تقيس سكر الدم بانتظام ودقة: ما الذي نعرفه عن أجهزة مراقبة سكر الدم الجديدة؟
من خلال معايشتي لوالدتي التي عانت لأكثر من عشرين عامًا من السكري، ولبعضٍ من أخوتي وأخواتي الذين يعانون من هذا الداء حاليًا؛ فقد تعلمتُ أن قياس سكر الدم ضروري لمعرفة النسبة وأخذ الأدوية الموصوفة من الطبيب حسب الحاجة، فضلًا عن تناول أدوية السكري في أوقاتها المحددة.
ولتبيان نسبة السكر بالدم، ينبغي وخز الإصبع بإبرةٍ صغيرة تُدعى المِشرط ووضع نقطة دم على شريط الفحص، واستخدام جهازٍ لقراءة نتيجة الفحص الذي يُبيّن مُستوى السكر في الدم. وبجانب هذه الطريقة التقليدية لمعرفة نسبة سكر الدم، والتي استخدمها الأطباء والمرضى على حد سواء؛ ظهرت أنواعٌ جديدة لهذه المهمة، منها أجهزة مراقبة سكر الدم والتي تشهد تطوراتٍ كبيرة خلال الفترة الحالية.
ووفقًا لموقع مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي"، تُعتبر أجهزة المراقبة المستمرة لمستوى الغلوكوز في الدم أحد الطرق الآلية المعتمدة في تحديد المعلومات الخاصة بتغيّر مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري في جميع الأوقات.
وفي ظل هذه الأجهزة، يتم إدخال أجهزة استشعارٍ صغيرة (أقطابٌ كهربائية) تحت جلد المُصاب (عادةً في جدار البطن أو الذراع) بطريقةٍ سريعة وغير مؤلمة، تشبه طريقة حقن الدواء. ويتم تثبيت جهاز الاستشعار في مكانه بشريطٍ لاصق، ليقوم فيما بعد بقياس التغيرات التي تطرأ على مستويات الغلوكوز في السائل المتواجد حوله بين خلايا الجسم، ويرسل المعلومات إلى جهاز مراقبةٍ بحجم جهاز النداء الآلي، يتم تعليقه على حزام البنطال حول خصر المريض. ويقوم جهاز المراقبة بتسجيل مستويات الغلوكوز بشكلٍ تلقائي ومستمر على مدار الساعة، فيما تظهر النتائج على شاشة العرض كل بضعة دقائق. مع الإشارة إلى أنه ينبغي تغيير جهاز الاستشعار كل بضعة أيام، وفقًا لتعليمات الشركة المُصنّعة لكل جهاز.
قريبًا جدًا ومع إجازة أجهزة الرقابة الصحية في الولايات المتحدة، استخدام جهازين جديدين لقياس سكر الدم دون الحاجة للحصول على موافقة الطبيب، قد تصبح هذه الأجهزة بمتناول الملايين من الناس. فهل يمكن اعتبار هذه الأجهزة وسيلةً جديدة لتعزيز صحتنا، أم أن البيانات هي مجرد وسيلة أخرى لإلهائنا؟
قبل الخوض في هذا النقاش، فلنتعرف أكثر على أجهزة مراقبة الغلوكوز المستمرة وفوائدها على المديين القصير والطويل.
هل من السهل استخدام أجهزة مراقبة سكر الدم؟
لا بدَ للمرضى ومستخدمي أجهزة مراقبة الغلوكوز المستمرة، العلم بالحاجة لبعض الوقت لفهم الجوانب التقنية لهذه الأجهزة وتعلَم طرق استخدامها بشكلٍ صحيح. هذا ما أورده موقع مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي"، مشيرًا على سبيل المثال إلى حاجة الأفراد لتعلَم طريقة
إدخال جهاز الاستشعار بصورةٍ صحيحة؛ ضبط الجهاز حسب قراءات فحص السكر في الدم بطريقة وخز الإصبع؛ ضبط المُنبه (فيما يخص أنواع الأجهزة المُزودة بالمُنبه)؛ كيفية نقل بيانات المراقبة إلى الحاسوب (للتحليل طويل الأمد)، وكيفية الاستجابة للقراءات وتغيير خطة الرعاية الصحية بناءً على البيانات التي يتم جمعها.
ويُنبَه الموقع المختص إلى أن أجهزة مراقبة سكر الدم، لا تُغني أبدًا عن التوقف عن مراقبة السكري بطريقة وخز الأصبع، للأسباب التالية:
- تساعد على ضبط جهاز المراقبة المستمرة لنسبة الغلوكوز في الدم.
