الذكاء الاصطناعي في خدمة الطب: هكذا يتم توظيف هذه التقنية الثورية
إن كان لا بد من الحديث مطولًا وبفخر كبيرين عن إنجازات البشر الأفضل، فإن الذكاء الاصطناعي يأتي في طليعتها بالموازاة مع التقدم الطبي الهادف لإنقاذ حياة الملايين حول العالم وتحسين حياتهم للأفضل.
ويصبح الفخر مضاعفًا، عندما يجتمع هذين الإنجازين في مهمةٍ واحدة: توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة الطب. وفي ظل التطور السريع الذي يشهده قطاع الرعاية الصحية عالميًا، أصبح من الملحوظ الاهتمام الكبير بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداةٍ فعالة وريادية في القطاع، الأمر الذي يسهم في تغيير ملامح الرعاية المُقدّمة من قبل المختصصين الطبيين للمرضى. ورغم النمو المستمر في استخدام هذه التقنيات المتقدمة، إلا أننا رأينا العديد من الحالات التي أثبت خلالها الذكاء الاصطناعي مساهمةً فعّالة في تعزيز الدقة والكفاءة والرعاية المُخصّصة.
تُطلعنا آنا سايروس مودرن، العميد المساعد لقسم المحاكاة، قسم المهارات السريرية في جامعة سانت جورج، غرينادا، جزر الهند الغربية؛ على أبرز 5 أمثلة مبتكرة تمَ من خلاله توظيف تقنية الذكاء الاصطناعي الحديثة في مجال الطب، والإنجازات التي تأتت عن هذا التوظيف.
استخدامات الذكاء الاصطناعي في الطب
الذكاء الاصطناعي (AI) هو مجال علوم الكمبيوتر المُخصَص لحل المشكلات المعرفية المرتبطة عادةً بالذكاء البشري، مثل التعلم والإبداع والتعرف على الصور. وتجمع المؤسسات الحديثة كمياتٍ كبيرةً من البيانات من مصادر متنوعة مثل أجهزة الاستشعار الذكية والمحتوى الذي ينشئه الإنسان وأدوات المراقبة وسجلات النظام. الهدف من الذكاء الاصطناعي هو إنشاء أنظمةٍ ذاتية التعلم، تستخلص المعاني من البيانات. وبعد ذلك، يُمكن للذكاء الاصطناعي تطبيق تلك المعرفة لحل المشكلات الجديدة بطرقٍ تحاكي طرق الإنسان.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي مصطلحًا شاملًا للتطبيقات التي تؤدي مهامٍ مُعقدة، كانت تتطلب في الماضي إدخالاتٍ بشرية؛ مثل التواصل مع العملاء عبر الإنترنت أو ممارسة لعبة الشطرنج. ودخل الذكاء الاصطناعي في العديد من القطاعات، أبرزها القطاع الصحي.
عند دمج الذكاء الاصطناعي في وظائف مختلفة ضمن مجال الرعاية الطبية، لا يقتصر الهدف على إيجاد أدواتٍ مستقلة تستطيع أن تحلّ محل الأطباء الممارسين فحسب؛وإنما يشمل أيضًا توفير الأدوات التي تساعد الأطباء في تحسين عملياتهم لضمان أقصى مستويات الكفاءة وتقديم رعايةٍ فردية مُخصّصة لجميع المرضى. ونظرًا للنقص الواسع في أعداد الأطباء عالميًا، ساهم الذكاء الاصطناعي في تسريع العمليات وتفويض المهام إلى الأدوات والمنصات التي تعتمد على تلك التقنية، بالشكل الذي أتاح للممارسين الطبيين مزيدًا من الوقت للتفرغ نحو مهامهم اليومية.
توضح مودرن ومن خلال الابتكارات التالية، كيف يقوم الذكاء الاصطناعي بتحقيق التحول في الرعاية الصحية؛ إذ يؤدي استخدامه في مجال الطب إلى جعل العمل ذو كفاءةٍ ودقةٍ أكبر، كما يمنحه طابعًا مُخصَصًا في كثيرٍ من الأحيان:
- المساعدة في التشخيص: تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور الطبية، مثل صور الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي. وتساعد هذه الأدوات في تشخيص حالاتٍ طبية مختلفة، مثل الأورام السرطانية وأمراض الشبكية والالتهاب الرئوي وغيرها.
كما توجد بعض الأمثلة عن مساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشخيص أمراض القلب؛ حيث تُستخدم خوارزميات التعلَم العميق لتشخيص النوبات القلبية بنفس الطريقة التي يستخدمها أطباء القلب. وفي حالاتٍ أخرى، يتم تدريب شبكات الذكاء الاصطناعي باستخدام الصور السريرية، لتقديم المساعدة في تشخيص الأمراض الجلدية، وتصنيف الآفات الجلدية بدقة.
وقد أثبتت الدراسات قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم أداءٍ يُضاهي، أو يفوق، أداء الخبراء البشريين في قدراته التشخيصية، إلى جانب تفوقه في الدقة والسرعة.
