مراقبة صحة القلب طوال الحياة أحدها: طرق تقليل مخاطر مرض القلب الخُلقي
هناك العديد من الأطفال حول العالم، ربما بالملايين، ممن يُولدون بعيبٍ خُلقي في القلب. بعض عيوب القلب الخُلقية التي تصيب الأطفال تكون بسيطةً ولا تحتاج إلى علاج؛ بينما تكون عيوب القلب الخُلقية الأخرى التي تصيب الأطفال أكثر تعقيدًا، وقد تحتاج إلى إجراء عدة جراحاتٍ على مدى سنوات عديدة.
هناك العديد من عيوب القلب الخُلقية، التي يمكن لبعضها أن يتسبب بمضاعفاتٍ خطيرة مثل فشل عضلة القلب؛ والمعروف أن هذه العضلة تعمل على ضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم من خلال الانقباض اللإرادي للعضلة، كما تلعب العضلات الملساء في الشرايين والأوردة دورًا هامًا في دوران الدم حول الجسم. وبالتالي فإن أي ضعفٍ أو فشلٍ في عمل هذه العضلة، قد يترتيب عليه تداعياتٌ خطيرة مُهددة للحياة.
ويُشكّل فشل عضلة القلب مصدر قلقٍ صحي، ربما يكون مُلحًا بصورةٍ خاصة للبالغين الشباب المصابين بمرض القلب الخُلقي (ACHD) الذي يتم تجاهله وعدم التعامل معه بجديةٍ في كثير من الأحيان، برغم استمرار تزايد عدد الحالات المحتجزة في المستشفيات بسبب هذا المرض. وتبيَن الأبحاث الصادرة من "مايو كلينك" أن البالغين الشباب في الولايات المتحدة،ممن يعيشون بمرض القلب الخُلقي، مُعرَضون بشكلٍ متزايد لخطر الوفاة أو لمضاعفات أمراض القلب والأوعية الدموية بعد احتجازهم في المستشفى للعلاج من فشل عضلة القلب. ومع ذلك، تُظهر بيانات الدراسة المنشورة في مجلة جمعية القلب الأمريكية أيضًا، أن المرضى الذين كانوا يتلقون مؤخرًا رعاية طبية لأمراض القلب قبل احتجازهم في المستشفى لتلقي علاج فشل عضلة القلب، كانوا أقل عُرضةً للوفاة.
الحاجة ضرورية لطلب استشارة الأخصائيين
ويصرَح الطبيب لوك بورتشيل، الحاصل على بكالوريوس الطب والجراحة، وطبيب أمراض القلب لدى مايو كلينك والكاتب الأول في الدراسة قائلًأ: "يصل أكثر من 85% من الأطفال المصابين بمرض القلب الخُلقي إلى سن البلوغ. ومن المحتمل أن يواجهوا المضاعفات في مرحلةٍ متأخرة، ولكن 61% من هؤلاء المرضى الأكبر من 18 عامًا لا يطلبون استشارة أخصائي أمراض القلب." ويضيف: "يكون لدى هؤلاء المرضى من البالغين الشباب حاجةٌ ماسّة لمسارات علاجٍ فردية لتحسين جودة حياتهم ومراقبة المشاكل الصحية لديهم كفشل عضلة القلب."
وكانت أبحاثٌ سابقة كشفت عن تزايد حالات احتجاز البالغين المصابين بمرض القلب الخُلقي في المستشفيات على مستوى الولايات المتحدة، بشكلٍ هائلً في الفترة بين عامي 1998 و2011. ولفهم هذا التوجه وتأثيره على المرضى وموارد المستشفيات فهمًا أفضل، استخدم الدكتور بورتشل وزملاؤه بياناتٌ وطنية لدراسة مجموعةٍ من البالغين المصابين بمرض القلب الخُلقي، والذين كانوا مُحتجزين في المستشفى لتلَقي العلاج خلال العشر سنوات الماضية بأثرٍ رجعي. وقد تزايدت نسبة الحالات المُحتجزة في المستشفيات لعلاج فشل عضلة القلب بسبب مرض القلب الخُلقي تزايدًا كبيرًا، حيث ارتفعت من 6.6% في عام 2010 إلى 14% في عام 2020.
