مقابلة مع البطلة العراقية غادة الشيخلي

البطلة العراقية غادة الشيخلي لـ"هي": بدأتُ مسيرتي الرياضية في عمرٍ متأخر.. والعمل الجاد مقياس النجاح دائمًا

جمانة الصباغ

IT’S NEVER TOO LATE.. هي العبارة التي تطالعكِ عند تصفح صفحتها على إنستغرام. وتتساءلين: ما هو هذا الشيء الذي تتحدث عنه غادة الشيخلي، السيدة العراقية التي بدأت رحلتها في مجال الرياضة في عمرٍ متأخر، لتُثبت لنفسها وللجميع أن الآوان لا يفوت أبدًا للبدء بما نحب، وبما نستطيع إنجازه على كافة المستويات.

التقيتُ بغادة في أحد المناسبات الرياضية مؤخرًا، وأعجبتني تلك المرأة القوية التي تتحدثُ بشغفٍ وحب عن انطلاقتها في عالم التمرين والرياضة "في سنٍ متأخرة" كما تقول (أواخر 30). كانت تبحثُ عن تغييرٍ جذري لحياتها التي باتت روتينيةً بامتياز، بعد الزواج والإنجاب والحياة الاجتماعية التي تتكررُ كل يوم؛ لتأتي تلك اللحظة السانحة من حيث لا تعلم، وتحمل معها فرصة التحدي الكبير للبدء في السير بخطواتٍ واثقة نحو التمرين والمشاركة في النشاطات والمسابقات الرياضية، وحصد الجوائز وحتى الاعتراف الدولي (حاصلة على شهادة من موسوعة غينيس بعد مُشاركتها في أعلى سباق حواجز في العالم).

لمعرفة المزيد عن تلك البداية المتأخرة، إنما الموفقة بالتأكيد؛ أجرينا هذه المقابلة مع غادة الشيخلي، التي تحولت من فاشينستا إلى رياضية في سن 39..

سعيدة باللقاء معكِ غادة؛ أخبرينا من هي غادة الشيخلي..

غادة الشيخلي حائزة على رقمين من موسوعة غينيس العالمية
غادة الشيخلي حائزة على رقمين من موسوعة غينيس العالمية

غادة، إمرأة بسيطة، زوجة مخلصة وأم محبة؛ اتخذت قرارًا جريئًا بإعادة بناء حياتها في سن 39. كانت وما زالت تؤمنُ بعمق أن العمر مجرد رقم، وأن الإرادة القوية والعزيمة تجعل كل شيء ممكنًا.

بدأتِ احتراف الرياضة في أواخر سن الثلاثين؛ أخبرينا المزيد عن هذا الأمر.

حياتي مثالية - زوجٌ محب، أطفال جميلون، وحياةٌ اجتماعية مليئة بالحيوية. ولكن في أعماقي، كنتُ أتساءل: لقد أعطيتُ الكثير لعائلتي وأصدقائي، لكن ماذا قدمتُ لنفسي؟ أردتُ أن أشعر بالفخر بإنجازاتي، وليس الماركات التجارية التي أرتديها أو الحقائب التي أملكها. استغرق الأمر مني سنوات لأكتشف ما كان ينقص حياتي، ألا وهو الرياضة.

هل كان هناك لحظةٌ محورية في مسيرتكِ، شكَلت مساركِ الرياضي؟

في يومٍ من الأيام في الصالة الرياضية، اقتربت مني امرأةٌ لا أعرفها جيدًا وسألتني إذا كنتُ أرغب في الانضمام إلى سباق عقبات. لم يكن لديَ أي فكرة عن ماهية السباق، لكن شيئًا في داخلي دفعني للموافقة. أكملتُ السباق دون أن أعرف وقتي أو ترتيبي، لكنني شعرتُ بفخرٍ كبير وإنجازٍ لا يوصف.

بعد شهر، تلقيتُ رسالة بريد إلكتروني تخبرني أنني فزتُ بالمركز الأول في فئتي العمرية، وأننتي تألقتُ للتأهل إلى بطولات العالم في لندن. كنتُ في حالة صدمة - كان هذا حقيقيًا. في عيد ميلادي الأربعين، طلبتُ من زوجي أن يأخذني إلى هناك للمنافسة، وقد حقق لي ذلك.

كان السباق شاقًا - 15 كم و100 عقبة. كل مشارك كان يُعطى سوارًا يتم قطعه إذا فشل في اجتياز العقبة. فقدتُ سواري، لكنني لم أتوقف؛ استمريتُ في السباق دون أن أستسلم.

