بين الخلايا الصحية والزومبي: هكذا تحافظين على صحتكِ مع التقدم بالسن
لو كان باستطاعة كلَ واحدٍ منا أن يعود بالزمن إلى الوراء، ما أكثر ما قد يودَ تغييره أو إرجاعه من جديد؟
أكادُ أجزمُ أن العديد من الناس يودون لو يعودون أطفالًا وشبابًا في ريعان العمر، حيث الصحة أفضل والبال أهدى ولا مسؤولياتٌ أو مآسي تعصف بهم. لكن الواقع يفرض نفسه علينا، وأقدارنا مكتوبةٌ بين طفولةٍ لعوبة ومراهقةٍ مضطربة وشبابٍ لا رادع له، وصولًا إلى عمرٍ متقدمٍ يشوبه الكِبر والرازنة والرُشد والخوف من الشيخوخة والموت.
إن التقدم بالسن هو مرحلةٌ مصيرية ومحتومة يمرَ بها الإنسان بعد سن الخمسين، وإن كان البعض قد يشيخ قبل ذلك بسنواتٍ. ومع تقدم السن، يمكن أن تتعرض خلايا الجسم للشيخوخة، وهي حالةٌ تتوقف فيها تلك الخلايا عن النمو ولكنها تستمر في إطلاق جُزيئاتٍ التهابية وجُزيئاتٍ مُدمَرة للأنسجة. عندما يكون المرء صغيرًا في السن، يستجيب الجهاز المناعي لديه ويعمد للتخلص من الخلايا الهَرِمة، والتي يُشار إليها غالبًا باسم الخلايا الزُومبي. ومع ذلك، تبقى تلك الخلايا الزُومبيّ بصورةٍ أو بأخرى في الجسم، وتساهم بإصابتهبالعديد من المشاكل والأمراض الصحية المرتبطة بالعمر.
في محاولةٍ لفهم عمل هذه الخلايا بشكلٍ أفضل، قام الباحثون في "مايو كلينك" بالعمل على دراستين، بهدف تسليط الضوء على بيولوجيا خلايا الشيخوخة؛ منها دراسةٌ نُشرت في مجلة Aging Cell، حلَل من خلالها الباحثون الخلايا الزُومبي لتفسير الشيخوخة على المستوى الخلوي.
محاولاتٌ لفهم طبيعة الشيخوخة عند كبار السن
"نحن نعلمُ أن الأشخاص يتقدمون في العمر بمعدلاتٍ مختلفة، وأن العمر الزمني للشخص لا يتطابق دائمًا مع عمره البيولوجي"، تقولجينيفر سانت سوفر، الحاصلة على شهادة الدكتوراة،المؤلف الرئيسي للدراسة والمدير العلمي فيبرنامج علماء صحة السكانفي مركز روبرت دي وباتريشيا إي كيرن لعلوم تقديم الرعاية الصحية التابع لمايو كلينك. وتضيف: "لقد وجدنا أن مجموعةً من البروتينات المتنوعة التي تفرزها خلايا الزُومبي، يمكن أن تكون بمثابة مؤشراتٍ حيوية للشيخوخة، ويمكنها التنبؤ بالنتائج الصحية لدى كبار السن. ووجدنا أيضًا أن قياس هذه المؤشرات الحيوية في الدم، يمكن أن يساعد في التنبؤ بالوفيات ما بعد عمر الشخص الزمني أو جنسه أو وجود مرض مزمن."
وقد شملت الدراسة 1923 شخصًا بالغًا بعمر 65 عامًا أو أكبر، ويعانون من حالةٍ صحيةٍ واحدة، أو لا يعانون من أي حالةٍ صحية على الإطلاق. وضمت المجموعة 1066 امرأة و857 رجلاً، وكان 68% من المشاركين في الدراسة لا يعانون من أمراضٍ مزمنة و32% لديهم حالة واحدة. كما سجل الباحثون أن الحالات المُزمنة الأكثر شيوعًا في المجموعة، هي التهاب المفاصل وارتفاع الكوليستيرول وتاريخ إصابة بالسرطان.