وتبيَن إصابة 22% من بين أكثر من 26,000 حالة نادرة من مرضى القلب الخُلقي الذين اُحتجزوا في المستشفيات بفشل عضلة القلب، في حين أن 78% من الحالات لم تكن مُصابةً به. وكان المرضى الذين اُحتجزوا في المستشفى بسبب فشل عضلة القلب، أكثر عُرضةً لخطر الوفاة ولمضاعفات أمراض القلب والدماغ الخطيرة الأخرى، واستخدموا مزيدًا من موارد الرعاية الصحية؛ بما في ذلك الاحتجاز في المستشفى مرةً أخرى لتلَقي العلاج والحصول على خدمات رعاية ما بعد الحالات الطبية الحادة أكثر من غيرهم ممن اُحتجزوا في المستشفى دون إصابتهم بفشل عضلة القلب. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين زاروا عيادة أمراض القلب خلال 30 يومًا قبل احتجازهم في المستشفى تناقصت لديهم معدلات الوفاة بعد مرور 90 يومًا وبعد مرور عام.
كان مرضى القلب الخلقي الذين يعانون من فشل عضلة القلب أكثر عُرضةً بمرتين تقريبًا لاحتجازهم في المستشفى مرةً أخرى من غيرهم من المرضى الذين لا يعانون من فشل عضلة القلب؛ خاصةً أولئك الذين تقلَ أعمارهم عن 45 عامًا، بغض النظر عن نوع مرض القلب الخُلقي المصابين به. فيما طلب المرضى الأصغر سنًا أيضًا، المزيد من الرعاية الطبية أو الداعمة بعد مغادرتهم المستشفى وقبل عودتهم لمنازلهم والاعتناء بأنفسهم.
ويوضح الدكتور بورتشيل قائلًا: "يروي العديد من المرضى المصابين بمرض القلب الخُلقي وفشل عضلة القلب ممن التقيتُ بهم، قصةً مماثلة من عدم أخذ أعراض أمراض القلب التي ظهرت عليهم على محمل الجد، مما أدى إلى تأخر اكتشاف مرض فشل عضلة القلب وعلاجه. لكن الخبر السارّ هو أننا نستطيع إعادة ضبط المسار العلاجي للكثيرين منهم". ويستكمل: "تتوفر لدينا أدويةٌ جديدة لتقوية عضلة القلب وخياراتٌمُستحدثة لاستبدال صمامات القلب دون جراحة فتح الصدر، إضافةً إلى معالجاتٍ قليلة المخاطر من أجل إرجاع معدل نبضات القلب إلى وضعه الطبيعي. وهدفنا هو تحويل مسار عملنا من التركيز على فشل عضلة القلب، إلى التركيز على وظائف القلب ونجاح المريض في الشعور بتحسن والعيش حياة أطول."
كيفية التعايش مع مرض القلب الخُلقي
الحقيقة أن هذه النصائح التي سنوردها في السطور التالية، لا تشمل مرضى القلب الخُلقي فحسب، ولا مرضى القلب بالعموم؛ بل إنها تأتي بمثابة روشتة صحية لجميع الناس، لتقوية صحة قلوبهم وأبدانهم من أية أمراض خطيرة قد تلحق بهم، وليس فقط أمراض القلب.
فإذا كنتِ عزيزتي مثلنا، تطمحين لحياةٍ صحية خالية من الأمراض وتداعياتها؛ ما عليكِ سوى اتباع الخطوات البسيطة التالية التي ينصح بها خبراء الصحة في "مايو كلينك":
- الإقلاع عن التدخين: يُمثَل التدخين أحد عوامل الخطورة الرئيسية المرتبطة بأمراض القلب، وخاصةً تصلب الشرايين. ويأتي الإقلاع عن التدخين كأفضل الطرق لتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب ومضاعفاتها. وإذا كنتم بحاجة للمساعدة للإقلاع عن التدخين، ما عليكم سوى التحدثإلىالطبيب وهو سيقترح عليكم الأنسب والأنجع.
- تناول الأطعمة الصحية: إن التركيزعلى تناول المزيد من الفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة، وتقليل تناول السكر والأملاح والدهون المشبّعة، يُسهم بشكلٍ رئيسي وفعال في تحسين الصحة والتعايش مع مرض القلب الخُلقي.