ثم، في العقبة الأخيرة، رأيتُ امرأة في الخامسة والسبعين من عمرها، مرفقيها ملطخة بالدماء وملابسها مغطاة بالطين، ولكن سوارها كان ما زال على معصمها.. لقد أكملت السباق بأكمله. في تلك اللحظة، شعرتُ وكأن موجةً قوية ضربتني. كانت تلك اللحظة التي أدركتُ فيها المعنى الحقيقي للصمود والقوة؛ وعرفتُ حينها أنني قد وجدتُ هدفي – لا شيء يمكن أن يوقفني بعد الآن.

كيف هو جدول تدريبكِ الرياضي؟ هل تتدربين كل يوم؟

بدأت غادة مسيرتها الرياضية في سن متأخرة لكنها مصممة على النجاح فيها
بدأت غادة مسيرتها الرياضية في سن متأخرة لكنها مصممة على النجاح فيها

تدريبي متوازن بعناية، حيث أركزُ على الجودة بدلًا من الكمية. عندما أكونُ في الصالة الرياضية، أكونُ مُركزًة بشكل تام ومُصممة على تحقيق أفضل أداء. ما يدفعني نحو تحقيق أهدافي هو الاستمرارية والإصرار.

وكيف تتدربين عادةً للتحديات والفعاليات؟

أتدربُ يوميًا، ملتزمةٌ بالبقاء في أفضل حالاتي البدنية والاستعداد التام لأي تحدٍ يأتي في طريقي.

كيف تعتني غادة بنظامها الغذائي، إلى جانب التدريب البدني والتمارين الرياضية؟

لا أتبَع نظامًا غذائيًا محددًا، لكنني أُعطي الأولوية للبروتين في وجباتي وأتناولُ بعض الكربوهيدرات عندما يكون لدي تدريب جري طويل.

ما الذي يجعل الجري رياضةً جيدة، خاصة للأجيال الشابة؟

يُقدم الجري العديد من الفوائد، أهمها تأثيره على الصحة العامة. فهو يُحسَن صحة القلب والأوعية الدموية من خلال تقوية القلب وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب. كما يُعزَز الصحة النفسية عن طريق تخفيف التوتر والقلق والاكتئاب عن طريق إفراز الاندورفينات. يُعتبر الجري أيضًا فعالًا للغاية في إدارة الوزن، حيث يساعد على حرق السعرات الحرارية وتعزيز فقدان الدهون. كذلك يُقوَي الجري العضلات والعظام، خاصةً في الجزء السفلي من الجسم، ويزيد من كثافة العظام؛ مما يساعد في الوقاية من هشاشة العظام. وأخيرًا، يُعزَز الجري سعة الرئتين، مما يُحسن من استهلاك الأوكسجين ويُعزز وظيفة الرئة بشكل عام.

من هو/هي أيقونة الرياضة التي أثرت فيكِ أكثر من غيرها؟

تتدرب غادة بشكلٍ متوازن بالتركيز على النوعية لا الكمية
تتدرب غادة بشكلٍ متوازن بالتركيز على النوعية لا الكمية

على الرغم من أنه أصغر مني بكثير ونحن نمارس رياضاتٍ مختلفة، إلا أن مايكل فيلبس يُعدَ مصدر إلهامٍ كبير. إنه نموذجٌ حقيقي يُظهر أن العمل الجاد هو سر النجاح؛ لا يوجد اختصارات، فقط التفاني والجهد المستمر.

كيف يدعمكِ كلٌ من عائلتكِ وأصدقائكِ؟

العائلة والأصدقاء مصدر دعمٍ كبير لي، من خلال التشجيع العاطفي، الاحتفال بالإنجازات، وتقديم التحفيز في الأوقات الصعبة.

لا بدَ من التطرق إلى أرقامكِ القياسية وميدالياتك؛ أخبرينا المزيد عنها..

خلال رحلتي في السباقات، حصلتُ على العديد من الميداليات التي أعتزُ بها كثيرًا؛ فكل واحدة تحمل قصةً خاصة وذكرى جميلة. لكن أكثر ما أفخرُ به هما رقما غينيس العالميين اللذين حققتهما على جبل كليمنجارو؛ حيث قمتُ بأداء أعلى سباق عقبات في العالم وأتممتُ أعلى درس لياقة بدنية على قمة الجبل. كوني الرياضي الوحيد من الشرق الأوسط في هذا السباق، فقد كانت واحدةً من أصعب التجارب في حياتي، وكان شرفًا كبيرًا لي أن أمثَل العراق وكل العرب فيه.

حدثينا عن تعاونكِ مع شركة أندر آرمر.