نتائج الدراسة
توصل الباحثون إلى أن المستويات الأعلى من المؤشرات الحيوية المُحددة للشيخوخة، مثل GDF15 وVEGFA وPARC وMMP2، ارتبطت جميعها بزيادة خطر الوفاة؛ كما ارتبطت بعض هذه المؤشرات الحيوية بتطوَر الأمراض المزمنة. فعلى سبيل المثال، أظهرَ البحث أن الأشخاص المصابين بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان، لديهم مستوياتٌ أعلى من GDF15 وVEGFA.
وتبحث الدراسات الحالية في كيفية تأثير عوامل نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي والنشاط البدني والأدوية التي يبدو أنها تساعد في إزالة الخلايا الهَرِمة، على مستويات الأنشطة البدنية للمؤشرات الحيوية في الدورة الدموية.
الكشف عن ظاهرةٍ مجهولة في خلايا الزُومبي
يرى الباحث في "مايو كلينك"جواو باسوس، الحاصل على درجة الدكتوراة، والذي يدرس أيضًا بيولوجيا الشيخوخة؛ أن هدفه الرئيسي هو العمل على تعزيز الحيوية وإطالة الصحة - وهي فترة الحياة الخالية من عواقب المرض والإعاقة - لدى كبار السن.
وفي دراسةٍ جديدة نُشرت في مجلة Nature، كشف باسوس، بالتعاون مع باحثة ما بعد الدكتوراه ستيلا فيكتوريلي، الحاصلة على درجة الدكتوراة، وفريقٍ كبير متعدد التخصصات من المتعاونين؛ في ظاهرةٍكانت مجهولة سابقًا تحدث في خلايا الزُومبي: المُتَقَدِّرات، وهي مراكز الطاقة الصغيرة داخل الخلية، مسؤولةٌ عن إنتاج الطاقة ولكنها تقوم بدورٍ حاسمٍ أيضًا عند تعرَض الخلية لأضرارٍ مفرطة. حيث يمكن للمُتقدَرات بدء آلية التدمير الذاتي المُسمَاة الموت الخلوي المُبرمَج، مما يؤدي إلى موت الخلية. وتشتهر الخلايا الهرِمة التي لا تموت، بمقاومتها لعملية الموْت الخلوي المُبرمَج. وغالبًا ما يُنظر إلى هاتين العمليتين، ألا وهما الموْت الخلوي المُبرمَج والشيخوخة، على أنهما مصيرانٍ متعارضانٍ للخلايا.
ومع ذلك، لاحظ الدكتور باسوس والدكتور فيكتوريلي والفريق بشكلٍ غير متوقع، مجموعةً صغيرة من المُتقدّرات "المارقة" تحاول بدء عملية الموت الخلوي المُبرمَج لدى الخلايا الهرِمة. وعند القيام بذلك، تُطلق هذه المُتقدّرات الحمض النووي الذي لديها في العُصارة الخلوية للخلية، بما يُشبه "الحساء" داخل الخلية. كانت المُتقدّرات ذات يومٍ بكتيريا مُستقلة، لذا فإن الخلية تعتبر الحمض النووي المُتتقدَري مادةً غريية، مما يتسبب في حدوث التهابٍ يمكن أن يؤدي إلى تلف الأنسجة ويفضي إلى المرض.
علاوةً على ذلك؛ وجد الباحثون أنهم إذا أحصروا هذه العملية في الفئران التي تعادل عمرها إنسانًا يبلغ من العمر 70 عامًا، فيمكنهم تقليل التهاب الأنسجة وتعزيز صحتهم بشكل كبير، بما في ذلك تحسين قوتهم وتوازنهم وبِنية العظام.
حياةٌ صحية مع التقدم في العمر
البقاء بصحة جيدة والشعور بأنكِ في أفضل حالاتكِ أمرٌ مهم للغاية في أي سن، يشير موقع وزارة الصحة السعودية. ومع التقدم بالعمر، يواجه كلٌ مناسلسلةً من التغيرات الرئيسية في الحياة، بما في ذلك التغيرات الوظيفية، التقاعد، فقدان الأحبة، والتغيرات الجسدية؛ لذا فإن التعامل السليم مع هذه التغيرات يُعدَ مفتاح البقاء بصحةٍ جيدة.
