الأكل الحدسي: 10 مبادئ تساعدكِ في الوصول إلى علاقةٍ صحية مع الطعام
منذ صغرنا ونحن نسمعُ أن السُمنة والوزن الزائد، يرتبطان بشكلٍ كبير ووثيق بتدهور الصحة العامة وتشوه شكل الجسم وما يُسبَبه ذلك من حرجٍ اجتماعي وضغطٍ نفسي. والحقيقة أن العلاقة غير السوية، التي تجمع بيننا وبين الأكل، خوفًا من الوصول إلى هذه النتيجة المرهقة من زيادة الوزن، جعلت الكثير منا يكره تناول الطعام تجنبًا للإصابة بالسُمنة.
لكن ما لا يدركه كثيرون، هو أن الأكل ضروري لنمو وبقاء الأجسام والعقول والنواحي النفسية المختلفة، وأن الفرق بسيط بين حاجتنا لتناول الطعام لتعزيز هذه الاحتياجات وبين الأكل دون تفكير أوحاجة.
من هنا يأتي مبدأ "الأكل الحدسي" الذي يُشجع الكثير من خبراء الصحة والتغذية على اتباعه والالتزام؛ كونه المبدأ الأفضل لتحسين علاقتنا مع الأكل بدايةً، ومن ثم التخلص نهائيًا من كافة القيود والقواعد التي تفرضها بعض الأنظمة الغذائية القاسية المعروفة بإسم Fad Diets، والتي تعِد بخسارةٍ سريعة وقياسية للوزن، فيما أنها تدفع بنا نحو المزيد من الأكل وعودة الوزن الذي خسرناه أضعاف ما كان في السابق.
الكل يحلم بجسمٍ رشيق وممشوق، والتمتع بوزنٍ مثالي وصحي؛ لكن قلةً يدركون أن تحقيق هذا الحلم، لا يتم من خلال اتباع حميات غير معقولة أو اللجوء لعلاجاتٍ سريعة مثل أبر إنقاص الوزن أو الجراحات التي لا تتم إلا ضمن شروطٍ معينة ولحالات محددة. لهذا بات من الضروري العودة للصواب من جديد، واتباع بعض الطرق العقلانية في توطيد علاقتنا بالأكل وحبنا لأجسامنا من جديد؛ ويأتي الأكل الحدسي ضمن هذه الطرق.
فما هو تعريف الأكل الحدسي، ما مدى فعاليته في تحسين مظهرنا الخارجي دون تشويه الداخل، وهل من مضاعفاتٍ له في حال سوء استخدامه؟ هذا ما سوف نتعرف عليه سويًا وبالتفصيل، بناءً على معلومات حصلنا عليها من مقالة مُعدَة من قبل كورين ميلر، كاتبة مستقلة متخصصة في الصحة العامة والصحة الجنسية والعلاقات واتجاهات نمط الحياة؛ وأوليفيا لوبينو وهي مساعدة تحرير في مجلة صحة المرأة حيث تغطي الصحة واللياقة البدنية، منشورة على موقعwomenshealthmag.com بعنوان
What Is Intuitive Eating? 10 Principles To Help You Have A Healthier Relationship With Food في حال أردتِ قراءة المقال باللغة الإنجليزية.
ما هو الأكل الحدسي؟
بحسب خبراء التغذية، فإن الأكل الحدسي ليس نظامًا غذائيًا على الرغم من أنه يُقدَم للناس على هذا النحو. وتقول كريستي هاريسون، مستشارة الأكل الحدسي المعتمدة أنه "ممارسةٌ وإطار لمساعدة الناس على العودة إلى التواصل مع أجسادهم". الهدف من تعريف الأكل الحدسي هو مساعدتكِ على اكتشاف علاقة سلميةٍ وسهلة مع الطعام، وهناك 10 مبادئ يجب اتباعها والتي يمكن أن تجعل العملية أسهل.
الهدف من الأكل الحدسي ليس فقط خسارة الوزن أو زيادته حسب الرغبة مع مرور السنوات، وإنما وضع حد لهذه النظرية واتباع علاقةٍ صحية مع الأكل حسب الحاجة. وقد تمت صياغة هذا المصطلح لأول مرة في عام 1995 من قبل إيفلين تريبول، وإليز ريش، في كتابهما "الأكل الحدسي: برنامجٌ ثوري يعمل". وكما يوحي الاسم، فإن الأكل الحدسي يتمركز بشكلٍ أساسي حول اتباع حدسكِ لتزويد جسمك بالطاقة من خلال الأكل.
