كيف تعيشين نمط حياة صحي

كثيرون يحبون نمط الحياة الصحي.. لكن لماذا يصعب الالتزام به؟

جمانة الصباغ

نردد جميعنا تقريبًا، معظم أوقات اليوم وأيام السنة، المقولة ذاتها: سأتجه نحو نمط حياةٍ صحي قريبًا؛ لن أعود لتناول الأطعمة الدسمة والجاهزة، سأشجعُ نفسي على الالتزام بنمطٍ غذائي صحي يحوي المزيد من الخضروات والفواكه وكمية أقل من اللحوم الحمراء، لا للأطعمة المُصنعة بعد اليوم.

وصفة الأكل الصحي التي يرددها كل شخصٍ عادي حول العالم، تبدو بسيطةً للغاية؛ لكن لماذا يصعب الالتزام بها؟ لماذا نجد أنفسنا، على الدوام، نكافحُ لتبنَي نمط حياةٍ صحي ونلتزم به باستمرار؟

في المقابل، لماذ تصبح الصحة كأنها عقابٌ نُعاقب بها أنفسنا وأجسامنا، بدلًا من الاستمتاع بها؟ لماذا يصعب صنع الصحة كما نريد، بدلًا من استهلاكها كما يفعل البقية، وكيف نحب الصحة كي نُطبَقها في حياتنا؟ كل هذه الأسئلة وغيرها، نطرحها في مقالة اليوم، فيما يشبه نوعًا من فلترة موضوع الصحة وتجريده من الحدود الضيقة، للارتقاء به نحو آفاقٍ أسمى تجعلنا نحبُ فعلًا الالتزام بنمط حياةٍ صحي على الدوام.

لماذا يصعب الالتزام بنمط حياةٍ صحي؟

تناول الطعام لدعم جسمكِ وليس لتغييره فقط هو منهج حب الصحة الأول
تناول الطعام لدعم جسمكِ وليس لتغييره فقط هو منهج حب الصحة الأول

إذا ما نظرنا إلى قائمة الأسباب الأكثر شيوعًا للوفاة، فإن أمراض القلب تبقى السبب الرئيسي، معظمها مرده إلى ارتفاع مستويات السُمنة حول العالم. وعندما نقول سُمنة، فإننا نقصد بالتحديد زيادة الوزن الناجمة عن اتباع نظامٍ غذائي غير صحي؛ ما يعني أنه ولتجنب أمراض القلب المميتة، ينبغي علينا التخلص من مشكلة السُمنة، والبداية تكون دومًا بتناول الطعام الصحي واتباع نمط حياتي صحي.

المشكلة معروفة، وحلها معلومٌ أيضً؛ لكن مقدار الالتزام بهذا الحل ما يزال متأرجحًا، ويميل أكثر نحو قلة الالتزام على المدى الطويل من جدية الالتزام. هل المشكلة في نمط الحياة ذلك، أم فينا نحن البشر؟

وفقًا لموقع Harvard Health Publishing، فإنه وإن كنا نعرف كيفية تناول الطعام الصحي، فلماذا لا نلتزم به، ولماذا لا يفعله الجميع؟ يطرح الموقع التابع لجامعة هارفرد عدة فرضيات لهذه المشكلة، الجزء الكبير منها يتمثل في افتراضات الناس المُضللة. إذ ما يزال الكثيرون ينظرون إلى الأكل الصحي على أنه مُقيَدٌ للغاية - قليل الدسم، ومنخفض السعرات الحرارية، ومنخفض السكر. ثم هناك تصوراتٌ مفادها أن الأطعمة الصحية باهظة الثمن والوصفات مُعقدة، وغير مُشبعة في بعض الأحيان.

وتُعلَق تيريزا فونج، الأستاذة المساعدة في التغذية في كلية تي إتش تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد على هذا الافتراض بالقول: "الرسالة العامة هي أن تناول الطعام الصحي يتطلب الكثير من العمل وأن الطعام الصحي ليس لذيذًا."

