الشباب في دائرة الضوء من جديد.. وهذه المرة التنبه لزيادة حالات الإصابة بالسرطان
يدرك الجميع أن الشباب هم عصب الجيل القادم، وهم الحاملون لراية الآباء والأمهات نحو المستقبل. بهم يكبر الأمل بغدٍ أفضل، ومن خلالهم يتطلع العالم نحو مجتمعٍ أكثر قوةً ونجاحًا وقدرةً على تحمَل المشاكل والكوارث التي يمكن أن تعصف بهذه الأرض.
لكن كي ينجح هذا الجيل في حمل كل تلك الأوزار والتقدم بها بخطى ثابتة ومتينة، ينبغي له أن يتمتع بالصحة الجسدية كما الفكرية والنفسية. ومن هنا، تأتي أهمية التوعية من خطرٍ محدق بجيل الشباب، يتمثل في تزايد حالات الإصابة بالسرطان على أنواعه بين الشباب. لذلك يُولي مقدَمو الرعاية الصحية، ومن ضمنهم الدكتور ديفيد ليسكا؛ جرَاح القولون والمستقيم في "كليفلاند كلينك"، اهتمامًا كبيرًا لناحية زيادة الوعي بالأعراض والتاريخ الصحي العائلي والاختلافات في طرق العلاج للمراهقين والشباب، بالتزامن مع تصاعد حالات تشخيص الإصابة بالسرطان لدى الشباب حول العالم.
وأفادت نتائج بحثٍ نشرته جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة مؤخرًا، أن عدد حالات الإصابة الجديدة بالسرطان لدى الأفراد ممن هم تحت سن 50، قد ارتفعت بنسبة 79% خلال الفترة ما بين عامي 1990 و2019. كما أظهر البحث أن حالات الوفاة بين صفوف هؤلاء المصابين، ارتفعت بأكثر من 27%؛ وتشير توقعات البحث إلى أن هناك أكثر من مليون شخص تحت سن 50 يموتون بسبب السرطان سنويًا. وتُعدَ حالات سرطان الثدي والقصبة الهوائية والرئة والأمعاء والمعدة، مسؤولةً عن العدد الأكبر من حالات الوفاة.
تعدَد أسباب الإصابة بالسرطان عند الشباب
وقال الدكتور ديفيد ليسكا، الذي يقود برنامجًا متعدد التخصصات لتحسين أساليب العلاج ونتائجه في صفوف المراهقين والشباب، ومرضى السرطان الشباب، لدى المستشفى الأمريكي المرموق: "تُنفَذ كليفلاند كلينك وغيرها من المؤسسات على الصعيد العالمي، أبحاثًا حول أسباب الزيادة الملحوظة في حالات الإصابة بالسرطان في صفوف الشباب، ونعتقد بأن السبب وراء ذلك متعدد العوامل."
وأضاف الدكتور ليسكا الذي يشغل كذلك منصب مدير مركز "كليفلاند كلينك"لشركان القولون والمستقيم لدى الشباب: "لاحظ الباحثون وجود تأثيرٍ متعلقٍ بمجموعات المواليد؛ حيث أشاروا إلى أن الأفراد الذين وُلدوا في العقود منذ خمسينيات القرن الماضي، سجلوا معدلات أعلى للإصابة بالسرطان لدى الشباب مقارنةً بأولئك الذين وُلدوا في العقود السابقة لذلك. ويشير هذا الأمر إلى أن التعرض المشترك لعدد من العوامل المحددة في البيئة، قد يكون مرتبطًا بهذه المخاطر المتنامية؛ سواءٌ كان ذلك تغيَرًافي العادات الغذائية أو استخدام المواد الكيميائية أو أي عددٍ من العوامل الأخرى. ولقد اكتشفنا اختلافاتٍ في ميكروبيوم الأمعاء وعملية الاستقلاب والبيئة الدقيقة المناعية للورم عند الشباب والمتقدمين في السن ممن أصيبوا بنفس السرطان. ومن الاعتبارات الأخرى التي تمَ النظر فيها، هي أن عوامل الخطر الشخصية للسرطان مثل السُمنة وأسلوب الحياة الخامل قليل الحركة، أصبحت أكثر انتشارًا في صفوف هذه الفئة العمرية، ولذلك فإنها تسهم على الأغلب في تفاقمالمشكلة."
نصائح للشباب حول كيفية الوقاية من السرطان
وعليه، تُركَز نصيحة الدكتور ليسكا للشباب بالنقاط الآتية:
- الوقاية من مرض السرطان.
- التشخيص المبكر.
- ضمان إدارة العلاج من قبل فريق من الأخصائيين المتمرسين متعددي التخصصات.
