بعد تشخيص ملك بريطانيا بالسرطان: ما الذي نعرفه عن سرطان البروستاتا الشائع عند الرجال
جاء الخبر البارحة من المملكة المتحدة كنوعٍ من الصاعقة؛ ليس فقط لمُحبَي ومؤيَدي الملكية البريطانية، وإنما للعالم أجمع.
فبعد فترةٍ من إعلان إصابة دوقة يورك سارة فيرغسون بالسرطان مرةً أخرى، وبعد التكهنات حول العملية التي خضعت لها أميرة ويلز كيت ميدلتون وعلاقتها بمرض السرطان؛ أعلن قصر باكنغهام في بيان رسمي أمس، عن إصابة الملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا بالسرطان، وذلك بعد أيامٍ قليلة من خروجه من المستشفى بعد إجراء جراحةٍ في مستشفى لندن.
وبحسب البيان الصادر عن القصر الملكي في لندن، فإن الملك تشارلز سيعمد إلى تأجيل واجباته الملكية لتلَقي العلاج. وأضاف البيان: "أثناء العملية الجراحية التي أجراها الملك مؤخرًا في المستشفى لعلاج تضخَم البروستاتا الحميد، تمت الإشارة إلى مسألةٍ منفصلة مُثيرة للقلق. حدَدت الاختبارات التشخيصية اللاحقة شكلًا من أشكال السرطان، بدأ الملك اليوم جدولًا للعلاجات المنتظمة؛ وخلال هذه الفترة نصحه الأطباء بتأجيل واجباته العامة. وطوال هذه الفترة، سيواصل القيام بأعمال الدولة والأوراق الرسمية كالمعتاد."
لم يتم تأكيد نوع السرطان الذي أُصيب به الملك تشارلز الثالث؛ لكننا اليوم نود تسليط الضوء على واحدٍ من أكثر أنواع السرطانات حدوثًا عند الرجال..
سرطان البروستاتا من الأمراض الشائعة بين الرجال، ويُعتبر السبب الرئيسي الثاني لوفيات السرطان بين الرجال في الولايات المتحدة. فيما تُشير الإحصائيات إلى أن 80% من الرجال الذين يبلغون سن 80، يعانون من سرطان البروستاتا.
للوقوف أكثر على أسباب وأعراض هذا المرض وطرق علاجه والوقاية منه، جمعنا في مقالةٍ اليوم مجموعة معلوماتٍ هامة تمَ نشرها على موقع "كليفلاند كلينك أبوظبي"؛ مع التأكيد على وجوب مراجعة الطبيب المختص في حال الشكِ بوجود إصابةٍ بهذا المرض، أو حدوث تضخمٍ في البروستاتا والتي تقوم بالأعمال التالية..
وظيفة غدة البروستاتا
البروستاتا هي غدةٌ عضلية بحجم حبة الجوز، تُحيط بجزءٍ من مجرى البول (الإحليل)؛ وهو أنبوبٌ ينقل البول والحيوانات المنوية إلى خارج الجسم.
وتتمثّل المهمة الرئيسية للبروستاتا في إنتاج السائل المنوي، وهو السائل الأبيض المسؤول عن نقل الحيوانات المنوية. ويتم إنتاج الحيوانات المنوية في الخصيتين، المسؤولتين أيضًا عن إفراز هرمون التستوستيرون الذي يُعتبر أحد أهم الهرمونات الذكرية. يُحفّز هرمون التستوستيرون نمو البروستاتا ووظائفها خلال فترة البلوغ، إلى جانب إنتاج السائل البروستاتي للسائل المنوي.
تقع البروستاتا أسفل المثانة مباشرةً أمام المستقيم؛ ونظرًا لمرور الجزء العلوي من مجرى البول عبر البروستات، وفي حال إصابة الغدّة بالتضخم، فإنه يُمكن أن تُعيق مرور البول أو السائل المنوي عبر مجرى البول.
ليس التضخم هو المشكلة الوحيدة التي تصيب غدة البروستات؛ فهناك أيضًا مرض سرطان البروستات الذي نتعرف في الجزء الثاني من المقالة على أسبابه وأعراضه..
أسباب وأعراض سرطان البروستاتا
كما ذكرنا أعلاه، فسرطان البروستاتا من الأمراض الشائعة جدًا عند الرجال؛ وهو ورمٌ خبيث، يبدأ عادةً في الجزء الخارجي من البروستات. وينمو السرطان ببطءٍ شديد لدى معظم الذكور؛ لذا فإن العديد من الرجال المصابين بهذا المرض، لن يلاحظوا أية أعراضٍ تُنذر بإصابتهم بهذا المرض. ويقتصر سرطان البروستاتا في مراحله المبكرة على إصابة غدة البروستات نفسها، ويمكن لمعظم المرضى الذين يعانون من هذا النوع من السرطان العيش لسنوات دون مواجهة أي مشاكل.
