تجاوزيه بنجاح باتباع نصائح المختصين: الاضطراب العاطفي الموسمي وتأثيره على صحتكِ النفسية
هل أنا الوحيدة التي تشعر بالاكتئاب كلما حلَ فصل الشتاء، أم أن هناك غيري ممن يعانون من هذه المشكلة؟
لماذا أشعرُ بالتعب والرغبة في الأكل والنوم أكثر هذه الأيام؟
ماذا يحدثُ معي بالضبط؟
ليست هذه أسئلةٌ وهمية، بل هي حقيقةٌ تعاني منها نساءٌ كُثر؛ وهي اضطراباتٌ طبيعية تبدأ بالظهور مطلع فصلي الخريف والشتاء.
مع اقتراب نهاية عام واستقبال عامٍ جديد لا نعرف ما يخبأ لنا، قد يتأثر البعض (خاصةً النساء) بعوامل نفسية واجتماعية متعددة، تتسبب في خلق حالةٍ من التوتر الموسمي؛ وغالبًا ما يرتبط القلق أو التوتر الموسمي بالاضطراب العاطفي الموسمي، وهو نوعٌ من الاكتئاب الذي يتزامن مع تغيَرات الفصول كل سنة. وهو الأكثر شيوعًا في فصلي الخريف والشتاء خصوصًا في الدول القريبة من القطب والتي يقصر فيها النهار إلى ساعاتٍ محدودةٍ جدًا، وكذلك في الدول الضبابية والتي تبقى غائمةً وممطرةً معظم أوقات الشتاء. يرتبط الاضطراب العاطفي الموسمي بقلة الضوء ونهاية العام، ويتصادف في بعض الدول مع مواسم الأعياد والاحتفالات بقدوم عامٍ جديد.
لكن الاضطرابات العاطفية الموسمية، والتي تُعرف اختصارًا بـ"ساد"SAD؛تُصاب بها أغلبية النساء، وتبدأ الأعراض بالظهور في فصل الخريف لتستمر حتى أواخر الشتاء، ما يؤدي إلى استنزاف طاقتهنَ وإصابتهنَ بالإحباط.
ليس ذلك فحسب، بل أن الاضطراب العاطفي الموسمي قد يتسبب في مضاعفاتٍ سلبيةعند المرأة، بسبب كثرة الإقبال على الطعام وزيادة الوزن؛ الإفراط في النوم؛ الشعور بالتعب أو قلة النشاط. وهو ما قد يؤثر على صحتها الجسدية والنفسية، ويُعيق نجاحها في القيام بأية أعمال، داخل المنزل وفي مكان العمل.
ما هي الأسباب وراء الاضطرابات العاطفية الموسمية؟ ما هي مضاعفات هذه الاضطرابات، وما السبيل لمواجهتها والتخفيف من حدتها؟ أسئلةٌ عديدة ومهمة حملناها إلى الدكتورة هند الرستماني، اختصاصية إماراتية في الصحة النفسية في عيادة أمان للعافية دبي، والتي أجابت عليها مشكورةً بالتالي..
الاضطرابات العاطفية الموسمية SAD – الأعراض والأسباب
أسباب هذا النوع من الاكتئاب مازالت غير معروفةٍ حتى الآن، تؤكد الدكتورة الرستماني.وعلى الرغم منأنالأبحاث العلمية مستمرةٌلكشف جوهر ومُسبَبات هذه الظاهرة، لم يتوصل العلماء بعد إلى تفسيرٍ علميٍ لها. إنما تُرجّح أسبابٌ كثيرةٌ للتوتر الموسمي، من ضمنهاتغيَر عدد ساعات الليل والنهار وقلة الضوء في هذا الموسم، مما يُسبَب اضطرابًا داخليًا لدى الأفراد الذين يجدون صعوبةٌ في التأقلم مع التغيرات البيئية،ويُولَد شعورًابالحزن وأحياناً الغضب.