كيف يمكننا التغلب على هذه المفاهيم الخاطئة حول تناول الطعام الصحي؟

علينا مراجعة عاداتنا الغذائية المعتادة. ولمدة أسبوع، ينبغي كتابة ما نأكل في كل وجبةٍ رئيسية ووجبة خفيفة، بما في ذلك الكمية والتوقيت. وتقول فونج: "يمكن أن يمنحكِ التقييم الصادق فكرةً واضحة عن المكان الذي تحتاج لتحسينه". بعد ذلك، قومي بتبنَي بعض التغييرات الصغيرة التي يمكن أن تساعد في سد الفجوات وتوسيع عاداتكِ الغذائية الجيدة الحالية.

وفيما يلي بعض الاقتراحات:

1.     لا تكوني طموحةً للغاية: لستِ مضطرةً لإجراء تغييراتٍ غذائية كبيرة متعددة في نفس الوقت، لجني الفوائد الصحية. تقول فونج في هذا الصدد: "غيّري شيئًا واحدًا في نظامكِ الغذائي لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع. وبمجرد أن يصبح عنصرًا أساسيًا في هذ النظام، انتقلي إلى منطقةٍ أخرى وكرَري العملية". على سبيل المثال، إذا كنت تشربين الصودا ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، قلَليها إلى مرتين في الأسبوع، واشربي مزيجًا من الماء الفوار والعصير خلال الأيام الباقية. وفي النهاية، اشربي الصودا مرة واحدة في الأسبوع، ثم حاول ألا تشربيها أبدًا.

2.     اتبَعي يومًا نباتيًا: لمرةٍ واحدة في الأسبوع، كوني نباتيًا طوال اليوم ولا تأكلي سوى الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة (ربما مع بعض منتجات الألبان قليلة الدسم أو البيض)، ولا تتناولي الأطعمة المُصنعة. بحسب فونج: "يمكن أن يساعدكِ هذا الأمر في التعرف على أنواعٍ وكميات الأطعمة التي تحتاجين لتناولها دون الضغط الهائل للقيام بذلك طوال الوقت". قد تكتشفين مع الوقت، أن الخيارات النباتية أكثر شهية مما كنت تتوقعين؛ ومع شعوركِ بمزيدٍ من الراحة، قومي بزيادتها إلى مرتين في الأسبوع، أو حتى أكثر من ذلك.

3.     وسّعي عاداتكِ الجيدة: على سبيل المثال، إذا كنتِ تتناولين وجبة يومية من الحبوب الكاملة، أضيفي وجبة أخرى إلى الوجبة اليومية عن طريق استبدالها بشيءٍ أقل صحة. يساعد هذا في جعل اختيار الأطعمة الصحية أكثر تلقائيةً وأقل كمهمةٍ روتينية.

4.     اطبخي شيئًا جديدًا: إذا كان التعامل مع الوصفات والمكونات والطهي أمرًا مخيفًا، ركَزي على ابتكار وجبةٍ جديدة واحدة فقط في الأسبوع، مما قد يساعد في جعل تحضير الوجبات أقل صعوبة. تقول فونج: "هناك العديد من الوصفات السهلة والصحية على الإنترنت. ابحثي عن شيءٍ يستخدم المكونات التي تحبين ولا يتطلب سوى بضع خطواتٍ أو مهارات طهيٍ بسيطة."

علينا أن نحب الصحة كي نعمل على إبداعها لا استهلاكها
علينا أن نحب الصحة كي نعمل على إبداعها لا استهلاكها

5.     اطلبي من أصدقائكِ وعائلتكِ: لكل شخص طبقٌ مفضل، لذا اسألي من حولك للحصول على اقتراحات. تشرح فونج هذه النقطة بالقول: "يمكن أن يساعدكِ هذا في التغلب على الملل الناتج عن تناول نفس أنواع الأطعمة."

