لتنعمي بصحةٍ جسدية وذهنية عالية: حسَني من بيئة عملكِ المكتبي باتباع هذه النصائح
من كان يعتقد أن العمل الذي يتطلب جهدًا بدنيًا قاسيًا، مثل العمل في الزراعة أو حمل الأشياء الثقيلة وغيرها، يثخلَف آثارًا سلبية على الصحة لا مثيل لها، عليها إعادة التفكير في هذه الخلاصة. فالعمل المكتبي يحمل أضرارًا أكبر على صحة الإنسان!
لا تتفاجأي عزيزتي؛ فهذه حقيقةٌ دامغة، تؤكدها الدراسات والأبحاث، ويتحدث الخبراء عن متلازمةٍ خاصة متعلقة بهذا النوع من العمل يُطلق عليها تسمية "متلازمة العمل المكتبي". ومرض متلازمة العمل المكتبي أو ألم الجلوس في المكتب لفترةٍ طويلة،ينجم عن استخدام العضلات باستمرار في المواقف غير المناسبة، ويؤدي إلى عضلاتٍ ضيقة؛ كما أن استخدام نفس العضلات لوقتٍ طويل سوف يُسبَب الانقباض والعُقد، ويؤدي لحدوث كتلٍ في العضلات التي تُسبَب الألم أو انضغاط الأعصاب، والذي يُسبَب الخدر.
وتتمثل الأعراض الشائعة لمرضى متلازمة العمل المكتبي الآتي:
- الصداع أو الصداع النصفي.
- آلام الكتف والرقبة.
- آلام أسفل الظهر.
- ألم في منطقة الورك أو انتفاخ البطن.
- خدر في أطراف الأصابع.
- ضعف الساقين والركبتين.
- الأرق وصعوبات النوم.
ليس ذلك فحسب؛ بل أن الصحة الذهنية تنال نصيبها من هذه المضاعفات السلبية والأعراض جراء العمل المكتبي المتواصل. فقد كشفت دراسة الحالة الذهنية العالمية لعام 2024 التي أجرتها شركة "أسيكس" Asics، وشارك فيها 26,000 مشارك، عن وجود صلةٍ قوية بين سلوك قلة الحركة والعافية الذهنية، مع انخفاض درجات الحالة الذهنية كلما طالت فترة عدم النشاط لدى الأفراد.
فلنتعرف سويًا في مقالة اليوم، على تفاصيل هذه الدراسة..
تراجع الصحة الذهنية جراء العمل المكتبي المنتظم
على الصعيد العالمي، أفاد الأشخاص الذين يقضون مدةً تتراوح بين 10 إلى 12 ساعة يوميًا جالسين، أن درجة حالتهم الذهنية كانت أقل بكثير (62 /100) مقارنةً بالأشخاص الذين يقضون مدةً تتراوح بين 4 إلى 6 ساعات فقط يوميًا جالسين (66 /100) .
في دولة الإمارات العربية المتحدة، أفاد الأشخاص الذين يقضون مدةً تتراوح بين 9 إلى 10 ساعات يوميًا جالسين، أن درجة حالتهم الذهنية كانت أقل بكثير (62 /100) مقارنةً بالأشخاص الذين يقضون مدةً تتراوح بين 4 إلى 6 ساعات فقط يوميًا جالسين (67 /100) .
أما في المملكة العربية السعودية، فقد أفاد الأشخاص الذين يقضون مدة تتراوح بين 11 إلى 12 ساعة يوميًا جالسين، أن درجة حالتهم الذهنية كانت أقل بكثير (65 /100) مقارنةً بأشخاصٍ يقضون مدةً تتراوح بين 4 إلى 6 ساعات فقط يوميًا جالسين (77 /100).
كما توصلت أبحاثٌ أخرى حول العمل المكتبي، إلى أن درجات الحالة الذهنية للأشخاص تبدأ في الانخفاض، في حين ترتفع مستويات الإجهاد لديهم، بعد ساعتين فقط من العمل المكتبي المستمر.
- حصل من يعملون لمدةٍ تصل إلى ساعتين متواصلتين على مكاتبهم، على درجة حالة ذهنية تبلغ 62 /100، في حين حصل من يعملون على مكاتبهم لمدة 6 ساعات متواصلة أو أكثر على درجة حالة ذهنية أقل بلغت 59 /100 .
- بعد أربع ساعات من العمل المكتبي المتواصل، ارتفعت درجات الإجهاد بصورةٍ ملحوظة بنسبة 18% (من 49 /100 إلى 58 /100).