تساعد "الدرجة" و "المرحلة"، في وصف موضع سرطان البروستاتا ومدى انتشاره وتأثيره على أعضاء الجسم الأخرى؛ حيث تتحدّد مرحلة الإصابة بحجم الورم ومدى انتشاره. في المراحل المبكرة (الأولى والثانية)، تقتصر الإصابة بسرطان البروستاتا على غدة البروستات؛ أما في المرحلة الثالثة، فتكون الإصابة بهذا السرطان قد تطوّرت ووصل تأثيرها إلى الأنسجة الخارجية المُحيطة بالغدّة. أما في المرحلة الرابعة من سرطان البروستاتا، فإن المرض يكون قد انتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم.
بالنسبة لأسباب الإصابة بسرطان البروستاتا؛ فما زال السبب الرئيسي غير معروف على وجه الدقة حتى اليوم. لكن الأطباء نجحوا في التوصل إلى بعض العوامل التي لها علاقةٌ بالمرض؛ منها تزايد أعداد الرجال الأمريكيين من أصول إفريقية بالإصابة بسرطان البروستاتا، وجود تاريخٍ عائلي، ارتفاع مستويات هرمونات الذكورة المعروفة بالأندروجينات.
إضافةً لعوامل الخطر الآتية:
- العمر: وهو أكبر عامل من عوامل خطر الإصابة بسرطان البروستاتا، إذ تُشخص أكثر من 75% من حالات سرطان البروستاتا لدى الرجال ممن تزيد أعمارهم عن 65 عامًا.
- التدخين والتعرض للمواد الكيميائية أو المعادن الثقيلة مثل الكادميوم.
- عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس.
- العوامل المُعدية.
- النظام الغذائي الغني بالدهون.
- نمط الحياة الخامل وقلة الحركة.
- السُمنة وزيادة الوزن.
أما فيما يخص أعراض سرطان البروستاتا؛ فهو بطبيعته مرضٌ صامت في مراحله الأولية، وبالتالي لا تظهر أية أعراض إلا في مراحل متقدمة. حيث يُلاحظ المصابون بهذ المرض،تزايد الحاجة للتبول بشكلٍ متكرر، ولا سيما خلال الليل. كما قد يتسبب سرطان البروستاتا في صعوبة التبول أو عدم القدرة على التبول، أو تدفق البول بشكلٍ ضعيف أو متقطع أو الشعور بألمٍ أو حرقة أثناء التبول.
ومن الأعراض الأخرى لسرطان البروستاتا:
- الشعور بالألم عند القذف.
- ظهور الدم في البول أو السائل المنوي.
- نوبات ألمٍ متكررة أو تيبَسٍ في أسفل الظهر أو الوركين أو الأطراف.
طرق تشخيص سرطان البروستاتا
يمكن للطبيب المختص، ومن خلال الفحص البدني وقياس مستوى المستضد النوعي للبروستات (PSA) في الدم، تشخيص الإصابة بأورام البروستاتا. كما يمكن أن يتبع ذلك إجراء خزعةٍ مُوجهة بالموجات فوق الصوتية عبر المستقيم (TRUS). ويتضمن علاج أورام البروستاتا عادةً، استئصال هذه الغدة في عمليةٍ جراحية لإزالتها.ويمكن إجراء عملية الاستئصال الجذري لإزالة البروستاتا والحويصلات المنوية إذا انتشر السرطان، بالإضافة إلى إمكانية إعطاء العلاج الإشعاعي الخارجي.
خلال السنوات الأخيرة، تطورت طرق تشخيص سرطان البروستاتا بشكلٍ ملفت؛ ويعود الفضل في ذلك للتقدم في تقنيات التصوير التي سمحت بإجراء خزعاتٍ أكثر استهدافًا.فضلًا عن ظهور علاجاتٍ جديدة، بما في ذلك العلاج الإشعاعي المتقدم والعلاج بالنوكليوتيدات المشعة والجيل التالي من العلاج الهرموني.
تُسهم العلاجات المتقدمة في العديد من المستشفيات حول العالم، ومنها مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي" في تحسين إمكانات تشخيص المرضى الذين يعانون من سرطان البروستاتا المتقدم، وإطالة أعمارهم قدر الإمكان.
