يساهم في معرفة التهديدات مسبقًا.. تطوير العلاج المناعي للسرطان باستخدام الذكاء الاصطناعي
السرطان مصطلحٌ عام، يشمل مجموعةً كبيرة من الأمراض التي يمكن أن تُصيب أي جزءٍ من الجسم، بالإضافة إلى مصطلحاتٍ أخرى مُستخدمة لشرح هذه المشكلة الصحية، منهاالأورام الخبيثة والتنشُّؤات. ويمتاز السرطان بميزة التولّد السريع لخلايا شاذة، تنمو خارج نطاق حدودها المعتادة، ويمكنها غزو أجزاءٍ مجاورة من الجسم والانتشار في أعضاء أخرى منه؛ وتُطلق على العملية الأخيرة تسمية النقيلة، وتُمثَل النقائل المنتشرة على نطاقٍ واسع أهم أسباب الوفاة من جراء السرطان.
للأسف، يُعدَ السرطان من أهم أسباب الوفاة حول العالم؛ وقد حصد أرواح 10 ملايين شخص في العام 2020 بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. لكن الكشف المبكر عن السرطان، والمتابعة الدورية للعلاجات المعتمدة لكل نوعٍ من أنواع السرطان، يُسهمان بشكلٍ كبير وفعال في إطالة عمر المصابين بالسرطان، وحتى الشفاء من عدة أنواعٍ منه.
يمكن علاج السرطان عن طريق الجراحة، العلاج الكيميائي، العلاج الإشعاعي، والعلاج المناعي؛ أو العلاج باستخدام الأجسام المُضادة وحيدة النسيلة أو وسائل أخرى. ويعتمد اختيار العلاج على مكان ودرجة الورم ومرحلة المرض، فضلًا عن الحالة العامة للمريض (حالة الأداء). وهناك أيضًا عددٌ من الطرق التجريبية لعلاج السرطان قيد التطوير.
بالنسبة للعلاج المناعي للسرطان، فإنه يُعدَ العلاج البديل لأمراض السرطان؛ وهو وسيلةٌ يُستخدم فيها جهاز المناعة لدى المريض لمكافحة السرطان.تُستخدم في هذا العلاج أدويةٌ معينة، لتغيير طريقة عمل جهاز المناعة ومساعدته في العثور على الخلايا السرطانية والانقضاض عليها. لكن لا بدَ من التنويه إلى أنه لا يمكن معالجة جميع أنواع السرطان بالعلاج المناعي.
يعمل الباحثون حول العالم، على تطوير عناصر العلاج المناعي وغيره من علاجات مرض السرطان؛ بهدف تحسين جودة حياة المصابين بالمرض ومساعدتهم على التعافي. منهم باحثون في "كليفلاند كلينك أبوظبي"، عمدوا مؤخرًا على نشر نتائج دراسةٍ تُسلَط الضوء على كيفية تصميم الذكاء الاصطناعي بهدف تطوير أساليب علاجٍ مناعي أفضل. وكلنا بات يعلم اليوم، أهمية الذكاء الاصطناعي AI ودوره في العديد من مناحي الحياة، خاصةً الصحية منها.
فما هي تفاصيل هذه الدراسة، وما الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في تطوير العلاج المناعي للسرطان؟ هذا ما شاركنا به الباحثون من "كليفلاند كلينك أبوظبي".
تحديد أهدافٍ جديدة للعلاج المناعي باستخدام AI
نشر باحثون من "كليفلاند كلينك"، نظام الرعاية الصحية العالمي، وشركة "آي بي إم" (IBM)؛استراتيجيةًلتحديد أهدافٍ جديدة للعلاج المناعي باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتُعتبر هذه الدراسة الأولى التي تتم مراجعتها من قبل أخصائيين في القطاع،وذلك في إطار شراكة"تسريع الاكتشاف العلمي" (Discovery Accelerator) بين هاتين المؤسستين الرائدتين، والتي جرى تصميمها لتعزيز أبحاث الرعاية الصحية وعلوم الحياة.
وقد تعاون أفراد الفريق معًا،من أجل تطوير ذكاءٍ اصطناعي خاضع للإشراف وآخر غير خاضع للإشراف؛ وذلك بهدف كشف الخصائص الجزيئية لمُستضدات الببتيد التي تُعتبر قطعًا صغيرة من جزيئات البروتين تستخدمها الخلايا المناعية للتعرف على التهديدات. وينتمي أعضاء المشروع إلى مجموعةٍ متنوعة يقودها الدكتور تيموثي شان من "كليفلاند كلينك"؛إلى جانب الدكتور جيف ويبر، عالم أبحاث أول لدى "آي بي إم"؛ والدكتور ويندي كورنيل، مدير وقائد استراتيجية مشروع "تسريع الاكتشاف العلمي" للرعاية الصحية وعلوم الحياة.
