مسؤول عن 2.6% من حالات العمى العالمية: اعتلال الشبكية السكري.. إحمي نفسكِ منه بالفحص الدوري للعينين
داء السكري هو أحد أكثر الأمراض المُزمنة شيوعًا في العالم في الوقت الحالي؛ ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يتعايش قرابة 537 مليون بالغٍ تتراوح أعمارهم بين 20 و79 عامًا مع مرض السكري على مستوى العالم. فيما تؤكد تقارير حديثة عدة، أن مرض السكري لا يزال يُشكَل تحديًا صحيًا كبيرًا في كلٍ من الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي. ففي عام 2023، سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدةً من أعلى معدلات انتشار مرض السكري على مستوى العالم، ومن المتوقع أن ترتفع من 9.3% حاليًاإلى 16.8% بحلول عام 2050.
يتطلب التعايش مع داء السكري بالتأكيد اتباع نمطٍ حياتي وغذائي صحي، بالإضافة إلى المواظبة على إجراء الفحوصات المهمة التي تضمن عدم تدهور حالة المرضى وإصابتهم بأيٍ من مضاعفات السكري المميتة في بعض الحالات، مثل العمى وفشل الكلى والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وبتر الأطراف السفلية.
ويشير خبراء الصحة والعيون إلى أن الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الأول والنوع الثاني، عرضةً أكثر لخطر العمى وفقدان البصر مع الوقت، وفي حال عدم إدارة هذا الداء بشكلٍ صحيح وفعال.
للوقوف أكثر على علاقة السكري باعتلال الشبكية السكري، وهي المشكلة الصحية الأكثر شيوعًا بين مرضى هذا الداء؛ تحدثنا إلىالدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن، أخصائي العيون في مناطق شبكية العين واعتام عدسة العين في مستشفى باراكير للعيون، والدكتورة إليسا كاريراس بيرتان، أخصائية العيون في تخصص شبكية العين والجسم الزجاجي اللذين أفادانا بالمعلومات القيَمة التالية..
مرض السكري واعتلال الشبكية السكري
يكون الأشخاص المصابون بداء السكري، عرضةً لخطر مضاعفات العين والاعتلال العصبي المحيطي بسبب التغيَرات الأيضية المرتبطة بمستويات السكر المرتفعة في الدم، والتي يمكن أن تؤدي إلى تلف الأوعية الدموية والأعصاب. وفي العين، يمكن أن يؤدي هذا إلى حالاتٍ مثل اعتلال الشبكية السكري، حيث تتضرر الأوعية الدموية في الشبكية (الجزء الحساس للضوء من العين).
ويمكن أن يؤثر التلف الوعائي على الشبكية، ما يُسبَب وذمة البقعة الصفراء السكري، نزيف الجسم الزجاجي وانفصال الشبكية التي يمكن أن تؤثر على الرؤية؛ وفي بعض الأحيان يمكن أن تؤدي إلى العمى إذا لم تُعالج. يؤثر الاعتلال العصبي المحيطي على الأعصاب، خاصةً في الساقين والقدمين، مما يؤدي إلى تنميل، الألم وأحيانًا التهاباتٍ خطيرة. ويمكن أن يساعد إدارة مستويات السكر في الدم في وقتٍ مبكر من خلال النظام الغذائي، ممارسة الرياضة والأدوية في تقليل هذه المخاطر بمرور الوقت.
الدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن، أخصائي العيون في مناطق شبكية العين واعتام عدسة العين في مستشفى باراكير للعيون
هل يمكن أن يؤدي داء السكري إلى العمى؟
نعم، يمكن أن يؤدي داء السكري إلى العمى لدى بعض المرضى. السبب الرئيسي لذلك هو اعتلال الشبكية السكري، وهي حالةٌ يتسبب فيها ارتفاع مستويات السكر بالدم في تلف الأوعية الدموية في الشبكية. المرضى الذين يعانون من اعتلال الشبكية السكري في مراحله المبكرة، عادةً ما يكونون بدون أعراض؛ ولكن مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي التلف التدريجي إلى فقدان البصر في حال عدم علاجه.
حالات العين الأخرى مثل إعتام عدسة العين (تعتيم العدسة) والزُرق (زيادة الضغط في العين) هي أيضًا أكثر شيوعًا لدى الأشخاص المصابين بداء السكري ويمكن أن تؤثر على الرؤية كذلك الأمر. لهذا، نُوصي المرضى المصابين بداء السكري بزيارة طبيب العيون على الأقل مرةً واحدة في السنة، لإجراء فحوصاتٍ منتظمة للعين، بهدف منع تقدم الحالة وعلاجها في وقتٍ مبكر إذا لزم الأمر، لمنع فقدان البصر أو العمى. ومن المهم الإشارة إلى أن التحكم في مستويات السكر بالدم والأمراض المصاحبة الأخرى، أمرٌ ضروري لمنع تقدم المرض وحماية الرؤية.