6.     جربي أطعمة جديدة: أثناء رحلتكِ التالية إلى متجر البقالة، اشترِ شيئًا نادرًا ما تأكلينه، إن لم تأكليه على الإطلاق. وعندما تكونين في مطعم، اطلبي طبقًا مصنوعًا من طعامٍ جديد كليًا لكِ. جربي أيضًا المزيد من المأكولات العالمية مثل اليونانية والهندية، وتقول فونج: "كلما جربتِ أكثر، كلما تمكنتِ من توسيع ذوقكِ ومنح نفسكِ فرصًا أكثر لتناول أطعمة أكثر صحة."

ولا تنسي دائمًا تناول الطعام الصحي بروح المغامرة. تقول فونج: "الأكل الصحي ليس شيئًا يحدث في يومٍ واحد. اجعلي الأمر جزءًا مثيرًا من حياتكِ، بحيث تكونين منفتحةً على تجربة أطعمة ومكونات وأطباق ٍجديدة، وكل هذا من شأنه أن يجعل الأكل الصحي ممتعًا."

نهجٌ جديد لحب الصحة

ما قرأته صحيح عزيزتي؛ فنحن بحاجة لأن نحب مبدأ الصحة أولًا، كي نتمكن من تطبيقه على حياتنا والالتزام به.

هذا ما تؤكد عليه أليكسا شيريم، أخصائية تغذية ومؤسَسة موقع The Living Well؛ مشيرةً إلى أنه إذا بدأنا في محو الفكرة المُتصورة لما يعنيه أن نكون بصحةٍ وسعادة، فمن الممكن أن نبدأ في تجميع أجزاء اللغز حول كيفية الوجود بكليهما. وتضيف: "بصراحة، أعتقدُ أن الطريقة الوحيدة لتحقيق أي منهما هي تجربة كليهما في وقتٍ واحد؛ إنهما يسيران جنبًا إلى جنب."

هذا النمط مختلف تمامًا عن النهج الصحي التقليدي، ومع ذلك فهو متشابهٌ جدًا لدرجة أننا نفوَته بسهولة. لكن لا نريدكِ أن تفوَتيه؛ لأنكِ إذا فعلتِ ذلك، فستفتقدين الحياة. الطريقة الوحيدة لتحقيق الصحة هي أن تحبي نفسك وفقًا لشيريم؛ وكما يقول المثل، لم يكره أحدٌ في تاريخ العالم نفسه لأنه يتمتع بصحة جيدة (أو لأنه سعيد).

ربما يكون الحب هو الذي يجعل هذا الأمر بعيد المنال منذ البداية؛ لأن لدينا وجهة نظر رهيبة، أو صورة مصغَرة، أو وجهة نظر دنيوية لما يعنيه الحب. تعريف الحب بفكرةٍ مشروطة، مثل وضعه في صندوق ذو حجمٍ على الميزان أو رقم الحجم المُخيَط في حزام بنطالكِ. نفتقدُ ذلك من خلال ملاحقة فكرة مكانٍ نعتقد أنه سيجلب لنا ما نريده، بدلاً من تعلَم كيفية خلق ما نريده؛ وهذا هو الفرق بين الاستهلاك والإبداع.

تشرح شيريم في السطور التالية..

إبداع الصحة.. مقابل استهلاك الصحة

وسَعي عاداتكِ الجيدة لدخض المفاهيم الخاطئة حول الطعام الصحي
وسَعي عاداتكِ الجيدة لدخض المفاهيم الخاطئة حول الطعام الصحي

إن استهلاك الصحة يعتمد على فكرةٍ مفادها أن جسدكِ مشكلةٌ ينبغي "إصلاحها". فكرةٌ مفادها أن الصحة يجب تحقيقها؛ لذا فإنكِ تربطين جسدكِ بما تشعرين به (صحتكِ) وبرغبتكِ، وتعتقدين أنه إذا تمكنتِ من إصلاح غلافكِ الخارجي، فيمكنكِ بطريقةٍ ما إصلاح المشاكل بداخلكِ. يترككِ هذا الأمر تستهلكين الكثير من الأفكار والأطعمة والبرامج الخارجية - معتقدةً أن هذا هو الحل الذي تحتاجينه.