وقال الدكتور شان، رئيس مركز العلاج المناعي العادي والمرتبط بالأورام الخبيثة الدقيقة الذي يحمل إسم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات": "لقد كانت جميع بياناتنا حول أهداف مُستضدات السرطان في الماضي تتولد من التجربة والخطأ. لكنالشراكة الآن مع ’آي بي إم‘ تتيح لنا دفع حدود الذكاء الاصطناعي وأبحاث علوم الحياة قُدمًا،نحو تغيير الطريقة التي نقوم من خلالها بتطوير وتقييم أهداف علاج السرطان."
عمل المُستضدات في استهداف الخلايا السرطانية
هذا وبحث العلماء لعقودٍ من الزمن، كيفية تحديد المُستضدات واستخدامها من أجل استهداف الخلايا السرطانية أو الخلايا المُصابة بالفيروسات. ولطالما كانت هذه المهمة صعبةً بسبب تفاعل مُستضدات الببتيد مع الخلايا المناعية، بناءً على بعض الخصائص المحددة الموجودة على سطح الخلايا، وهي العملية التي لا تزال غير مفهومةٍ تمامًا إلى يومنا هذا. واتسمت الأبحاث في هذا السياق بالمحدودية بسبب العدد الكبير للمُتغيرات التي تؤثر على طريقة تعرَف الأجهزة المناعية على تلك الأهداف؛ فيمايُعتبر تحديد هذه المتغيرات عمليةً صعبة وتستهلك الكثير من الوقت باستخدام الحوسبة العادية، ولذلك فإن النماذج الحالية محدودة، وقد تكون في بعض الأحيان غير دقيقة.
تفاصيل الدراسة
بالعودة إلى الدراسة الواعدة، والتي تمَ نشرها في مجلة "ملخصات في المعلوماتية الحيوية" (Briefings in Bioinformatics)؛ فقد خَلُصَت إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي التي تأخذ بالاعتبار تغيرات الشكل الجزيئي بمرور الوقت، يمكنها أن تقدَم تصورًا دقيقًا حول كيفية تعرَف أجهزة المناعة على مُستضدِ مُستهدف. ويمكن للباحثين من خلال هذه النماذج، تحديد الإجراءات المهمة الواجب استهدافها بأساليب العلاج المناعي، مثل اللقاحات والخلايا المناعية التي تمت هندستها. كما بإمكان الباحثين، إدراج هذه المعلومات في نماذج ذكاءٍ اصطناعي أخرى مستقبلًا، من أجل تحديد أهداف علاجٍ مناعي أكثر فعالية.
من جانبه، علَق الدكتور ويبر على نتائج الدراسة بالقول: "تُعتبر هذه الاكتشافات مثالًا على نجاح هذه الشراكة التي تجمع بين مصادر الحوسبة المتطورة لشركة ’آي بي إم‘ من جهة وخبرة كليفلاند كلينك العميقة في مجال الطب. لقد تمَ التوصل إلى هذه النتائج من خلال التعاون الرئيسي بين جميع الأطراف من الخبراء العالميين في العلاج المناعي للسرطان وخبراء الذكاء الاصطناعي والمحاكاة القائمة على الفيزياء لدينا، إذ يتمتع التعاون عند جمعه بالابتكار بإمكانيات هائلة."
وكانت كليفلاند كلينك و"آي بي إم" قد أطلقتا شراكة "تسريع الاكتشاف العلمي" (Discovery Accelerator) في عام 2021، وهي تُركَز على تسريع وتيرة الأبحاث الطبية الحيوية عبر استخدام الحوسبة عالية الأداء، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية.
في الختام، لا يسعنا سوى التمنَي بقرب توصَل العلماء والأطباء، لدواءٍ ناجع ونهائي يُنقذ حياة الملايين من الناس حول العالم من براثن السرطان الفتاكة. وما هذه الدراسة وغيرها المئات من الدراسات المشابهة، إلا خطوةٌ ثمينة في ظل المسير الطويل الذي يخطوه العلم والطب نحو عالمٍ شبه خالٍ من الأمراض، عالمٍ تكون فيه جودة الحياة ورفاهية الناس أولى الأولويات.