أكبر الفروقات بين الأنظمة الغذائية المختلفة التي يتبَعها الناس دون هوادة، وبين الأكل الحدسي؛ هو أن الأخير يرتكز على الإشارات الداخلية للجسم بدلًا من التركيز فقط على القواعد الخارجية، كما تقول أليسا رومزي، أخصائية التغذية ومستشارة الأكل الحدسي المعتمدة. وفي حين أن خطط النظام الغذائي التقليدية قد تُركَز على السعرات الحرارية ومجموعات الطعام الفردية، فإن الأكل الحدسي يستخدم مشاعر الجوع والامتلاء والرضا ومعرفة الجسم، لإملاء خيارات الأكل في أي وقت.
ومع ذلك، قد يكون الحديث عن تلبية احتياجات جسمكِ أسهل من الفعل؛تُعلَق أخصائية التغذية كارين أنسل قائلةً: "لقد وُلدنا جميعًا ونحن نعرف كيفية الاستماع إلى إشارات الجوع والشبع التي تُصدرها أجسامنا؛ ولكن مع تقدمنا في السن، يضعف حدسنا الطبيعي على العديد من المستويات".
تشرح هاريسون ماهية الأكل الحدسي بالقول: "إنه ليس وسيلةٍ لإنقاص الوزن، على الرغم من أن العديد من الناس يُسوَقون له على هذا النحو، وهو ما لا يتوافق مع الروح الفعلية للأكل الحدسي". وفي حين أن وزنكِ يمكن أن يتغير عند تجربة هذا النهج (سواء من خلال الخسارة أو الاكتساب)، فإن الأكل الحدسي يتمحور أكثر حول العلاقة التي تربطكِ بالطعام ويُمكّنك من فهم احتياجات جسمكِ واحترامها.
ما هي فوائد الأكل الحدسي؟
بالنظر إلى شروحات العديد من خبراء التغذية والصحة وتشجيعهم على اتباع الأكل الحدسي، فإن المرء سيبحث بالطبع عن فوائد هذا النهج؛ وهو ما جمعته كلًا من ميلر ولوبينو في المقالة المذكورة بداية الموضوع.
فوائد الأكل الحدسي، والتي يمكن أن تكون مفيدةً بشكلٍ خاص لأولئك الذين يعانون من ضغوطات النظام الغذائي، أو الأشخاص الذين يتعافون من اضطرابات الأكل، أو أولئك الذين يعانون من أمراضٍ مزمنة وفقًا لهاريسون؛ تشمل ما يلي:
- الوعي أكثر حول إشارات الجوع والامتلاء.
- الشعور بالقدرة على تناول الأطعمة التي تستمتعين بها.
- يسمح لكِ بتغذية جسمكِ بالكامل، ما يجعلكِ أكثر صحة جسديًا ونفسيًا.
- من غير المرجح أن تتورطي في متاهة الإفراط في التقييد، لأنه لا يوجد أطعمة مُقيدة أو محظورة في هذا النهج.
- تصبحينأكثر درايةً بالعلاقة العاطفية التي تربطكِ بالطعام.
- يستهلك الطعام قدرًا أقل من المساحة الذهنية، ما يفتح لكِ المجال للاستمتاع بأجزاء أخرى من الحياة.
- إنه ترياقٌ صحي لثقافة النظام الغذائي المُحدد (والضغوط والقلق والأحكام التي تُسبَبها).
هل من مخاطر للأكل الحدسي؟
الحقيقة أن فوائد هذا النهج تتفوق على سلبياته أو مخاطره، لكن لا بد من الحصول على المعلومات الصحيحة والدعم الكافي أثناء اتباعكِ له كما تُشدَد هاريسون. مشيرةً إلى أن أحد الاعتبارات المحتملة التي يجب أخذها في الحسبان، هوأن الأشخاص الذين تمَ تشخيصهم بحساسية الطعام أو مرض الاضطرابات الهضمية أو مرض السكري، قد يكون لديهم أطعمة يجب عليهم تقييدها، ويحتاجون إلى التفكير بعنايةٍ أكبر فيما يأكلونه.
بالإضافة إلى ذلك، قد يحتاج الأفراد الذين يتعافون من اضطرابات الأكل أيضًا إلى إرشاداتٍ أكثر تخصيصًا عندما يتعلق الأمر بتناول الطعام بشكلٍ حدسي.
وفي جميع هذه الحالات، عليكِ العمل مع اختصاصي تغذية متخصص في الأكل الحدسي إذا أمكن، كما توصي هاريسون.
ما هي مبادئ الأكل الحدسي؟
لا بد من التذكير مجددًا، بأن المبادئ التالية التي وضعها مختصون في منهج الأكل الحدسي؛ تهدف إلى أن تكون مرنة ولا تتعلق باتباع مجموعةٍ معينة من القواعد الصارمة، كما هي الحال مع مختلف الأنظمة الغذائية الشائعة. والهدف من هذه المبادئ، وفقًا لمستشارة الأكل الحدسي كريستي هاريسون، هو مساعدة الأفراد على الاستماع جيدًا لإشاراتهم الجسدية فيما يتعلق بالجوع والحاجة لتناول الطعام، وضبط ثقافة النظام الغذائي قدر المستطاع.
