
لأهميتها في بلورة مستقبلهم: كيف نتحدث مع جيل زد حول الصحة العقلية؟
في حين أن فيروس كوفيد-19 كان مرضًا تنفسيًا، إلا أن التأثير الأعظم طويل الأمد لهذا الوباء على الصحة العامة، ربما كان على وجه الخصوص على الصحة العقلية. وقبل ست سنوات، اختار 27% حول العالم الصحة العقلية كواحدةٍ من أكبر المشاكل الصحية، مما وضعها في المرتبة الثالثة؛ واليوم يبلغ هذا الرقم 45% في المتوسط عبر 31 دولة، وهو الآن في المرتبة الأولى. بالإضافة إلى ذلك، يحتل التوتر المرتبة الثالثة، حيث يقول 31% إنه أحد أكبر المشاكل.
الفجوة بين الجنسين فيما يخص الصحة العقلية، تُعدَ أكبر بكثير بين الشباب. حيث اختارت 55% من نساء الجيل زد الصحة العقلية كواحدةٍ من أكبر المشاكل الصحية، مقارنة بـ 37% من رجال الجيل Z. ومن بين الجيل الأكبر سنًا في هذا الاستطلاع، كانت الفجوة بين الرجال والنساء من جيل طفرة المواليد Baby Boomers أصغر كثيرًا (27% و26% على التوالي).
مرحلة المراهقة الممتدة التي تتراوح بين الأعوام 14 – 18 هي مرحلةٌ مصيرية وحيوية للغاية؛ فهي فترة النمو البدني والفكري والنفسي، وتُمهَد لدخول المراهقين مرحلة الرُشد. وخلال هذه المدة، يُطوَر المراهقات والمراهقات شخصياتهم المتميزة والفريدة، ويسعون من خلالها إلى تحقيق المزيد من الاستقلال والمسؤولية، ما يترتب عليه الكثير من الضغط النفسي والجسدي.
للأسف، فإن معظم جيل زد منغمسون بشكلٍ كبير في العالم الافتراضي، وهم يتفاعلون بقوة مع الآخرين عبر منصات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية. ونتيجةً لذلك، فإنهم قليلًا ما يمضون الوقت القيَم والمهم مع الأسرة فيما يُخصَصون وقتاً أكثر للأصدقاء، ما يحرمهم من التثقيف والإرشاد الضروريين في هذه المرحلة. كما يضعهم في تماسٍ شديد مع مشكلات وتحديات الصحة العقلية، ما يجعلهم يدخلون في حالةٍ من الحزن والانغلاق، وصولًا إلى التمرد والعصيان غير المُبرَرين.
لذا من الضروري دومًا إيجاد الوقت والشكل المناسبين، للتحدث إلى جيل زد حول الصحة العقلية، في محاولةٍ لتصحيح المسار الذي يسيرون فيه، وتجنبيهم الكثير من المشاكل والضغوطات التي قد تعصف بهم من سنٍ صغير.
تغيراتٌ جسدية تؤثر على الصحة العقلية لجيل زد

يتطرق موقع اليونسيف إلى هذا الأمر، ويأخذ من التغيرات البدنية التي ترافق نمو المراهقين في هذه المرحلة، كنقطة انطلاقٍ للحديث عن الصحة العقلية دون خجلٍ أو اضطراب.
فالمراهقة هي مرحلة تغييراتٍ بدنية جذرية لدى المراهقات والمراهقين، منها:
1. تغيَراتٌ بدنية متسارعة، قد تقود إلى ظهور قلقٍ حول حجم الجسد وشكله، أو فيما يتعلق بمسألة الوزن.
2. مشاكل أو اضطرابات متعلقة بالأكل.
3. تزايد المزاجية والقلق الاجتماعي.
4. الحزن أو الاكتئاب، مما قد يؤدي إلى انخفاض الثقة بالذات ومشاكل أخرى.
