حليب الإبل... مشروبٌ مغذٍ وإرثٌ خالد
فيما يسود النقاش المستمر بين مؤيدي الحليب الطبيعي الذي نحصل عليه من الحيوانات مثل الأبقار والأغنام والإبل وغيرها، وبين من ينادون بصحية وأهمية الحليب المصنوع من المصادر النباتية مثل الصويا والشوفان واللوز وغيرها؛ لا يمكن للمرء منا إغفال حقيقة أن الحليب المشتق من مصادر حيوانية، لطالما كان وما زال، يُوفر العديد من الخصائص المفيدة لاستدامة الصحة.
منها حليب الإبل الذي ينتشر بشكلٍ كبير في دول منطقة الخليج العربي، لكثرة وجود الإبل فيها، وغيرها من الدول التي تحتضن هذه الحيوانات. وقد زاد الاهتمام في السنوات الأخيرة بحليب الإبل، وتهافتت شركات عدة لتصنيع أجود الأنواع منه وطرحها في الأسواق.
يعتقد المؤرخون أن الجمل العربي - (ذو السنام الواحد) - قد تمَ استئناسه في شبه الجزيرة العربية منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد. وعلى مر القرون، شكَلت الجمال وسيلة نقلٍ ومصدرًا غذائيًا أساسيين في تلك المنطقة؛ كما تعلَق بها الناس باعتبارها من نِعم الله تعالى التي سخَرها لهم ورمزًا للصبر والأمل وسط هذه البيئة الصحراوية التي تُعرف بمناخها القاسي.
ولطالما عوَل العرب على الإبل في الحِل والترحال؛ إلا أنهم يُدركون أيضًا الفوائد الغذائية الجمة التي يتميز بها حليب الإبل، الذي لطالما تقوَى به المسافرون وعابرو السبيل، خاصةً في المملكة العربية السعودية، حيث تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من تاريخ وثقافة وطننا العريق.
أهمية حليب الإبل وفائدته الغذائية
تشير الأبحاث إلى أن حليب الإبل يتميز بسهولة الهضم مقارنةًبحليب الحيوانات المجترة الأخرى، ما يُعزَز جاذبيته للمستهلكين. كما أنه يحتوي على الفيتامينات، والمعادن الأساسية، والجلوبيولين المناعي التي تمنحه خصائص مضادة للأكسدة، وتحارب البكتيريا الضارة والفيروسات. كذلك فإنحليب الإبل غنيٌ بالعديد من البروتينات القابلة للذوبان، والتي تتميز بالكثير من الخصائص الغذائية والصحية، حيث يتراوح معدل كمية البروتين الموجودة فيه ما بين 2.5 – 4.5%.
من جهةٍ أخرى، يتميز حليب الإبل بالتركيز العالي للأحماض الدهنية غير المُشبعة،التيتُعزَز جودته الغذائية بشكلٍ عام؛ فضلًا عن احتوائه نسبةً عاليةً من الدهون المتعددة غير المُشبعة، والأحماض الدهنية اللينوليك واللينولينيك، والتي تعد مصدرًا غذائيًا رئيسيًا للإنسان، حيث يتراوح متوسط كمية الدهون في حليب الإبل ما بين 2.9 – 5.5%.
كذلك، يمتاز حليب الإبل بتركيزٍ أعلى لفيتامين ج، والنياسين مقارنةً بحليب البقر؛ وهو غنيٌ أيضاً بفيتامين ب12، وأيضًا المعادن مثل الصوديوم، والبوتاسيوم، والحديد، والنحاس، والزنك، والمغنيسيوم، والتي تُعدَ عناصر أساسيةً تُعزَز وظائف وحيوية الجسم. إلى جانب البوتاسيوم، والكلورين، والحديد، والزنك، وغيرها.
وقد لاحظ الباحثون أن حليب الإبل يحافظ على خصائصه وعناصره الغذائية دون أن يفسد لعدة أيام؛ ويعتقدون أن السبب في ذلك يعود لنشاط بعض البروتينات المضاد للميكروبات، مثل بروتين اللاكتوفيرين الموجود في حليب الإبل.