بالنسبة لي، أندر آرمر ليست مجرد علامة تجارية أو رعاية، بل هي عائلة حقيقية. الدعم والتشجيع الذي أتلقاه منهم يتجاوز الحدود، ويمنحني شعورًا بالثقة والانتماء. على مدار الأربع سنوات الماضية، كان لي الشرف في تمثيلهم، ومنتجاتهم دائمًا تفي بوعدها وتدعمني لتحقيق أقصى إمكانياتي في كل تحدٍ أواجهه.

هل لديكِ روتين خاص أو خرافة معينة تؤمنين بها، قبل خوض أي سباق؟

قامت غادة بأداء أعلى سباق عقبات في العالم وأتمت أعلى درس لياقة بدنية على قمة جبل كليمنجارو
قامت غادة بأداء أعلى سباق عقبات في العالم وأتمت أعلى درس لياقة بدنية على قمة جبل كليمنجارو

الدعاء والتوكل على الله..

ما الذي تطمحُ إليه غادة لمواصلة الجري، على الرغم من المعوقات والتعب؟

بالنسبة لي، كلما كان التحدي أكبر، كان الشعور بالإنجاز أكثر إرضاءً. إذا لم يكن هناك تحدياتٌ أو صعوبات في الطريق، فما الفائدة من القيام بأي شيء؟

ما هي التحديات التي واجهتها في طريقكِ، كونكِ امرأة في المقام الأول وفي بلد عربي، حتى تصبحي عداءة محترفة؟

التحديات التي واجهتها لم تكن تتعلق فقط بإثبات نفسي للعالم، بل أيضًا لمجتمعي، لأظهرُ أنني كامرأة من الشرق الأوسط قادرة على تحقيق المستحيل. كان هناك اعتقادٌ سائد بأن النساء مثلنا غير قادرات على التفوق في الرياضات الصعبة، كما لو أننا مختلفات أو أضعف. لكن هذا غير صحيح؛ مع الاستمرارية، والتفاني، والعمل الجاد، ليس ثمة شيء اسمه “مستحيل”. آمنتُ بتحدي الحدود وكسر القيود التي تفرضها المعتقدات الضيقة، من أجل نفسي ومن أجل كل من قيل لهم إنهم لا يستطيعون، بغض النظر عن العمر.

كيف تنظرين إلى مشاركة النساء في عالم الرياضة؛ هل هي مشاركة جيدة، أم أنها تحتاجُ للمزيد من التواجد على الساحة الرياضية؟

أعتقدُ أن ثقافتنا تشهد تحسنًا تدريجيًا، ولكن ما زال أمامنا الكثير لنحققه. من الضروري أن نُركَز على تعزيز قيمة الرياضة واللياقة البدنية والمنافسة في الأجيال الشابة؛ يجب أن نعمل على تشجيع النساء على المشاركة في هذه الأنشطة، وتحفيزهنَ لتجاوز القيود وتحقيق إمكانياتهنَ الكاملة.

ما هي طموحات غادة في عالم الرياضة؟

هدفي الحالي أن أصبح أسرع وأقوى. في الوقت نفسه، أركزُ على تحسين أدائي، وتنظيم أموري اليومية، والاستمرار في التقدم. أما بالنسبة لأهدافي المستقبلية، فدعينا نتركها مفاجأة في الوقت الحالي.

كيف تُشجعين الناس على اتباع حياة رياضية وصحية؟

لتحقيق النجاح، يجب عليكِ تحديد أولوياتكِ بوضوح وإدارة وقتكِ بحكمة. الاستمرارية هي العنصر الأساسي، لأن النجاح يتحقق من خلال الجهد المتواصل. الصبر أيضًا أمرٌ ضروري، فالتقدم لا يحدث بين ليلة وضحاها؛ ولكن مع الاستمرار ستظهر النتائج. والأهم من ذلك كله، هو الإيمان بنفسكِ وقدرتكِ على التحدي والتطور. إذا كنتِ مؤمنةً بطريقكِ وملتزمةً به، ستتمكنين من تجاوز الصعاب وتحقيق أهدافكِ.

في الختام؛ نشكركِ على هذه المقابلة الجميلة، وما هي نصائحكِ لقارئات "هي"؟

ابدئي بخطواتٍ بسيطة، إنما بعزيمة قوية؛ تذكَري أن كل جهدٍ تبذلينه هو استثمارٌ في نفسكِ. ركَزي على بناء عاداتٍ صحية تجعلكِ تشعرين بالقوة والجمال، وليس على الكمال. استمعي لجسمكِ وامضي قُدماً بثقة، بغض النظر عن السرعة. لا تقارني نفسكِ بأي أحد، فكل رحلة هي قصةٌ خاصة بكِ.

احتفلي بكل تقدمٍ صغير، فكل خطوة تقربكِ من أفضل نسخةٍ من نفسكِ!