وأضاف: "فيما يتعلق بالوقاية؛ فإننا نوصي باتباع أسلوب حياةٍ صحي يشمل نظامًا غذائيًا متوازنًا، ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، تجنَب استهلاك التبغ والإفراط في تناول الكحول. ويُعدَ التشخيص المبكر مهمًا كذلك؛ إذ أنه كلما تمَ اكتشاف السرطان وعلاجه في فترةٍمُبكرة، فإن النتائج ستكون أفضل. ويجب على الأفراد عدم تجاهل الأعراض المستمرة والدائمة أيًا كان نوعها، بل ينبغي عليهم التحدث بخصوصها مع الطبيب. كما يجب على الأفراد بحث أي تاريخٍ عائليمن الإصابة بالسرطان مع الطبيب الذي يمكنه تقديم المشورة حول أفضل توقيت لإجراء فحوصات السرطان ووتيرة هذه الفحوصات، وما إذا كان يتوجب على الأفراد إجراء اختباراتٍ جينية."
أما بخصوص الحصول على العلاج، فقد أشار الدكتور ليسكا إلى الحاجة لتوجَهٍ مُخصَص للمرضى الشباب؛إذ أن الطبيعة البيولوجية للسرطان إلى جانب الآثار النفسية والعلاج طويل الأمد، تختلف لدى الشباب مقارنةً بكبار السن.
وأضاف: "يُعدَ العثور على فريقٍ من الأخصائيين متعددي التخصصات والمتمرسين في علاج مرضى السرطان من الشباب، أمرًا على قدرٍ كبير من الأهمية؛ إذ يمكن لجودة العلاج المُقدَمة أن تؤثر بصورةٍ ملموسة على النتائج، ليس فقط من حيث مستويات البقاء للمرضى، وإنما أيضًا من حيث جودة الحياة بعد العلاج."
استراتيجيات بيئة العمل لتعزيز إمكانية الكشف المبكر عن السرطان والوقاية منه
بما أن الكثير منا، يمضي معظم وقته في العمل خاصةً الشباب ممن يلازمون مكاتبهم ومقاعدهم لأوقات طويلة تمتد لأكثر من 8 ساعات كل يوم؛ فإن ترتيب هذه البيئة وتحصينها بإرشادات السلامة والوقاية من السرطان ضروريةٌ كما هي الحال مع نمط الحياة الصحي.
وقد يكون لبيئة العمل وساعات العمل، تأثيرٌ كبير على سلامة الموظفين وصحتهم النفسية والجسدية؛ حيث يقضي الشباب جزءًا كبيرًامن وقتهم في العمل، وهم مُعرَضون لعوامل الخطر كالمواد الضارة، وساعات العمل الطويلة، ودخان السجائر. كما أن بعض العادات المُتبَعة أثناء العمل قد تؤدي إلى الخمول البدني واتباع أنماطٍ غذائية غير صحية؛وكلاهما من عوامل الخطر المعروفة التي قد تؤدي للإصابة بالسرطان. في المقابل، يمكن أن تلعب بيئة العمل دورًا أساسيًا في اتباع عادات صحية من شأنها التخفيف من مخاطر السرطان، في حال تنبَه المسؤولون لهذه النقطة.
يشير الخبراء إلى أن التدخين والسُمنة من عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بالسرطان، بجانب احتمالية تأثير العوامل الجينية في زيادة حالات السرطان لدى الشباب. وبناءًا على التوجهات التي سادت خلال العقود الثلاثة الماضية، يتوقع الباحثون أن يرتفع الرقم العالمي لحالات السرطان المُبكر الجديدة بمقدار 31% بحلول عام 2030؛ في حين سترتفع نسبة الوفيات الناجمة عنها بمقدار 21%، حيث يرجّح أن يكون الأفراد في الأربعين من عمرهم الفئة الأكثر عرضةً للخطر.
وقالت الدكتورة كايت أوريلي، مديرة الشؤون الطبية في "إنترناشيونال أسأوأس"، الشركة العالمية الرائدة في مجال توفير خدمات مخاطر الصحة والسلامة: "غالبًا ما تُركِّز جهود مكافحة السرطان على إجراءات الرعاية المتبعة بعد تشخصيه، وإدارة المرض ومعالجته بعد انتشاره. ويُشكَل اليوم العالمي للسرطان (4 فبراير) مناسبةً لتعزيز الوعي بآثار مرض السرطان، والتأكيد على أهمية التدخلات الاستباقية للحد من أخطاره. وتُمثَل التوعية بالسرطان وتوفير الكشف المُيسَر عنه وإعداد برامج الوقاية منه، أدواتٌ بالغة الأهمية في حماية الأفراد والمنظمات على حد سواء؛ فضلًا عن تعزيز الصحة والسلامة في بيئة العمل، وتخفيض معدلات التغيب عن العمل، وترسيخ بيئة عمل أكثر إنتاجية ومشاركة."
وأضافت: "يمكن تخفيف مخاطر السرطان بشكلٍ كبير من خلال تغييراتٍ بسيطة وفعالة ضمن بيئة العمل، كتوفير أصناف الطعام الصحي والتشجيع على الممارسة المنتظمة للتمارين الرياضية. ويسهم التركيز على هذه المنهجيات ضمن البرامج الصحية للشركات، في جعل الموظفين أكثر حرصًا على تحسين صحتهم وسعادتهم، كما يُنمَي لديهم روح المسؤولية بصحتهم الشخصية، ما يُسهم في تخفيف مخاطر السرطان."