الخيارات المتاحة لعلاج سرطان البروستاتا
يتم وضع خطط علاج هذا النوع من السرطان من قبل الأطباء المختصين، حسب احتياجات مرضاهم؛ وذلك بالنظر إلى نوع السرطان، مرحلته، عمر المصاب وصحته العامة، ودرجة انتشار السرطان.
ويبدأ العلاج من خلال الملاحظة أو المراقبة؛ وهو إجراءٌ متَبع عند المصابين بسرطان درجة خطورته منخفضة. بالإضافة إلى عمليات علاجٍ تتركز على الشكل التالي:
- استئصال البروستات بالمنظار: وهي عمليةٌ ذات تدخل جراحي محدود لاستئصال البروستات بالمنظار تُزال من خلالها غدة البروستات. وعلى عكس الجراحة التقليدية، يتطلب استئصال البروستاتا بالمنظار إحداث خمسة شقوق جراحية صغيرة فقط يستخدم الجراح من خلالها منظار (كاميرا صغيرة) وأدواتٍ جراحية لإجراء العملية وإزالة البروستات.
- استئصال البروستات بالروبوت الطبي: وفيها يستخدم الجراحون أذرعًا روبوتية لتوجيه المنظار من خلال شقوق جراحية صغيرة لإزالة البروستاتا المصابة بالسرطان والأنسجة المحيطة بها المصابة.
- استئصال البروستاتا بالجراحة المفتوحة: تُتيح هذه الجراحة استئصال البروستاتا بأكملها، من خلال إحداث شقٍ جراحي أسفل البطن. وبما أن البروستاتا تلتف حول مجرى البول، فإنه يتعين على الجرَاح إعادة توصيل المثانة بمجرى البول بمجرد إزالة البروستاتا.
- العلاج الإشعاعي: يستخدم أشعةً عالية الطاقة للقضاء على الخلايا السرطانية وتقليص حجم الأورام.
- المعالجة الإشعاعية داخل الجسم (زرع البذور الإشعاعية):وهي شكلٌ من أشكال العلاج الإشعاعي، يقوم خلاله أخصائي الأورام الإشعاعي والمسالك البولية بزرع الكريات المشعة أو "البذور" النشطة إشعاعيًا في البروستاتا، لتبَث الكريات إشعاعاتها إلى البروستاتا والأنسجة المحيطة بها بمرور الوقت.
- العلاج الإشعاعي المعدل: وهو شكلٌ متقدم من أشكال العلاج الإشعاعي، أسهم في اختصار وتقليص مدة علاج سرطان البروستاتا بواقع عدّة أسابيع. وبالاستعانة بجهاز الكمبيوتر للتوجيه، يمكن توصيل جرعاتٍ عالية من العلاج الإشعاعي للورم بدقة، ما يُخفَض خطر إلحاق الضرر بالأنسجة الطبيعية السليمة.
- الاستئصال بتجميد الأنسجة:ويتم عن طريق إدخال مجساتٍ صغيرة على شكل إبرةٍ في البروستاتا، لتجميد الغدة إلى درجات برودةٍ قاتلة لسرطان البروستاتا.
- العلاج بالهرمونات: علاجٌ يعمل على تغيير توازن مستويات الهرمونات في الجسم للوقاية من نمو أنواعٍ محددة من السرطان.
- العلاج الكيميائي: ينطوي على استخدام الأدوية للقضاء على الخلايا السرطانية؛ ويمكن أخذ العلاج الكيميائي عن طريق الفم أو حقنه عبر الوريد.
مع الإشارة إلى أن 89% من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا والخاضعين لواحدٍ أو اكثر من العلاجات المذكورة آنفًا، قد يعيشون لمدة 5 أعوام على الأقل، في حين أن 63% منهم يعيشون لمدة 10 أعوام أو أكثر. وكون سرطان البروستاتا مرضٌ بطيء النمو، فإن وفاة الكثير من الرجال المصابين بهذا المرض تُعزى لأسبابٍ أخرى. وتُشير الدلائل أيضًا إلى أن العديد من المرضى يكتشفون إصابتهم بسرطان البروستاتا في مرحلةٍ قابلةٍ للشفاء،بفضل التزامهم بإجراء الفحص السنوي.
خلاصة القول، أن سرطان البروستاتا وبالرغم من كونه مرضٌ شائع عند الرجال؛ إلا أنه لا يعني بالضرورة إصابة جميع الرجال به. ويمكن الوقاية من هذا المرض أو علاجه في مراحل مبكرة، من خلال الالتزم بالفحص السنوي لغدة البروستاتا؛ مع وجوب اتباع نمطٍ غذائي وحياتي صحي، يساعد في الوقاية من تداعيات هذا المرض بصورةٍ أكثر فاعلية.