- تساعد على فحص مستوى الغلوكوز في الدم، قبل إجراء أي تغييراتٍ على خطة الرعاية الصحية، بما في ذلكأخذ جرعة تصحيحية من الأنسولين لمعالجة ارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم، وكذلك فحص مستوى الغلوكوز في الدم قبل قيادة السيارة أو القيام بأي نشاط آخر قد يُعتبر خطرًا إذا كان المريض يعاني من هبوط مستوى الغلوكوز في الدم أو أعراضه.
هل من فوائد لاستخدام أجهزة المراقبة المستمرة لمستوى الغلوكوز في الدم؟
بالتأكيد، هناك فائدةٌ من هذه الأجهزة والتي لم يتم اختراعها عبثًا؛ لكن الضروري استخدامها بشكلٍ صحيح لجني هذه الفوائد.
ويشير موقع "كليفلاند كلينك أبوظبي" إلى أن الفائدة الأكبر لاستخدام أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز في الدم، تكمن في قيامها بتزويد المريض بمعلوماتٍ حول مستوى الغلوكوز في الدم كل بضع دقائق؛ فيما تقوم الأجهزة الأحدث بعرض القراءات على شاشةٍ، ليتمكن المريض من رؤيتها بشكلٍ فعلي وليعرف فيما إذا كانت مستويات الغلوكوز مرتفعة أو منخفضة، كما تُزَوَّد بعض الأجهزة بمُنبه لتحذير المريض في حال ارتفاع أو انخفاض مستويات الغلوكوز.
تعرض بعض أجهزة مراقبة سكر الدم أيضًا، رسومًا بيانية على الشاشة لتبيان مستويات الغلوكوز التي تمَ تسجيلها خلال فترة معينة. ويمكن نقل البيانات التي يتم جمعها بواسطة جميع أنواع هذه الأجهزة إلى الحاسوب، لرسم الخطوط البيانية وإجراء مزيدٍ من الدراسات التحليلية.
ما هي أفضل الطرق لاستخدام أجهزة مراقبة سكر الدم؟
إذن، اتفقنا على أن الاستخدام الصحيح لهذه الأجهزة يُساعد في الاستفادة من مزاياها. ويمكن لهذه الأجهزة توفير المعلومات فورًا لاستخدامها في لحظتها، أو بعد وقتٍ قصير أو طويل.
نتعرف وإياكِ على هذه الفوائد على النحو التالي:
- الاستخدام الفوري للمعلومات: حيث يقوم الجهاز بعرض مستويات الغلوكوز في الدم كل بضعة دقائق، لمساعدة المريض على متابعة مستوى الغلوكوز ومعرفة الاتجاه الذي يسلكه. وبناءً على صعود أو هبوطالغلوكوز في الدم، فإن المريض سيقرر الاستجابة للقراءة نفسها بطرقٍ مختلفة. كما قد تسمح قدرة المريض على رؤية اتجاه مستويات الغلوكوز، باتخاذه إجراءاتٍ وقائية لمنع المستويات غير الطبيعية من إحداث أي مضاعفاتٍ صحية سلبية.
- استخدام المعلومات خلال وقتٍ قصير: تكمن أهمية هذه المعلومات خلال فترةٍ زمنية قصية، في تحديد وقت حدوث نوبة مُتوسطة الخطورة؛ مثل نقص السكر بالدم، وكذلك الأسباب التي أدت إليها. ويمكن لتحليل البيانات مساعدة المريض على تقييم استجابته للمشكلة ومنحه فكرةً حول كيفية الحد من حدوثها في المستقبل.
- استخدام المعلومات خلال وقتٍ طويل: يمكنكِ استخدام جهاز مراقبة مؤشر السكر بالدم أثناء النوم، وبذلك تستفيدين من المعلومات والبيانات التي تحصلين عليها خلال الليل. كما يمكن لجهاز المراقبة تحليل معلومات الغلوكوز في الدم خلال فترةٍ مُعينة من اليوم، أو على مدى عدة أيام؛ ليتسنى لكِ ضبط الغلوكوز بشكلٍ أفضل. وبناءً على نوع جهاز المراقبة المستخدم، قد يستطيع المريض مشاهدة المؤشرات المتعلقة بالاتجاه الذي يسلكه مستوى الغلوكوز على شاشة الجهاز نفسه، أو قد يحتاج لتحميل المعلومات على الحاسوب.