- التحكم في ضغط الدم: يزيد ارتفاع ضغط الدم غير الخاضع للسيطرة من خطر الإصابة بمشكلاتٍ صحية خطيرة؛ لذا عليكِ فحص ضغط الدم كل عامين على الأقل إذا كان عمركِ 18 عامًا فأكثر. وإذا كنتِ مصابةً بعوامل خطرٍ مرتبطة بالإصابة بأمراض القلب أو كان عمركِ يزيد على 40 عامًا، فقد يتعين عليكِ إجراء فحوصاتٍ على فترات متقاربة. لا ضير من سؤال الطبيب عن قراءة مستوى ضغط الدم الأمثل بالنسبة إلى حالتكِ.
- اختبار الكوليسترول: اطلبي من الطبيب إجراء اختبار الكوليسترول الأساسي عندما تكونين في العشرينيات من العمر، ثم بعد ذلك كل 4 إلى 6 سنوات على الأقل. وقد تحتاجينلبدء إجراء الاختبارات قبل ذلك، إذا كان ارتفاع مستوى الكوليسترول متوارثًا في عائلتكِ. كما قد تحتاجينلإجراء فحوصاتٍ على فتراتٍ متقاربة، إذا لم تكن نتائج الاختبارات ضمن النطاق المطلوب، أو إذا كنتِ مصابةً بعوامل خطر مرتبطة بالإصابة بأمراض القلب.
- السيطرة على داء السكري: إذا كنتِ عزيزتي مصابةً بداء السكري، فمن الممكن أن تساعدكِ السيطرة الدقيقة على نسبة السكر في الدم، على تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
- ممارسة الرياضة: تساعدكِ الأنشطة البدنية للوصول إلى وزنٍ صحي والثبات عليه. وتُسهم ممارسة الرياضة بانتظام في السيطرة على داء السكري وارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم، وكل عوامل الخطورة الأخرى المرتبطة بأمراض القلب. وبعد الحصول على موافقة الطبيب، يمكنكِ تخصيص 30 إلى 60 دقيقة من الأنشطة البدنية معظم أيام الأسبوع،لذا استشيري الطبيب حول أنواع التمارين الأفضل لكِ والقدر المناسب لممارستها.
- الحفاظ على وزنٍ صحي: تزداد خطورة الإصابة بأمراض القلب مع زيادة الوزن. لذا من الأفضل التحدث إلى الطبيب لوضع أهدافٍ واقعية لمؤشر كتلة الجسم والوزن.
- إدارة التوتر: ابحثي عن كافة الطرق لمساعدتكِ على تخفيف التوتر العاطفي. وتشتمل بعض هذهالطرق، تخفيف التوتر والسيطرة عليه من خلال ممارسة الرياضة بمعدلٍ أكبر، التدرب على التركيز الذهني، والتواصل مع الآخرين في مجموعات الدعم. وفي حال كنتِ مصابةً بالقلق أو الاكتئاب، يُفضَل استشارة الطبيب حول الاستراتيجيات التي قد تساعدكِ في هذا الصدد.
- الالتزام بعادات النظافة الصحيحة: احرصي على غسل يديكِ بانتظام وغسل أسنانكِ بالفرشاة وتنظيفها بالخيط، للحفاظ على صحتكِ.
- الالتزام بعادات النوم الصحية:إذ يزيد سوء النوم من خطر الإصابة بأمراض القلب والحالات المَرضية المُزمنة الأخرى. ويجب على البالغين الحرص على النوم من 7 إلى 9 ساعات يوميًا، فيما يحتاج الأطفال غالبًا إلى عدد ساعات نومٍ أكثر. احرصي على النوم والاستيقاظ في الوقت ذاته كل يوم، حتى في العطلات الأسبوعية؛ وإذا واجهتِ مشكلة في النوم، تحدثي إلى الطبيب حول الإستراتيجيات التي قد تساعدكِ لعلاج هذه المشكلة.
في الختام، فإن أمراض القلب الخُلقية لا يمكن منعها في كثيرٍ من الحالات؛ لكن الانتظام في نمط حياةٍ صحي يتضمن الأكل الجيد والوزن الصحي وممارسة الرياضة وجودة النوم وقلة التوتر، كلها أمورٌ تساعد المصابين بهذه الأمراض، والأصحاء أيضًا، على التعايش مع المرض وتحسين صحتهم على الدوام.