ووفقًا للموقع الرسمي للأكل الحدسي www.intuitiveeating.org، تشمل المبادئ الخاصة بهذا النهج الآتي:
1-رفض عقلية النظام الغذائي
بحسب هاريسون، فإن ثقافة النظام الغذائي "تُشوَه سمعة بعض الأطعمة وترفع من شأن أخرى، وتشجع على فقدان الوزن كوسيلةٍ للوصول إلى مكانة أعلى، تُقدِس النحافة وتساويها بالفضيلة الأخلاقية، وتُوجَه انتقاداتٍ لاذعةللأشخاص الذين لا يتطابقون مع الصورة المفترضة للصحة". إنه ببساطة، عدم تنوع الأجسام في البرامج التلفزيونية المفضلة التي نشاهد، أو المؤثرين الذين يعلنون عن شاي التخلص من السموم، على سبيل المثال.
لتبنَي الأكل البديهي بصورةٍ تامة وصحيحة، تُشجعك هاريسون على التخلي عن العقلية القائلة بأن اتباع نظام غذائي مثالي هي مسألةٌ بسيطة؛والخطوة الأولى في اتباع هذا النهج هي التخلص من الكتب والمقالات التي "تُقدم لكِ الأمل الكاذب في فقدان الوزن بسرعة وسهولة وبشكل دائم"، وفقًا لموقع الأكل الحدسي.
2. احترمي جوعكِ
يعني ذلك ببساطة، تناول وجبةٍ خفيفة عندما تكونين جائعةعوضًاعن الانتظار لتناول الوجبة التالية. إذا كنتِ تواجهين صعوبةً في ذلك، تنصحكِ هاريسون بمحاولة الالتزام بجدولٍ منتظم لتناول الطعام والحصول على المزيد من الوجبات الخفيفة على مدار اليوم. وقد يشجعك هذا العنصر أيضًا على ملاحظة ما تحسين به عندما تشعرين بالجوع (الصداع، صعوبة التركيز، الشعور بالغضب أو التعب، أو صعوبة التركيز).
3. تصالحي مع الطعام
تدور هذه الخطوة تحديدًا حول عدم "شيطنة" بعض الأطعمة على غيرها. الأكل الحدسي ليس لديه أي أطعمة محظورة أو ملذات تُشعركِ بالذنب في نهاية المطاف؛وفي بعض الأحيان، يمكن أن يؤدي تقييد الأطعمة لزيادة مشاعر الحرمان، التي تؤدي بدورها إلى الإفراط في تناول الطعام (وما يرتبط به من شعورٍ بالذنب) في وقتٍ لاحق.
4. تحدي "شرطة الطعام"
هم الأشخاص أو الجهات التي تقوم بتصنيف الأطعمة بين "جيدة" و"سيئة". قومي بإسكات تلك الأصوات داخل رأسكِ، والتي تحاول إقناعك بأن الأكل "جيد" عندما تأكلين كميةً أقل، أو أنه "سيء" عندما تتناولين وجبةً خفيفة أقل صحية عن سواها.
5. اكتشفي عامل الرضا عند الأكل
بمعنى آخر، استمتعي بما تأكلين؛ تذوقي رائحة وطعم وملمس طعامكِ. القرمشة الخفيفة للخس، الملمس البارد للآيس كريم، والشعور الدافئ بحساء الدجاج بالمعكرونة - كلها في متناولكِ لتستمتعين بها،وتذكَر أن الطعام يمكن أن يجلب لكِ المتعة أيضًا.
6. اشعري بالشبع
بالإضافة إلى الانتباه للوقت الذي تشعرين فيه بالجوع، من المهم أيضًا ملاحظة الإشارات التي تشير إلى أنك لم تعودي جائعة. إن التوقف في منتصف وجبتكِ، وسؤال نفسكِ عن مذاق الطعام، وملاحظة مدى جوعكِ في تلك اللحظة، كلها أمور يمكن أن تساعدكِ وفقًا لموقع الأكل الحدسي.
7. تعاملي مع عواطفكِ بلطف
يمكن أن تؤدي القيود الغذائية إلى فقدان السيطرة والوصول إلى ما يُشبه الأكل العاطفي، أو البحث عن تهدئة المشاعر مثل القلق والوحدة والملل والغضب من خلال الطعام. الهدف من الأكل الحدسي هو مساعدتكِ على تحديد مشاعركِ، وإيجاد طرقٍ للتعامل معها، دون الحاجة للجوء إلى تناول الطعام.