الاختلافات في قراءات بيانات وتحليلات أجهزة مراقبة الغلوكوز في الدم، قد تطرح العديد من التساؤلات والشكوك لدى مرضى السكري، والتي تتمحور حول:
- ماذا يحدث عادةً بعد تناول وجبات الطعام؟
- هل يتعلق الأمر بنوع الطعام، أو بالوقت، أو بموعد جرعة الأنسولين؟
- متى يحدث نقص السكر في الدم؟
- ما هو تأثير الرياضة، أو الدراسة، أو العمل، أو تناول الطعام خارج البيت على مستويات الغلوكوز؟
للحصول على إجاباتِ شافية على هذه الأسئلة وتبديد المخاوف، من الأفضل لمرضى السكري وخلال موعد الزيارة التالية مع الطبيب المختص، سؤاله وتقييم كافة البيانات التي سجلها جهاز المراقبة خلال مدةٍ معينة؛ إضافةً إلى تقديم كافة المعلومات التفصيلية حول روتين الحياة اليومية للمريض، تحديد التغيرات الضرورية للحفاظ على مستويات الغلوكوز في دم المريض ضمن الحدود المطلوبة، وطرح أي تغيراتٍ أخرى من شأنها تحسين القدرة على التعامل مع داء السكري.
ما هي عيوب أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز في الدم؟
أجهزة مراقبة سكر الدم الثورية، التي تشهد تطوراتٍ كبيرة بين الحين والآخر، لا تخلو من بعض العيوب والمشاكل التي من الضروري معرفتها، قبل اللجوء إلى مثل هذه الأجهزة.
البداية مع الكلفة الطبية، والتي تشغل بال الكثير من مرضى السكري؛ إذ لا بدَ من التأكد من أن شركة تأمينكِ الطبي تغطي كلفة هذه الأجهزة، وإلا فإنكِ قد لا تستطيعين استخدامها على المدى القصير أو الطويل. ويجب التحقق أيضًا من نوع الذي توفره شركة التأمين لديكِ فيما يتعلق بالجهاز ومستلزماته، والحرص على استبدال جهاز الاستشعار كل بضعة أيام واستبدال أجهزة المراقبة بعد فترة ستة أشهر الى سنتين حسب الشركة المُصنّعة.
لا يمكن الاستغناء عن القياس التقليدي لنسبة الغلوكوز في الدم بطريقة وخز الإصبع، فهذه الطريقة التقليدية ما زالت ضروريةً لضبط جهاز المراقبة، والتأكد من اتجاه الغلوكوز في الدم قبل القيام بأي إجراءاتٍ تصحيحية يحددها الطبيب المختص.
هناك أيضًا نقاشٌ دائر ومستمر، حول الفارق الزمني الذي يتراوح من 5-20 دقيقة والذي تُسجله أجهزة مراقبة سكر الدم المختلفة؛ وذلك لأن قراءة مستوى الغلوكوز بالدم تؤخذ من السائل الخلالي ولا تعكس تركيز سكر الدم الفعلي الموجود في عينات الدم المأخوذة من الشعيرات الدموية بطريقة وخز الإصبع التقليدية.
يُعدَ تحديد اتجاه الغلوكوز في الدم، أهم فوائد أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز، وليس هناك أهمية تُذكر للفارق الزمني عندما تكون مستويات الغلوكوز التي يمكن رؤيتها على شاشة جهاز العرض ثابتة نسبيًا. أما في حال أظهر جهاز المراقبة انخفاضًا مستمرًا في مستوى الغلوكوز بالدم على مدى وقتٍ قصيرٍ، فإنه من الأفضل لمريض السكري إجراء فحص السكر بطريقة وخز الإصبع، للكشف عن الاصابة بنقص السكر في الدم.
هل أجهزة مراقبة الغلوكوز بالدم وسيلةٌ جديدة لتحسين الصحة، أم العكس؟
لا يمكن إنكار الدور الفعال والبارز الذي تلعبه أجهزة مراقبة سكر الدم، في تحسين صحة مرضى السكري وتنبيههم إلى كيفية التعاطي الجيد والفعال مع مشكلتهم الصحية، بناءً على قراءات وبيانات هذه الأجهزة. لكن الأشخاص الأصحاء، وحتى بعض المصابين بداء السكري، قد يستخدمون تلك الأجهزة بطريقةٍ خاطئة، أو يُفرطون في استخدامها بحيث تبدأ بتشكيل خطرٍ على حياتهم لا داعي له.
وفي حين يزعم بعض الباحثين والشركات، أن أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز يمكن أن تكون ذات فائدةٍ كبيرة للشخص العادي؛ إلا أن الكثيرمن أعضاء المجتمع العلمي ما زالوا يُشكَكون في هذه النظرية، مشيرين إلى نقص الأدلة حول هذه الفوائد. منهم الدكتورة نيكولا غيس، الباحثة في جامعة أكسفورد واختصاصية التغذية، التي تقول أن الارتفاعات في نسبة الغلوكوز هي أحد أعراض مرض السكري، وليست سببًا له. مشيرةً إلىأنه "لا توجد فائدة" لهذه الأجهزة لضبط السكر في الدم للأشخاص الذين لا يعانون من مرض السكري.