- أفاد الأشخاص الذين يقضون يوم عمل كاملًا باستمرار على مكاتبهم (8 ساعات أو أكثر) بزيادةٍ في مستويات الإجهاد، بنسبة 25% مقارنةً بمن يأخذون استراحةً بعد أربع ساعات من العمل على مكاتبهم.
ما يعني أن أخذ بعض الوقت للراحة من "العمل المكتبي المنتظم" يُسهم في خفض نسبة التوتر والإجهاد الناجمين عن العمل لفترةٍ طويلة. ولهذا قامت "أسيكس" بتجربة استراحةٍ مكتبية على المشاركين في الدراسة، فكيف جاءت النتائج؟
الراحة خلال العمل المكتبي: حاجةٌ لا رفاهية
هذا ما خلصت إليه تجربة الاستراحة المكتبية الجديدة من "أسيكس"؛ مشيرةً إلى أن 15 دقيقة فقط من الحركة يمكن أن تبدأ في عكس هذه التأثيرات، وأن تساعد في تحسين الصحة الذهنية ومستويات الإجهاد والإنتاجية.
- عندما أضاف أصحاب الأعمال المكتبية قليلي الحركة 15 دقيقة فقط من الحركة إلى يوم عملهم، ارتفع متوسط درجات الحالة الذهنية للمشاركين بنسبة 22.5% .
- ارتفع متوسط مستويات الثقة بنسبة 13.3% ، وتراجعت مستويات القلق بنسبة 12% ، فيما انخفضت مستويات الإجهاد المتصورة بنسبة 14.7%. كما انخفضت مستويات الإجهاد الموضوعية، والتي جرى قياسها من خلال تغيَر معدل ضربات القلب، بنسبة 13.3%.
- أيضًا، ارتفعت الإنتاجية بنسبة 33.2% وتحسّن التركيز بنسبة 28.6% ، مما يوضح تأثير 15 دقيقة فقط من التمارين الرياضية خلال يوم العمل على الأداء.
- في الواقع، فقد أدى أخذ استراحةٍ مكتبية يومية لمدة أسبوع واحد فقط إلى حدوث انخفاضٍ مستمر في الإجهاد؛ حيث أفاد المشاركون بالشعور أنهم أكثر استرخاءً بنسبة 33.3% ، وأكثر هدوءًا ومرونة بنسبة 28.6% .
الحركة وأثرها على الصحة الذهنية
بالإضافة إلى تحديد التأثيرات الذهنية الذاتية للنشاط البدني على أصحاب الأعمال المكتبية بدقة، درست التجربة أيضًا بياناتٍ موضوعية حول تأثير الحركة على الدماغ باستخدام مسح تخطيط كهربية الدماغ للمشاركين. وخلصت إلى التالي:
- قبل ممارسة التمارين الرياضية، وبعد ثلاث ساعاتٍ من العمل المكتبي، أظهر الدماغ نقصًا كبيرًا في موجات ثيتا وألفا، مما يشير إلى مستوياتٍ عالية من الإجهاد والقلق والإرهاق الذهني.
- ولكن بعد أخذ استراحةٍ لمدة 15 دقيقة للتحرك، قلّ هذا النقص؛ مما يدل على أن التمارين الرياضية تساعد الدماغ على الاسترخاء، وتُقلَل من القلق، وتُعيد تنشيط العمليات الذهنية.
الراحة والطمأنينة الذهنية والصحية التي شعر بها المشاركون في الدراسة، انعكست إيجابًا على مشاعرهم تجاه عملهم، فقد أعرب المشاركون عن التأثير الإيجابي الذي تُحدثه فترات الراحة للتحرك على "ولائهم" لمكان عملهم. إذ أعرب 79.2% من المشاركين عن أنهم سيكونون أكثر ولاءً لعملهم إذا قُدمت لهم فترات راحةٍ منتظمة للتحرك؛ وعندما أُدخلت فتراتٌ للراحة من أجل التحرك، زادت سعادة المشاركين في مكان العمل بنسبة 24.7%.
ماذا يعني كل ما تقدم؟ يعني أن المرء الذي يحتاج للعمل على مكتبه، سواء داخل المؤسسات أو من خلال العمل الحر Freelance، يحتاج بشدة لأخذ فتراتٍ من الراحة بين الحين والآخر لتجنب التوتر والإجهاد والتعب الصحي؛ وكلها عوامل تؤثر على إنتاجية المرء في عمله وشعوره بعدم التقدير والولاء لهذا العمل. ويعني أيضًا أن تعزيز الصحة البدنية والذهنية لأصحاب العمل المكتبي، له انعكاساتٌ كبيرة ومهمة على تعزيز تلك الإنتاجية وتحفيز المزيد منها، على المدى القصير والطويل.