ما مدى انتشار مشاكل العين بين مرضى السكري؟
مشاكل العين شائعة جدًا بين الأشخاص المصابين بداء السكري. وتُظهر الإحصاءات أن حوالي 30٪ من البالغين فوق سن 40 المصابين بداء السكري، يعانون من اعتلال الشبكية السكري، وهو ما يقرب من 7.7 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى حوالي 14.6 مليون بحلول عام 2050.
تُقدَر منظمة الصحة العالمية (WHO) أن اعتلال الشبكية السكري مسؤولٌ عن 2.6٪ من حالات العمى العالمية، حيث يؤثر حاليًا على حوالي 2.2 مليون شخص. وبالإضافة إلى اعتلال الشبكية السكري، فإن الأشخاص المصابين بداء السكري هم أكثر عرضةً للإصابة بإعتام عدسة العين بنسبة 2-5 مرات. حوالي 20٪ من مرضى السكري يُصابون بإعتام عدسة العين بحلول وقت تشخيصهم؛ كما أن مرضى السكري هم أكثر عرضةً للإصابة بالزُرق مرتين مقارنةً بأولئك غير المصابين بداء السكري، حيث يعاني حوالي 5٪ من مرضى السكري من الزُرق.
تُسلَط هذه الإحصاءات الضوء على أهمية الفحوصات المنتظمة للعين والإدارة السليمة للسكري لمنع وعلاج هذه المشاكل الشائعة في العين.
هل يمكننا الاستشهاد بدراسة حالةٍ لمريض تأثرت عيناه بمرض السكري؟
يعاني العديد من المرضى من فقدان البصر بسبب مضاعفات اعتلال الشبكية السكري؛ولكن مع التشخيص والعلاج في الوقت المناسب، يمكن للعديد منهم استعادة بصرهم.
دعيني أشارككِ قصة أحمد، أحد مرضاي. أحمد هو سائق شاحنة يبلغ من العمر 58 عامًا ويعاني من مرض السكري من النوع الثاني منذ 20 عامًا. بينما كان يدير مستويات السكر في دمه بشكلٍ معتدل في المنزل خلال السنتين الماضيتين، لم يزر عيادة العيون منذ ثماني سنوات. مؤخرًا، جاء إلينا بعد أن فقد فجأةً البصر في عينه اليمنى، مما أثرَ بشكلٍ كبير على حياته اليومية. لم يعد يستطيع القيادة، ما كان يُمثَل مشكلةً كبيرة لأنه كان مصدر رزقه.
أثناء الفحص، اكتشفنا نزيفًا معتدلًا في تجويف الجسم الزجاجي في عينه اليمنى واعتلال الشبكية السكري المتقدم في عينه اليسرى. كان أحمد متأثرًا للغاية وقلقًا بشأن قدرته على العودة إلى العمل، لأنه كان مصدر دخله الوحيد. نصحناه بأخذ إجازةٍ مرضية لمدة ثلاثة أسابيع وأوصينا بحقنٍ في عينه اليمنى وعلاج بالليزر في كلتا العينين، لمنع تقدم المرض.ولحسن الحظ، بعد أن اختفى النزيف، استعاد أحمد بصره بالكامل دون الحاجة إلى جراحة، وتمكَن من العودة إلى العمل.
أكدنا له أهمية المتابعة المنتظمة وحثثناه على رؤية أخصائي الغدد الصماء، للتحكم بشكلٍ أكثر صرامة بمستويات السكر في الدم.تجربة أحمد تُسلَط الضوء على أهمية الفحوصات المنتظمة للعين وإدارة السكري بشكلٍ فعال، لمنع مضاعفات العين الخطيرة. إن فقدان البصر في عينٍ واحدة أو كلتا العينين، يمكن أن يؤثر بصورةٍ كبيرة على قدرة الشخص للقيام بالمهام اليومية. لحسن الحظ، لم تكن حالة أحمد متقدمة جدًا، مما سمح له بالتعافي الكامل دون جراحة.
لماذا يجب على مرضى السكري إجراء فحصٍ للعين كل عام؟
يشير تقرير الجمعية الأمريكية للسكري، إلى أن كل الأفراد المصابين بداء السكري من النوع الأول وأكثر من 60٪ من المصابين بداء السكري من النوع الثاني، سيُصابون بنوعٍ من اعتلال الشبكية السكري في غضون 20 عامًا من تشخيصهم. هذه الإحصائية تُسلَط الضوء على الأهمية الحرجة للفحوصات السنوية للعين لمرضى السكري.