8. احترمي جسدكِ
عند ممارسة الأكل الحدسي، فإنه يتم تشجيعكِ على احترام جسمكِ بغض النظر عن حجمكِ وشكلكِ الخارجي. لا تحتاجين إلى تقليص حجمكِ لتناسبي"حجمًا معينًا"، أو تأطيرذاتكِ في شكلٍ محدد؛ اعملي على احترام نفسكِ وممارسة قبول الجسم (أو حتى حياد الجسم)، يمكن أن يساعدكِ على تطوير علاقةٍ صحية مع الطعام على المدى الطويل.
9. الحركة للشعور بالفرق
هذا صحيح، فالحركة مهمة أيضًا. إن النشاط البدني المنتظم، يتمركز حول ما تشعرين به بعد تحريكِ جسمك بدلًا من تتبَع عدد السعرات الحرارية التي تحرقين. لذا استمتعي بالطاقة التي يوفرها لك فصل الرياضة المفضل لديكِ، أو كيف يسمح المشي لمسافاتٍ طويلة لعقلكِ بالتمتع باليقظة وشحذ الأفكار.
10. احترمي صحتكِمن خلال التغذية اللطيفة
ممارسة هذا النوع من "الاحترام" تعني أنك لستِ مضطرةً لتناول الطعام بشكلٍ مثالي طوال الوقت، لتتمتعي بصحةٍ جيدة ومتوازنة. اختاري الأطعمةالمفيدة لصحتكِ–على أن يكون مذاقها رائعٌ أيضًا - لجعلكِ تشعرين بحالةٍ جيدة. وإذا كنتِ تتناولين وجبةً خفيفة أو غير صحية بين الحين والآخر، فلا تلومي نفسكِ على ذلك. لا ضير من تدليل أنفسنا أحيانًا، ليس كذلك؟ ولنتوقف عن جلد أنفسنا كلما اشتهت صنفًا معينًا من الطعام، فقط لأنه البعض قام بتصنيفه على أنه "سيء" للجميع دون استثناء.
هل من نصائح عامة للأكل الحدسي؟
بالطبع، هناك العديد من النصائح الفعالة التي يمكنكِ اتباعها أثناء الالتزام بالأكل الحدسي؛ بعضها ممتعٌ من خلال قراءة الكتب المنشورة حول هذا النهج، أو الاستماع لحلقات البودكاست التي تتحدث عنه. وتقول رومزي أن التعرف على مبادئ الأكل الحدسي، تساعدكِ بالتأكيد على بدء رحلتكِ من منظورٍ مستنير، وتضيف: "من المحتمل أنكِ كنتِتحصلينلسنواتٍ وسنوات على رسائل ثقافة النظام الغذائي المتعددة، لذا فإن إحاطة نفسكِ بالرسائل البديلة سيكون مفيدًا".
بعض المدونات الصوتية والكتب وبرامج البودكاست التي أنشأها أخصائيو التغذية والمعالجون المسجلون المعتمدون في الأكل الحدسي، والتي يمكن أن تساعدكِ بحسب رومزي، "ستساعدكِفي التخلص من الكثير من معتقداتكِ الراسخة حول الطعام وجسمكِ لبدء تطوير علاقة جديدة". وهي توصي بـ Food Psych و RD Real Talk و Nourishing Women و Love، Food podcast.
من الضروري دومًا التفكير في علاقتنا بالطعام والنظام الغذائي والوزن، تقول هاريسون؛ مشيرةً إلى أن بناء هذه الهرمية واتباعها أسهل بكثير من اتباع القواعد والقيود التي تفرضها علينا ثقافة النظام الغذائي. وقد "يعني ذلك القواعد المتعلقة بالكربوهيدرات، وما يُسمح لكِ بتناوله، وما الذي من المفترض أن تزنينه، وكيف يُفترض أن يبدو جسمكِ"، تضيف هاريسون.
في الختام، لا ضرر أبدًا ولا حرج من طلب الدعم والمساعدة في مسيركِ نحو الأكل الحدسي؛ إذ يمكن أن يُثير التنَقل بين ثقافة الطعام والنظام الغذائي مشاعر مختلطة، لذا تأكدي من أن لديكِ نظام دعم قويٍ للتنقل خلال رحلة تناول الطعام الحدسية الخاصة بكِ. وقد يشمل ذلك استشارة اختصاصي تغذية (RD أو RDN)متخصص في الأكل الحدسي بحسب رومزي، التي تقول: "يختلف كل شخص عن الآخر، ويمكن لأخصائي التغذية المعتمد في مجال الأكل الحدسي أن يساعدكِ في التغلب على التحديات والأسئلة الفريدة التي تواجهكِ فيما يتعلق بهذا النهج."