حرص الإمارات على التوعية من مرض السرطان
تُعدَ دولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى الدول السبَاقة في تبنَي استراتيجيةٍ صحية متكاملة، والرائدة على صعيد الخدمات الطبية المُقدَمة لمرضى السرطان، ومواجهة مخاطره في بيئات العمل. كما تحرص الدولة على تنفيذ مبادراتٍ تتضافر فيها جهود مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، لتعزيز الوقاية من المرض. وفي هذا الصدد، دأبت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الإماراتية على إطلاق حملاتٍ توعوية عبر القنوات المختلفة؛ بما فيها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية والبرامج التعليمية، في مسعى لتعزيز توعية الجمهور بالعوامل التي تزيد من مخاطر السرطان وتعريفهم بأهم أعراضه، فضلًا عن إبراز أهمية الفحوصات الدورية.
استراتيجياتٌ فعالة لتقليل مخاطر الإصابة بالسرطان في العمل
فيما يلي بعض الاستراتيجيات المفيدة التي تقترحها "إنترناشيونال أس أو أس" من أجل تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان بالنسبة للموظفين، ومساعدة المنظمات على تدعيم بيئة العمل فيها:
- توفير التثقيف والتوعية: يجب توعية الموظفين بالمخاطر الشائعة للإصابة بالسرطان، وعلاماته التحذيرية، ومُسبَباته المحتملة. كما تكتسب ورشات العمل الدورية والحملات الإعلامية أهميةً كبيرة على هذا الصعيد، وتُسهم في تشجيع الموظفين على متابعة صحتهم، وطلب العناية الطبية العاجلة عند ملاحظة وجود أية أعراضٍ مُحتملة.
- تشجيع إجراء الفحوصات الدورية: غالبًا ما يؤدي التشخيص المبكر للسرطان إلى نتائج علاجية أفضل. ويجب التركيز على أن تُغطي المنافع الصحية الممنوحة للموظفين، إجراءات التشخيص الأولية، وأن تتيح سياسات المؤسسات تنفيذ هذه الإجراءات التشخيصية. كما ينبغي تشجيع الموظفين على أخذ إجازةٍ من أجل إجراء الفحص الطبي السنوي.
- تشجيع اتباع عاداتٍ صحية: ينبغي توفير أصناف طعامٍ صحي في كافتيريا المؤسسات وأجهزة البيع الآلي. كما يجب تطبيق مبادراتٍ مؤسسية في هذا السياق، كالبرامج الصحية وتحديات المشي، ومنح تخفيضاتٍ على اشتراكات النوادي الرياضية؛ لتشجيع مزاولة الأنشطة البدنية واتباع عادات غذائية صحية.
- تشجيع التواصل المفتوح: يكتسب توفير بيئةٍ آمنة وداعمة أهميةً كبيرة، حيث يمنح ذلك الموظفين شعورًا بالراحة أثناء مناقشة المخاوف من السرطان ومصادره المحتملة. ويجب توفير خدمات الاستشارة السرية من خلال برامج مساعدة الموظفين (EAPs).
- تقييم بيئة العمل: ينبغي تحليل المخاطر المحتملة في مكان العمل، والتي قد تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان؛ كالتعرض للمواد المُسرطنة على سبيل المثال، وتطبيق تدابير فعالة للتحكم بهذه المخاطر والتخفيف منها وإرساء بيئة عملٍ صحية. وقد تُسهم أساليب العمل المكتبي في عالم اليوم بشكلٍ مباشر في زيادة عوامل خطر الإصابة بالسرطان، بما في ذلك زيادة الوزن، والنظام الغذائي والخمول البدني.
- توفير مكان عملٍ خالٍ من التدخين:يتسبب التبغ بـ 25% من وفيات السرطان؛ ويساعد توفير الدعم للموظفين للإقلاع عن التدخين في تخفيف هذه المخاطر. ويتوجب فرض سياسةٍ صارمة بشأن منع التدخين، من أجل حماية الموظفين من آثار التدخين السلبي التي تُعدَ عامل خطرٍ أساسي للإصابة بالسرطان.
- تقديم الدعم والرعاية الشاملة: توسيع نطاق برامج مساعدة الموظفين لتشمل الموارد المرتبطة بالسرطان؛ ويجب أيضًا إتاحة إمكانية الحصول على الاستشارات والدعم في التخطيط المالي، ودعم الموظفين المصابين خلال رحلة العلاج من السرطان.
في الختام، نضم صوتنا إلى أصوات المختصين في مجال علاج ومكافحة أمراض السرطان؛ بدعوة جميع قارئات "هي" لالتزام نمطٍ حياتي وغذائي صحي، والحرص على المشاركة في كافة النشاطات والحملات التوعوية الداعية للوقاية من مرض السرطان، خصوصًا بين جيل الشباب والشابات.
وكذلك للمحافظة على حياتهنَ، والتمتع بصحةٍ جيدة في سن الشباب ومع التقدم بالسن؛ كي تضمن كل سيدةٍ أنها محميةً من السرطان وتداعياته السلبية على صحتها الجسدية والنفسية، فضلًا عن الأعباء المالية التي يتطلبها علاج مثل هذه الأمراض.