رحلة الهواء: فهمٌ أعمق لأهمية وظيفة الرئتين في الجسم

شهيقٌ قوي، يمتلأ الصدر والرئتين بالهواء، ثم زفيرٌ خفيف إنما مريح؛ هكذا هي عملية التنفس التي يقوم بها الإنسان لمراتٍ كثيرة لا تًحصى خلال النهار والليل، أثناء العمل والحركة والتكلم، حتى عند الراحة والنوم.

عملية التنفس ليست بالأمر السهل شرحه، هي معجزةٌ حقيقية أثنى الله تعالى بها على مخلوقاته جميعًا، من بشر وحيوانات وحتى نباتات؛ كي تبقى الحياة تدبَ في أجسامنا وأرواحنا، وتمنحنا الفرصة مع كل نفسٍ جديد للبقاء على قيد الحياة.

رحلة الهواء

تُعتبر الرئتان من الأعضاء الحيوية الرئيسية في جسم الإنسان، والتي لا يمكن أبدًا العيش بدونهما؛ فهما تتوليان مسؤولية تبادل الهواء بين الجسم والبيئة الخارجية المحيطة، لتزويد الأكسجين لشتى أعضاء وخلايا الجسم وطرح ثنائي أوكسيد الكربون. وهناك العديد من الأمراض التي تؤدي لتدهور وظائف الرئة وتؤثر سلبًا على نوعية حياة المصاب، في حين تُلحق أنماط الحياة السيئة مثل التدخين والحالات الصحية الأخرى مثل السُمنة، ضررًا كبيرًابالرئتين.

لذا ولفهمٍ أعمق لرحلة الهواء هذه وأهمية الرئتين في جسم الإنسان؛ تحدث إلينا الدكتور ياسر مدني،استشاري أمراض الرئة في مستشفى هيلث بوينت، لإطلاعنا على المزيد من المعلومات حول وظائف الرئتين وأبرز الأمراض التي تصيبهما وسُبل الحفاظ على صحتهما.

أهمية وظائف الرئتين

أوضح الدكتور ياسر مدنيأن كل خليةٍ في جسم الإنسان، تحتاج إلى الأكسجين لتعيش. وباعتبار أن الهواء الذي نقوم بتنفسه يحتوي على الأكسجين، فإن المهمة الرئيسية للجهاز التنفسي تتمثل بنقل الهواء النقي إلى الرئتين اللتين تقومان باستخلاص الأكسجين منه ونقله إلى مجرى الدم لحمله لباقي أعضاء الجسم. وأثناء هذه العملية، يحدث تبادلٌ بين غازي الأكسجينوثاني أوكسيد الكربون، ليخرج الأخير مع عملية الزفير التي نقوم بها تباعًا.

وبالإضافة إلى تبادل الغازات في الرئتين، يقوم الجهاز التنفسي عمومًا بأدوارٍ أخرى مهمة للتنفس، تشمل:

• إيصال الهواء إلى درجة حرارة الجسم المناسبة وترطيبه إلى المستوى المطلوب.
• حماية الجسم من المواد الضارة، ويتم ذلك عن طريق السعال أو العطاس.
• تتعرض الرئتان للهواء بشكل دائم، لذلك تلعبان دورًا وقائيًا هامًافي أجسامنا، وترتبطان بالجهاز المناعي. وكل عملية استنشاق للهواء لا تحتوي على الأكسجين فقط، بل تحمل أيضًا الجراثيم والجُسيمات الأخرى مثل الملوثات. ونتيجة لذلك، فإن تصميم الرئتين يحمي من وصول هذه الأجسام الغريبة إلى داخل الجسم.
• يتم إنتاج سائلٍ مخاطي على جدران المسالك الهوائية الصغيرة، للمساعدة في الحفاظ على نظافة الرئتين وتشحيمهما بشكلٍ جيد. ويتم تحريك هذا السائل بواسطة شُعيرات صغيرة تسمى الأهداب، والتي تُبطَن الممرات الهوائية. تتحرك هذه الأهداب ذهابًا وإيابًا لتجرف طبقةً رقيقة من المخاط من الرئتين إلى الحلقك، وتلتصق المواد غير المرغوب بها بالمخاط. وعندما يصل إلى الحلق، عادة ما يتم ابتلاعه دون أن ندرك ذلك؛ وإذا تراكم المخاط أو في حال وجود التهاب، فإن السعال يمكن أن يساعد في إزالته من الشُعب الهوائية.

