفكرية. لهذا نجد أن الأفراد الذين يعيشون في أماكن تكثر فيها النباتات والزهور والأشجار والمياه، ميَالون بشكل أكبر نحو الهدوء والطمأنينة والتفاؤل والابتسامة؛ فيما يعاني الأشخاص الذين يسكنون في أبراج إسمنتية وزجاجية صلبة، من تلبَد في المشاعر واكتئاب ينعكس بصورة واضحة وجلية على الوجه والتصرفات.
لهذا ينصح خبراء الصحة كل من يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية، بالعودة إلى الطبيعة، والتنزه فيها واستنشاق الهواء العليل الذي يشفي الروح ويُجدَد خلايا الجسم بتلقائية عارمة. بموازاة أسلوب الحياة الصحي الذي يعتمد على الأكل الصحي وممارسة الرياضة، للتمتع بصحةٍ نفسية وجسدية مستدامة.
هذا ما أكده الدكتور برنت باور، طبيب الطب الباطني العام في مايو كلينك؛ متحدثًا عن فوائد التنزه في الطبيعة والتمتع بالهواء الطلق، والذي يُطلق عليه تعبير "البيوفيليا".
فوائد مذهلة عند التنزه في الطبيعة
بحسب الدكتور باور، يُعدَ تناول الطعام الصحي وممارسة التمارين الرياضية من الأساليب المهمة للبقاء بصحة نفسية وجسدية سليمة. وبدلًا من ترك الأريكة التي نجلس عليها لساعاتٍ طويلة والقفز على جهاز الجري، يمكنكِ التفكير عزيزتي في الخروج في الهواء الطلق وجني الفوائد الصحية للتواجد بين أحضان الطبيعة. ويضيف: "لا تتعجبي عند زيارتكِ التالية للطبيب، عندما يصف لكِ المتنزهات بدلًا من الأقراص".
الخروج في الهواء الطلق وبين الطبيعة، هو عاملٌ مهم للبقاء بصحةٍ جيدة؛ويُعرف هذا المفهوم بإسم بيوفيليا. ويشرحها الدكتور باور بالتالي: "تعني البيوفيليا أن لدينا استعدادٌ طبيعي للاتصال بالطبيعة — أن هناك شيئًا صحيًا في أن تتواجد الطبيعة لدينا أو أن نتواجد لدى الطبيعة". ويضيف: "هناك العديد من الأبحاث حول هذا الموضوع، ولكن لم يعد الأمر مجرد أن "الطبيعة جيدة". نحن نعلم بالفعل أن الطبيعة رائعةٌ؛ إنما تتراوح هذه الدراسات بين تقييم الأشخاص الذين يعيشون في المدينة ثم انتقلوا إلى الغابات. ماذا يحدث لضغط الدم؟ ماذا يحدث لمعدل ضربات القلب؟ لقد أظهرت العديد والعديد من الدراسات أننا نكون أفضل حالًا كثيرًا عندما نتواجد في بيئةٍ طبيعية."
وصفة المتنزهات
لهذا السبب يصف بعض اختصاصيو الرعاية الصحية "وصفة المتنزهات". ويقول عنها الدكتور باور: "أعتقد أن هذا يُبرز أهمية الذهاب إلى الطبيعة. إذ وبدلًا من الاكتفاء بالقول أنه ينبغي علينا القيام بذلك، الآن بات لدينا بالفعل الوصفة الطبية."
وتشير الدراسات إلى أن أفضل جرعةٍيمكنكِ الحصول عليها من الطبيعة، هي ساعتين على الأقل في الأسبوع. وإذا لم تستطعي الخروج، أحضري الطبيعة إلى الداخل.
كيف؟ يقول الدكتور باور: "لا يزال هناك الكثير من الفوائد للاستماع إلى تغريد الطيور الموجودة داخل المنزل، وأصوات الطبيعة المسجلة على اليوتيوب، أو أن تكون لديكِ نافورة مياه — مجرد وجود عناصر حولكٍ مصنوعةً من الحجارة والخشب كفيلٌ بإحداث فرق كبير في صحتكِ الجسدية والنفسية."
دراساتٌ متعددة حول فوائد التنزه في الطبيعة
للبحث أعمق في تأثير الطبيعة على الحالة النفسية والبدنية، كان لا بدَ من تتبَع بعض الدراسات التي توصلت لنتائج مهمة في هذا السياق.