حليب الإبل والببتيدات المضادة للميكروبات
تاريخيًا، لطالما استُخدم حليب الإبل كمادةٍ طبيعيةٍ تساعد في تخفيف أعراض الأمراض في العديد من أنحاء العالم؛ كما تساعد الأجسام المضادة الموجودة فيه على مقاومة بعض أنواع السرطان والأورام.وقد توصل الباحثون إلى أن اللاكتوفيرين البشري والبقري ومشتقاتهما من الببتيدات، تتميزبدورٍ محوريٍ في الوقاية من السرطان وعلاجه. كذلك، يحتوي حليب الإبل على نسبةٍ عالية من مضادات الأكسدة، وفيتامين أ، وفيتامين ب، وفيتامين د، وفيتامين هـ.
ويعتقد الباحثون أن حليب الإبل يُسهم في خفض الحساسية، خاصةً لدى الأطفال الذين يعانون من حساسية حليب البقر، كما يساهم في تقليل خطر الإصابة بأمراض السكري بشكلٍ عام. وتوصلت دراسة شملت خمسة حيواناتٍ مختلفة، إلى أن حليب الإبل يتضمن أقل معدلٍ من حمض ثلاثي الفوليك (خاصة حمض اللوريك)، والذي يُعدَ السبب الرئيسي لزيادة الكوليسترول منخفض الكثافة LDL-C في الجسم، وهو من أصناف الكوليسترول السيء الذي قد يؤثر سلبًا على الدورة الدموية داخل القلب.
المزيد من مميزات حليب الإبل
يُعدَ حليب الإبل خيارًا مناسبًا لمن يعانون من حساسية اللاكتوز، حيث يُعتبر تناوله وهضمه أكثر سهولةً مقارنةً بحليب البقر. كما يتميز بفترة تخزينٍ أطول مقارنةً بحليب البقر، ويُعزى ذلك إلى التركيز العالي لمضادات البكتيريا في حليب الإبل. ومؤخرًا، تمَ نشر الخصائص العلاجية لحليب الإبل؛ خاصةً تلك المتعلقة بمقاومة البكتيريا والفيروسات، وتأثيره المضاد للأكسدة والمقاوم للسرطان، فضلًا عن تأثيراته المضادة للحساسية.
وأشارت دراسةٌ حديثة إلى أن حليب الإبل يمتاز عن حليب البقر، لكونه يحتوي على نسبةٍ أقل من اللاكتوز والدهون المُشبعة والكوليسترول، وعلى نسبةٍ أعلى من الأحماض الدهنية غير المشبعة. كما أنه يحتوي على عشرة أضعاف نسبة الحديد، وثلاثة أضعاف فيتامين ج، وهو أسهل عند عملية الهضم.
المكونات الغذائية في حليب الإبل تجعله خيارًا مناسبًا لصحة العظام،وينافس بذلك مصادر الحليب الأخرى. وعلى مدى التاريخ، لطالما وثق الناس بحليب الإبل ومنتجاته باعتبارها مصادر غذائية تُعزَز تكوين العظام لدى الأطفال الرُضَع، وتمتلك خصائص علاجية للعديد من الأمراض الداخلية. وأكدت العديد من المصادر الصحية أن حليب الإبل يوصف لعلاج مختلف أنواع الالتهاب، واليرقان، والربو، وارتفاع ضغط الدم؛ كما يُعرف بفائدته في تنظيم مستويات السكر في الدم لدى الجميع، بما في ذلك مرضى السكري.
استخدامات حليب الإبل في الطهي
خلصت العديد من الأبحاث إلى أن حليب الإبل، يُعتبر بديلًا واعدًا لحليب الأبقار في صناعة حليب الأطفال. ويمكن تحضير الكثير من منتجات الألبان، والزبدة والأجبان من حليب الإبل، سواء بطريقة التخمير أو بالطرق المختلفة الأخرى.وأثبتت التجارب أن مستخلص حليب الإبل يمكن استخدامه لصنع المشروبات الحمضية، والتي تتميز بقيمةٍ غذائية عالية؛ بفضل احتوائها على الأحماض الأمينية الأساسية، واللاكتوز، وحمض اللبنيك، والفيتامينات والمعادن.
يُذكر أن حليب الإبل بدأ ينتشر في الأسواق المحلية تحت العلامة التجارية "نوق"، والتي نجحت في تقديم منتجات ألبان الإبل بمعايير عالية وجودة متميزة، وهي تحظى حاليًا بإقبالٍ ملموسٍ من قبل المستهلكين في العديد من مناطق المملكة.