هذه الحالات النفسية الشديدة هي أكثر من مجرد الشعور بالحزن؛ إذ يمكن أن تتزامن الصحة العقلية السيئة بين جيل زد مع أخطارٍ صحية وسلوكية أخرى، بما في ذلك السلوك العنيف. وبما أن العديد من السلوكيات والعادات المتعلقة بالصحة قد تتواصل إلى مرحلة الرُشد والبلوغ، فمن المهم جدًا دعم المراهقات والمراهقين في اختيار ممارساتٍ صحية تساعد في المحافظة على عافيتهم.
كيف نتحدث مع جيل زد حول الصحة العقلية؟
ربما يكون السؤال "كيف حالكِ" عرضيًا للبعض؛ لكنه في الحقيقة قد يفتح المجال أمام محادثةٍ عميقة ومُسهبة، تفضي في نهاية المطاف إلى تحديد مشكلات الصحة العقلية التي تعانيها ابنتكِ وتسمح لكِ بمساعدتها على حلها.
اسألي أولادكِ عن يومهم، وحاولي إيجاد فرصٍ ناجحة للدردشة معهم أثناء تناول وجبة الغداء أو العشاء مثلًا. قومي بتوجهي أسئلةٍ مفتوحة وتوضيحية لفهم ما يشعر به أطفالكِ. يمكنكِ على سبيل المثال، الاستعانة بالأسئلة التالية: "هل يمكنكِ توضيح ما تعنينه بقولكِ…" أو "ماذا تعتقد أنكَ كنتَ ستشعر لو ...". اسأليهم عن آرائهم، وحتى شاطري آراءكِ معهم كي تتمكنوا من فهم بعضكم جيدًا.
هل نخشى من إيذات الذات لدى أولادنا؟
بالتأكيد؛ فللصحة العقلية المنهكة والمضطربة الكثير من التداعيات السلبية، والتي قد يتخذ بعضها شكلًا خطيرًا لجهة إيذاء النفس أو تعريضها للخطر. لذا من الطبيعي أن يخشى الأهل على أولادهم في مرحلة المراهقة من الوصول إلى هذا المنحدر؛ ومن الطبيعي أيضًا أن يحاولوا اكتشاف هذا الأمر بشكلٍ غير مباشر.
إذا كان بالكِ مشغولًا من أن إيذاء الذات، قد يُشكَل مشكلةً لأولادكِ المراهقين؛ ما عليكِ سوى إثارة الموضوع بلطف، ومحاولة معرفة ما إذا كانوا قد فكروا في ذلك سابقًا. لا تتسرعي بسؤالهم مباشرةً عما إذا فكروا أو يفكرون بأذية أنفسهم نتيجة الضغوطات التي يتعرضون لها، بل قومي بصياغة السؤال جيدًا حول أشخاص آخرين بدلًا من سؤالهم عن أنفسهم. مثلًا يمكنكِ طرح السؤال التالي: "بعض الأفراد ممن هم في سنكم يؤذون أنفسهم، هل سمعتم عن أشخاصٍ بين أصدقائكم يقومون بذلك؟" ستوضح لكِ الإجابات الكثير من التساؤلات وتسمح لكِ بالتطرق إلى الموضوع كنوعٍ من النصيحة للآخرين، في حين أنكِ تقصدين أولادكِ بالتحديد.
اضطراب الصحة العقلية لدى جيل زد أمرٌ في غاية الأهمية؛ لذا طمأني أولادكِ بأنكِ متوفرة ووالدهم دائمًا لدعمهم؛ وقولي لهم على سبيل المثال: "تعلمون أنه بوسعكم دومًا التحدث إليّنا حول أي موضوع". هذا التطمين سيجعلهم يدركون أن بوسعهم التحدث إليكِ، وأنكِ تريدين مساعدتهم.
ما المسموح وغير المسموح عند الحديث عن الصحة العقلية مع جيل زد؟

كلنا بحاجة للتعلَم، في الظروف الجديدة والمُستجدة التي تصادفنا كل يوم؛ ومنها بالتأكيد ما هو متعلقٌ بأولادنا في مراحل حياتهم جميعها. وإن كانت مرحلة المراهقة هي الفصل التي على أساسها، تُبنى وتُصقل شخصياتهم وتوجههاتهم في الحياة على المدى الطويل.