العديد من الحالات المتعلقة بالعين الناجمة عن مرض السكري، مثل اعتلال الشبكية السكري، غالبًا ما تكون بدون أعراض في مراحلها المبكرة. لذا تُعدَ الفحوصات المنتظمة للعين ضروريةً لأنها تُمكَن الأطباء من اكتشاف ومعالجة المشاكل قبل أن تتطور إلى مضاعفاتٍ أكثر خطورة، بما في ذلك العمى. الفحوصات السنوية ضروريةٌ لمراقبة أي تغييراتٍ في صحة العين وضمان التدخلات الفورية لحماية الرؤية. ورعاية العين المستمرة، جنبًا إلى جنب مع التحكم الفعال في مستوى السكر في الدم، أمرٌ حيوي للحفاظ على صحة البصر لدى الأفراد المصابين بداء السكري.
الدكتورة إليسا كاريراس بيرتان، أخصائية العيون في تخصص شبكية العين والجسم الزجاجي
يُرجى مراعاة أن خطر الإصابة يختلف وفقًا لنوع المرض (النوع الأول مقابل النوع الثاني)، مدة المرض، التحكم في مستوى السكر، ضغط الدم المرتفع، مستويات الكوليسترول العالية، مشاكل الكلى، الحمل، وجراحة العين. لإعطاء بعض البيانات، في حالة مرض السكري من النوع الأول، تكون مشاكل الشبكية نادرةًعند وقت تشخيص المرض؛ ولكنها تظهر في أكثر من 90٪ من الحالات بعد مرور 15 عامًا. من ناحيةٍ أخرى، وفي حالة مرض السكري من النوع الثاني، تكون اعتلالات الشبكية موجودةًلدى 20٪ من الحالات عند التشخيص؛ لكنها ترتفع فقط إلى 60٪ بعد مرور 15 عامًا.
وفقًا لدراسة التحكم في السكري والمضاعفات (DCCT) والدراسة البريطانية المستقبلية لمرض السكري (UKPDS)، كان التحكم الصارم في السكر HbA1c حوالي 7٪، مرتبطًا بانخفاضٍ بنسبة 76٪ و 25٪ في اعتلالات الشبكية، في النوع الأول والنوع الثاني على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، كان التحكم الصارم في ضغط الدم مرتبطًا بانخفاضٍ بنسبة 37٪ في التلف.
السكري هو أحد الأسباب الأكثر شيوعًا للعمى بين الفئات العاملة، حيث يرتبط بزيادةٍ بمقدار 20 ضعفًا في حالات العمى. وهذا لا يؤثر فقط على جودة حياة الشباب، بل على المجتمع بأكمله. لا تنسوا أن بعض المرضى قد يظهرون في مرحلةٍ متقدمة جدًا، حيث تكون الجراحة (استئصال الجسم الزجاجي) الخيار الوحيد لاستعادة/الحفاظ على الرؤية. وتذكروا أنه كلما اكتشفنا الآفات في وقتٍ مبكر، يمكن تقديم علاج أقل تدخلًا، مثل الليزر أو الحقن.
قد يعني التشخيص المتأخر للآفات الحاجة إلى الجراحة. لذا وبناءً على التوصيات، يُنصح بإجراء فحصٍ للعين سنويًا إذا لم تكن هناك آفاتٌ في الشبكية، وذلك لأغراض الفحص. 1وإذا كانت الآفات موجودةً، يجب إجراء الفحص خلال فترةٍ زمنية أقصر.
سيُوجهكم طبيب العيون بشأن التردد. يتضمن الفحص الحصول على أفضل رؤيةٍ مُصححة ممكنة، وتوسيع بؤبؤ العين وفحصه بواسطة طبيب العيون؛ ويُفضل أن يكون متخصصًا في الشبكية. قد تكون هناك حاجةٌ إلى فحوصاتٍ إضافية للعين، مثل تصوير قاع العين ومسح التصوير البصري المقطعي، للحصول على معلوماتٍ أكثر تفصيلًا.
في الختام؛ فإن التحكم بالإصابة ببعض الأمراض قد يكون خارجًا عن السيطرة في كثيرٍ من الأحيان؛ لكن الوقاية من مضاعفاته أمرٌ ممكن وبأيدينا، إن أحسَنا التصرف واتبَعنا تعليمات الأطباء والمختصين لجهة إجراء الفحوصات الطبية المنتظمة واتبَاع نظامٍ حياتي صحي.
ينطبق هذا الأمر بشكلٍ أساسي على مرضى السكري، الذين بوسعهم تأخير أو تجنب الإصابة بمضاعفات هذا الداء على صحة العين، خصوصًا مشكلة اعتلال الشبكية السكري. وكما نصح الأطباء في المقالة أعلاه، فإن عدم إهمال صحة العينين والقيام بفحوصاتٍ دورية يحول دون تعرضكِ لهذه المشكلة في مرحلةٍ مبكرة من المرض.