كذلك يجد البعض منا صعوبةً في إدارة مشاعره والتحكم بها، مما ينعكس سلبًا على سلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية. سببٌآخر للاضطرابات العاطفية الموسمية لا بدَ من معرفته، هوانخفاض مادة أو هرمون السيروتونين في الدماغ، والذي يساعد علي تنظيم المزاج، ويُطلق عليه عادةً تسمية"هرمون الرفاه والسعادة". كذلك يتسبببنقصٍ في مستويات فيتامين د (نظرًا لقلة الضوء وعدم التعرض للشمس) والذي يؤثر سلبًالجهةالحفاظ على مستوياتٍ طبيعية للسيرتونين ويزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب الموسمي.هناك أيضًا الأشخاص المصابون بالاكتئاب أو اضطراباتٍ نفسية أخرى كثنائي القطب،وغالبًاما يكونون أكثر عرضةً للاكتئاب الموسمي.
قد يعاني الأفراد من تقلباتٍ مزاجيةٍ تدفعهم إلى الانسحاب أو عدم القدرة على الاستمتاع بنشاطاتهم المعتادة.ويؤثر ذلك علي مستويات الطاقة والنشاط والنوم، حيث يشعر الكثيرون بالتعب ويواجهون صعوبةً في النوم أو الرغبة في النوم بشكلٍ مُفرط، ما يؤثر على روتين الفرد وإنتاجيته.
ومع تغيَر المزاج، يأتي تغيَر الشهية؛ ويُلاحظ أن الكثير من الافراد يُقبلون على تناول الكربوهيدرات مما يتسبب فيزيادة الوزن غير المرغوبة، نظرًا لقلة الحركة والمشي بسبب البرودة التي تمنعنا من ذلك. ومع زيادة الوزن تتأثر الحالة النفسية، وقد يفقد البعضالثقة بالنفس ولا يرضون عن هيئتهم أو شكلهم نتيجة الوزن الزائد. يبرز هذا الأمر بشكلٍ خاصفي التجمعات العائلية والمجتمعية التي من الممكن أن تجلب معها توقعاتٍ وتعليقاتٍ قد يُفضَل البعض تجنبها،ومن هنا يميل الأفرادللانسحاب والرغبة في العزلة.
بيئة العمل تتأثر بذلكأيضًا؛ حيث أن التوقعات من الأفراد أن تكون إنتاجيتهم ثابتة ومستمرة، ولا تتأثر بتقلبات الجو الموسمية.ولكن الدراسات العلمية بدأت تلفت النظر إلى هذه الظاهرة وارتباطها بقلة الكفاءة وسوء الإنتاج، بسبب انخفاض معدل التركيز والتحفيز.
يتزامن فصل الشتاء كذلك الأمر مع عطلات نهاية العام والعطلات الدراسية، وأيضًا الأعياد الموسمية والتجمعات العائلية. هذه العوامل كلها تُشكَل ضغوطاتٍ نفسية قوية على الأفراد خلال لقاءاتهم مع أُسرهم المُمتدة، وينتابهمالخوف من أن يُحكم عليهم من قبل الآخرين اذا لم يحققوا أهدافهم. وهنا تأتي ثقافة الإنجاز وتحقيق الأهداف، والتي تضع ضغطًا قويًا على الأفراد الذين يحاولون إيجاد مبرراتٍ لعدم الوصول إلى أهدافهم؛ ما يُشكَل ضغوطاتٍ داخلية على الفرد، قد تُولَد لديه شعورًا بالذنب أو النفور من الذات أو نعت الذات بمعتقداتٍ سلبية "أنا فاشلة، الجميع يستطيع وأنا لا استطيع، أنا لا قيمة لي".
هل واجهتكِ هذه الأفكار عزيزتي؟ إذن، أنتِ بحاجة لمواجهة هذه التوترات الموسمية والحدَ من تداعياتها السلبية على صحتكِ ونفسيتكِ وإنجازاتكِ في الحياة..