وفي حديثها مع موقع "بي بي سي" عربي، أشارت غيس إلى أنه "عادةً ما تُحدد المشكلة وتخترع حلًا لإصلاحها. لكن الأمر هنا بالعكس؛ إذ يبدو كما لو أننا حصلنا على هذه التكنولوجيا، والآن علينا فقط العثور على مجموعاتٍ من الأشخاص الذين يمكننا إقناعهم بأنهم بحاجة إلى هذه التكنولوجيا."
إحدى المسائل الأساسية لعدم جدوى هذه الأجهزة مع عموم المجتمع، والتي يشير إليها الخبراء، تتمثل في صعوبة العثور على الكثير من البيانات حول أنماط السكر في الدم لدى الأشخاص غير المصابين بالسكري. وهو ما يجعل من الصعب تفسير نتائج الفرد بطريقةٍ ذات معنى. إذ يمكن أن ترتفع نسبة السكر لدى معظم الناس جراء تناول الفاكهة - وهي مجموعةٌ غذائية غنية بالفيتامينات والمواد المغذية - لكن لا يمكن اعتبار هذه النتائج سببًا للتوقف عن تناول الفواكه والاستفادة من قيمتها الغذائية العالية.
يتفق الدكتور إيثان فايس، طبيب القلب السريري بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، مع هذه النظرية؛ مشيرًا إلى وجود "أدلةٍ محدودة" على أن تتبَع مستويات الغلوكوز لدى الأشخاص غير المصابين بالسكري، يمكن أن يُحسَن صحتهم بشكلٍفعال. ويقول في هذا الصدد: "أنا على علم بالدراسات التي تُظهر أنه يمكنكِ تغيير نظامكِ الغذائي وتقليل ارتفاع الغلوكوز. لكنني لستُ على علمٍ بأي دراسات تُظهر أن تتبَع الغلوكوز يفعل في الواقع أي شيءٍ مفيد، بطريقةٍ ذات معنى، مثل تقليل خطر الإصابة بالأمراض. أعتقدُ في الغالب أن المصلين هم من يصدقون ذلك".
لكنه وبالمقابل، لم يكن على علم بأي دراساتٍ تُظهر أن أجهزة مراقبة سكر الدم المستمرة، يمكن أن تتسبب بأية أضرار. وقال فايس ومثله غيس، أن احتمال حدوث ضررٍهو أمرٌ حقيقي للغاية. وعوضًاعن التركيز على اللُبنات الأساسية للصحة ــ مثل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظامٍ غذائي غني بالمُغذيات ــ يشجعنا المتتَبعون مثل أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز للتركيز على التفاصيل الدقيقة للمقاييس غير الكاملة. وفي أسوأ الاحتمالات، يمكن أن يؤدي استخدام هذه الأجهزة من قبل الكثيرين إلى ظهور مشاكل صحية جديدة، مثل اضطراب الأكل.
وعلقت غيس على هذه المشكلة قائلةً: "أشعرُ بالقلق من أنه بدلاً من القيام بأشياء بسيطة لتحسين صحتنا، فإننا نُحوَل أوقات الوجبات إلى تجارب علمية. أشعرُ أن الناس في بعض النواحي، قد نسوا المغزى الحقيقي من الحياة."
إذن، ما الذي نفهمهه ونستخلصه من كل ما تقدم؟
أن أجهزة مراقبة سكر الدم المستمرة، له غايةٌ واضحةٌ وقوية: ألا وهي قراءة وتحليل بيانات الغلوكوز المختلفة عند مرضى السكري، لمساعدتهم وبإشراف الطبيب المختص، على إدارة مرضهم بشكلٍ فعال وصحيح. وأن استخدام هذه الأجهزة من قبل غير مرضى السكري، أي الأشخاص الأصحاء والذين يسعون لتحسين صحتهم من خلال مراقبة سكر الدم بانتظام، يجب أن يكونوا على درايةٍ كافية ووعي تام حول الاستخدامات"الصحيحة والسليمة" لتلك الأجهزة، وعدم جعلها تُشكَل هاجسًا أو ضررًا على حياتهم.
وفي الخلاصة، فإن تحديد استخدام أجهزة مراقبة الغلوكوز المستمرة، ينبغي أن يحصل بناءً على توصيات الطبيب المشرف، وأن لا يتعارض مع اتباع نمط حياةٍ صحي يُسهم في تمتعنا بالصحة والاستمتاع بالحياة في ذات الوقت.