أمراض الرئتين الرئيسية

في مطلع السؤال عن الأمراض الأكثر شيوعًا فيما يخص الرئتين؛ أشار الدكتور ياسر مدنيإلى أن الرئتان مُعرَضتان لأمراضٍ عديدة، منها ما يكون بسيطًا كالزكام ونزلات البرد، إلى الأمراض المعدة التي تصل إلى الأورام الخبيثة.

ومن أبرز الأمراض التي تصيب الرئتين:

• الربو.
• الاسترواح الصدري.
• مرض الانسداد الرئوي المزمن.
• تورم والتهاب في الممرات الرئيسية التي تحمل الهواء إلى الرئتين (التهاب الشُعب الهوائية).
• سرطان الرئة.
• عدوى الرئة (الالتهاب الرئوي/ ذات الرئة).
• تراكم غير طبيعي للسوائل في الرئتين (الوذمة الرئوية).
• انسداد الشريان الرئوي.
• التليف الرئوي
• انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم.

إذن، ولتجنب هذه الأمراض، ينبغي العمل بجدية وانتظام للحفاظ على صحة وسلامة الرئتين من الأمراض. وهنا يقدم لنا استشاري أمراض الرئة في مستشفى هيلث بوينت، نصائحه المهمة للحفاظ على الرئتين من المرض والسقم..

كيفية الحفاظ على صحة الرئتين

أكد الدكتور ياسر مدنيأننا جميعًا،نعرف أهمية أنماط الحياة الصحية مثل ممارسة الرياضة وتناول الغذاء الصحي والابتعاد عن التدخين بكافة أشكاله، لحماية جميع أعضاء جسمنا من الأمراض. لكن قد يكون هنالك أمور محيطةٌ بنا ولا ننتبه لها، وتؤثر سلبًا على وظائف الرئتين، مثل الإفراط في استخدام مواد التنظيف داخل المنزل، أو المبالغة في استخدام العطور والبخور؛ ناهيكِ عن انتشار الغبار والجُسيمات الدقيقة داخل البيئة المنزلية نتيجة عدم تنظيف قنوات التكييف بانتظام، أو العيش ضمن بيئةٍ ملوثة.

وغالبًا ما نُركَز على تلوث الهواء الخارج. ومع ذلك، فإن تلوث الهواء الداخلي يلعب أيضًا دورًا فيما يتعلق بصحة رئتينا. فمُلوثات الهواء الداخلية الرئيسية هي المُركَبات العضوية المتطايرة (VOCs) والجُسيمات المعلقة (PM) ومصادرها، بما يشمل التدخين، والطهي، والحرارة، والشموع، والمبيدات الحشرية؛ أما مصادر الجزيئات المتطايرة فهي الحيوانات الأليفة والأعمال المنزلية وحركات الإنسان. وتشمل مصادر المُركبات العضوية المتطايرة أيضًا المنتجات المنزلية وعوامل التنظيف والغراء ومنتجات العناية الشخصية. ومن المحتمل جدًا أن تُسبَب هذه المُركبات تهيجًا في مجرى الهواء العلوي، وأن تتسبب الجُسيمات المُعلَقة في التهاب المسالك الهوائية، مما يؤثر على وظائف الرئة.

الدراسات في هذا المجال مستمرةٌ، وهناك حاجة إلى المزيد منها، لمعرفة ما إذا كانت النتائج قابلةً للتكرار.