لذا لا نريد لتدهور الصحة العقلية أن يؤثر سلبًا على هذا النمو، ومن هنا ينبغي علينا معرفة ما يجب علينا فعله وعدم فعله، عند التحدث مع جيل زد حول الصحة العقلية.
وفقًا لموقع اليونسيف، هذا ما يجب عليكِ فعله عند التطرق للصحة العقلية لأولادكِ المراهقين:
1. الإقرار بالسلوكيات الجيدة إلى جانب تلك السيئة، وامتداح الطفل على إنجازاته حتى الصغيرة منها. هذه المرحلة من النمو هي أيضًا وقتٌ للإبداع والنمو الشخصي؛ لذا قومي بتحديد مثل هذه الحالات مع أولادكِ المراهقين.
2. يبدو العالم غير متوقعٍ لابنتكِ المراهقة، وقد تواجه صعوبةً في الشعور بأنها تسيطر على شؤونها. أخبريها بأنك تتفهمين ذلك.
3. تفحّصي سلوكياتهم الاجتماعية وعاداتهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. تحدّثي إلى أولادكِ حول الوقت الذي يمضونه على الإنترنت، وعن المحافظة على سلامتهم من المضايقات والتنمَر عبر الإنترنت. طمأنيهم بأنه إذا حدثت أي مشكلة، أو إذا ارتكب خطأ عبر الإنترنت، فإنكِ موجودةٌ لدعمهم ومساعدتهم مهما كانت الظروف.
4. كوني منفتحة حول مشاعركِ: من شأن إظهاركِ للطريقة التي تتعاملين فيها مع الإجهاد النفسي، أن يُمثَل قدوة لأطفالكِ؛ عليكِ أن تتحدثي معهم حول الطريقة التي تعاملتِ فيها مع ذات المشاكل عندما كنتِ في سنّهم، أخبريهم أن الجميع مُعرَضٌ لمثل تلك المشكلات، لكن الحلول موجودة!
أما ما لا ينبغي فعله عند التحادث مع أولادكِ المراهقين حول صحتهم العقلية، فيتضمن الآتي:

1. الهيمنة على النقاش وإخبار أولادكِ بما عليهم فعله. بدلًا من ذلك، اسأليهم ما الذي يمكنكِ فعله لمساعدتهم، وتعاوني معهم لإيجاد الحلول.
2. الدخول في نقاش مع أطفالكِ بينما أنتِ غاضبة. ابتعدي قليلًا، تنفّسي وهدّئي من روعكِ – ثم واصلي المحادثة معهم في وقت لاحق.
3. الانهماك مع الطفل في صراعٍ على القوة: بدلًا من الخوض في جدال، حاولي التعاطف مع أولادكِ بخصوص ما يشعرون به من إحباطات.
قد يرهقكِ مجرد التفكير بأن أولادكِ يعانون تبعات الصحة العقلية في مرحلة المراهقة؛ لكن الخبر الجيد أن المراهقات والمراهقين، قادرون على التحمل؛ وأن التجارب الصعبة هي جزءٌ من تشكيلهم ليصبحوا أشخاصًا راشدين قادرين.
خلاصة القول؛ فإن مساعدة المراهقين للشعور بالتواصل مع المدرسة والأسرة والأصدقاء، سوف تُعزَز صحتهم العقلية وتمنع السلوكيات السلبية من قبيل ممارسة العنف والإنطوائية والاكتئاب.
خصِّصي الوقت للحديث مع أولادكِ المراهقين حول الصحة العقلية، ساعديهم على تحديد أية مشكلات يعانون في هذا الصدد، واعملي كذلك على تحديد الطرق المناسبة لدعمهم وتشجيعهم والعمل معهم. قد لا يكون الأمر سهلًا دائمًا، وقد يتطلب منكِ التحلّي بالصبر والسيطرة على النفس لأبعد الحدود، ولكن الأمر قابلٌ للتحقيق وهو يستحق العناء دائمًا. فصحة ورفاه أولادنا هي مسؤوليتنا الأولى، ولا يجب أن نتخلى عن دورنا في دعمهم وإرشادهم لما فيه صلاحهم.