للحفاظ على صحة الجسم والعقل مع التقدم بالسن، إليكِ بعض النصائح المهمة التي أوردها موقع "الطبي" على الشكل التالي:
-
تعلَم كيفية التأقلم مع التغيرات
من الضروري التعامل بمرونةٍ كبيرة وقدرة فائقة مع المتغيرات والتحديات التي سوف نواجهها مع التقدم في العمر، وتقبَل الفترات الحزينة والمتوترة تمامًا كالفرح بالأوقات الممتعة والسعيدة. وينصحكِ الخبراء بالتركيز على الأشياء التي تُشعركِ بالامتنان، الاعتراف بالمشاعر والتعبير عنها وعدم كبتها خاصةً مشاعر الاكتئاب والغضب، تقبَل الأشياء التي لا يمكنكِ تغييرها، والتركيز على الأشياء التي يمكن التحكم بها ومنها طريقة التعامل مع المشاكل. فضلًا عن النظر إلى الجانب الإيجابي لكل الأمور والتغيرات التي تحدث في حياة الفرد والاستفادة منها لتقوية ذاتكِ وتحسينها.
-
عدم إهمال النفس وصحتها
لا تتركي مسألة الفحوصات لحين الشعور بالمرض والألم؛ من الضروري المحافظة على روتين الفحص الطبي خاصةً مع تقدمكِ بالسن. فزيارة الطبيب من حينٍ لآخر، يمنحكِالفرصة لاكتشاف المشكلات الصحية في وقت مبكر، ما يساعد على علاجها سريعاً وقبل تفاقمها.ويعتمد عدد المرات التي يُنصح بها لزيارة الطبيب على العمر، ونمط الحياة (الغذائي والحركي)، التاريخ المرضي للعائلة ووجود أية أمراض تعانين منها.
-
البحث عن معنى للحياة
لا يكفي أن نعيش لنأكلُ ونشرب وننام ونقوم بوظائفنا ومهامنا اليومية، بل يجب أن نتعلم كيف نحيا؛ ويكون ذلك من خلال البحث عن معنى للحياة وممارسته بالشكل الصحيح. سواءٌ من خلال تعلَم أشياء جديدة، ممارسة الهوايات التي نحب، إشغال الوقت والنفس بأمورٍ مهمة مثل السفر والتواصل مع الآخرين، وعدم التفكير بالأشياء والأشخاص الذين فقدناهم بل التركيز على الأمور والأفراد الذين يحيطون بنا والاستمتاع بهم ومعهم قدر الإمكان.
-
الحفاظ على نمط حياةٍ صحي
يرتكز في المقام الأول على تناول الأكل الصحي، الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، تقليل التوتر والضغط النفسي قدر الإمكان، شرب الماء بكثرة، ممارسة تمارين الاسترخاء كالتنفس واليوغا وغيرها، فضلًا عن ممارسة الرياضة والنشاط البدني وعدم الاستسلام لفكرة أننا نتقدم في السن ولا نستطيع الحركة.
-
الحفاظ على نشاط العقل
لا يشيخ الجسم فقط، بل العقل أيضًا عرضةً للشيخوخة والضعف خاصةً مع التقدم بالسن. لذا حافظي على نشاط عقلكِ من خلال إشغاله بالنشاطات التحفيزية مثل القراءة، الكتابة، حل الألغاز والكلمات المتقاطعة. كما أن محاولة إنجاز الأعمال اليومية بطريقةٍ جديدة كل يوم، كسلوك طريق مختلف للعمل أو متجر البقالة، أو القيام بتنظيف الأسنان بيد مختلفة، يمكن أن يساعد على إنشاء مسارات جديدة في الدماغ وبالتالي تنشيط عمله والوقاية من أمراضه المختلفة كالخرف والزهايمر.
-
التقليل من مستوى التوتر.
في الختام، فإن العمر واحد يمكن لنا أن نحياه بعبثية أو أن ندرك أهمية التقدم بالسن بحكمة؛ وذلك من خلال ممارسة النمط الحياتي والغذائي الصحيين، وتعلَم كيفية الاستفادة من تلك السنوات التي تتراكم في حياتنا، واستخدامها بصورةٍ حكيمة كي لا تشيخ أجسامنا وأنفسنا وعقولنا قبل وقتها.