- الجراحة بمساعدة الروبوتات: من الاستخدامات الناشئة الأخرى للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الطبية، قدرته على المساعدة في دعم اتخاذ القرار الجراحي المناسب قبل العمليات الجراحية وبعدها وحتى أثناءها. إذ يتحقق هذا الجانب عبر دمج المعلومات من مجموعةٍ من مصادر البيانات المختلفة، مثل الإرشادات الجراحية والرؤى البحثية.
وفي بعض الحالات، يمكن للروبوتات الجراحية المُجهَزة بقدرات الذكاء الاصطناعي أن تساعد الجرّاحين في إجراء العمليات بدقةٍ أكبر؛ كما تُوفر خيارات التدخل الجراحي البسيط التي تتيحها الجراحة بمساعدة الروبوتات العديد من الفوائد للمرضى، بما في ذلك الإقامة القصيرة في المستشفى والتعافي المبكر وتقليل حدّة الألم بشكلٍ عام.
- التعليم والتدريب الطبي: بدأت كليات الطب بدمج أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة في برامجها التدريسية، حيث يمكن استخدام تلك التقنيات في التعليم الطبي ضمن ثلاثة مستويات:
- الذكاء الاصطناعي المُوجَّه للمُتعلّم، والذي يتضمن الأدوات التي يستخدمها الطلاب لتلَقي المعلومات الجديدة وفهمها.
- الذكاء الاصطناعي المُوجَّه للمدرسين، والذي يسمح بتخفيف عبء العمل عليهم واكتساب تحليلاتٍ مفيدة حول الطلاب، ودمج الابتكارات الجديدة في فصولهم الدراسية.
- الذكاء الاصطناعي المُوجَّه للمؤسسات، والذي يساعد في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الكليات وبرامجها التعليمية.
أما من الناحية العملية؛ فيتضمن دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم الطبي استخدام منصاتٍ تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكنها أن تتكيف مع أنماط التعلم الفردية وسرعتها واحتياجاتها. كما يمكن للطلاب تجربة عمليات المحاكاة المدعومة بالذكاء الاصطناعي وبيئات الواقع الافتراضي، والتي تُمكَنهم من ممارسة العمليات الجراحية أو تشخيص الأمراض أو المشاركة في السيناريوهات السريرية ضمن بيئةٍ آمنة وخاضعة للرقابة.
بوسع الذكاء الاصطناعي المساهمة كذلك في تحسين المناهج الدراسية، مما يساعد مُدرَسي الطب في تصميم مناهج ديناميكية وحديثة، وتعديل منهجيات التدريس بناءً على رؤى قائمة على البيانات.
- معالجة اللغة الطبيعية لسجلات الرعاية الصحية: ثبَت أن أنظمة معالجة اللغة الطبيعية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (AI-driven NPL) تُحقق تحوّلًا ملموسًا في كيفية استخدامنا لسجلات الرعاية الصحية. ومن خلال تحليل واستخراج المعلومات القيَمة من السجلات الطبية غير المُنظَمة، يمكن لهذه الأنظمة تحسين كفاءة الترميز والفوترة وإدارة البيانات بشكلٍ كبير.
وتساعد أنظمة معالجة اللغة الطبيعية القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، في تحويل البيانات النصية إلى معلوماتٍ مُنظَمة وقابلة للاستخدام والتحليل؛ إلى جانب المساعدة في أتمتة عمليات الفوترة والترميز، وتحسين الدقة، وتقليل الأخطاء، وتسريع المهام الإدارية. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا المساعدة في اتخاذ القرارات السريرية، من خلال تزويد الممارسين ببياناتٍ مهمة، والإبلاغ عن المشكلات المحتملة، واقتراح خيارات العلاج الممكنة.
- علم الجينوم: أحدَثَ استخدام الذكاء الاصطناعي ثورةً في علم الجينوم، من خلال تعزيز إمكانات تحليل البيانات البيولوجية وتفسيرها وتطبيقها. وتساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحديد تسلَسل الجينوم بشكلٍ أسرع وأكثر دقةٍ من الخبراء البشريين، وتحديد الأنماط والطفرات والاختلافات في تسلَسل الحمض النووي، والذي يساعد الأطباء في فهم الأمراض والصفات الوراثية.
ويمكن لخوارزميات التعلم الآلي التنبؤ بمخاطر الإصابة بالأمراض، بناءً على التركيب الجيني للفرد، مع التنبؤ أيضًا بكيفية استجابة الشخص لأدويةٍ أو علاجاتٍ معينة. وتُعدَ القدرة على تصميم خططٍ علاجية، بناءً على الاستعداد الوراثي للمريض، بمثابة تحوَلٍ ثوري في مجال علم الجينوم.
في الختام؛ يمكن القول أن دمج الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أدّى إلى إحداث تغييرٍ جذري في طريقة التعامل مع موضوع الصحة وعلاج المرضى. ومن خلال الاستفادة من التحليلات والقدرات القائمة على البيانات، يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحسين النتائج وتطوير رعايةٍ أكثر كفاءة، تتمحور حول المريض. إذ مع الاستمرار في اكتشاف القدرات الجديدة للذكاء الاصطناعي، ستشهد هذه التقنيات تطورًا مستمرًا في قطاع الطب والرعاية الصحية؛ ابتداءً من تغيير كيفية تشخيص الأمراض وانتهاءً بتوفير العلاجات الرائدة المُخصّصة للمرضى على اختلاف حالاتهم.