نصائح لتجنب مخاطر العمل المكتبي الصحية والذهنية
لا شك في أن التطور الكبير في بيئة الأعمال، قد خلق العديد من الوظائف التي تتطلب الجلوس لساعاتٍ طويلة، كالوظائف في البنوك والشركات، بالإضافة للعمل على الإنترنت، وغيرها من الأعمال التي تتطلب الجلوس لساعاتٍ طويلة أمام شاشة الكمبيوتر سواء في المكتب أم المنزل؛ وتؤثّر ساعات الجلوس الطويلة هذه سلبًا في جسم الإنسان، كما تتسبب له بالعديد من المشاكل الصحية، مثل إجهاد العين وآلام الظهر ومتلازمة تشنَج الرقبة والسُمنة المفرطة، إضافةً لأمراض الشيخوخة مثل القلب والسكر.
وكما قرأنا في نتائج دراسة "أسيكس" التي استفضنا في الحديث عنها في الفقرات السابقة، فإن الراحة والنشاط البدني خلال ساعات العمل المكتبي المتواصلة، تُسهم بشكلٍ كبير في تحسين الصحة الجسدية والذهنية، وتُخفَف كثيرًا من مضاعفات المرض والتوتر.
فإذ كنتِ عزيزتي ممن يقومون بعملٍ مكتبي منتظم، وتحتاجين لحماية نفسكِ من هذه التداعيات السلبية للجلوس وقتًا طويلًا؛ ما عليكِ سوى اتباع بعضًا من النصائح المهمة التي يُسديها المعهد الألماني للاستشارات الصحية المهنية؛ منها إعداد المكتب أو مكان العمل بشكلٍ أكثر ديناميكية، بحيث يمكنكِ وضع الطابعة أو سلة المهملات في الردهة، حتى تضطريللقيام والمشي لعدة خطوات مع كل مرة تقومين فيها بطباعة مستند أو ترغبين في إلقاء بعض المهملات في السلة.
يُعدَ المكتب القائم من التجهيزات المفيدة في مكان العمل، لكن هذا النوع من المكاتب قد لا يتوفر في بعض أماكن العمل أو المكاتب المنزلية. وهنا يمكنكِ اللجوء إلى بعض الحلول البسيطة غير التقليدية؛ مثل العمل على سطح خزانةٍ مرتفعة ذات أدراج أو استخدام رفٍ كسطح للعمل من خلال استعمال بعض الكتب أو الصناديق كوسائل لزيادة ارتفاع سطح المكتب.
كذلك ينصح المعهد الألماني باتباع قاعدة 40-15-5؛ بمعنى الجلوس لمدة 40 دقيقة والوقوف لمدة 15 دقيقة، ثم التحرك لمدة 5 دقائق، لكي يبقى الجسم في حركةٍ دائمة.علاوة على أن المشي في الهواء الطلق خلال ساعات العمل يساعد على تدفق الأفكار، حيث سيكون بإمكانكِ إجراء عملية العصف الذهني وحل المشكلات الذهنية بصورة أفضل. كما أن القيامببعض التمارين البسيطة أو حتى طقوس الحركة المعينة بعد الذهاب للمرحاض مثلًا، يساعد على استرخاء الجسم وتعزيز التركيز بشكلٍ أكبر.
من جانبها، توصي منظمة الصحة العالمية بالقيام ببعض التمارين البدنية المعتدلة لمدة 150 إلى 300 دقيقة أسبوعيًا؛ لما لها من التأثيرات الإيجابية على الصحة العامة مثل خفض خطر الإصابة بسرطان الثدي أو القولون أو مرض السكري أو السكتة الدماغية. ليس هناك حدودٌ للإبداع في نوعية التمارين البسيطة، التي يمكنكِالقيام بها في مكان عملكِ، بدءًا من الحركات الدائرية بواسطة اليدين والذراعين والكتفين والرأس وحتى الرقص لبعض الوقت في المكتب أو المنزل حيث تعملين.
خلاصة القول؛ أن العمل المكتبي بات حاجةً كبيرة لا غنى عنها، لكن بالإمكان الاستفادة من هذا العمل والإنتاجية العالية فيه من خلال توظيف بعض الأمور الأساسية. منها توفير بيئة عملٍ مناسبة لا تضر بصحة الموظفين الصحية والذهنية؛ كما أن أخذ فتراتٍ من الراحة والقيام ببعض التمارين الرياضية يُسهمان بصورةٍ فعالة في تحقيق هذا الهدف والتنعم بمزايا العمل والرفاه وجودة الحياة.