الاضطرابات العاطفية الموسمية – تغييراتٌ جذرية
هناك علاجاتٌ وتدخلاتٌ غير طبية، تعتمد في المقام الأول على تغييراتٍ في سلوكيات الفرد اليومية، للتأقلم مع الموسم.
تستعرضها لنا الدكتورة الرستماني في النقاط التالية:
- التعرض للضوء الطبيعي خلال النهار.
- تناول الغذاء الذي يحتوي علي الفيتامينات والأملاح.
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- تنشيط العلاقات الاجتماعية والتحدث إلى المقربين والأصدقاء، مايُخفَف من التوتر ويساعد على توسيع أُفق التفكير والتخفيف من الضغوطات الداخلية والتنفيس عن ما يعاني منه الأفراد بصمت.
- إيجاد وقتٍللاسترخاء بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي والاختلاء مع النفس، لخلق توازنٍ داخلي يساعد على تنمية المرونة الداخلية وإدارة المشاعر والتحكم بها.
يجب التنويه هنا إلى أن هذه الممارسات لا تحتاج لقضاء وقتٍ طويل، فبعض التمارين لا تحتاج إلى أكثر من خمس دقائق، تتكرر بضع مراتٍ خلال اليوم الواحد.كذلك فإن ممارسة الهوايات المُحببة للفرد مثل الرسم أو الاستماع إلى الموسيقى أو استكشاف الطبيعة أو القراءة، تساعد على التخفيف من التوتر الموسمي.
لكن ماذا لو لم تنفع هذه التغييرات، هل سأكونُ بحاجةٍ إلى تدخلٍ طبي؟
نعم؛ يحتاج بعضالأفراد أحيانًا إلى بعض الوقت للتأقلم حين دخول المواسم الجديدة، وخاصةً موسم الشتاء.وفي حالة استمرارية التوتر الموسمي وملاحظة تأثيره السلبي القوي على حياتكِ، بحيث يحدُّمن قدرتكِ على ممارسة الحياة اليومية بشكل صحيٍ ومتزن،فإن التدخل الطبي لابد منه وفقًا للدكتورة الرستماني.
ويتمثل ذلك في الآتي:
- العلاج بالضوء: حيث يتلقى الفرد العلاج بالتعرض لضوءٍ يشبه ضوء الشمس لفترةٍ زمنيةٍ محددةٍ، وذلك لإحداث تغييراتٍ كيميائية في الدماغ هدفها تحسين المزاج. وقد أثبتت الدراسات العلمية فعالية هذه الطريقة على تحسَن المزاج خلال أسبوعٍ او أسبوعين من بدء الموسم.
- تُستخدم الأدوية المضادة للاكتئاب الموسمي،إذا كانت الأعراض قويةً جدًا، ولابد أن تكون تحت إشراف ومتابعة الطبيب النفسي.
- العلاجات النفسية: من خلال الجلسات مع مختصٍ نفسي يستخدم أساليب مختلفة لعلاج الإكتئاب الموسمي، كالعلاج السلوكي المعرفي والذي يعتمد على التركيز نحو تحويل الأفكار والسلوكيات السلبية إلى أفكارٍ وسلوكيات إيجابية.
أخيرًا لابد من التذكير والتركيز علىإيجابيات هذه الفترة، التي يمكنللفرد أن يعتبرها فرصةًذهبية لمراجعةالذاتوالاحتفاء بالإنجازات وتعزيز روح الامتنان بما حققه علىكافةالأصعدة، سواء العمل والعائلة والحلقة الاجتماعية وتنمية الذات. لذا لا تدعي الاضطرابات العاطفية الموسمية تجنح بكِ نحو السلبية المُطلقة، بل اتخذي منها سبيلًا يُساعدكِ على اكتشاف ذاتكِ أكثر وسبر أغوار قوتكِ الداخلية لاستخدامها في تحسين وتطوير نفسكِ للأحسن.