فلنُبسَط الأمور أكثر.. إن استهلاك الصحة يبدو كالتالي:

•       اتباع أحدث برامج الحمية الغذائية.

•       تنفيذها بشكلٍ مثالي في حياتكِ.

•       إدارة برامج الحمية والتمارين الرياضية الخاصة بكِ.

•       تناول الطعام لتغيير جسدكِ.

•       تناول الطعام لأن الحياة مُرهقة، وتحتاجين إلى ذلك للمساعدة في إخفاء ما تشعرين به.

•       العيش وفقًا للتوجهات العامة.

•       البحث خارجكِ عن إجابة لمشاكلكِ.

•       التركيز على النتائج والحلول الخارجية (بمعنى آخر التركيز على الجسد).

في حين أن إبداع أو خلق الصحة هو فعل؛ إنها الطريقة التي تعيشين بها صحتكِ. خلق الصحة يعني الإدراك بأن الأمر لا يتعلق بما يحدث لكِ، بل بما تختارين القيام به بغض النظر عما يحدث لكِ. إنه الأساس للتحرك إلى الأمام وبناء الحياة التي ترغبين فيها.

خلق الصحة بحسب شيريم، يبدو على النحو التالي:

•       الوعي الداخلي بكيفية شعوركِ.

•       تناول الطعام لدعم جسمكِ، وليس لتغييره.

•       التركيز على تكوين العادات بدلاً من تحديد الأهداف.

•       ربط عقلكِ بجسمكِ، والانتباه إلى ما تفكرين فيه.

•       تعزيز رعاية الروح.

•       تحويل تركيزكِ إلى صحتكِ ورفاهكِ الداخلي.

•       استعادة قوتكِ، والعيش بناءً على ما تريدين أن تشعري به، وليس على ما تشعرين به.

كيف تعيشين نمط حياة صحي-رئيسية واولى
كيف تعيشين نمط حياة صحي

لقد أصبحنا جيدين حقًا في كوننا مُستهلكين في هذا العالم؛ لكن الاستهلاك لا يخلق التأثير الدائم الذي يُحدثه الإبداع. إنه مؤقت، يجعلكِ تشعرين بالرضا لبعض الوقت، ولكن على المدى الطويل، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق ما تحققينه وحبه، هي في حال وجدتِ هدفًا في خلقه.

هذه هي الطريقة الوحيدة والأمثللتقعي في حب الصحة مرةً أخرى، من خلال اختيار خلقها. وليكن شهر فبراير الذي يُجسَد فيه أسمى أيامه وأجملها، فرصتك الذهبية لحب نفسكِ وحب الصحة بشكلٍ صحيح كي تتنعمي بها.

قد لا يعجبك المكان الذي بدأتِ منه؛ وفي الواقع، قد تكرهين ذلك. لكن عليكِ أن تجدي النعمة لتكوني هنا من خلال معرفة أنكِ لستِ مضطرةً للبقاء هنا. هناك طريقةٌ معينة للمضي قدُمًا، تتمثل في تعلَم حب الصحة وإبداعها في كل يوم. إن الطريقة الوحيدة التي ستستمرين بها على المدى الطويل أو تستحق العناء، هي أن تجدي المتعة في عمل ذلك. أنتِ تخلقين نسختكِ الخاصة من الصحة كل يوم، وربما حان الوقت للعودة إلىVision Board الخاص وابتكار رؤية جديدة للصحة، تساعدكِ في الالتزام بنمط حياةٍ صحي على الدوام.