منها دراسةٌ قام بها باحثون من جامعة إكسترا بلندن؛خلصت إلى أن المساحات الخضراء مثل المتنزهات والحدائق، يمكن أن تؤدي إلى تحسيناتٍ كبيرة ومستمرة في الصحة النفسية. ووجد الباحثون أن انتقال بعض الأشخاص إلى مناطق أكثر اخضرارًا لا ينعكس إيجابًا فقط على صحتهم النفسية، وإنما يبقى أثره الإيجابي لفترةٍ طويلة.
ويُعدَ هذا البحث من أولى الدراسات الساعية للنظر في الآثار المترتبة على السكن ضمن المساحات الخضراء مع مرور الوقت. وباستخدام بيانات من أكثر من 1000 مشارك جرى تتبَعهم على مدى 5 سنوات، ركزَ فريق البحث في جامعة إكسترا البريطانية على مجموعتين من الناس: مجموعةٌ انتقلت إلى المناطق الحضرية أكثر اخضرارًا، ومجموعةٌانتقلت إلى المناطق الحضرية أقل اخضرارًا. وفي المتوسط، وجد الباحثون أن أفراد المجموعة الأولى شهدوا تحسنًا فوريًا في الصحة العقلية، استمر لمدة 3 سنوات على الأقل بعد انتقالهم. بالمقابل، أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين انتقلوا إلى منطقةٍ أكثر ازدحامًا عانوا من انخفاض في مجال الصحة النفسية، مقارنةً مع الأفراد الذين ينتقلون إلى مناطق أكثر اخضرارًا الذين ظهرت لديهم تحسيناتٌ كبيرة وطويلة الأمد في مجال الصحة النفسية.
دراسةٌ أخرى وهذه المرة في كندا، وجدت أن التنزه في أحضان الطبيعة لمدة 20 دقيقة على الأقل، ينعكس إيجابًا على الصحة؛ إذ يهدأ النبض وينخفض ضغط الدم ومستوى التوتر، فيما يتم تنشيط جهاز المناعة ويجري الدم بصورةٍ أفضل في مناطق المخ المسؤولة عن الشعور بالاسترخاء والهدوء النفسي. كما تعد المساحات الخضراء مفيدةً على وجه الخصوص للأشخاص الذين تكون قدرة المخ لديهم على التحكم في الأفكار السلبية، محدودةً.
وأثبتت دراساتٌ أخرى أن تعاطي سكان المدن مع الضغط النفسي يكون سيئًا عادةً بالمقارنة مع سكان الريف؛ حيث ترتفع لديهم مخاطر الإصابة بالاكتئاب والفُصام (الشيزوفرينيا) واضطرابات الخوف والقلق.
أما بالنسبة للأطفال، فقد توصلت الدراسات إلى نتيجةٍ هامة مفادها أن التنزه في أحضان الطبيعة يُسهم في التخفيف من حدة المتاعب لدى الأطفال المصابين بفرط النشاط ونقص الانتباه. كما أظهرت نتائج الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون في بيئةٍ مُحاطةٍ بالمسطحات الخضراء، يتمتعون بقدرةٍ أكبر على مواجهة المواقف الحياتية المسببة للتوتر النفسي.
خلاصة القول، فإن التنزه في الطبيعة والسكن ضمن المساحات الخضراء أو إحضارها للمنزل مع عناصر الطبيعة الأخرى مثل المياه؛ كفيلٌ بتحسين الصحة الجسدية والنفسية والفكرية بدرجات كبيرة. ولتحقيق الاستفادة المرجوة، ينصح الخبراء بالمواظبة على التنزه في أحضان الطبيعة بمعدل لا يقل عن ساعتين ونصف الساعة في الأسبوع.
فلا تفوتي هذه الفرصة الذهبية اليوم عزيزتي، مع تحسنَ الجو في منطقة الخليج حاليًا؛ حيث يسمح الطقس الجميل والهواء العليل، بالاستمتاع بالطبيعة والبحر وغيرها من المساحات الخارجية لمتسعٍ كبير من الراحة والهدوء التي تنعكس على خلايا وأعضاء الجسم والعقل في آنٍ معًا.