لذلك يمكن وبخطواتٍ بسيطة، تجنب تلك العوامل المؤثرة سلبًا على صحة الرئتين؛ مثل الالتزام بتنظيف فلاتر المكيف. وعند استخدام منتجات التنظيف المنزلية، يتعين إبقاء المنطقة مُعرَضةً لتهوية مستمرة، وفتح النوافذ والأبواب، وتجنب استخدام مواد التنظيف في مناطق صغيرة ومغلقة.

ونوّه الدكتور ياسر مدنيإلى وجود بعض التمارين البسيطة التي تساعد في تحسين وظائف الرئتين، مثل تمارين التنفس العميق المفيدة، لتحريك الهواء إلى أسفل الرئتين وزيادة القدرة الاستيعابية للرئتين، وتوسيع المجاري التنفسية وتعزيز الدورة الدموية وتدفق الدم في الرئتين، علاوةً على تقوية عضلات الصدر والحجاب الحاجز، لتحسين كفاءة عملية التنفس.

علاجات أمراض الرئة

في هذا الخصوص، أوضح الدكتور ياسر مدنيأن العلاجات المُتاحة لأمراض الرئة تعتمد على كل حالة؛ إذ قد يكون العلاج بسيطًا عبر تغييراتٍ إيجابية في أنماط الحياة، أو دوائيًا لحالاتٍ أخرى، أو جراحيًا في الحالات المتقدمة.

من العلاجات الدوائية، المضادات الحيوية ومُوسَعات القصبات وأدوية الكورتيكوستيرويد وطرد البلغم ومُثبَطات المناعة وعلاجات الأكسجين؛ في حين تشتمل خيارات أنماط الحياة العلاجية على تمارين التنفس وتغيير النظام الغذائي وممارسة الرياضة بانتظام وإعادة تأهيل الرئة. وعند الإصابة بسرطان الرئة، تضم قائمة الخيارات العلاجية المتاحة،العملياتالجراحية للاستئصال والعلاج الكيماوي والإشعاعي والعلاج المناعي والأدوية التي تستهدف الخلايا الخبيثة.

ماذا بعد تدهور صحة الرئتين؟

في بعض الحالات، قد تتدهور صحة الرئتين لحدٍ كبير يصل إلى مرحلة الفشل الرئوي الكامل؛ حيث لا تنفع مع المريض أيٌّ من الخيارات العلاجية السابقة، الأمر الذي يفرض عليه ضرورة الخضوع لعملية زراعة الرئة. وحول ذلك، أوضحالدكتور عثمان أحمد، رئيس قسم جراحة الصدر بمعهد القلب والأوعية الدموية والصدرية في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، أنه بخلاف زراعة الأعضاء في البطن مثل الكبد والكلية؛ يعتبر توافر عمليات زراعة الرئة محدودًا للغاية. وقال: "بالإضافة لوجود عددٍ قليل من مراكز زراعة الرئة حول العالم، هنالك نقصٌ حاد في عدد المتبرعين بهذا العضو، الأمر الذي يفرض على آلاف المرضى ضرورة انتظار المتبرع، وقد يفقدون حياتهم في بعض الحالات أثناء انتظارهم مع تفاقم مرضهم الرئوي."

لهذا، من المُجدي دومًا التذكير بوجوب العناية بصحة الرئتين من عمرٍ مبكر، لتجنب مضاعفات أمراض هذا العضو الحيوي في المستقبل. ويتم ذلك من خلال خطواتٍ بسيطة، تتمثل في أكلٍ صحي، ممارسة الرياضة وتمارين التنفس، الإقلاع عن التدخين وتجنب التدخين السلبي وتجنب الملوثات حولنا قدر الإمكان. كي تبقى الرئتين في أجسامنا سليمة ومعافاة، تمنحنا القدرة على التنفس بحريةٍ وراحة كي تبقى الحياة تدبَ فينا.